منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    بينها مطار صنعاء .. اتفاقية لتفويج الحجاج اليمنيين عبر 5 مطارات    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشترك والثورة
نشر في الأهالي نت يوم 03 - 06 - 2012

يرقى اللقاء المشترك إلى الثورة من حيث الفكرة والأهداف والوسائل، حيث أن فكرة اللقاء المشترك على يد المؤسس المفكر جار الله عمر (رحمه الله) تعتبر ثورة بحد ذاتها قد تُخصب لتصل إلى غاياتها الأسمى والأكمل، كما أن لثلة مؤمنة من رجالات النضال الوطني والمعترك السياسي فضل الالتفاف حولها وإقامة مداميكها على أسس صلبة ولا تزال تفعل فعلها، ومع احتدام الثورة العظيمة 2011م وأضحت الثورة والمشترك توأمان الفعل السياسي والمسار الثوري المتوائمان معاً لإخراج البلد إلى بر الأمان ومن ثم الإمساك بتلابيب المجد اليماني الذي نتحسسه منذ نعومة أظفارنا وسيراً على نهج ا لآباء والأجداد العظام.
لقد مثل اللقاء المشترك ثورة تغييرية في الأحزاب المشكلة له ابتداء، وثورة أحدثت توازنا في إزاء سيطرة وتوغل اللون الواحد والمدمر لأي مستقبل، كما أضفت الفكرة على المشترك وزناً سياسياً ومجتمعياً، مثلت بحق فكرة فريدة وسباقة في العالم العربي الإسلامي وقد لا نبالغ إذا قلنا العالم الحُّر والإنساني.
وبما أن واحدة من التقاليد المؤسسة للمؤسسات الديمقراطية التي نفترضها مشتركياً هنا وهي (المحافظة على سمة العمل والجهد الجماعيين)، ويكون التعبير عن ذلك الجهد والعمل الجماعي من خلال المناقشة الديمقراطية والنقد والتصويب وطرح الآراء بدون قيود تؤثر على حرية الآراء.
وعليه أرجو أن لا تضيق صدوركم كقراء من الطيف المحسوب قيادات وقواعد وكوادر وسيطة مشتركية ، كما استسمح قرائي من الطيف الآخر مستقلاً أو حزبياً من خارج دائرة المشترك، بالملاحظات المضادة للمشترك كونها منطلقة من نوايا صحيحة وصحية، وفقاً لمنهجية ا لشاعر العربي:-
شهد الله ما انتقدتك إلا طمعاً ** في أن أراك فوق انتقادي.
إذ الغاية من ذلك هو "اصطرعا الآراء اصطرعا غير عدائي" من اجل تحقيق وانجاز كامل أهداف الثورة وإكسابها زخماً وتحصيناً ذاتياً وصولاً إلى بناء مجتمع ديمقراطي تعددي يماني موحداً وعظيماً وفذاً.
ويقوم ذلك على أن المشترك والثورة في لحظة مفصلية وحادة الحساسية في حياة شعبنا وأمتنا العظيمة، وبما أن التطلع للكمال مطلبنا جميعاً فنرجو أن يكون المشترك، على مستوى ذلك الكمال المؤمل ، على اعتبار أن الكمال ليس كما يعنيه الثائر لأزيد من "الف عام" البردوني بقوله: (إن بعض النقص عين الاكتمال) بل باعتبار الكمال المرجو تحريض على إيجاده من خلال تجاوز النقص سواءً كان ذلك النقص جزئي أو ثانوي فإن الكمال الذي نرجو يقود إلى المثابرة والعمل كما يضاعف من الجهود وتعزيز الانجازات القائمة والمتوخاة على المستويات الثلاثة آنية ومتوسطة وبعيدة، وبالتالي فالكمال عندنا هو إمداد ذلك النهر المتدفق بأعين فياضة تصب في المجرى ذاته وتعوض ما تم واستنزف فضلاً عن إبقائه في البؤرة المركزية تلك، وإحاطته بينبوع الكمال والسمو المؤمل، المفضي لغايات أكبر لا ارتياد الحافة، وما التعصب في قاموسنا إلا الذي يرفض الاعتراف بالنقص سيما وهو لأغراض التقدم وارتياد المجد، (واكتمال الاكتمال)، بحسب البردوني، لا سيما وأنا بحاجة ماسة في هذا الظرف العصيب من مراحلنا الثورية المتوثبة والتطلع المجتمعي البهي إلى تلازم الحق واقترانه بالواجب إذا لم يكن ذلك الواجب هو المفضي للحق.
