والله إني أخوك اليوم ما عاد جارك تشتعل نارنا من يوم ما أشعلت نارك نعم لم تهو به السماء كقطرة الغيث التي تنزل على أرض ربما تكون متشبعة من المزن والمطر أو تسقط على سطح بحرٍ تضج أمواجه من كثافة المياه وتتصادم مع بعضها متزاحمة في محيطها. إذن ماذا عساها أن تكون تلك القطرة النازلة من السماء وإن كانت الحكمة تقول( قطرة جنب قطرة سيل) لهذا قلنا إن السماء لم تهو به كقطرة المطر ولكنه ولد في بيئة كان يطغى عليها الجهل ويهيمن فيها السلطان الذي كان هو من يأمر وينهي وهو الوحيد الذي من حقه أن يقول للقامة المستقيمة إنها عوجاء ويشهد للأعوج بالاستقامة وفي تلك السلطنة ولد ذلك الطفل يومها وبدأ عوده يشتد ثقافياً رغم إنه مازال في سن الطفولة كان يحب مجالسة الكبار ويتمعن بأحاديثهم بكل تركيز رغم تدخل والده في أفكاره والذي كان ينهره ويغضن عليه الجبين ويشتط في وجهه غضباً كلما رآه يتدخل بمداخلة مع الكبار لا تقل رأياً عن آرائهم إلا أن الطفل الموهبة يومها وأستاذ الماضي والحاضر والمستقبل الأديب الراحل (عبد الله هادي سبيت) كان يطاوع كلام والده ويلتزم الصمت عندما يكون حاضراً في مجالس العلماء والكتاب وبرغم احترامه لرأي والده الذي كان يمنعه من التدخل بالحديث مع كبار القوم بالمجلس إلا أن فضوله الذي زرع في صدره لم يكن مجرد فضول متشبع بالكلام الفارغ كما هي عادة الكثير من الأطفال ولكنه فضول نادر كان يتميز به عبد الله هادي سبيت بين أقرانه حيث كان يحضر مع والده الجلسات والمسامرات التي يقيمها الأمير احمد مهدي بن علي في العام 1936م تقريباً حينها كان يحضرون ذلك المجلس بعض الأمراء ممن يقولون الشعر. وقد يميز المجلس أحد السلاطين وكان والد الشاعر عبد الله هادي سبيت يشاركهم الحضور ويأتي معه بابنه عبد الله وهو صغير وعندما تحضر قريحة الشعر عند الكبار يبدأون بتبادل إظهار مخرجات أفكارهم وهناك ربما قد كان شيطان الشعر قد تلبس بعقل شاعرنا سبيت الابن وسكن في رأسه حيث أنه كان لا يستطيع أن يكمم فم فضوله كما علمه أبوه ولكنه يقفز من بين الكبار مشاركاً في مداخله لن تظهر صغيرة بحجم قائلها الصغير بل تجعل المجلس في لحظة صمت وقراءة لتلك المداخلة التي لا يتوقعون إنها أتت من لسان طفل لم يتعد الحُلم بل يرى البعض منهم أن هناك مثقفا كبيرا يلقن الطفل عبد الله هادي سبيت كي يأتي بذلك الكلام الذي يعجب الجميع .. ووحده أبوه الذي كان يعارضه ويقاطعه الكلام ويشعر أن ابنه لم يأخذ بالنصيحة ولا يعلم أن قريحة الشعر في رأسه كانت تتفجر كما تتفجر البراكين ومن مدينة الحوطة في لحج برز الشاعر الوطني عبد الله هادي سبيت الذي بدأ يقول الشعر الحميني إلا أن المناسبات العيدية عندما كانت تقبل إليه بحلتها الفرائحية حينها كان يشعر إنها مناسبات تتطلب منه أن يقول الشعر العربي الديني فقاله وأجاد فيه ولم يكن الشاعر سبيت شاعراً فقط بل كان وطنياً وتربوياً وعلامة أيضاً فهو من كتب الشعر العاطفي وكتب الشوقيات وتأثر بحافظ إبراهيم وكتب توجهات المنفلوطي ولولا بزوغ نجمه في حوطة لحج لظلت بقية المنطقة بعد وفاة الأمير احمد فضل القمندان تعاني من الفراغ الثقافي لكن بعد مجيء الشاعر عبد الله هادي أستطاع أن يغطي ذلك الفراغ بعد إن بدأ تعليمه في المدرسة المحسنية وسط الحوطة وبعد أن تخرج منها عاد إليها مدرساً لفترة من الزمن ومن ثم صار وكيلاً للمعارف اللحجية في عام 1948م تقريباً .. ولقد تميزت قصائد الشاعر الراحل عبد الله هادي سبيت بالقصائد النضالية التي تحرض الشعب للوقوف بكل بسالة بوجه المستعمر البريطاني حيث كانت كلماته أشبه بالرصاص التي يطلقها المناضل إلى صدر العدو ليحفز بها قدرة الشعب ويغرس فيهم نشوة النضال.. ولأول مرة في إحدى الاحتفالات الدينية وبمناسبة مولد الرسول الأعظم في مسجد المظفر بالحالمة تعز وفي ثمانينيات القرن الماضي تقريباً عندما قام الشيخ ناصر الشيباني يُعرف به الحاضرين وأنه من قال: يا شاكي السلاح شوف الفجر لاح .. حط يدك على المدفع