تفتقر جامعاتنا اليمنية إلى تلك المقومات التي تجعل مرافقها منتشية ب (المناشط الطلابية) المختلفة، ف (الجامعة) ليست قاعة محاضرات وإلقاء دروس وحسب؛ بل دورها التنويري يتجاوز ذلك بكثير، وهو الدور الذي لم تتجاوزه بعد تلك الجامعات، وهذا التحقيق وإن جاء متأخراً؛ إلا أن الغرض منه (التقييم) والتعريف أكثر بأهمية تلك المناشط، حتى تكون الالتفاتة هذه المرة جادة وصادقة، تبث من خلالها (الحياة) إلى روح الجامعات اليمنية قاطبة، كي تبقى فاعلة على مدار العام (الاعتيادي) وليس الدراسي فقط..!! مجرد سؤال!! أمل عبدالسلام الوجيه الطالبة في كلية الآداب جامعة عدن استرجعت لحظات الزهو الأولى لولوجها بوابة الجامعة العريضة بالآمال والتطلّعات، من فرحتها الغامرة تفحصت لحظتها دليل الطالب الجامعي، وقرأت ما فيه فقرة فقرة.. أعجبها كثيراً ذلك البند التعريفي بوجود إدارة مختصة بالأنشطة اللامنهجية واللاصفية وفي كثير من المجالات. بعد بضعة أيام ستنهي أمل سنتها الجامعية الثانية.. والأمر كما تصف لا جديد في هذا الشأن بتاتاً!! - تقول أمل: لم ألمس خلال دراستي أي أنشطة تُذكر أو تُقام في كلّيتي، وهو الأمر الذي دفعها لتتساءل بمرارة: لماذا ندفع الرسوم؟! وأين رسوم الأنشطة؟! وأين هذه الأنشطة..؟! - ما طرحته (أمل) كلام قوي ومؤثر، وعلى الأخص تساؤلها الأخير هو الخيط الذي تسللنا منه إلى أغوار هذه القضية. - الطالب ماهر عبد الله زميل (أمل) في ذات الكلية هو الآخر لديه وجهة نظر (أقل حدة) فهو يعتقد أن الأنشطة الجامعية موجودة ولكنها ليست بالمستوى المطلوب. الوقت الكافي ما لا يمكن إنكاره هو أننا نعيش واقعاً سلبياً للغاية فيما يخص تفعيل الأنشطة الجامعية، والأخذ بها نحو جادة الصواب، هذا ما قاله الدكتور محمد العزاني مرجعاً سبب ذلك إلى عدم وضوح مبررات تفعيل تلك الأنشطة من المعنيين أنفسهم، فالأساتذة الجامعيون ورؤساء الأقسام مثلاً يعتقدون أن دورهم يكمن فقط في نقل المعلومات وإلقاء المحاضرات فقط، والمصيبة أن يسري هذا الفهم على عميد الكلية، أو رئيس الجامعة ذاته. بعد هذا السبب البارز انطلق العزاني إلى أسباب ثانوية أخرى هي كما يعتقد لا تقل شأناً عما سبق، ولعل أبرزها يتمثل في قلة الإمكانات المادية المتوفرة من ميزانيات وأماكن للنشاط وأجهزة وخدمات وأدوات وورش، وكذلك عدم توفر الوقت الكافي لممارسة الأنشطة المختلفة أثناء اليوم الدراسي، بالإضافة إلى طول المقررات وكثرة المواد وازدحام خطة الدراسة بالمحاضرات، ومن الأسباب أيضاً أردف العزاني: عدم وجود حوافز للإشراف على مثل هذه الأنشطة الأمر الذي يجعل من يعيّن مشرفاً عليه ينظر إليه باعتباره عبئاً يود الخلاص منه، أو يمارسه دون إقبال أو حماس، فتفتر همم الطلاب المشتركين فيه حتى وإن كانوا راغبين.. ولفت العزاني إلى أن الطالب الجامعي قد يكون أحد معوقات النشاط لعدم فهمه لأهمية النشاط وإهماله وكسله. الطالب كسبب من جانبها ركزت الدكتورة أنيسة دوكم على مشكلة عدم انخراط الشباب في مثل هذه الأنشطة، مرجعة سبب ذلك إلى شقين مهمين، يتصل الأول بالإمكانيات المادية حيث إن مثل هذه الأنشطة تتطلب مبالغ مالية لتنفيذها. أما الشق الثاني حسب دوكم فهو متصل بالطالب نفسه، الذي قد لا يُدرك أهمية هذه الأنشطة، ويعتقد أن دوره في الجامعة هو تحصيل العلم في قاعة الدرس، وبالتالي يحرم نفسه من الاستفادة من الفرص المتاحة أمامه لممارسة الأنشطة الموجودة في الجامعة. وسيلة مُثلى فيما تقول الدكتورة نوال