بيد أننا وفي تلمسنا خطى المجد وذرى الاكتمال هذا بإشارتنا لبعض الظواهر السلبية فأرجوا ألا يفهم بأن ليس ومضات ومساحات واسعة، والظرف يتطلب التنبيه إذا لم يكن التقريع.
أولاً: الخلل الذاتي:-
ليس ثمة تهديد يصلُ إلى غايته إلا من خلال نافذة الخلل الذاتي، والخلل هذا قد يكون ناتج من الهم الثوري واللحظة الثورية، وإن كانت أسبابه مُتعددة ومتراكمة بفعل ضعف أساليب الرقابة أو انعدامها في لحظة "ما" لا سيما الثورية فيها، ناهيك عن ضعف في مسألة التثقيف، والاقتصار على أساليب كلاسيكية متسمة بروتين إداري ممل يبعث على الاشمئزاز والتندر.
هذا الخلل الذاتي تبدى للعيان في صورة صراع محتدم داخل المشترك ذاته، تجلى في تصريحات قيادات فيه، فضلاً عن استجرار الصراع وتجليه في بعض الكوادر المحتكة مباشرة مع الشعب والمجتمع الثوري، وهو ما ينبئ بانكشاف ذاتي خطير إذ لا تزال صورة "النقار الأيدلوجي" حسب المفكر بلقزيز، مشاهدة وملموسة، وبقدر ما أن ذلك الصراع يوضح جانباً صحياً بقدر ما يكشف عن ظاهرة عميقة في الثقافة السياسية كمنظومة مفادها أن النقد لأي جهة حزبية في المشترك لا يصحبها نقداً ذاتياً للنفس واعترافاً بالأخطاء والعمل على تلافيها ، وهو ما يُظهر أن ثقافتنا السياسية لا تسمح بعد بالنقد والاعتراض فضلاً عن إفصاحها لظاهرة استحواذ مهيمنة على عقولنا السياسية، وأن الآخر لا يمكن أن أقبل به والعمل معه حتى لو كانت مساحات الاتفاق أضعاف مساحة الاختلاف.
وهو ما قد يثير قوى الثورة المضادة وإتاحة الفرصة للعمل والنفاذ إلى المربع الثوري ذاته، وبالتالي فإن هذه الظاهرة قد تتسع تبعاً لاتساع حجم التحديات التي تواجه المشترك بصفته بوصلة الثورة ومدير دفتها والمستأمن عليها من طيف عظيم في المجتمع الثوري، وضمير امتنا وشعبنا العظيم من ورائه.
واضحي تقريع البردوني الفذ فينا حاضراً وبقوة بقوله:
وليس عدانا وراء الحدود *** ولكن عدانا وراء الضلوع
خصوصاً ما لم نتحرر ذاتياً من اساره لمواجهة خصوم وأعداء الثورة المتربصين بثورة الشعب وما أكثرهم، سيما والثورة بدأت تجتاز وتتقدم واثقة الخطى بعد تضحيات هائلة وعمل مضنٍ، من خلال امتلاك مفتاح الحل السياسي ولو جزئياً "الآن" وخرجت من مرحلة "التراقص" في ذات المربع الذي أراده لها أعدائها قبل خصومها تلك المرحلة التي عبر عنها شاعر الألف سنة القادمة البردوني بقوله:
وصلنا هنا لا نطيق المُضي ** أماماً ولا نستطيع الرجوع.
