جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    "جروح اليمن لا تُداوى إلا بالقوة"...سياسي يمني يدعو لاستخدام القوة لتحقيق السلام المنشود    " تصريحات الزبيدي خاطئة ومضرة وتخدم الحوثي!"..صحفي يحذر من تمسك الزبيدي بفك الارتباط    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    رصاصاتٌ تُهدد حياة ضابط شرطة في تعز.. نداءٌ لإنقاذ المدينة من براثن الفوضى    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    صحيفة بريطانية تفجر مفاجأة.. الحوثيون دعموا تنظيم القاعدة بطائرات مسيرة    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    خصوم المشروع الجنوبي !!!    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    عندما يبكي الكبير!    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصنُ تَعز.. من النشأةِ وحتى اللحظة!!
عقدٌ ونيفٌ من العمل لإعادة أصالته.. تجديدٌ أم ترميم؟! وما حقيقة اللقى الأثرية بداخلهِ التي تنسب إلى ما قبل الإسلام!!
نشر في الجمهورية يوم 15 - 09 - 2014

حوت شبه الجزيرةِ العربية أقدمَ حضارات عرفت على مر العصور الإنسانية, لا تزالُ آثارها باقية لتشهد على عظمة صانعيها حتى يومنا هذا..!! فمدينة سام بن نوح عليه السلام بصنعاء, وسد مأرب العظيم في مملكة سبأ, وناطحات سحاب شبام حضرموت, ما هي إلا بضعة من ثلة شواهد؛ تدل على أن أول وأعظم مدنٍ شيدها الإنسان عبر التاريخ كانت في اليمن, التي في جنوبها الغربي بعيداً عن عاصمتها صنعاء بنحو 250 كيلو متراً تقريباً - تقع تعز - حيث يشمخ في عمقها حصنٌ مهيبٌ كحصون القصص الخيالية, قلعته تهيمن على المدينة بأسوارٍ عظيمةٍ وأبراجٍ شاهقة, شيدت قبل مئات السنين, لم يكن وقتها الحصن مجرد معقلٍ عسكري, بل كان قصراً سكنياً مترفاً مزيناً بباحاتٍ غايةٍ في الجمال, ومسرحٍاً دامٍ بمكائد مميتة, وأشهرُ صرحٍ معماريٍ عربيٍ حيٍ للهندسة اليمنية.
علاقة حصن تعز بقلعة القاهرة
“تعز” عاصمة الثقافة اليمنية, أينما تحلُ في حضرها, يلفت نظرك “حصن تعز” الواقع على السفح الشمالي لجبل صبر, مرتكزٌ على مرتفع صخري يطل على المدينةِ بارتفاع يصل إلى 250 متراً, وبمساحة تقدر ب 7500 مترٍ مربع, ويقال أن المنطقةً التي بها الحصن كانت في الأصل تدعى - ذي عدينة - وسميت بعد ذلك بالقاهرة, نسبة إلى اسم “حصن تعز”, الذي كان قد أطلق عليه فيما بعد “قلعة القاهرة”.
لكنَ القاهرةَ لم تكن حصناً دفاعياً فقط, إذ صمم من الخارج ليعطي رسالة قوية, ويعكس بأس الحكام والملوك الذين تعاقبوا على بنائه وتطويره قديماً, وحتى تأهيله إلى يومنا هذا, كان آخره افتتاح القلعة في ال 27 من شباط 2014م, بعد إعادة ترميمها بتكلفة قاربت ال 15 مليون دولار!! لكن ما الذي يجعل الحُكومةُ اليمنية, تنفق كل هذا المبلغ الضخم لترميم القلعة؟
- مهند السياني - رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات, نوه ل”الجمهورية” في البداية: إلى أن ترميم المعالم والمواقع الأثرية يحتاج إلى مبالغ طائلة لأن الترميم ليس كالبناء الجديد, وما جعل الحكومة والسلطة المحلية في تعز, ترصيد المبالغ الضخمة لترميم القلعة كما أفاد - السياني - هو للأهمية التاريخية للقلعة وللمدينة أيضاً, المرتبطتين ببعضهما البعض.
غموض حول النشأة
هناك روايتان تتحدثان عن أول ظهور أو نشأة للحصن, الرواية الأولى التي يتبناها الدكتور - عبد الحكيم سيف الدين - أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة تعز, ومن قبله من المؤرخين تقول: أن الأمير - عبد الله الصليحي - أخو الملك - محمد الصليحي - مؤسس الدولة الصليحية في اليمن, قدم إلى تعز من جبلة عاصمة دولته عام 439ه, وأقدم بنفسه حينها على بناء الحصن.
أما الرواية الثانية التي يتبناها المؤرخ والأثري المعروف - العزي مصلح - فتقول: أن عام 439ه, كان أول ظهور للحصن كإعادة بناء وليس إنشاء, وكان ذلك في عهد الأمير - عبد الله الصليحي -, عندما ولى - أسعد بن أبي الفتوح - آمراً من الحصن على تعز, وذلك بعد اتفاقه مع - أخو الفتوح, الوليد ابن الحميري - لإخضاع تعز لحكم الصليحيين.
- ربما قد تكون الرواية الثانية هي الأرجح منطقياً, من ناحية أن من سكن في الحصن هو - أسعد بن الفتوح -, لأنه كان قد مات مقتولاً في الحصن, على عكس - عبدالله الصليحي - الذي لا يوجد ما يؤكد مجيئه حتى إلى تعز, التي لم تكن حينها سوى قريتين صغيرتين - ذي عدينة والمغربة-, وبكل تأكيد فما زال تاريخ نشأة الحصن الحقيقي, غامضاً على الأقل إلى حد هذه السطور.
