ماذا وراء زيارة الرئيس الأمريكي المنتخب ثانية باراك أوباما إلى "إسرائيل" منتصف مارس/آذار المقبل؟ علامة الاستفهام في واقع الأمر تتضمنها حيرة كبيرة لاسيما أن العلاقات بين باراك أوباما نفسه ورئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو ليست بالقدر الذي يدعو الرئيس الأمريكي للقيام بالزيارة في هذا التوقيت . الشاهد أنه رغم التصريحات الأوبامية دوماً وأبداً بتعهد الولاياتالمتحدة حماية "إسرائيل" وأمنها وشعبها، فإن قراءات عدة تطفو على السطح قبل تلك الزيارة، تشي بأن هناك مرتكزات جوهرية ربما تتخفى وراء تلك الزيارة . . ماذا عن أهم الملفات التي تتقاطع فيها علاقات واشنطن وتل أبيب؟ حكماً لدينا ملفات مستجدة على الساحة، وفي مقدمتها الوضع في سوريا، وأخرى أطول عمراً مثل المواجهة مع إيران جراء برنامجها النووي، في حين تبقى خطيئة "إسرائيل" الأصلية متجسدة في ملف النزاع "الإسرائيلي" الفلسطيني خاصة والعربي عامة . على أن الأمر الأهم الذي نذكر به هو أن الولاياتالمتحدة كدولة عظمى مهيمنة على مقدرات العالم، لا تتعاطى في واقع الأمر مع أي ملف لأي من حلفائها حول العالم، إلا إذا كان من شأنه تعريض الاستراتيجية البعيدة المدى للمصالح الأمريكية حول العالم للخطر . تأكيد الزيارة بداية ورد على لسان الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض تومي فيتور، الذي أشار إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سوف يزور "إسرائيل" في الربيع المقبل . هذا الإعلان يستدعي أول الأمر علامة استفهام طرحت مئات المرات، لاسيما مع زيارة أي مسؤول أمريكي رفيع إلى "إسرائيل" أو للشرق الأوسط بشكل عام . هل تحمل هذه الزيارة جديداً على صعيد إيجاد حل لقضية طال أمدها، خاصة أن واشنطن هي الوسيط الوحيد الذي يملك مقومات الضغط على تل أبيب إن أرادت؟ المتابع للمشهد في واشنطن يرى أن هناك تصادماً واضحاً في المواقف، قد يكون الأمر كذلك بالفعل، وربما يكون من قبيل تقسيم الأدوار تهيئة لمفاجأة حقيقية، تتسق والاستراتيجية الأمريكية الجديدة حول العالم، التي تؤهل واشنطن لأن تكون بالفعل سيدة القرن الحادي والعشرين بإطلاق المشهد . التصريحات المخيبة للآمال على صعيد عملية السلام أعلنها جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي أشار إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يعتزم تقديم مقترحات جديدة لتحريك عملية السلام المتعثرة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وذلك أثناء زيارته إلى المنطقة المزمعة الشهر المقبل . . كيف يستقيم هذا التصريح والحقيقية التاريخية التي مفادها أن أي رئيس أمريكي في ولايته الثانية يبذل جهدا أكبر في إطار السياسة الخارجية، لما يتمتع به من مزيد الحرية، ونظراً لعدم قلقه بشأن إعادة انتخابه في نهاية فترة ولايته، والأهم هو رغبته في أن يسجل اسمه في دفاتر الرؤساء الأمريكيين الخالدين؟ الثابت أنه في مواجهة تصريحات كارني، كان السيناتور الأمريكي جون كيري، وفي جلسات تأكيد تعيينه في مجلس الشيوخ وزيراً للخارجية يتحدث عن العكس، إذ صرح بالقول "أدعو الله أن تكون هذه هي اللحظة التي من شأنها أن تسمح لنا بتجديد الجهود الرامية إلى إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات وانتهاج طريق مختلف عن السنوات القليلة الماضية، وأود أن أحاول فعل ذلك" . من نصدق "كارني" أم"كيري"؟ يلفت الانتباه إلى أن إدارة باراك أوباما الجديدة، أشبه ما تكون بإدارة حرب ولو من نوع آخر لا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية، هي إدارة حرب نفوذ وهيمنة ولذا عناصرها من ذوي النفوذ والمكانة على الصعيد العالمي عامة وفي مواجهة "إسرائيل" خاصة، ولعله حال توقفنا أمام وزارتي الخارجية والدفاع بشكل خاص يتأكد لنا صدق ما نقول به . على سبيل المثال جون كيري، وعلى الرغم من الاعتراف على نطاق واسع بأنه من المؤيدين بقوة ل "إسرائيل"، فإنه أطلق انتقادات حادة في الماضي حول سياسة "إسرائيل" المتعلقة بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية . أما هاغل فقد واجه معارضة أكبر بكثير في هذا الشأن، وتنبع المعارضة ضد هاغل من مقابلة أجراها عام 2006 حيث قال إن "اللوبي اليهودي . ." يخيف الكثير من الناس في الكابيتول هيل (الكونغرس)، وأنا لست سينارتورا "إسرائيلياً" . . أنا سيناتور للولايات المتحدة" . . . ماذا يعني هذا التضاد بشكل أعمق؟ المعلوم للقاصي والداني أن الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية ترى أن الشرق الأوسط لم يعد في المركز، وأن التهديد الأكبر من وجهة صناع القرار ومنتجي الأفكار في واشنطن اليوم يتأتى من الصين، وهذا يعني دون اختصار مخلٍ، نقل جميع الجهود الاستراتيجية العسكرية والسياسية نحو الشرق الأقصى، لكن الإشكالية أن هناك ارتهانا أمريكيا لبعض القوى في المنطقة لاسيما إيران، مادام هناك وجود عسكري أمريكي في أفغانستان، التي أعلن الرئيس الأمريكي أن جنوده سينسحبون منها بنهاية عام 2014 . . . . ما الذي يتوجب فعله حتى ينسحب الأمريكيون بسلامة مطلقة ودون خسائر تتسبب فيها إيران أو غيرها من القوى الفاعلة في المنطقة؟ لابد من إغلاق ما يسميه فيشمان "الملفات المفتوحة" في الشرق الأوسط التي قد تعوقهم، ويراها متمثلة في إيرانوسوريا والفلسطينيين ومصر . هل نحن إذن أمام أحاديث صفقات ربما سيجرى الاتفاق على معالمها بين أوباما ونتنياهو؟ حكماً أن أوضاع وصورة "إسرائيل" في الداخل الأمريكي باتت سيئة للغاية، الأمر الذي يمكن أوباما، ولاشك، من ممارسة ضغوط حقيقية على الحكومة "الإسرائيلية" الحالية، من أجل التوصل إلى تسوية تغلق ملف الصراع "الإسرائيلي" الفلسطيني، مرة واحدة وإلى الأبد . . ما علاقة وفائدة إغلاق هذا الملف الآن؟ بلا شك سيعمل نجاح صفقة ما بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين على تخليق تحالف عربي وأوروبي لإنهاء الأزمة في سوريا بداية الأمر وفي إيران تالياً، وهو هدف يسعى قطاع كبير من المتنفذين المعتدلين في وزارة الخارجية هذه الأيام إلى التوصل إليه، خشية أن نافذة فرص دولتين للشعبين توشك أن تغلق بانفجار ضخم لانتفاضة ثالثة . . . هل لهذا السبب يأتي أوباما وكيري إلى "إسرائيل" وبقية الشرق الأوسط؟ دون شك قد يطول الحل بالنسبة للصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" لكن وجود تسوية ولو جزئية كما يقترح القطب اليساري "الإسرائيلي" الشهير"يوسي بيلين" سيمكن الأمريكيين من إحداث جو عام يساعدهم على تخطي بقية الملفات الصعبة المطروحة وفي مقدمتها الملف السوري، وغني عن القول أن إنهاء الوضع الحالي المسيطر فيه حتى الساعة نظام الأسد، سيجعل إيران تفقد زخما مهما جدا وحليفا استراتيجيا لها في المنطقة من جهة، وسيعزل المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله من جانب، كما بنفس القدر سيؤثر في حضور حماس في الداخل الفلسطيني، وإيران هي الجائزة الكبرى التي تنظر لها السياسات الأمريكية، وربما لا تسعى للحصول عليها عبر الأساليب العسكرية التقليدية، إلا في نهاية المطاف، وهذا أمر تجلى واضحا جدا في الخطوة الدبلوماسية الأخيرة التي رأينا فيها السياسات الأمريكية تنفصل عن بقية القوى الكبرى العالمية في محادثاتها مع طهران، لتنشئ بنفسها ولنفسها خطا ثنائيا متصلا، وهم وشاغل أوباما الأكبر هو قطع الطريق على الإيرانيين قبل الوصول إلى المرحلة التي تمكنهم من إنتاج السلاح النووي، غير أن الأمريكيين بالقدر ذاته يعرفون أن الإيرانيين البارعين في عملية التفاوض لن يكونوا "لقمة تفاوضية سائغة" إن جاز التعبير، وأنهم يريدون أن تضمن الإدارة الأمريكية شرعية لسلطة آيات الله ولا تتآمر عليها، ويدرك رجال الخارجية والدفاع في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن التسوية مع الإيرانيين كلما جاءت مبكرة، فإن ذلك يعني خروجا هادئا وآمنا من أفغانستان، وأن أي مناوشات عسكرية في الأوقات الحالية ستؤثر في سلامة الأرواح الأمريكية في أفغانستان، ولهذا قدر الأمريكيون للمباحثات مع الإيرانيين ستة أشهر أو ثمانية كحد أقصى للمباحثات مع الإيرانيين وخلالها هناك احتمال كبير لذهاب نظام الأسد، الأمر الذي ربما يوهن عزيمة الإيرانيين، وهناك العقوبات الاقتصادية التي تعززها واشنطن وحلفاؤها الأوربيون، والتي قد يكون لها بالفعل مفعول قوي . غير أن الأمريكيين في جميع الأحوال يضعون وكما أشار أوباما نفسه في أكثر من محفل "كل الخيارات على الطاولة" بما في ذلك الخيار العسكري . . . . هل ذلك كله متوقف على استجابة نتنياهو للرغبة الأمريكية؟ وما الذي تغير في أمريكا ويجعل من "إسرائيل" حكومة وشعبا تقبل بالفعل بتسوية أمريكية للنزاع مع العرب، حتى إن كانت جزئية أو أولية، مادامت تكفل لواشنطن تحقيق هدفها الأهم والأكبر وهو الخلاص من أزمات وقلاقل الشرق الأوسط والتفرغ للصراع القطبي القادم في الشرق الأقصى مع الصين كعنوان عريض لامع براق، ومن خلفها روسيا التي لا تبارحها أحلام القياصرة في زمان بوتين مجدد شباب الأمة؟