من هي الساحرة وكيف نرسمها؟ إنها هي التي تأتي إليك فتطرق بابك الخشبي برأس أصبعها المدبب . تشعر للوهلة الأولى، كأن الريح هي التي تنقر كعصفور هارب من البرد والريح على بابك، أو على شباك نافذتك المغلقة . مع ذلك يدفعك الفضول لأن تذهب دونما سلاح، لفتح الباب، فتكون مقابل قامتك المرتجفة امرأة عجوز، محدودبة الظهر، فاقدة الأسنان، كبيرة الأنف، عيناها غائرتان في ثقبين عميقين، لكن بريقها الغريب يشع فجأة أمام عينيك فتفقد التركيز . وتتخدر منجذباً صوب إرادتها القوية . تقدم لك تفاحة حمراء كبيرة الحجم بيدها اليسرى، فيما يفتر ثغرها عن شبه ابتسامة . أما رداؤها الكحلي المائل إلى الأسود، فإنك تشم منه رائحة عطر غريب . تتمنى ألا يملأ منخريك مرة ثانية، إنه أشبه برائحة التابوت الذي يفتح على جثة إنسان ميت منذ أربعين يوماً . - أنت الذي أنتظره منذ زمان بعيد، تعال إليّ . . . هكذا تنطق الساحرة وهي تقترب منك فيما لا تملك أنت إلا التراجع والانطواء في زاوية ضيقة من زوايا المكان الذي تسكنه . - ماذا تريدني أن أخبرك عن محبوبتك التي تنتظرك منذ دهور؟ لكنك لا تعرف من هي هذه المحبوبة . فيما تؤكد الساحرة، أنها تنام معك، وبداخلك، ولا تخرج إلا من تحت أظفر إبهام قدمك اليمنى . إنها تشق الجلد، وتمزق اللحم حين تخرج، لكنها لا تخرج بسهولة وهدوء . ثم تضع يدها على رأسك، وهي تضغط بقوة على صدغيك بواسطة إصبعيها الشرسين . وها أنت تذهب إلى النوم، لكي تبدأ رحلة الكوابيس المرعبة . إنك تركض ولا تتحرك من مكانك . وإنك تصرخ فلا يغادر صوتك الحنجرة . ثم إنك تدخل المهرجان بكامل ملابسك لكنك نسيت أن تستر عريك، لذلك تنكمش على ذاتك طالباً النجدة والسترة . ومن لا مكان تطل امرأة شقراء طويلة الشعر، بطنها منتفخة لأنها حامل في شهرها الثامن، تقترب منك وتسحبك بسهولة فائقة، وهي تزرع عينيها المتوحشتين في عينيك المستسلمتين قائلة: لا تخف إنه هنا، في بطني منذ ثمانية أشهر، وأنت وحدك الرسام الذي يستطيع أن يرسم صورته الحقيقية قبل أن يولد، لأنه سوف يأتي كما رسمته أنت، إنه كان ينتظر صورته كي يتكون . فجأة ينتهي الحوار، تشعر أن شمساً ساقطة على وجهك وأنت تنام قرب الشباك المفتوح على الشرق . إذاً لا بد للرسام من أن يرسم هذا الموضوع . ولا بد من كتاب ما عن قصائد لحاكمة الساحرات . وعملية التطهير . يتحدث كتاب التطهير عن شجرة اللبلاب اليابسة، إنها تمشي ليلاً، وأغصانها المحروقة باللون البني تشير كالأصابع إلى كافة الاتجاهات . وفي جوفها تعيش معزاة هرمة ما زالت منذ بداية الخليقة ترضع مولودها الصغير الذي يرفض أن يكبر . ولكن من أين جاءت المرأة التي تحمل رمحاً وترساً لكي تطعن هذه الشجرة 19 طعنة، فإذا تجاوزت هذا العدد بطعنة واحدة، تحولت الشجرة إلى كائن لا يموت أبداً . أما المرأة الأخرى فإن بروزها المفاجئ . يشير إلى الرحلة الدهرية التي قطعتها . منذ زمن الفراعنة حتى يومنا هذا . ولكن هل هناك من ليل بلا قمر؟ لأن هذا القرص الدائري المضيء، لا يسقط نوره على كل ما في الأرض من هوام وبشر وسحرة، بل إن نوره يتحول إلى فخ يكشف من يرغب بالاختباء . طويل هو الليل، لاسيما إذا كنت محاطاً بكل هذه العدائية، الحارس الشيطان الأحمر اللحم بقرونه الأربعة، يضحك بأعلى صوته الرفيع المدبب الذي يكاد يثقب الجدران . تعال لنرسم رعبنا الأبدي أيها الرسام، فلا خلاص لنا إلا إذا اختبأنا في أعماق أنفسنا . إن مطارد الساحرات، ذلك الكاهن الذي اقتلعت عينه اليسرى بضربه من ذنبٍ حادٍ . كانت تخفيه ساحرة صغيرة تحت تنورتها، هو وحده الذي يمتلك جرأة التلوين والتشخيص، وأنا سوف أذهب كي ألبي طلب امرأتي الحامل بأن أرسم صورة وليدها الذي سيأتي بعد أيام قلائل . مع الفجر اهتزت أغصان الغابة الخريفية، تكسر بعض منها . فيما كانت الساحرة (سيميس) تركب مكنستها وتطير قادمة من جهة الشمال . كان صوتها الرفيع مثل فحيح أفعى صافرة، وكنت أرغب ولا أرغب في قدومها، لكني بدأت أرسم، ودخلت حالة الرسم الذي هو تخطيط أولي يصير ملوناً بألوان أحادية . لذلك ودونما الالتزام بأية قواعد عقلية أو أكاديمية كنت أرسم أشكالي . كانت الغريزة وحدها تجرني إلى إنجاز الأشكال التي لا تحصى . سوف أضعها في صندوق واحد، وأدع المرأة الساحرة تختار منها ما تشاء . كان رسام الساحرات يستوحي كلمات لم تقلها ساحرة ما، بل قالها ذلك المطارد الذي كان يريد إخراج السحر من تحت أظفر إبهامي . كان الدم يتطاير، واللحم يتناثر، والألم يصير أكثر عمقاً . مع ذلك كنت أرسم . كما كان رسام حالة السحر يرسم . فلوحة السحر هي المطاف النهائي لمكنون كبير من المقدرة الاستثنائية على استحداث الأشكال الغريبة . رهط من النسوة مكتوفات بحبال من أمعاء الخنازير المنقوعة بالخل . يحف بهن رهط من الجلادين الذين يحملون مختلف أنواع الأدوات . ولهذا فإن رسوم الساحرات هي المدونات التي تشهد على يوم الدينونة هذا والرسم هنا لا يصنف حسب مدارس التصوير، بل يصنف وفقاً لأشعار وتعاويذ احتفال التطهير لذلك نرسم: أيتها الخطيئة أيتها الخطيئة الأولى والأخيرة كنت مع الإنسان لحظة خلقه وبقيت مع الإنسان عندما أغمض عينيه أنت إذن . . . رفيقة الوهم واللذة بل أنت الوهم واللذة لك كل ما في الدنيا من سعادة ولنا الفرح . لنعزل بين السعادة والفرح فلك السعادة بلا فرح ولنا الفرح المطلق بلا سعادة أيتها الخطيئة . . . الرسم فرح الإبداع والذاكرة وها أنا أرسم ابنك الذي سيولد إن كتب تعويذات الساحرات وطرد السحر المصورة . كثيرة جداً، لذلك نضطر لأن نختصرها في هذا النص الشعري لا النقدي .