وعن سبب اختيار بناء الحصن على قمة الأكمة التي يقع عليها حالياً, فذلك لكونها موقعاً شديدَ الأهمية, يصل إليها الماء من جبل صبر, فضلاً على أن الموقع يربط بين الجند وجبا وزبيد وعدن وصبر والتعكر, لذا حفر بداخل الحصن المخازن للمؤن, لأنه كان خطاً دفاعياً للمنطقة, وقاعدة للسيطرة على الساحات والطرق المجاورة, أما اسم الحصن فقد اختار له الصليحيون تسمية لها معنىً لغُوياً جميل - اسم تعز - وكون الاسم له وقعٌ جميل, فقد طغى على المنطقة كلها, وصار اسماً علماً رغم أنه في الأصل فُعّل, وذلك بحسب المؤرخ اليمني الراحل - محمد محمد المجاهد -, في كتابه (تعز غصن النضير في دوحة التاريخ العربي).
مسرح دامٍ بفصول طويلة من المكائد المميتة
بحسب الدكتور - عبد الولي الشميري - فإنه بعد فناء الدولة الصليحية عام 436ه, بعد وفاة آخر حكامها - السيدة بنت أحمد -, حاول الولاة إقامة الدولة الزريعية, متخذين عاصمتهم السياسية عدن, وتمكنوا من الاستيلاء على الحصن والسيطرة على كل النواحي والقرى التي من حوله, وبظهور ثورة - علي بن مهدي الرعيني - في منتصف القرن السادس الهجري, أزاح “الرعيني” عن الحصن حاميته العسكرية من بقايا جنود الزريعيين واتخذه حصناً وملجأ منيعاً لرجاله في نواحي الجند.
بعد ذلك كان حكم الإمام - عبد الله بن حمزة - الذي تولى الحكم سنة 563ه, قد امتد إلى جبل التعكر المنيف على مدينة جبلة والجند, ففر عن الحصن حراسه وتركوه لأيادي النهب واللصوص فاستولوا على محتوياته وأسلحته.
لكن الزحف الذي قاده مرة أخرى - عبد النبي بن علي بن مهدي الرعيني - من قرية العنبرة على شاطئ البحر الأحمر جنوب مدينة الخوخة, مكنهُ من اجتياح الأخضر واليابس, فاستولى على الحصن وعاقب محتليه بالموت واتخذه مدافن للقتلى السياسيين.
قاعدة عسكرية ومسكن آمن
بعد ثلاثة عقود من انهيار الدولة الصليحية, قدم الزحف الأيوبي بجيوش جرارة, أرسلها الفاتح - صلاح الدين الأيوبي - من مصر سنة 569ه, بقيادة أخيه - توران شاه - (شمس الدولة) الذي أفنى الدولة الزريعية عن الوجود, مكلفاً - ياقوت التعزي - بأن يكون آمراً على تعز من الحصن نظراً لموقعه الاستراتيجي, في حين ظل - شاه - يتقدم بزحفه في محاولة منه لإخضاع بقية مناطق اليمن لحكمه, لكنه لم يفلح في ذلك لذا غادر اليمن بعد ثلاثة أعوام من مجيئه, بعد أن قضى على دولة الخوارج, ليحل أخيه - طغتكين بن أيوب - بدلاً عنه والياً على اليمن من “حصن تعز” الذي سكنه وزاد في عمارة معظم أجزائه واستحكاماته العسكرية, لأنه كان بالنسبة له ملاذاً آمناً وقاعدة عسكرية وسياسية, تحت لواء الدولة الأيوبية.
العصر الذهبي للحصن
في عام 628ه, استقل - نور الدين ابن عمر بن علي رسول - الملقب بالمنصور, عن الدولة الأيوبية, مؤسساً الدولة الرسولية - عاصمتها الجند -, حتى سنة 647ه عندما نقل الملك الابن - يوسف بن عمر المظفر - العاصمة إلى تعز, بعد مقتل أبيه في زبيد على يد المماليك, جعل الحصنَ حاضراً للدولة الرسولية, والمكان الذي يتوج فيه السلاطين الرسوليين, وكرسياً لحكم اليمن بالكامل, فسمى - الملك المظفر - النواحي والجهات في تعز, وأقام التقسيمات الإدارية وأعاد بسط نفوذ الدولة كأقوى دولة مركزية في اليمن, ويعتبر هذا الملك من أكبر ملوك الدول التي حكمت اليمن, وأحد الحكام الموحدين السياسيين لبلاد اليمن الطبيعية, التي وصلت إلى عز ازدهارها وقوة سلطانها, إذ امتد نفوذها إلى يثرب وظفار, أما عن عاصمة الدولة - مدينة تعز -, فقد أخذت بالتوسع العمراني توسعاً باهراً, حتى أن الرحالة بن بطوطة وصفها في تلك الفترة, بأنها من أحسن المدن وأعظمها, وأن أبناء تعز أناس ذوو تجبر وفظاظة, كما وصف الحصن بأنه قلعة عظيمة وجميلة من قلاع اليمن, وأبراج شاهقة آية في الجمال والقوة.
ضل الحصن يزدهر عمراناً في عهد الملك المظفر باني مسجد المظفر المشهور, ومن بعده ابنه الأشراف, مروراً بأخي الأشرف الملك المؤيد, ووصولاً إلى المجاهد أبن الأشرف, ثم إسماعيل بن العباس الملقب بالأشرف والذي بنا جامع ومدرسة الأشرفية المعروفة, وهكذا طيلة حكم الرسوليين, الذين حكموا اليمن لأكثر من 200 عام.
من حصن تعز إلى قلعة القاهرة
على أنقاض الدولة الرسولية التي تجاوز عمرها قرنيين من الزمن, قامت الدولة الطاهرية سنة 856ه, بقيادة - عامر بن الطاهر - الذي أحدث تحسينات بسيطة في بناء الحصن, استمر حكم الطاهريون حتى سنة 923ه, ثم استولى من بعدهم الإمام - مطهر بن شرف الدين - على حكم تعز من الحصن الذي غير تسميته إلى - قلعة القاهرة -, نظراً لما شهده عنها من قوة وصلابة تقهر طامعيها..!! ومنذ مجيء الأتراك في القرن ال 11 الهجري حتى رحيلهم, واستلام الأئمة مقاليد الحكم منهم في شمال اليمن سنة 1918ه, ظل دور القلعة مجرد ثكنة عسكرية تسيطر على تعز, وسجناً للمناوئين السياسيين والرهائن, إلى قيام الجمهورية عام 1962م, والتي من بعدها لم تعد القلعة سوى بقايا أسوارٍ وأبراجٍ دمرت ودفنت معظمها في عهد الأتراك والأئمة.
