بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    صحفي سعودي: الأوضاع في اليمن لن تكون كما كانت قبل هذا الحدث الأول من نوعه    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات الضياع
قصة قصيرة
نشر في الجمهورية يوم 25 - 12 - 2014

تعودتُ منذ زمن بعيد على هذا الوضع ، ولم أكن أكترث بكل العقبات التي كانت تواجهني، في البداية كنت أشعر بالخوف والتردد، خاصة أني كنت طفلة صغيرة، لكن أمي كانت تشجعني، وتحفَّظني بعض العبارات التي ألقيها على آذان المحسنين على أبواب المساجد، وأمام صفوف المصلين، وكلمات مؤثرة أخرى أخاطب بها أصحاب المحلات التجارية الكبرى والمسافرين في السيارات الواقفة في «الفرزة»، منهم من يجود علي ببعض النقود ومنهم من يتعجب من كلماتي البليغة فيبتسم في وجهي، مرت السنوات وبدأت تظهر علي علامات البلوغ، فرأت أمي أنه لابد لي من لبس البرقع ليستر جمالي، ويدعو الناس إلى التعاطف معي..
مات أبي وترك لنا بيتاً نأوي إليه وراتباً شهرياً يكفينا، بل ويزيد عن حاجاتنا الأساسية، كنت بحاجة إلى أن أبقى في بيتي وأذهب إلى مدرستي كبقية أترابي، لكن جشع أمي وحبها الجنوني للمال دفع بي إلى الطرقات والأبواب، وأورثني المذلة والمهانة والضياع، ليس هناك شارع في المدينة إلا ووطئته قدماي الحافيتان، ولا سوق إلا وتجولت على محلاته طلباً للمساعدة، كم هي عبارات الاستجداء وكلمات الإلحاح التي كررتها حتى مجها سمعي وملها لساني، كم هي الأساطير والأكاذيب التي أرويها للناس حتى يشفقوا علي، كنت وأمي نشرب الماء من برادات الشوارع، ونتناول طعامنا في مداخل المقاهي، أحسد صديقاتي اللواتي يذهبن إلى المدارس، كان منظرهن وهن يتنادين ويتضاحكن عند الشروق، يملأ قلبي بالحسرات، كانت لحظات إيابهن وهن يحملن حقائبهن ويرفعن أصواتهن بالأناشيد الجميلة تهز وجداني، ياليتني كنت معكن، ليتني أحفظ نشيدكن، ليتني أرى مدرستكن ومعلماتكن.
لقد فرضت على أمي مساراً في الحياة، رسمه لها خوفها من الفقر فقذفت بي إلى التيه والحيرة، إلى صناعة الأحزان واختلاق المصائب وتزييف الدموع، لم نكن بحاجة إلى السير في هذا الطريق، كيف لو علم أبي الذي كان يخشى على من هبة البرد، وضوء الشمس وضجيج السيارات، كيف لو رأى ابنته البكر «جواهر» وهي تخط المدينة ذهاباً وإياباً، في حر الصيف وشدة البرد، كيف لو رأى طفلته المدللة «جواهر» وهي تقيل في ظل جدران الفنادق والعمارات وتحت مظلات السيارات، إنها سنوات مريرة، وذكرى مؤلمة، لو لم ينقذنا منها «دموع الشيخ عبد القادر» ربما هوت بنا إلى المجهول، لم أكن أتصور أن للعاطفة فيضاً وعطاء تتقاصر عنه أيدي الباذلين وجيوب المترفين.. جلسنا في الجانب الداخلي لباب المسجد، بعد انتهاء الصلاة وقفت أمي تشرح للناس فقرنا وعوزنا والأمراض المستعصية التي تحتاج إلى المال الكثير، والديون التي ركبتنا من جراء تلك الأمراض إلى آخر تلك الأكاذيب التي تستدر عطف المحسنين.