الحرازي: إن أهمية الأنشطة الطلابية تتمثل في أنها تساعد على صقل شخصية الطالب الجامعي، وتوسيع مداركه وصيانة ذهنه وإعداده لأن يلعب دوره في الحياة عامة، بحيث يصبح شخصية متعاونة وإيجابية، كما أنها تزيد من وتيرة روح الانتماء لديه. وأشارت د . الحرازي إلى أن الجامعات وفي أي مجتمع من المجتمعات هي الرافد الأساسي الذي يزود المجتمع بالمخرجات البشرية التي يتوقع منها النفع والقيام بالتغيير المنشود للدفع بالعملية التنموية إلى الأمام. وخلصت د. الحرازي إلى أن الفراغ بمعانيه المختلفة أصبح سمة دائمة ومن أشنع إفرازات المدنية الحديثة لعديد أسباب تتداخل فيما بينها لتولد مايسمى ب «انشغال أبنائنا بالتوافه». وتضيف: من هذا المنطلق فإن الأنشطة الطلابية تعد وسيلة مثلى للقضاء على هذا الفراغ التافه، بواسطة نشاطات محببة للنفس، وتعلم مهن وإجادة حرف واكتشاف المواهب الفنية والقدرات الرياضية وغير ذلك. انفعالات إيجابية ولفتت د. الحرازي إلى أن الأنشطة الطلابية جزء مهم من العملية التعليمية، وأهميتها لا تقل عن الدروس والمحاضرات، واستدلت ب (الأنشطة الرياضية)، فهي كما تصف إحدى ركائز الأنشطة الطلابية المهمة، لأن العقل السليم في الجسم السليم. كما أنها تعد من أهم العوامل التي تعمل على الارتقاء بالمستوى الفني والبدني، وتكسب القوام الجيد وتمنح الفرد السعادة والسرور والمرح والانفعالات الإيجابية السارة، وتجعله قادراً على العمل والإنتاج والدفاع عن الوطن، وتعمل على الارتقاء بالمستوى الذهني والرياضي في إكساب الفرد النمو الشامل المتزن. فائدة مستقبلية الطالب الجامعي من خلال الأنشطة المتنوعة يتعلم الكثير، ويكتسب أشياء جديدة ومفيدة كالحرية في التفكير وفي العقول وفي العمل وفي اتخاذ القرار المناسب، وتقوية أواصر العلاقات بينه وبين زملائه من وئام وتعاون وتعاطف وديمقراطية في النقاش واحترام آراء الآخرين. بهذه المقدمة ابتدأ الدكتور يحيى عبدالغفار حديثه، مضيفاً، إن الأنشطة الجامعية تجعل الطالب أكثر قرباً وتعلقاً وحبّاً لكليته، وأكثر قابلية لمواجهة المواقف التعليمية بروح عالية وعزيمة قوية تضطلع إلى بناء مستقبل مملوء بالحيوية والنشاط والهمة العالية من أجل بناء الوطن أرضاً وإنساناً. - وخلص عبدالغفار إلى إمكانية توظيف هذه الأنشطة واستثمارها بقدر طاقة الطالب على العطاء، فبقدر ما يحصل الإنسان على تشجيع ودعم بقدر ما يقبل على الأنشطة ويتحسن مستواه وترتفع كفاءته، معتبراً أنه لو أحسن تخطيط الأنشطة وتنفيذها لتحولت طاقات مهدرة وسلبية إلى طاقات فاعلة وإيجابية. وحسب د. عبدالغفار فإن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالأنشطة الطلابية لها من الإيجابية ما هو أكثر من ذلك بكثير، وتبقى الفائدة المستقبلية العنوان الأبرز للدلالة والمضمون. الحل أمام ذلك الوضع الذي يكتنفه الكثير من القصور، أقولها صراحة إن القطاعين العام والخاص وكافة الأيدي الفاعلة في المجتمع، مدعوون إلى دعم الجامعات اليمنية مادياً ومعنوياً وتوفير التمويل اللازم لإقامة برامجها وأنشطتها المختلفة، من أجل الارتقاء بواقع شبابنا رجالات الغد المشرق الذين يؤمل عليهم الكثير. وفي المقابل على الجامعات اليمنية أن تسعى إلى شراكة حقيقية مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين خارج حرمها، من أجل النهوض بالأنشطة الطلابية نحو الأمثل والأفضل، لأن المؤمّل عليها والمطلوب منها هو قيادة عملية التنمية والإبداع في البلاد قاطبة.