قيل قديماً: «الرفيق قبل الطريق».... وليس هناك أبلغ من قول الحق سبحانه وتعالى في تحذيره من خليل السوء، عندما قال: (.. ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا). معلم البشرية الأول ينبهنا إلى أهمية انتقاء الصديق، عندما يقول عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، وهو ما يعني الامعان في تجسيد تأثيره في تشبيه بليغ رائع، ويقول صلاة الله وسلامه عليه: «الصديق مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق بدنك وثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة». لن يكون الحديث عن «أصدقاء السوء» مجدياً إن تم تناول الموضوع بمعزل عن عوامل التنشئة الاجتماعية، باعتبارها الأوعية الحاضنة والمؤثرة في تكوين وبلورة الشخصية، وبناء مكوناتها الرئيسية. ومن ثم فان رفع شعار «لا .. لأصدقاء السوء» ينبغي أن يستقي مفردات ومقومات نجاحه وفعاليته وجدواه من خلال فهم حقيقي، واستيعاب صحيح لتأثير عوامل التنشئة الاجتماعية الإيجابي والسلبي معاً في تكوين اتجاهات ومفاهيم وثقافة الناشئة خلال مراحل الطفولة والمراهقة والشباب. فالعائلة أو الأسرة هي أول «وعاء» أوعالم اجتماعي يحتضن الطفل، وهي مرآة كل طفل كي يرى نفسه، لكنها ليست الوحيدة في أداء هذا الدور، فهناك دار الحضانة والمدرسة ورفاق الشارع أو المنطقة السكنية ووسائل الإعلام والمؤسسات الاجتماعية الأخرى التي يحتك بها الطفل بشكل متدرج، ومن ثم تتسع دائرة تلك المؤثرات المجتمعية لتساهم في صقل الشخصية بالسمات والمؤثرات، ومن ثم تتشكل وفق ثقافة اجتماعية معينة. ثقافة المجتمع خبير العلاقات الإنسانية الدكتور فؤاد أسعد، يشير إلى تأثير عوامل التنشئة الاجتماعية على تشكيل الشخصية، ودور جماعة الأصدقاء - بشكليها الإيجابي والسلبي - حتى نتفهم ما لرفاق السوء من تأثير، ويقول: «لا ننكر أن الدين والثقافة الدينية لهما تأثيرهما المباشر في عملية التنشئة الاجتماعية، ومن ثم يكون دور الأسرة التي تسهم بشكل أساسي في تكوين شخصية الطفل من خلال التفاعل والعلاقات بين الأفراد، ولا سيما في أساليب ممارستها اليومية، ونوع العلاقات الأسرية، والطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة، بحيث تصبغ وتشكل وتضبط النظم التي تساهم في تشكيل شخصية الفرد، فالأسرة تعتبر أهم محور في نقل الثقافة والقيم للطفل التي تصبح جزءاً جوهرياً فيما بعد. يأتي بعد ذلك الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة، ولقد أكدت العديد من الدراسات أن هناك ارتباطاً إيجابياً بين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطفل وبين الفرص التي تقدم لنمو الطفل، والوضع الاقتصادي من أحد العوامل المسؤولة عن شخصية الطفل ونموه الاجتماعي، ثم هناك المستوى التعليمي والثقافي للأسرة، من حيث مدى إدراك الأسرة لحاجات الطفل وكيفية إشباعها والأساليب التربوية المتبعة في تربيته، لأن نمط التربية يؤثر فيما بعد في كيفية تعامله مع جماعة الأصدقاء». العوامل الاجتماعية ... المزيد