متناسين منطق الثورة ومتجاهلين لغتها التي لا يفهمها إلا كل ذي روح ثورية وثابة مقرونة بعقلانية وجلد سياسي خلاق، فأضحت تلك الخطوة تمثل لبنة ثورية أساسية لمواجهة التحديات الأكبر واستحقاقات المرحلة التي تتطلبها اللحظة الثورية تلك، وهو ما يحتم مضاعفة النقد الذاتي في طريق التعبئة باتجاه اكتساب الحصانة الذاتية "والمناعة الإرادية"، وعدم ترك التفاصيل الخاطئة الناتجة عن أخطاء إدارية، كما يجدر بنا على أن لا تقودنا التفاصيل تلك إلى موقف وموقع نفسي مضاد للثورة كما أفصح المفكر ياسين سعيد نعمان (أبقاه الله).
وعليه كلما كانت الأخطاء أقل كان التقدم أكبر والإنتاج أغزر والتغيير أشمل وأعمق، فضلاً عن عدم استغلال أعداء الثورة ومتربصيها بتلك الأخطاء الإدارية البحتة وإعطائهم فرصة التشهير بأجهزة الثورة وأهمها المشترك، والإضرار بمسيرتها والطعن فيها من خلال انتهاجهم لسياسة (الضرب من تحت الحزام)، ويُفضل في هذا الصدد أن يكون النقد الذاتي في الدوائر العامة للمشترك وليس أمام الشارع والعامة.
ثانياً:- الاستقلالية الإيديولوجية والتفاعل:
نلمس ونشاهد شباب وقيادات في المشترك، من منطلق الاستقلالية الايدلوجية النابعة من صميمية الانتماء للحزب في تصورهم للحقيقة على أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة المطلقة والعارية من أي تزييف، وهذا ينم عن حقيقة واقعية وهي "عملية التجنيد السياسي" التي تتم في هذا الحزب أو ذاك، وغياب مسألة هامة وهي "التنشئة السياسية"، أو لنقل ضعفها بدلاً عن غيابها ، حيث التنشئة السياسية تتمثل أحد زواياها في التهيئة والإعداد النفسي للعضو المنتمي فضلاً عن تهيئة ووجود الكادر المؤهل الذي يسمح بممارسة النقد الذاتي، وبما أن الاستقلالية الايدلوجية قد تمثل أولوية لدى بعض الأحزاب في المشترك من خلال تحشيدها وتنسيبها للأعضاء فإن استثناء "عملية التفاعل" التي هي وحدها كفيلة بالحد من غلواء الاستقلالية الايدلوجية، حيث يتم التفاعل من خلال المصارحة و الشفافية أولاً، ومن ثم وجود رغبة في التفاعل ذاك، وأخيراً تكريس الروح التفاعلية القائمة على تهيئة نفسية وشعور سيكولوجي وسيسولوجي عام بفرض أن الأرضية المشتركة قائمة في المشترك ذاته، وبفرض أن التفاعل لا يتصادم مع الاستقلالية الايدلوجية أو يقف ضدها بل يحد من غلوائها البشع، سيما والثورة أضحت حقيقة الحقائق ومضلة الجميع مشتركاً ومجتمعاً ثورياً ككل.