حتى عقب توحد اليمن عام 1990م, هذه المرة لم يكن للقلعة أيُ دورٍ سياسي أو عسكري أو غيره يذكر كما كان في القدم, ضلت منسية طيلة أربعة عقود ما قبل بداية القرن ال 21, حتى قررت الحكومة والسلطة المحلية للمحافظة, بعثها من الركام.
مليارات لا تفي بحق القلعة
في بداية العام 2000م, بدأ العمل على ترميم بعض الأسوار والممرات البسيطة في الجهة الغربية أسفل الحصن, بمبلغ لم يتجاوز المليونَ ريال يمني, لكن بعد عامين توسعت أعمال الترميمات لتشمل الحصن بالكامل, استغرقت قرابة عقدٍ ونيف, بتكلفة بلغت 3 مليارات ريال.
في هذا السياق كانت قد أقرت ل”الجمهورية” - بشرى الخليدي - مدير مكتب الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات بفرع تعز, موضحة: أنهم لا يبحثون عن لغة الأرقام أمام العمل الجبار لترميم “قلعة القاهرة”, كونها قلعة أثرية لطالما حملت وستحمل في طياتها الكثير من المفاجآت والآثار, لذلك فهذه المبالغ لا تفي بحق القلعة التاريخية, التي هم يسعون حالياً لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي.
- ومع أنه كان بالإمكان بهذا المبلغ الضخم, بناءُ ثلاثة مصانعٍ يعمل فيها مئات العاطلين عن العمل, لكن بالتغاضي عن ذلك هل أعادت هذه المليارات القلعة إلى أصالتها؟
- بشرى الخليدي - عينها ترد على هذا السؤال بالقول: “أن ما حصل بأعلى الحصن من ترميم هو بحسب مواصفات تاريخية علمية, أما بالنسبة لما حصل في الممرات والطرقات السفلية للحصن, فذاك طمس ظاهر للعيان ونحن ناسف له كثيراً ولكن ما باليد حيلة”, - وأضافت - أنهم يحاولون تدارك ما تبقى من ذلك.
القليل فقط محتفظاً بمعماره
الطريق والأسوار الحاملة لها إلى أعلى الحصن - جددت بطريقة عصرية -, إذ رُصف المكان باستخدام الإسمنت, أما الأحجار المستخدمة في البناء فقد قطعت بواسطة مناشير حديثة (كهربائية), لا أدوات تقليدية، ليس هذا فحسب بل أن بداية الطريق الرئيسة المؤدية لأعلى الحصن, كانت كافية لعبور شاحنةٍ كبيرة, لكن بحجة توسعتها أكثر, تم بناء سورِ مستحدثِ خلفَ سورٍ أثري - غطيَ ودفن - كان يتصل مع سور أثري في الجهة الغربية بأسفل الحصن لا يزال شامخاً حتى اليوم!!.
لم يخلوا المكان - بطبيعة الحال - من الإضافات, فقد طغت عليه غرف آسيوية التصميم, ومدرج روماني, وعقود عصرية, ونفق ربما تكون الحاجة آلت إلى نحته, وبالرغم من أن المكان بالجهة الجنوبية - أسفل الحصن -, يطغى عليه طابع الجمال وروعة التصميم, إلا أنه يفتقد لنفح التراث اليمني الأصيل!! فقط.. القليل منه مازال محتفظاً بمعماره القديم.
أعادتهم الترميمات كما كانوا
الأسوار المحيطة بالحصن في الأعلى, لا تزال البعض منها باقية وقوية منذ تشييدها, أما البعض الآخر فقد رممت بشكل جيد, في حين أن أسواراً ومدرجات تم إضافتها من العدم؟! قد يبرر من إضافتها لتأمين المكان, لكن لا يوجد ما يبرر عدم بنائها بنمط قديم؟!.
وعما بداخل الحصن, فيتربع في قمته قصرٌ مترفٌ يهيمن على المنطقة بأسرها, كان مسكناً للحكام وحاشيتهم الذين تعاقبوا على حكم تعز, وقد رمم جيداً, كما أن أبواب ونوافذ القصرِ والحصنِ بالكامل, جميعها صممت وأعيدت بالشكل الذي كانت عليه في الماضي.
- إلى جوار القصر جنوباً حيث يوجد ممرٌ سري, لا يزال يقود إلى خارج القلعة, وفي الجوار شرقاً, يقبع مسبحٌ صغيرٌ تم ترميمه بشكل جيد, كان متنفساً لساكني القصر.
تحيطُ بالقصر عدد من الوحدات السكنية المرممة, كانت مقراً لأقرباء الملك ومعاونيه, إذ تطل جميعها على أحياءِ تعز القديمة: عدينة, المغربة, ثعبات والمحاريب... وبين هذه الوحدات يستوطن مسجد صغير يعتقد أنه بُنيَ على يد - طغتكين بن أيوب - حاكمِ الدولة الأيوبية, وقد أعادته الترميمات إلى أصله.
خدام وخدمات ووظائف
يبدو أن جميع من كانوا في القصر, قد عاشوا حياة رغيدة ومكملة, فأحواض وأحجار الرحى التي كانت في القِدم ولا تزال تستخدم لطحن الحبوب, تدل آثارها وبقاياها على مكان المطابخ, ولن أخفي عليكم أن بجوار المطابخ تقبع الحمامات, فمياه الصرف الصحي لها طريقٌ مؤدٍ عبر نفقٍ خاص إلى خارج الحصن!! وكل ذلك يشهد على عبقرية صناعها.