زمان الذل راح نعم إنه ابن حوطة لحج الشاعر المناضل عبد الله هادي سبيت الإنسان الذي تنقل إلى أكثر من محافظة يمنية موزعاً عطائه الأدبي لتلك المحافظات التي قطنها ونزل فيها كالنحلة التي تسقط على الزهرة لتجني منها رحيق العسل دون أن تكسرها حيث عاش في لحج وعدن والحديدة ومن ثم أستقر به المقام في تعز حتى يوم وفاته في الثاني والعشرين من إبريل 2007م .. لقد كان دائماً يحرص عند مكوثه في تعز على جلب حاجياته بيده يمر بالشارع ببذلته البيضاء المتكاملة وفي يده صرفة المنزل لابساً حذائه المتواضع ( الشنبل ) وإذا ما ثقل عليه الوزن كان يوقف أحد الموترات السيكل ليعود بصرفته إلى البيت لا يمتلك السيارة الفاخرة ولا حتى الدباب الصغير حيث كان مقتنع بما قدره الله له وهو من قال مخاطباً مواطنيه بالجنوب عند الاستعمار... أيها القانع بالعيش القليل آه لو تعلم ما قصد الدخيل لتحصنت بماضيك الجليل وتخطيت حدود المستحيل نعم لقد عرفته وعرفه أبناء الحالمة تعز حينما كان يسكن ذلك المنزل المتواضع في شارع العواضي حيث يخرج وقت العصر ليقعد على رصيف الشارع متأملاً لملكوت الله بثيابه البيضاء قبل أن ينتقل إلى حارة المجلية بنفس المدينة وكان لا ينظر لنفسه باستكبار أو تعالٍ رغم الميزة الوطنية والأدبية التي يحظى بها كونه من كبار علماء الشعر بكل ألوانه داخل الوطن وقصائده التي كانت تحفز أبناء الجنوب على الوقوف صفاً واحداً بوجه المستعمر البريطاني فهو من قال بقصيدته المعنونة بني وطني .... مللنا حياة ما أسقتنا كؤوسها سوى الهون والإذلال والضيم والنكرِ فكم دمعة للحر سالت كريمة ففجرت الآلام من مقلة الصبرِ بني وطني أني نحرت لحبكم هنائي وآمالي وما رمت من دهرِ وقطرت من كرم الكفاح صبابة عصارتها قلبي وكأساتها عمري لقد أثرى الشاعر الراحل عبد الله هادي سبيت أثرى الجانب الغنائي كثيراً بقصائده الغنائية حيث غنى من كلماته كبار الفنانين أمثال محمد مرشد ناجي ومحمد باسويد وفيصل علوي وإسكندر ثابت وسعودي احمد صالح ومحمد صالح حمدون وغيرهم الكثير من الفنانين حيث كان يمدهم بالقصيدة جاهزة وملحنة من الحانه أي أكثر قصائده كانت من الحانه وبعضها من الفلكلور حيث يقول في إحدى قصائده الغنائية (سرى الليل يقول: سرى الليل وارامي شباك الهوى والبحر كله جوى وأنته حياتك عصية سرى الليل وامن من صميمه هوى والضر عنده دواء والعذل عنده خطية سرى الليل وأمن بالبلية سوى مثلي فؤاده اكتوى والحب شرعه سوية كما كانت هناك قصيدة للشاعر سبيت قد تركت بالوسط الأدبي والإعلامي ضجة كبيرة نظراً للتشابه الكبير بينها وبين قصيدة أخرى غناها الفنان أيوب طارش عبسي وهي أغنية ( أحبك والدموع تشهد ) هذه القصيدة التي توجد في كتابه الدموع الضاحكة صفحة 204وقيل أنها نفس الأغنية التي غناها أيوب لكن عندما نرجع لأبياتها كاملة نجد أن المقدمة فقط هي شبيه بالأغنية التي تخص صالح نصيب والتي غناها بالفعل أيوب طارش وقد جاء بها أيوب في كتابه ( أيوب طارش لسان الوطن والحب ) وهي للشاعر صالح نصيب وموضحة بالصفحة رقم 17لكتاب أيوب طارش.. نعم لقد كان الشاعر سبيت واحداً ممن يكتب أيضاً قصائد الرثاء ويبكي بدموع أهل المفارق يشاركهم أنينهم حتى بالكلمة إذا لم يكن بالدمعة فهو من رثاء زميله وصديقه الشاعر القرشي عبد الرحيم سلام يوم وفاته وقال: وقفت معي وقوف الصامدينا وإن هم جمدوهم أجمعينا فقلت لجمعهم إلا أبن هادي قفوا يا حاكمين ومخبرينا توليتم وولينا جميعاً إلى النسيان فاستمعوا إلينا فنحن السابقون وإن سبقتم بظرف أسبق المتقاعدينا فنحن هنا إذا كنا قد أتينا ببعض مأثرة فأننا لم نستطيع أن نقدم حتى الشيء اليسير من مناقبه النضالية والشعرية.. كون هذا الإنسان يعتبر بحر من الذكريات ولكننا قدمنا ما استطعنا عليه بمناسبة الذكرى السابعة لرحيله حيث توفاه الأجل يوم الأحد الموافق 22/4/2007م الموافق 5ربيع الثاني 1428ه في مستشفى السعيد سابقاً بمحافظة تعز ونقل جثمانه الطاهر إلى مسقط رأسه بحوطة لحج.