إذاً فالاصطراع الفكري غير العدائي تحت عباءة الحقيقة الثورية ومن خلال المشترك ينمي روحية التفاعل تلك التي تؤذن بتأسيس مرحلة تكيف جديدة، بأفق أجد للاستقلالية الايدلوجية وتحديثها مفهوماً وسلوكاً، وهو ما قد يعطي زخماً أكبر للعطاء وفتح معابر جديدة وحديثة ومسارات متعددة ذات مشارب مختلفة تحافظ علي سيرورة العمل السياسي والتحديث المجتمعي، وصولاً لاستيلاد بعداً جديداً في الثقافة السياسية القائمة وبالتالي خلق واقع أفضل، فضلاً عن اكتساب فرصة التواجد في قلب المستقبل، علاوة على القضاء على المواقف المتشنجة من أي كان، ودحر ودحض المبررات النفسية للشعور الخاطئ،والنتيجة هي المحافظة على الأهداف المركزية العامة المشتركية والمشتركة للثورة بقواها المختلفة ككل، فيصبح العمل محصناً بقدرة هائلة على مواجهة التحديات والتهديدات بفكر جسور وضمير مرتاح وشفاف، وعمل مرُّشد متسم بالعقلانية والرُشد السياسي المشبع بالروح الثورية.
كما يجدر في هذا السياق التخلي عن استجرار المأثور العربي، بأن ثمة "قصراً لم يبلغوا الحُلم ولا بد من أوصياء" والذي ما فتئت الثقافة تلك تنضح من خلال ممارسة دور المعلم والأستاذ أمام طلبة حديثي العهد ولا خبرة لديهم في مختلف الصعد والصيغ الحزبية والعمل المشترك، وهو ما يؤذن في حال تخلينا عن ممارسة دور المعلم وتطعيم هذا الدور بأخذ دور المعلم و الطالب في آن واحد، بالحد من بعض الممارسات الاستعلائية والتحجج بالقوة المحتازة، والنتيجة إدارة المرحلة والذات الثورية بنجاح واقتدار.
ثالثاً: النظرة الشمولية أو الإستراتيجية الموضوعية:-
وهذه النظرة أو الإستراتيجية تنتج من التفاعلية المشار إليها سابقاً والاستقلال الايدلوجي، بحيث تصبح النظرة إلى الأمام وليس إلإرتكاس والإنشداد إلى الخلف أو حيث نحن ، نظرة إستراتيجية شاملة لا آنية مصلحية وأنانية منفلتة من كل عقال، هذه النظرة هي نظرة التفاعل الجدي والعمل المشترك، لبناء مجتمع أفضل وحديث، أو لنسميها امتلاك الناصية لعلم "هندسة المجتمع" وإعادة صياغته وتشكيله تحديثاً، وخدمة للأهداف الوطنية الثورية، وتبرز تلك النظرة الشاملة والعميقة من خلال تعاطينا مع عدد من المتغيرات التالية:-
(1) ضرورة التخلي عن العقلية النقابية في تصورها للكسب، إذ الحزب أوسع وأشمل في المدركات التي يجدر أن تحكم سلوكه، وبالتالي يصبح الجميع كسبان في ذلك ويعزز من فُرص الكسب تلك وتكافؤها للجميع من دون استثناء حتى على المجتمع اليمني ككل، حيث أن مصلحة الوطن والثورة مقدمة على أي رهان في الكسب الحزبي، وهو ما سيحدًُ من نظرية المباراة الصفرية المتبعة.
(2) التخلي عن النظرة الأحادية والتصور المسكون بنرجسية (الأنا) أي وجوب النظر بعين مشتركة وجبهوية متعددة المسارب والاتجاهات وبالتالي الحد من اتباع سياسة البرجماتية المنزوعة من القيم حسب فهم قطاع عريض للأسف، فضلاً عن ذلك نحذر من ظاهرة الاسترزاق السياسي التي بدأت تلوح في الأفق.
(3) العمل من وفي مختلف المواقع وأينما حل ذلك العضو أو الكادر وفق توجهه بشرط الروح "التفاعلية التشاركية" وضرورة مغادرة "الروح المتصارعة" مع ذاتها والمتصارعة مع الآخرين ولنصدح مع أيوب الكبير (وانتفت من بيننا روح الصراع).