- من الطبيعي أن ثمة جنودٌ كانوا بمثابة قوات الحرس الخاص للقصر, إذ استقروا في بوابات الحصن وأطراف الأسوار المحيطة به, حيث توجد باحات - حديثة الرصف والنمط -, محتوية على نوبات أثريةٍ للنوم والمراقبة في آن واحد, أما الضباطُ ذوو الرتبِ الكبيرة, وخدم القصر فقد كانوا يعيشون داخل الأبراج العالية غرب الحصن, لكن بعضَ من الأبراجِ لم تكن مربعة الشكلِ قبل ترميمها, بل كانت دائرية؟! ما يعني أنها تعرضت للعبث والتغيير أثناء ترميمها.
طيلة مكوث السلاطين في عهد الدولة الرسولية, كان الحصن يؤدي أربع وظائفٍ أساسية: مبنيا دارُ الإمارة وقد كان بمثابة الوظيفية السياسية, ودارُ العدل - مقر الوظيفية القضائية, لم يعد لهما أي أثر!!.. أما مبنى دارَ الضيافة - الوظيفية الدبلوماسية - فقد أصبح اليوم بعد ترميمه, معرضاً يحوي صوراً للقلعة!!. دار الأدب أيضاً - المعروف بالسجن السياسي - لمناوئي حكام القلعة, انتشلت الترميمات الركام من داخله, وهو نفقٌ تحت الأرض يؤدي إلى زنزانةٍ مزودةٍ بمنافذَ للتهوية.
إبداع يتخطى الحدود
كان اليمنيون القدماء يختارون المناطق العالية للسكن والتحصن, لكن قبل ذلك كانوا يضعون في قائمة أولوياتهم أن تكون الأماكن المرادة غنية بالمياه!! في قلعة القاهرة كيف كانت تصل المياه إلى أعلاها؟؟
لقد شيدت شبكة هندسية مثيرة للإعجاب, صممت قديماً بمنتهى الإبداع؛ إذ كانت ولا تزالُ تمر فيها مياه الأمطار المتجمعة من باحات الحصن, قادمة إليها عبر قنوات نحتت تحت الأرض لتصل إلى أحواضٍ صغيرة, نحتت وشُكلت بحيثُ تقوم باحتجاز الأتربة والشوائب, وتصريفِ مياهٍ عذبة تستقر في خزاناتٍ أرضيةٍ ضخمة, وكل خزان من هذه ما إن يمتلئ بالمياه, حتى تفيض منه عبر ممر خاص إلى خزان آخر أدنى منه, وهكذا حتى تصل إلى خزان ضخم يبلغ عمقه 6 أمتار بقطر 10 أمتار تقريباً, أما المياه الفائضة من هذا الخزان؛ فتجد طريقها إلى سد ضخم يقبع أسفل الحصن.
قرية مصغرة لم تسترجع
ساحات الحصن الضخمة التي كانت تتجمع فيها مياه الأمطار, استغل باطنها تحت الأرض!! إذ كانت تحوي العديد من مخازن الحبوب والعتاد, وقد اُنتشل الركام من داخلها وأعيدت كما كانت, وأثناء هذا الانتشال عثر على المئات من أحجار المنجنيق, وهي أحجار كروية الشكل بحجم كرة القدم, فنظراً لاستحالة اقتحام الحصن من قبل الأعداء, بسبب ارتفاع موقعه وقوة تحصيناته؛ كانت تتم محاصرتهُ وقذفهُ بأحجار المنجنيقِ لأشهرٍ من جبل صبر - المكان الأكثرُ علواً منه -, فكان لزاماً على ساكني الحصن حفرُ خزاناتٍ للمياه, ومخازنَ للمؤن!! لكن لماذا هي بهذا الحجمُ والعدد؟
- أحمد جسار - أحد مشرفي الترميمات في الحصن أفاد ل”الجمهورية”: أن خزانات المياه الضخمة ومخازن الطعام البالغة أكثر من 13 خزانا ومدفنا, إنما تدل على وجود سكان كثر قطنوا قلعة القاهرة!!
- ومع هذه الإفادة يواتيني القول: إن كان الحصن عبارة عن قرية صغيرة إذا ما تخيلناه!! هل يعقل أن غرفا ووحدات الحصن القليلة تلك, كانت تكفي لمئات إن لم نقل آلاف الناس الذين عاشوا فيه؟
تفسير واحدٌ لهذا مفاده أن المجساتً المستخدمةُ في عملية البحث, لم تكن كفيلة بإظهار مكونات الحصن كاملةً, وما تلك الساحات الكبيرةُ الخاوية, إلا لتدل على أنها كانت تحوي العديدَ من البنايات التي لم تعد موجودة.
- حسب أقوال بعض المؤرخين اليمنيين, فإن أغلبَ مكونات الحصنِ قد دمرت في عصر الأتراك الذين احتاجوا إلى خلق مساحات على حساب بنايات طمروها, من أجل إيصال مدافعَهم إلى أعلى الحصن لضرب مناوئيهم, زاد من ذلك الأصوات الضخمة لتلك المدافع, التي أدت أيضاً إلى تشقق عددٌ من الأبنية والأسوار, وكان للعواملِ الطبيعيةً ممثلةً بالأمطار والصواعق دور مكمل في تدميرها ودفنها.
الترميم ليس كالتجديد
يُعتقد أن أغلب الأجزاء الظاهرة داخل الحصنِ - رممت بطريقةٍ علمية -, فقد اُستخدم في العمل مادةُ القضاضِ المعروفةِ قديماً, عوضاً عن الإسمنت وهي مادة كلسية متماسكة بيضاوية اللون تشبه عظام الأسنان, يتجاوز عمرها الألفُ عام حسب الدراسات التاريخية والعلمية, لكن ثمةُ تشققاتٍ بدت تظهرُ على جدران بعض الأبنية وأسطح والأرضيات, هذه التشققاتُ تؤكد أن القضاض الذي يتم تجهيزه بطريقة معقدة, لم يأخذ وقتاً كافياً في تجهيزه قبل استخدامه في البناء, كما أن القضاض لم يكن ذلك الذي يؤخذ من الخرشب الكلسي المتواجد في منابع المياه, وإنما أخذ من النوره المادة الطباشيرية الجيرية, ناهيكم على أنه تم خلطه بالإسمنت الأبيض, بسحب أحد المصادر الموثوقة.