في تلك الليلة قالت للناس: إن الوقوف بين أيديكم مذلة, والسكوت عن حال ابنتي الشابة جريمة، هذه فتاة يتيمة وفقيرة ومريضة، إنها لا تحتاج منكم الكثير، فقط تحتاج إلى من يتبرع لها بالدم ومن يدفع لنا ثمن الفحوصات لهذا الدم، أكملت حديثها فجلست، فاتكأتُ على كتفها حتى يشعر الناس بشدة مرضي، لم نكن بحاجة إلى الدم وكان المقصود هو ثمن الفحوصات، انصرف المصلون ولم نحصل على شيء يذكر، فقررت أمي البقاء في المسجد إلى صلاة العشاء لتكرر المحاولة ثانية، تكرر المشهد في صلاة العشاء، وتكررت النتيجة، بدأ المسجد يخلو من المصلين، حتى لم يبق فيه غير إمام المسجد «الشيخ عبدالقادر»، حيث تأخر يصلي ويذكر الله ويقرأ في كتاب كان بجانبه، أغلق كتابه وحمل نعليه في يده اليسرى، ثم اتجه إلى الباب منصرفاً، عندها خاطبته أمي: يا شيخ نحن في حاجة إلى المساعدة، هذه ابنتي الشابة مريضة وتحتاج إلى الدم وثمن الفحوصات، وأنا أرملة، عضَّنا الفقر وغصَّنا الجوع، وحطَّمنا المرض، فإلى من نشكو حالنا، ليس لنا بعد الله أحد نلجأ إليه، وقد بذلنا أنفسنا وأهرقنا ماء وجوهنا، وتعرضنا للهوان، فهل أسلم ابنتي هذه للموت ليلتهم شبابها وإلى القبر ليفتت عظامها، لو كان أبوها حياً لكانت الآن ترقد في أبهى المستشفيات وتتلقى أرقى أشكال الرعاية، بل ربما إنها ما تعرضت لهذه الأمراض التي تزحف عليها بسبب سوء التغذية وانعدام الوقاية.. ومازالت تفيض عليه من هذه الكلمات حتى جلس على كرسي قبالة أمي، كنت أتأمل فيه من وراء برقعي، يلبس ثوباً أبيض وعمامة بيضاء ووجهاً أبيض، أما لحيته فكانت سوداء خالطها قليل من البياض، وفي جبهته أثر السجود، يشع وجهه نقاء وطهراً وصدقاً، رأيت عينيه تترقرقان بالدمع وهو يصغي إلى أكاذيب أمي، شعرت أن أمواجاً من عواطفه تجيش في صدره فتتدفق نحونا أنهاراً فتغمرنا بحنانها، أخذتْ دائرة وجهه تتمايل أمام عيني الزائغتين، هيئ لي إنه أبي، أخذت في البكاء حتى رحمني، ظن أني أبكي لحاجتي وآلام مرضي، أما أنا فلست أدري أأبكي لمتاهتي؟ أم أبكي أبي الراحل؟ أم إشفاقاً على أمي وتماديها في الخداع؟ أم على هذا الوجه الملائكي البريء المخدوع؟ قال الشيخ: لا عليك يا ابنتي، سأذهب معك إلى المستشفى، وأتبرع لك بدمي وأدفع أجرة الفحوصات، رجائي لا تبكي، سأعطيك ما تحتاجين إليه.
اختلطت صرختي ببكائي حينما قلت: لا أيها الشيخ الصالح، أنا لست مريضة، أنا ضائعة ضيعتني أمي، حرمتني من طفولتي، كسّرت ألعابي ووأدت أحلامي، أنا لا أريد دماً، أريد أن أعيش كما تعيش الفتيات من أمثالي أريد مدرسة، أريد أن أفرح بالعيد، أريد أن أطبخ وآكل في بيتي، أريد أن تكون لي صديقات يزرنني إلى غرفتي، لا أريد أحداً أن يناديني بالشحاتة، أريد أن أفرح بخطيبي وأن احتفل بعرسي، وأشم أبنائي، أريد أن تتوقف أمي عن خداعها وتسولها، لقد أرادت لنا الربح فخسرنا الحياة ومعانيها الجميلة. أيها الشيخ، إما أن تكف أمي عن السير في دربها هذا وإما أن تأخذني إليك وتضمني إلى بناتك لآخذ حظي من السعادة وأودع ليل الشقاء، سئمت من المشي في الطرقات والوقوف على أبواب المساجد ومد كفي للمارة. ارتعشت أمي حتى غشي عليها، فاحتضنتُها وقلت: سامحيني يا أمي إن أسأت إليك، لعلك معذورة في خوفك من الفقر والعوز، لكنك غير معذورة حينما تسحقين وردتك الجميلة، وتبعثرين رحيقها، وتلقينها مزعاً في قارعة الطريق. وكانت تلك آخر ليلة مددنا فيها أيدينا للناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.