(4) محاولة التكيف مع الظروف الموضوعية المستجدة كالثورة ، والحقائق المجتمعية الراهنة، حيث هناك عمل يومي وشبه منظم بالضد، ومراعاة الظروف الزمانية، مع عدم الركون على الذات والانكفاء داخلها، والاستبصار بتجارب عربية واستشارتها، فضلاً عن فتح نوافد إذا لم تكن أبواب مشرعة مع شخصيات أكاديمية وهامات فكرية معروفة في طول وامتداد الساحة اليمنية والعربية الإسلامية، ومحاولة الاستفادة من أي جهد ولو كان متواضعاً "فالشعب هو المعلم".وبالتالي اكتساب مرونة عالية وتفاعل مع الحقائق المجتمعية المستجدة على المنبت الثوري.
(5) سبر أغوار الواقع الثوري واستجلاء المواقف والسياسات الداخلية فيه والخارجية إزاءه، ومدى ملائمة ذلك واستنباته على الأرض الثورية، وكيفية الخروج من تعقيدات الواقع وظروفه ومراهنات القوى ما دون ثورية، والمواقف السياسية الخارجية.
(6) بناء أواصر امتن وتقاليد أكثر ديناميكية وأحدث في آليات التواصل والاتصال في الوسط المشتركي ذاته، كما هي بينه والقوى الثورية المختلفة، وانتقاء الوسط الناقل أو الحامل لذلك بعناية ودقة طبقاً لمعايير بناءه وعملية يرضخ لها الجميع، وهو ما سيعزز من فُرص التحرك والعمل على المستويين الراسي والأفقي، أو إن شئت سمها العمل (بطريقة دائرية) لا تستثني أحداً ولا موضعاً ولا تترك فُسحة زمنية لخصوم المشترك وقوى الثورة المختلفة مع اللقاء المشترك، وبالتالي وضع حد للتناقضات والتباينات وبوادر الانقسام التي ظهرت مؤشراتها مؤخراً.
(7) إيقاف الاستقطاب الحاد أو ما نسميه "خطيئة الاستقطاب" داخل المشترك من أي حزب كان، والالتزام بذلك أضحى ضرورة، ووضع معايير صارمة واثبات مصداقية المحاسبة والمراقبة الفعالة ومعاقبة من لا يلتزم، لأن تلك الظاهرة لو استمرت على ما هي عليه فإن ذلك سيُفضي إلى القضاء التام على "التوازن السياسي" الداخلي في وسط المشترك، والذي هو دون المطلوب أصلاً، ناهيك على الموت السياسي لعامل "الوزن السياسي" والمجتمعي فيه، وحقيقة المجتمع الثوري الذي يمثله، ومن ثم الُحكم بالفناء السياسي على أمل التغيير المجتمعي من خلال المشترك. بالإضافة إلى ذلك فإن قياس وصحة ما نطرح هو في الإجابة على التساؤل التالي:-
هل استقطاب أي حزب في المشترك من خارج دائرة المشترك يُعتبر خسارة لحزب آخر؟ الجواب اليقيني نفياً قاطعاً أو على حد تعبير اخوتنا المصارية (بالفم المليان "لا") .