خطأٌ آخر أرتكب بعد الانتهاء من تكحيل البناء القضاض, إذ تم طلاء القضاضِ بمادةٍ دهنية شبيهةٌ بالشحم, بغية عزله عن الماء والهواء لتقويته وتنعيم ملمسه, في حين أن القضاض كلما تعرض للتعرية أكثر؛ ازداد تماسكاً ونعومة.
- بالعودة إلى - مهند السياني - الذي نقل لنا عن صديقاً له, وهو الدكتور - منصور اللوبي - المستشار الثقافي السابق في سفارة جهورية مصر العربية بصنعاء, وهو أيضاً أستاذ في علم الآثار, قبل توديع هذا الرجل لليمن إبان انتهاء فترة عمله, قال - السياني - أن صديقه زار الحالمة (تعز) وأتيحت له الفرصة أن يزور قلعة القاهرة وأعجب بها إعجاباً كبيراً, وعقب عودته إلى صنعاء أتصل ب”السياني” وقال: “يا مهند ما حصل في “قلعة القاهرة” في تعز, هو تجديد وليس ترميم وكلاهما عمل جبار, لكن الترميم أهم وأميز ويأتي بثمار أفضل, كونه يستخدم نفس المواد البنائية ونفس المونة (طين - قضاض أصلي - أحجار).
شاهدٌ على عصره
الجزء الغربي بأسفل الحصن يختلف تماماً عن ذي قبل, إذ لا يزال بعضُ مكوناته شاهداً على عصره, بينما البعض الآخر رمم بالنمط الذي كان عليه قديماً, فالمكان عينه بكل تفاصيله, كان ولا يزال متنزهاً بديعاً لحاضريه, أما تلك الحديقة الخلابة الظاهرة للعيان, فقد أعيد تشييدُها وتشجيرُها, على هيئة مدرجاتٍ كما كانت.
يعتلي المتنزه أية الحديقة سدٌ مائيٌ ضخمٌ فائق التصميم كان خزاناً احتياطياً للحصن ومغذياً للمتنزه, فبطوله الذي يصل إلى الستين متراً, وبعرضٍ يتجاوز العشرة أمتار, ما زال محتفظاً بهيئته؛ إذ لم يجر عليه سوى بعضِ الترميمات البسيطة.
هنالك ثلاث نوبات للمراقبة لا يلحظ عليها أثرُ الترميم لدقة أدائه, فالقضاضُ (الخرشب) المتقن تجهيزه قبل استعماله - أعاد رونقها -, أسقفُ النوباتِ مثلاً صممت بطريقة هندسية بديعة, أعيد تجسيدها على شكلِ عقدٍ نصف دائري (مقوس), بحيثُ تستطيعُ تحمل ما تعجز عن تحمله الخرسانةُ العادية.
ملمس ناعم وعمر متجدد
المكان في الجزء الغربي أسفل الحصن يفوح بنكهته التراثية الأصيلة, ولأنه سالبٌ للعقل سأحاول تأويل جل ما أسطِع عليه قدرا, أما الأسوار هناك فتبدو كدروع صلبة, يصل ارتفاع بعضها إلى 15 متراً وبعرضٍ يتجاوز الأربعة أمتار, اُستٌكمل بناءُ ما كان مندثراً منها من نفس أحجارها التي نحتت وقطعت بواسطة أدوات تقليدية, حتى أرضية ومدرجات المكان تم رصفها من دون تدخل الإسمنت, ولأن أعلى الأسوارِ قد كسيت بقضاضِ غيرَ مطلٍ بالشحم, فقد أضفى عليها ملمساً ناعماً, وعمراً متجدداً.
يوجد مدرجٌ مرممٌ يتداخلُ مع سورٍ مستحدثٍ بأعلى الحصن, من خلالهما يتجلى للناظر التمييز دون تمعن بين الترميم والتجديد, وبحسب ما تقتضيه مهنة الصحافة من تناول للمواضيع بمنتهى الموضوعية, يتحقق منها العدل والإنصاف وجب علينا أن نشير إلى أن كلُ هذا العملِ المتقن يعود ل”إسماعيل الشيخ”, وهو - مهندس زراعي - كُلف بترميم الجزء الغربي أسفل الحصن, والذي شرح ل”الجمهورية” طريقة عمله مبسطاً: “امتنعنا من استخدام مادة الإسمنت, واستخدمنا عوضاً عنها مادة الطين التي هي بحاجة إلى تربة ميتة, تسمى بالتربة الصمة فاقدة العناصر الغذائية منها أي غير صالحة للزراعة, هذه التربة تكون متماسكة الغرويات التي فيها, نصفيها من الأحجار الكبيرة والحصى, ونخمرها مثل القضاض الذي استخدمناه بدقة, ما بين كل أسبوع إلى عشر أيام نعمل كبان, ولدينا محرق خاص جهزنا فيه القضاض.
- نستطيع القول أن الترميمات في هذا الجزء تمت بطريقة تحاكي عصرها, فلم يطرأ قط على المكان التجديد, أما الإضافة فلم تكن إلا لمبنىً قد يبدو أثرياً من النظر إليه للوهلة الأولى, لكنه أستحدث في حقيقة الأمر, لجعله دورة مياه تفي حاجة زوار المكان.
