كانت أبرز سمات المشهد الانتخابي خاصة بين حزب الأقاليم الحاكم ومعارضيه من البرتقاليين. انتهت المحصلة النهائية للانتخابات بفوز الحزب الحاكم الأقاليم بنسبة35% في مقابل وطن الآباء الحاصل علي22%, بينما احتل التيار الشيوعي المرتبة الثالثة بنسبة15% من أصوات الناخبين, مقابل10% لحزب سفوبودا القومي والمعروف بمناهضته الوجود الروسي في أوكرانيا وكذلك معاداة السامية, وهو الأمر الذي أثار حفيظة روسيا وتوتر إسرائيل التي قال سفيرها في كييف تعليقا علي نتائج الانتخابات إنها المرة الأولي التي يدخل إلي البرلمان حزب للنازيين الجدد لا يخفي معاداته للسامية ويدعم الذين تعاونوا مع هتلر, مشيرا بذلك إلي تكريم الحزب لمقاتلين قوميين سابقين في جيش أوكرانيا للعصيان. والأرجح أن نتائج الانتخابات منحت العصا الدستورية للرئيس يانوكوفيتش لمواصلة مشروعه السياسي, ودقت المسمار الأخير في نعش الثورة البرتقالية التي لم تحرك وأنصارها ساكنا للمياه الراكدة في بحر السياسة الأوكرانية, إذ شهدت السنوات التي أمسكت فيها بتلابيب الدولة تباطؤا في معدلات النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر التي وصلت إلي37% فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة إلي مستوي قياسي متجاوزة حاجز ال15%, ناهيك عن تنامي الاحتقان الاجتماعي جراء سوء الأوضاع المعيشية. وفي سياق متصل أزاحت الانتخابات البرلمانية الأوكرانية النقاب عن عمق الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد, والتي انعكست آثارها السلبية في انقسام المجتمع الأوكراني علي نفسه, وكان بارزا هنا, اقتراع الشرق لمصلحة النظام الحاكم, بينما صوت الغرب لمصلحة المعارضة. ومن جهة أخري كشفت الانتخابات عن تآكل الرصيد التقليدي للحزب الحاكم والمعارضة معا, وبدا ذلك في عدم حصول أي منهما علي أغلبية مريحة داخل البرلمان, فقراءة الأرقام تشير إلي عدم تمتع أي منهما بدعم شعبي قوي. وقد أظهرت الانتخابات وجودا دوليا كبيرا حيث راقب المجتمع الدولي عن كثب العملية برمتها, خصوصا الاتحاد الأوروبي الذي دعا النظام إلي التزام الحيادية والنزاهة إذا ما أرادت كييف الالتحاق بقطار بروكسل. غير أن الاتحاد رصد تجاوزات وانتهاكات صارخة بحق المعارضة ناهيك عن استخدام النظام الحاكم لوسائل التعبئة غير السياسية, ومن ذلك المال السياسي في شراء الاصوات وكذلك توزيع سلع غذائية علي الفئات المهمشة والفقيرة التي تشكل أصواتها القاعدة العريضة في البلاد. في المقابل بدت روسيا أكثر ليونة تجاه الاقتراع وتجاوزته خوفا علي مصالحها, حيث إنها تعتبر الرئيس يانكوفيتش شريكا مهما لها, يحفظ لها علاقة كييف بموسكو فالمصالح الروسية داخل أوكرانيا تظل مصانة ما دام هناك حاكم مثل فيكتور يانكوفيتش وحزبه, غير أن انحياز روسيا للحكم الحالي جاء من وراء ستار, إذ بدت روسيا أكثر حرصا علي ألا تخسر المعارضة التي طالما منحتها امتيازات تجارية واسعة وقتما كانت علي سدة السلطة. القصد إن التفويض الممنوح للحزب الحاكم هذه المرة يبدو ضيقا ومشروطا, لذلك تبقي المهمة أمامه صعبة لإيجاد إجراءت جديدة وفعالة للتعاطي مع تداعيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة. كما يبقي مهما علي الرئيس تغيير سياساته في إدارة البلاد بإتاحة قدر من الحرية لمغازلة القوي الدولية الضاغطة علي أوكرانيا, وكذلك كبح جماح ثورة برتقالية تلوح بوادرها في الأفق خاصة بعد نجاح المعارضة في لملمة اشلائها المبعثرة ونجاح بعض محاولاتها في استعادة صورتها الرومانسية داخل الوعي الجمعي للشعب الأوكراني.