إذاً فعلام التذمر الحاصل من بعض كوادر وقيادات المشترك؟
(8) التأثير في العمل المشترك يجدرُ أن يكون متبادلاً وهذا هو المفتاح الأساسي الذي بضوئه يستنير العمل المشترك، ويحتلُ مكانه في ضوء الأفق الاستراتيجي المطروح أمامهُ، وحسناً فعل المشترك شركاء له، إذ عليهم التوسع إلى ما نطلق عليه "كتلة تاريخية" بحسب مفكرين عدة، وأنَّ أي نظرة إستراتيجية لأي قوة وأي كيان لا يمكن أن يمتلك تلك النظرة ويعزز تلك القوة إلا من خلال الشباب، فالشباب هم عماد النهضة وأمل كل المستقبل، وعُدة حاضرة، وعليه يستطيع المشترك من خلال مؤسساته وقواه، وقوة تحشيده ، وتأثيره، ووسائل عمله، وعلاقاته الداخلية والخارجية تلك، فضلاً عن كونه يمثل الأرضية الصلبة التي سنقف عليها لمواجهة التهديدات والتحديات تلك، وما عليه سوى البحث والتفكير في الأمر مستقبلاً ووضع (ذاته) في حالة "تأهب سياسي وثوري" لتجسيد ذلك عملياً. ويفضل في هذا السياق الإجابة على التساؤلات التالية: هل يعتبرون الشباب كقوة تغييرية من خارج المشترك تقوية للمشترك في حال (الدخول معهم على مبادئ عمل ثورية وطنية)؟
وهل ذلك يعتبر تجذيراً للعمل الديمقراطي أم تشتيتاً للجهد وقتلاً للتقاليد المؤسسية الديمقراطية؟
وهل ذلك سيعزز جبهة المشترك ويزيد التوازن السياسي وزناً سياسياً وإثراءً نوعياً وتأثيراً مجتمعياً أم لا؟
الأجوبة منطقياً، ووفقاً لتاريخية العلم ومبدأ العلمية لا ضير بل أن ذلك أجدى وانفع للمشترك والوطن والأمة ككل.
(9) ردم الفجوة القائمة والهوة السحيقة بين المشترك والمجتمع الثوري أولاً ومن ثم المجتمع اليمني ككل، فهناك فجوة قائمة بالفعل، واجتراح الآليات المناسبة لتجسير تلك الهوة تأتى من المشترك قيادات وقواعد، وأزعم أن لديهم قدرة فائقة على ذلك لو أرادوا ، حيث أن تلك الهوة ليست في صالح الثورة والمشترك من جهتين:-
الأولى: مرحلية الإدارة والاتجاه أو ما يسميه أدوارد سعيد غياب (علم التفاصيل)على المستوى الجمعي والتساؤل هو: هل اعتبار مناكفة المجتمع والاستعلاء عليه يعتبر عقلانية سياسية أم استعلاءً وتصوراً ساذجاً وحتى سيئاً للأسف؟؟
وهل إذا فقدت عمق الثورة الذي هو المجتمع تصبح قادراً على العطاء ؟ سيما وأن المجتمع هو عمق المشترك ذاته وأي قوى مجتمعية أخرى، ولذا فالتساؤلات تتالي مثل كيف تخاطب المجتمع عند فقدان عمقك؟ وكيف ستحقق وتحسن إدارة المرحلة بدون مجتمع يساندك وأيهما أصح أن تصادم المجتمع وتعمل على خلخلته أم أن تعمل معه وهو متماسك؟
الثانية (علم المستقبل والتواجد في قلبه)
هل ستصبح ممثلاً لهذا المجتمع عندما يرفضك، ويبحث عن غيرك؟ سيما وأن فقدان عامل الثقة يفضي بلا شك إلى الفناء و"الاضمحلال السياسي"، حتى ولو امتلكت أدوات تعلمها فإن ذلك لا يمكنك سوى بالاستمرار فقط، وهل غايتكم الاستمرار وحده أم الاستمرار والاستقرار المفضي إلى التواجد في قلب المستقبل؟
وهل إذا آل الأمر إليك وقد بدأ ستستطيع العمل وإحداث تنمية شاملة ومتوازنة وهو لا يثق فيك ولم يدثرك بدثاره العظيم؟
(10) مد جسور التواصل والبحث في عمق نقاط التفاهم مع القيادات والكوادر العسكرية المنظمة والمؤيدة والثورية أصلاً للثورة، وحتى مع تلك التي ترضخ للسياسات الرعناء فهم ضحية وليسوا سبباً، ومن ثم هل لدى المشترك إستراتيجية أو تكتيك معين في إطار تلك الإستراتيجية، لكيفية خدمة الثورة من قبل هؤلاء وهم في مواقعهم، وماذا عن الذين لم يتسلموا رواتبهم سيما وهم يعولون أسراً ولديهم اهتماماتهم، وكيف بالمنقطعين والمسرحين عسفاً، كيف بمعاشاتهم التي لم يتسلموها تبعاً لمواقفهم ونضالهم الثوري والوطني؟.