تكاد تختفي آثارها
كما هو الحال في بلادنا, الإهمال حاضراً في كل مناسبة, لم تخلوا “قلعة القاهرة أو حصن تعز” من ذلك, إذ لم يستكمل ترميم مدرجٍ أثري كان يمتد قديماً إلى المدينة القديمة!!. لكن ذلك لا يساوي شيئاً أمام استبعاد ترميم متنزه - شبه المندثر - بأسفل الحصن ناحية الغرب, وهو عبارة عن قبةٌ بيضاء أشبه بالمضلة, بجوارها بركةٌ كانت استراحةً تعود للملك المؤيد, ثالث حكام الدولة الرسولية, منها يشرف على وادي المحبة كما كان يُعرف.
الأمر ذاته ينطبق على أبرز الشواهد التاريخية لمدينة تعز القديمة, إنه سورٌ القلعة الذي اُستغرق بناؤه ثمانيةَ أعوامٍ من بعد 943ه, في عهد الإمام - مطهر بن شرف الدين -, وقد شيد بطريقةٍ هندسيةٍ بالغةِ التعقيد, إذ كان يربط كافةَ أحياءَ تعزُ القديمةُ بالقلعة, محتوياً على وحدات للخدم ونوبات للحراسة؛ لم يتبقَ منه إلا القليل!؟.
كان للسور أربعة أبواب رئيسة وهم: باب موسى والباب الكبير؛ لا يزالان شاهدان على المدينة بفضل ترميمهما سابقاً, أما باب المداجر وباب النصر فقد أوشكا على الاختفاء.
متطفلون على القلعة
يمكن القول أن الترميمات المتقنة وبعضُ الأسوارِ والأبراج التي لا تزال باقية حتى الآن؛ أنقذت تاريخ القلعة, لكن مع ذلك يُطرح سؤالٌ فحواه: من وراءَ العبثِ والتقصيرِ اللذين حدثا؟ ولمصلَحَةِ من؟
- العزي مصلح - كنا قد أسلفنا ذكره في بداية هذا التحقيق وهو كبير مشرفي الترميمات في الحصن والمدير السابق لمكتب الآثار بتعز, أخرج ل “الجمهورية” ما بجعبته كاشفاً القول: “الضرر الذي حدث في قلعة القاهرة, هو بسبب أن كل شخص كان يأتي ويفكر بإضافة شيء فيها حسب ما تشتهي نفسه, والمتطفلين طبعاً الذين جعلوا من القلعة مشروع استثماري, إلى آخره... استطاعوا بكل أساليبهم أن يبرروا لأنفسهم, وقبلنا ذلك لظروف أرغمتنا على ذلك”, ويوضح - العزي - “أما نحن فقد استمرينا في التنقيبات ولم نجري أي ترميم على أي جزء, إلا بعد المباشرة بعمليات التنقيبات, لأن باطن القلعة تركنا فيها مناطق لم ندخلها على الإطلاق, وعندما كنا ننقب فيها, كنا نرصفها فقط لترك الطبقات البكر بالأسفل كما هي, أملاً منا بأنْ قد يأتي في المستقبل من هم أكثر لا نقول خبرة, وإنما أكثر إمكانية فقط.
غيًّر مسار تاريخ القلعة
رغم أن هناك أخطاءً اقترفت أثناء الترميمات! لكن في المقابل ثمة قطعٌ مدهشةٌ اكتشفت, يعتقد أنها غيرت مسار تاريخ القلعة, فما حقيقتها؟
- القصر بأعلى الحصن أصبح متحفاً تحوي غرَفهُ قطعاً أثرية عثر عليها أثناءَ التنقيبات في القلعة, - تعود لعصورٍ ما بعد الإسلام -, من مشاهد قبور ومجرات ومسارجُ حجريةٍ كانت تستخدم للإضاءة, وحتى عملاتٍ معدنية تبين أنها كانت تصك على أحجار عثر عليها أيضاً بداخل القلعة, وهناك العديدُ من القطع الأخرى!! لكن ثمة من بين ما عثر عليه أهم من تلك؟! قطعٌ يعتقد أنها تعود لعصور ما قبل الإسلام, من تماثيل طينية صغيرة, وآنيتان فخاريتان, وعملات معدنية, وأوانٍ نحاسية, والأهم من ذلك وجود حجرة غريبة؟!
- محبوب الجرادي - أثري وأحد مشرفي الترميمات في الحصن, أخرج لنا نقش عثر عليه أثناء الترميم والتنقيب في أيار 2013م, وهذا النقش كما يرى: “غير مسار تاريخ القلعة ويعود بتاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام ما بين نهاية الدولة السبئية وبداية الدولة الحميرية, كما هو واضح ومنحوت على النقش باللغة اليمنية القديمة”.
ومن هذا المنطلق يراودني والقارئ سؤالاً: هل النقش تحديداً يؤكد صحة أن القلعة شيدت قبل الإسلام؟ خاصة وإذا ما أمعنا في نمط بناء الحصن, فإننا نجده يشبه تلك الطريقة التي كانت موجودة في عصر الحميريين!!
- الدكتور - عبد الحكيم سيف الدين - نائب عميد كلية الآداب بجامعة تعز, سبق الإشارة إليه آنفاً, كنت قد عدت إليه من جديد لأستفسره صحة تاريخ نشأة القلعة, حاملاً معي ما يدلل على أنها تعود إلى ما قبل الإسلام, لكنه كان على عكس ذلك تماماً مشيراً إلى ما بعد الإسلام, بحجة أن وجود هذا النمط المعماري في “قلعة القاهرة” قد يكون استمراراً لتك الأنماط المعمارية التي ظهرت في التاريخ القديم, بحكم أن القلعة موجودة في منطقة حمير, ويعزي - سيف الدين - أيضاً وجود اللقى الأثرية في “قلعة القاهرة” التي تنسب إلى ما قبل الإسلام, أنها قد تكون أهديت إلى بعض حكام الدولة الرسولية الذين كانوا يحكمون من “حصن تعز” أو الذين أتوا فيما بعد, بذريعة أن المؤرخ - الهمداني - الذي زار كثيراَ من مناطق اليمن لم يشر إلى “قلعة القاهرة”.
يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد
بعد تقصٍ شديد منا عن تاريخ الحصن, أقولها صراحة يصعب حقيقة التعرف على تاريخ كل جزء أو مكون من مكونات الحصن, لكن بشكل عام فإن النشأة الأولى للحصن, تشير إلى عصر الحميريين حسب معطيات الواقع, وكما يقال إذ حضر الماء بطل التيمم!! ولربما قد تكون بعض القطع مهداةً حقاً, لكن هل يعقل أن تهدى حجرةٌ وهي من أصل البناء, كونها تتشابه مع أحجار بناء أخرى في الحصن؟ فإذا كانت الحجرة قد نقش عليها داخل الحصن؟ لماذا لم يشر أبو محمد الهمداني إلى الحصن في كتابه صفة جزيرة العرب أو غيره؟
- العزي مصلح - لم يترك شيئاً للريب, والذي زاد من يقيني جازماً ومعللاً في حديثه: “أن - الهمداني - مع الأسف الشديد, هناك كثير من المواقع لم يذكرها, كونه كتب بطريقتين: طريقة السماع؛ أي أنه كان يدون ما يروى عليه, وطريقة المشاهدة؛ أي يدون ما كان يراه, كزيارته إلى سد مأرب قال: (وقد رأيت ذلك من العروق وما أظنه إلا من بقايا تلك الجنتين)”. وهذا يدل كما يفسر - العزي - “أن الرجل نقل مباشر ما رأى بعينه, لكن بعض القلاع والمواقع هو كتبها بالوصف لم يزرها, فمثلاً تحدث - الهمداني - عن جبل ذخر (حبل حبشي) وتحدث عن جبل صبر بشكل عام, ولكنه لم يتحدث عن عدد المواقع التي فيهما على الإطلاق”.
وعن رأي - العزي - بالنقش الذي تم اكتشافه مؤخراً, أكد أنه يعود بتاريخ القلعة إلى ما قبل الإسلام, فمن خلال المنجرام للنقش كما برهن لنا - العزي - ثبت أن الحروف الأبجدية له تعود إلى عصر المكاربة - وزاد موقناً - “إذا سُئلت أنا تحديداً إلى أي عصر يرجع فسأقول إلى ما قبل القرن السابع قبل الميلاد”.
الشواهد التي ترجع بعمره كثيرة
من بعد كل ما رأيت وسمعت يحق لي القول شخصياً: أن - الهمداني - لم يكن حجة إذا ما تم اكتشاف وثائق أو أثار تثبت أن هذا الموقع أو خلافه يرجع بناؤه إلى زمن ما, فالنقش الذي لم تُفك رموزه بعد إلى الآن, بكل تأكيد يثبت أن القلعة حميرية النشأة, بصرف النظر عن عدم تحديد من سكن فيها في ذلك العصر, وما يزيد أكثر من صحة هذا التاريخ, وجود صليبين منحوتين أعلى البوابة الرئيسة للحصن, فلا يعقل ومن دون أدنى شك أن يكونا الصليبان, قد نحتا في عصور ما بعد الإسلام.
وبهذا فإن الشواهد التي ترجع بعمر “حصن تعز” إلى عهد الدولة الحميرية - كثيرة - من النحت على الأحجار, والحفر للخزانات والمخازن والأخاديد, وهذا الحفر لا يمكن أن يتم بتلك الطريقة التي نراها, إلا في عصور ما قبل الإسلام, ولعل الأيام القادمة ستكشف المزيد عن أسرار وكنوز هذه القلعة العظيمة, التي تحلم أن تدرج ضمن قائمة التراث العالمي, إذ لا تزال هناك أنفاقٌ ودهاليز مفتوحة, قابلةٌ للتعمق.
متبرئة مما يصرف لها
تحظى «قلعة القاهرة» وتعز عامة المرشحة لأن تكون عاصمة للثقافة العربية عام 2017م, باهتمام كبير من قبل الحكومة اليمنية والقطاع الخاص, إذ خصصوا لها سنوياً 7 مليارات ريال كميزانية لتأهيلها ثقافياً, في هذا العام تحديداً إذا ما صرفت هذه المبالغ حقاً فإنه من المفترض أن تذهب جزءاً منها, لتشغيل مواقع تراثية وفعاليات ثقافية وإيجاد بنية تحتية وإلى ما شابه في تعز خارج الحصن.. فيما جزءاً آخر تذهب لاستكمال مرحلة الترميمات الأخيرة في الحصن التي كان من المفترض الانتهاء منها في نيسان المنقضي بحسب تصريحات الأخ - المحافظ - في ال 27 من شباط يوم افتتاح القلعة, وأيضاً سيتم العمل أو السعي لإظهار ما قد يكون مدفوناً في باطن القلعة, وإصلاح ما يمكن إصلاحه من الطمس الذي تعرضت له, ولتأهٍيلها أيضاً كي تكون مزاراً سياحياً مكتمل البنية, ورغم تضارب الأنباء على أنه قد صرفت 21 مليار ريال للعامين المقبلين والحالي, إلا أن هناك تحفظ كبير على هذه المبالغ إذا ما صرفت أم لا أو حتى جزءاً منها, من قبل المكتب التنفيذي للعاصمة الثقافية الذي أكد لنا على لسان مديره الأستاذ - رمزي اليوسفي - أن ميزانيتهم شحيحة جداً, نافياً عدم استلامهم أي ريالٍ حتى الآن من موازنة العاصمة الثقافية سواء من القطاعين الخاص أو العام, وموضحاً بذات اللحظة أن كل ما يصرف هو من نفقة المحافظ الخاصة.
وفي هذا الصدد حدثنا عبدالله أمير - وكيل عام محافظة تعز, والذي عين وكيلاً ثقافياً أيضاً, التصريح ل”الجمهورية”: بأنه لا يدري عن كمية المبالغ المخصصة أو المصروفة للعاصمة الثقافية, ولا يعرف أيضاً إذا ما كانت قد صرفت؛ أين أنفقت وعلى أي جهة, كما لا يعلم عن أي فعاليات يتحدثون في تعز أو أعمال ثقافية أو ما شابه, فكل شيء في المكتب التنفيذي للعاصمة الثقافية يسري دون علمه, وأضاف ساخطاً: “ليس لدي أدنى صلاحيات بالشؤون الثقافية, فقط أنني مجرد وكيل بصورة فخرية أو ديكور لا أكثر”.
