مقالات محمد مصطفى العمراني من عجائب اللغة العربية وجمالها المدهش هذا الثراء المذهل في الألفاظ والمفردات ، فلك أن تتخيل إذا كان للكلب 70 اسما كما للسيف 50 اسما ، فكم ستكون عدد كلمات اللغة العربية كلها ؟ البعض يوصلها إلى 13 مليون كلمة وهذا لم يحدث في أي لغة من اللغات في العالم .! لقد صنف ابن خالويه كتابا عن أسماء الأسد أوصلها إلى 500 اسم ، كما صنف كتابا عن أسماء الحيات والثعابين أوصلها لمائتي اسم ، والعسل له ثمانون اسما أفردها الفيروزبادي بمصنف.! وقال الزبيدي : للأسد 400 اسم ، وللسيف ، وللسيف 300 ، والناقة 255 ، وللماء 170 ، والمطر 70 لكل واحد منها استعماله الخاص في حالة معينة.! تسمعون البعض عندما يرحب بإنسان يقول : - أهلا وسهلا بالطش والرش . وزاد بعضهم ، والموز المقرش ، وفي رواية والبيض المفقش .! نعود لقصة الطش والرش . الطش والرش من أسماء المطر ، فالمطر أوله رش ، ثم طش ، وفي القاموس الوسيط: «(طَشَّت) السماء طَشًّا وطَشِيشاً: أمطرت مطراً ضعيفاً ... و(الطّشَاشُ) من المطر: الرَّشَاش وهو دون الوابل وفوق الرّذَاذ . وبعد الطش يكون المطر طل ، ورذاذ ، فإن زاد فهو نضخ ، ثم هضل ، وتهتان ، ثم وابل ، ثم جود . فإن أحيا الأرض بعد موتها فهو : الحياء ، فإن جاء عند الحاجة فهو : الغيث ، فإن كان قطر المطر صغيرا فهو : القطقط ، فإذا دام المطر مع سكون فهو : الديمة ، ونحن نسميه في إب " الدجنة " ، والصحيح الديمة. فإذا كان المطر عاما لكل الأرجاء فهو : الجداء ، وإذا روى كل شيء فهو الجود وهو أعلى مراحله ، وإذا كان كثير القطر فهو : الهطل والتهتان ، وإذا كان ضخم القطر شديد الوقع فهو : الوبل. وتأمل في قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } الشورى: الآية 28. لم يقل ينزل المطر وإنما ينزل " الغيث " لأن الغيث يعني المطر الذي يأتي وقت الحاجة ، فيأتي بعد الجفاف ، وقد سمي غيثا بالمصدر لأن به غيث الناس المضطرين المحتاجين ، وتقدم عند قوله تعالى : " فيه يغاث الناس " في سورة يوسف . وقرن هذا المطر برحمته لأن فيه إغاثة للناس ورزق عظيم بلا ضرر فالعيث مع الرحمة لا ضرر فيه بل رزق صافي. وفي القرآن الكريم قال تعالى : ( وَمَثَلُ 0لَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ 0بۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ 0للَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فََٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَ0للَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ ) الاية (265) سورة البقرة. وقَوْلُهُ: ﴿فَإنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ﴾ أيْ فَإنْ لَمْ يُصِبْها مَطَرٌ غَزِيرٌ عظيم " وابل " كَفاها مَطَرٌ قَلِيلٌ وهو " الطل " أي : الندى واللين من المطر ، وفسر بعضهم الطل بالطش وهو أول المطر كما ذكرنا ( فَآتَتْ أُكُلَها ضِّعْفَيْنِ ) . والمعنى حتى وإن لم يصبها المطر الشديد العظيم وأصابها المطر القليل فقد بارك الله به حتى ضاعف ثمرتها ، كما يضاعف ثمرة من ينفق في سبيل الله بالكثير أو القليل . وهذا الثراء في الألفاظ والمفردات في اللغة العربية يوفر الكم الكبير من الكلمات للشاعر والناثر فيختار منها ما يناسب المعنى الدقيق الذي يريده ، فإذا كانت القافية مثلا بحرف النون فسيختار الشاعر من أسماء الخيل : الحصان ، وفي قول الشاعر المتنبي : الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم فلو وضع كلمة الفرس مكان الخيل وقال : الفرس والليل والبيداء .. الخ فلن يستقيم الييت ، ولن تكون الكلمة المناسبة بدقة لسياق الكلام ، ولن تنسجم مع الكلمة التي تليها مثل الخيل التي هي مع كلمة الليل متجانسة تماما ، كذلك لو قال : الحصان أو المهر فلن تكون مناسبة مثل : الخيل . وكذلك في قوله : أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب هنا لم يقل لا خيل ولا حصان ولا فرس ولا مهر وغيرها وإنما " سابح " وهي من أسماء الخيل ، وسابح : هي الخيل السريعة التي تسابق الريح فكأنما تسبح في الهواء لسرعتها .! فالراكب على هذه الخيل المسرعة الممسك بسرجها ولجامها يشعر بالعز والفخر ، فكأنه القائد المتحكم بهذه الدابة السابحة في الهواء يوجهها حيث يشاء فيشعر بأهمية وقيمة مكانه. فتأمل . * القرآن الكريم 1. 2. 3. 4. 5.