إذاً فالحد من تلك الظاهرة ومعالجتها ككل تقتضي تفاهماً غير ملتبس كون المرحلة تتطلب اصطفافاً وعدم الانشغال بالعمل والهم اليومي وبعض التفاصيل التي لم نمتلك بعد ناصية إدارتها ستضاعف من التحديات أمام قوى الثورة، ومن ثم جعلها أكثر بروزاً واستفحالا، ما لم تعتمد على مبدأ الشفافية والوضوح بين كافة أطراف إدارة العمل الثوري ومجتمعه، ووضع معايير شفافة للتعامل ووجوب أن يكون ملف العسكريين (أولئك ) بيد المشترك (ديمقراطياً) وليس بآلية أخرى، حيث أضحت واجباً ثورياً ملحاً وضرورة وطنية وأخلاقية.
(11) التركيز على منظومة القيم باعتبارها الركيزة الأهم وما يتصل بها كقيم إنسانية ومشتركة عليا، ومأتى ذلك هو ظاهرة اهتزاز واضحة في منظومة القيم داخل المشترك بكوادره، والتي هي أحد افرازات النظام وتكويناته الذي نعمل على الخلاص النهائي من أساسياته الهدامة للمجتمع.
وهذا ما سيحد من ظاهرة (الاغتراب) المستولدة من رحم الفساد المنظم، والذي ضرب تلك المنظومة في عمق المجتمع والمشترك كبوصلة له وبالتالي فإن فقدان عامل الثقة والمصداقية ، واختلال موازين العدالة ومبدئية المساواة المتكافئة في الفرص أمام الجميع، ستحدث خسارة كبيرة و ما حقه ليس للقاء المشترك فقط ، بل والإضرار بالثورة ومسارها ونتائجها المرجوة وفقدان زمام المبادرة، ومن ثم "توهان العقل في مجرى صحراء التقاليد المميتة " بحسب طاغور العظيم.
(12) التعامل مع حقيقة أن المجتمع العربي وفي ركن أخص منه اليمني العظيم، لم يعد يرضى بالحزب الغاية في حد ذاته فهذا مدمر سياسياً ومجتمعياً، حيث أن المجتمع تراوده في تطلعه الحزب الوسيلة لغايات أكبر، وأن الاعتياش على الحزب (كهوية)، آخذه بالفناء والموت السياسي، سيما والثورة قد وضعت ذلك الحزب أو الأحزاب في دائرة الاتهام، وأنه لا بد من إعادة بناء الصلة بين الحزب والناس، على نحو تصبح فيه المرجعية في العمل الحزبي للناس، لا إلى النص (العقائدي الايدلوجي)، كما يجب أن يصبح الناس كمبدأ أساس للتمثيل أولاً، ناهيك عن الاحتكام للرأي العام، داخل الأحزاب ذاتها ومن خارجها، كمقياساً لصواب نظرتها وبرامجها وسياساتها، (لمزيد يراجع المشروع النهضوي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية)، حيث أن لدى الأحزاب فرصة للتجدد والتغير من داخلها قبل أن تجبر على التغيير عسفاً، تغييراً في الآليات والأهداف، واعتماد مبدأ الشفافية والوضوح، برامجياً، وأنه لا مكان للشخوص المتقوقعة، والأفكار المتخشبة، والآليات البالية، والوسائل التي لم يثبت صلاحها أو لم تعد صالحة الآن، وحتى في الخطاب اليومي ، والدور التربوي الذي تقوم به في المجتمع عن طريق أعضائها ، إذ لم يعد المجتمع الثوري واليمني يقبل بهكذا أحزاب ليس لديها برامج، ولا وحدات قياس الرأي داخل الأحزاب في المجتمع ووسط الناس، ولا خلايا تفكير" مراكز دراسات" إذ عليها