«تعز وحصنها» قبلة سياحية تستحق اللفت
ما يجدر ذكره أن ثمة انطباع جيد ورضا تام لدى أبناء الثقافية بعد ترميم القلعة, خاصة الذين يقطنون أسفلها في المدينة القديمة إذ كانت قبل الترميم تهددهم أسوارها الضخمة من الاندثار على رؤوسهم ودفنهم, ويبقى الأمل حاضراً لدى الجميع في أن يصبح الحصن معلماً تاريخياً عالمياً يفخر به أبناء المحافظة, فالقاهرة وكما بدت وستضل؛ سيدة القلاع العربية, بأصالتها وجمالها, فرضت نفسها قِبلة سياحية تسبق إليها الروح قبل الجسد لتستنشق عَبقها.
ومن هنا وفي خاطرة لي؛ ينبغي الإشارة إلى أنه من الأفضل أن تنادى “قلعة القاهرة” باسم “حصن تعز” كاسم رئيس ومعتمد من قبل وزارة الثقافة, كون الحصن أولاً يعد أكبر من القلعة التي هي جزء من حصن, وكما هو واضح حجم الحصن العظيم الأكبر في اليمن, ومن ناحية أخرى أن ثمة أسماء عديدة للقاهرة داخل اليمن وخارجه, ما يُولِد بذلك الالتباس في الأسماء والأماكن, بالإضافة إلى أن عمر اسم “حصن تعز” أكبر من عمر “قلعة القاهرة” كون الأول هو الاسم التاريخي, علاوة على ارتباط اسم الحصن بالمدينة «تعز».
وفضلاً عن “حصن تعز” فإن تعز تملك, العديد من المواقع الأثرية المتنوعة, كجامع الجند والمظفر والأشرفية, وقلعة الدملؤة, ومدينة المخا وميناؤها التاريخي, وغير ذلك الكثير والكثير؛ ما يجعلها تستحق بجدارة أن تكون عاصمة للثقافة العربية!!.
ومع ذلك فإن تعز تنقصها الكثير من المقومات الخدمية والتنموية والبنية التحتية, لا أقول الطبيعية أو التراثية؛ لكي تحظى بهذا الشرف, فكيف لها أن تكون كذلك في ظل هذا الركود الشامل الذي تعيشه منذ أمدٍ طويل وما زالت ولن أقول لا تزال, فلطالما عاشت تعز حالمة, فيا ترى متى ستنتقل إلى نمط الواقعية.
«تعز» كنز مكدس
تعز بلاد العز كما يصفها اليمنيون, مدينة كنجومٍ معلقة في السماء, عروس في الليل تتلألأ كقناديل مقنطرة, وعذراءٌ في الصباح تتجدد كإشراقة الشمس, وُلِدت منها قلعة القاهرة في العصر الحميري, فترعرعت القلعة في العصر الصليحي, وازدهرت في العصر الرسولي, وهاهي اليوم بعمرها الذي يتجاوز ال 2700 عام, - راشدة وقوية - لا تزال تقف شامخة بكنف تعز, تعانق جبل صبر, وتحرس المدينة صباحاً ومساء, بأسوارها وأبراجها المستعصية, وأخاديد تتربع عليها قصور مترفة, تحيطها حدائق خلابة, ترويها بركٌ تغذيها مياه عذبة, كلها داخل حصنٍ رهيب, صمم ليوقع الرعب في نفوس الأعداء, بمظهره المنفرد بالسطوة, إنه منبعُ خوفٍ ومعلم نصر.
الفِلم الوثائقي ل«حصن تعز»
ينتظر خلال الأيام المقبلة أن يبث فيلم وثائقي تلفزيوني على بعض المحطات الوطنية أو الخارجية, يطرح جل ما هو إيجابي عن “حصن تعز” ومدينته, وحتى ما هو سلبي عن الحصن تَولد عقب عملية الترميم له, ليس كمقت له أو إنكار للجميل, وإنما كواجب ديني ومسؤولية اجتماعية مقتضاها الحد من ممارسة الخطأ والتوعية بالإصلاح وعدم التكرار..!!
منتجو الفِلم مجموعة أسمت نفسها - تعز الثقافية - وهم بضع شباب من خريجي قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام - جامعة صنعاء, كان فيلمهم بمثابة مشروع تخرجهم, إذ أنتج بتكلفة قاربت ال 5 ألف دولار, مدته 30 دقيقة, وفي هذا الشأن يطيب لي في ما تبقى من سطور, وجب أن استغلها في الثناء والشكر لكل من ساهم في إنتاج الفِلم ممثلاً, بمجلس الترويج السياحي, وشركة لينا الإعلامية, بالإضافة إلى مجموعة الخامري موتورز, ومطاعم الرباش, والشركة الوطنية لنظافة المدن, باستثناء المكتب التنفيذي للعاصمة الثقافية, والذي لم يقدم أدنى دعم مالي للفِلم إلى حد الآن, رغم ما خصص للمكتب من مليارات لدعم هكذا مشاريع تنموية وثقافية وسياحية.
هذا ويتوقع المتخصصين والنقاد في الجانب الإعلامي أمثال الدكتور - عبد الله الزلب -, والدكتور - بشار مطهر-, أن يلاقي الفِلم رواجاً واسعاً ونجاحاً باهراً, يجذب ويلفت نظر العديد من الزوار والمهتمين إلى “حصن تعز” بل وتعز بشكل عام, ويعد الفِلم بمثابة صورة حسنة ستُنقل عن اليمن الطيب أرضاً وشعباً إلى الخارج, وستتكرر في أعمال أخرى “إن شاء الله”.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.