عندما نصدق بعضنا ونثق بصدق بعضنا, تصبح عملية التضامن أسهل وإمكانية حدوث عمليات التغيير السلمي والرفض المجتمعي أكبر. عندما تتسع دوائر علاقات الناس العاملين في مجالات متقاربة في أطر أكثر إنسانية تسهل عليهم التواصل الآمن بعيداً عن التجسس والترهيب والاستغلال وتمكنهم من اكتشاف احتياجاتهم ومظالمهم المشتركة.. ويتوصل حينها الناس لابتكار أدواتهم الخاصة بهم للحصول على حقوقهم وإيقاف الظلم الذي يلحق بهم. الناس قوة حقيقية إذا ما انخرطوا في مجموعات متجانسة تثق في بعضها وتتشابك أهداف بعضها ببعض.. يعملون في جو من الثقة والشفافية لمصلحة المجموعة محيدين المصالح الشخصية ومنتصرين للجميع لا للفرد الواحد. والمجاميع الإنسانية هي طلقة تصيب ولا تخطئ إذا وعت وإذا تخلصت من أنانيتها و تقديم ذاتها الفردية على الذات الجمعية الواحدة.. وهي طاقة جبارة بها يتم بناء المجتمع واستثمار كل جهود أبنائه نساءً وشبابا ورجال. علينا أن نحث الناس على تشكيل دوائرهم الخاصة بهم, وعليهم السعي لتعلم أدوات جديدة وعملية لإدارة أنفسهم والحفاظ على مبادئهم المشتركة والتخلص من الأمراض الشائعة للعمل الجماعي وفرق العمل. وعلى الدوائر الصغيرة أن تتكامل مع دوائر أخرى صغيرة.. تعمل وتتضامن معها في حدودها الخاصة وضمن أهدافها المشتركة.. حتى إذا ما كبرت دائرة الثقة مدت جسور التواصل ووثقت نواحي العمل المشترك وعمقت التحالفات لتصبح الدوائر الصغيرة المتفرقة دوائر عملاقة متمكنة.. تحافظ على أهداف المجموعات وقوامها وتعمل على إشراكها في كل الأمور المتعلقة بالعمل وان كانت أشياءً صغيرة وبسيطة. من هنا نشأت فكرت النوادي والصالونات والملتقيات والاتحادات والنقابات والأحزاب والمنظمات والمبادرات... ومن تلك الدوائر انطلق المجتمع المدني نحو البناء والتأسيس لعمل إنساني مشترك والحصول على حقوق إنسانية أصيلة. تري من ضرب العمل المجتمعي الفطري في مجتمعنا, فالناس في السابق تشكلوا كأسر وعائلات وقبائل وأحياء ومناطق ليحموا أنفسهم كمجموعات ويحصلوا على حقوقهم وعندما تطور المجتمع اتجهوا نحو التعاونيات.. وكانت مؤشراً رائعاً نحو انسجام أفراد المجتمع كمواطنين في دولة لا كأفراد في أسرة أو قبيلة أو منطقة.. كان المجتمع يتخلق كمجتمع مدني يعلي من شأن الإنسان في المقام الأول بعيداً عن كل المقاييس الفئوية والمناطقية والمذهبية الضيقة ويعملون لصالح قضايا تمس الناس جميعا ليعيش الجميع حياة أفضل ويصبح الوطن حاضناً للجميع وفق معايير العمل والقدرة والكفاءة لا معايير الوساطة والسلطة والنفوذ الاجتماعي.