أن لا تقتصر على الجانب السياسي بل أن تتعداه إلى المجال الاجتماعي المنفتح والشفاف، بالإضافة إلى تمثيل فئات المجتمع ككل بدون استثناء، وترك المعيار الجغرافي كمعيار وحيد متبع عند بعضها في التمثيل، والأحزاب المنتجة ثقافة سياسية حديثة تنافس في سوق القيم ، ثقافة سياسية ذات ولاء صميمي لقيم الثورة والوطن والأمة، قبل الولاء لأشخاص أو جهة أو فئة أو إقامة علاقات خارجية تضر بالوطن ومصلحة الشعب ، فضلاً عن عدم مراعاتها مبدأ المواطنة السياسية والاجتماعية ، التي تعتبر الركن الأهم في الدولة المنشودة للثورة ولا حتى مراعاتها لقيم الديمقراطية داخلها بوصفها ثقافة بقدر كونها آلية، وامتداداً إلى خطابها الإعلامي المتغني "بحرية الغثيان" حسب البردوني ليس إلا والغائب عن الخطاب الرصين والملتزم والنضالي والموضوعي وغير ذلك من القيم حتى أضحت الصحافة ككل وحتى تلك الموسومة بالمستقلة عبارة عن "نشرات طلابية" حسب المفكر المرموق المقالح والسؤال المركزي: كيف تريد تحديث المجتمع وأنت في وضع لا تحسد عليه كهذا؟ مع تشديدنا أن ما ذكرنا يعتبر ظاهرة عامة لدى كل الأحزاب بما فيها المشترك، مع تباين في الدرجة ليس أكثر، ومما هو جدير بالمناقشة والحوار حوله هو ظاهرة فريدة في أحزاب المشترك بدوائرها المختلفة الا وهي أغلب إذا لم تكن كل قيادات تلك الأحزاب تكاد تكون من فئة واحدة وذات نظرة واحدة، وكأن الأمر توزيع أدوار ليس إلا، مع رجائي أن تكون نظرتي تلك غير صائبة، وحتى في حال وجود استثناء، فإن وجود ذلك الاستثناء يعزز وجهة النظر التي طرحنا وصوابها، إذ لا يعدو عن كونه استثناء يعزز ما قاربناه.
(13 ) وضع مقاييس للتأثير القيادي والتوجيهي في الدولة والمجتمع وضمان عدم حرمان الآخرين من المشاركة والتفاعل ، أو حرمانهم من الفُرص المشروعة، لأن ذلك يحقق ويؤدي إلى اكساب المجتمع سيما الثوري فيه، مرونة عالية لمواجهة الأخطار من أي ثورة مضادة وتحت أي يافطة كانت وبأي لون هي، فضلاً عن الحد من الأخطاء الثورية (إدارياً))، ومواجهة تلك الأخطاء ومعالجتها، كما سيفضي إلى زخم ثوري أكبر وأعمق وذلك تكاملاً مع كل ما سبق طرحه.
(14) أخيراً ينبغي علينا جميعاً محاصرة ظاهرة الشائعات إذا لم يتم القضاء عليها، وإنه لمن المعيب أن يصبح اللقاء المشتركي، كجناح ثوري هو الوسط الناقل لها، وبالتالي استفحالها وبروزها وما يتبع ذلك من تشويش ممض ومقض للعقول والأفئدة، خصوصاً في وقت أصبحت السياسة ولأول مرة في تاريخ الإنسان السياسي كونياً ، تمارس فيه السياسة صوتاً وصورة من غير قيود أو حواجز أو جلسات سرية عبر البث الحي والمباشر، ولنصدح مع الثائر دوماً "البردوني" بقوله:
من هجسنا تبدأ التاريخ نبدؤها *** نؤسطر السفح والبستان والغارا
نصوغ للعدم الموجود خاتمة *** نأتي من الغائب المنشود أخبارا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.