قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    أول جهة تتبنى إسقاط طائرة أمريكية في سماء مارب    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة بحثية : تجربة الدولة اليمنية في مواجهة ‘‘أنصار الشريعة‘‘
نشر في الجنوب ميديا يوم 17 - 10 - 2012

انطلاقا من ايمان صحيفة "عدن الغد"بأهمية الدراسات والابحاث السياسية التي تتناول ظواهر سياسية واجتماعية عامة تقدم الصحيفة دراسة بحثية للباحث "عوض بن عوض القيسي" تتطرق إلى كيف واجهت الحكومة اليمنية تواجد عناصر جماعة أنصار الشريعة في الجنوب .
ولاهمية الدراسة تنشر صحيفة "عدن الغد" نص الدراسة متمنية ان تلاقي حظها من الدراسة والمتابعة من قبل الباحثين .
دراسة بحثية : تجربة الدولة اليمنية في مواجهة ‘‘أنصار الشريعة‘‘
الباحث : عوض القيسي
إن الناظر في تجربة الدولة اليمنية في المواجهات مع أنصار الشريعة ليرى أنها قد استعملت إجراءات وتدابير مستوحاة من النظريات الغربية التي تصنف تحت مسمى مكافحة التمردcounter-insurgency.
والتمرد insurgencyوفقا للأدبيات العسكرية الغربية يشمل أي خروج مسلح ومنظم على سلطة حاكمة محلية أو استعمارية للتخلص منها و إحلال سلطة بديلة عنها ينشئه المتمردون.
أما مكافحة التمرد counter-insurgencyفتعرف بأنها "مجموع التدابير العسكرية وشبه العسكرية و الاقتصادية والنفسية والمدنية التي تتخذها سلطة حاكمة لهزيمة التمرد".
والتدابير- كما رأينا من التعريف – تتنوع على صعد عدة غير الصعيد العسكري. ويجب أن تكون متناغمة معه حتى تأتي بغايتها المنشودة.
لكننا سنكتفي هنا بمناقشة الصُعد الأمنية و العسكرية والإعلامية, فأما الصعد السياسية فقد تكفلت الإدارة الأمريكية والدولة السعودية بالعزل السياسي التام لتنظيم القاعدة من زمن قديم وظلوا على ذلك إلى يومنا. وقد يسر لهم ذلك ما قامت به القاعدة من أعمال كانت تظاهر بها في العلن. و أما التدابير الاقتصادية فسنضرب عنها صفحا لأنها لا يكاد يصل منها إلى العلن شيء يمكن لنا أن نتناوله.
و نشير هنا إلى الجهود التي بذلتها الإدارة الأمريكية في العالم أجمع وما شنت من حملات إعلامية و استخبارية وعسكرية قد نجحت في ترهيب معظم الناس من التحالف مع القاعدة ,بل جعلتهم ينفرون منها لخشيتهم من عواقب الاتهام بالإرهاب.
وعلي أن أشير قبل البدء في عرض جهود الدولة في مواجهة "أنصار الشريعة" إلى أن ما قدمته هنا ليس بالدراسة المستوفية للمصادر والمراجع لكنها مقاربة موضوعية لم ألُ جهدا في التدقيق في صحة معلوماتها والبعد عن الإسراف في الاستنتاجات المبنية على نظرية المؤامرة دون تقديم أدنى برهان, و تحاشيت في أسلوب كتابتها أساليب الدعاية التي تطفح بالإثارة في الألفاظ المستعملة وبالاستنتاجات التي لا تبني على مقدمات منطقية ثم تدعي أن ما جاءت به هو الحق وما سواه هو الباطل, وأخيرا لست أدعي في ما قدمت من استنتاجات أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه لكنها عندي آراء صحيحة إلى أن يثبت عكسها.
وإليك الصعد التي سنتناولها :
أولا- الصعيد الاستخباري : و التدابير المتخذة على هذا الصعيد هي ما تتخذه الأجهزة الأمنية و الاستخبارية في الجمهورية اليمنية من تدابير رامية إلى وأد التمرد أو اختراقه لإضعافه .ومن هذه التدابير:
1- اختراق " أنصار الشريعة " بزرع المصادر البشرية التي تجمع المعلومات وتراقب الأشخاص وتحركاتهم وتبلغ عنهم أولا بأول.
2- المداهمات الليلية لبيوت أعضاء التنظيم والاعتقال لمدد طويلة تصل إلى أربع سنوات دون محاكمة.
والجلي من أمر المداهمات الليلية أن المقصود منها ترويع لا المعتقل وحده بل المتعاطفين مع التنظيم أو غيرهم ممن يخشى أن يميلوا إليه.وغاية هذا الترويع إحداث أثر رادع لدى الناس لكي لا ينضووا تحت جناح أي تنظيم يعادي السلطة الحاكمة. أما السجن الطويل فالمراد به فضلا عن سابقه تحطيم إرادة المعتقل حتى لا يعاود التمرد على السلطة الحاكمة. وهذان الإجراءان لا شك أن لهما أثر رادع في كثير من الناس لاسيما الناظرين. لكن من تعرض لمثل هذه الإجراءات القاسية والمخالفة للقانون اليمني تختلف استجاباتهم فمنهم من يخرج من السجن وفي نفسه نقمة شديدة على السلطة القائمة و لا سيما موظفو الأمن, لشعوره أنهم ظلموه وأهانوا كرامته ودنسوا حرمة بيته دون أن يصدر منه شيء يستحق عليه ذلك برأيه .وهذه الحالة أكثر ما تكون حدة عند من سيقوا إلى السجن للاشتباه ولم يكن لهم ضلع أو من كان يريد الذهاب إلى العراق, فهؤلاء يرون أنهم لم يخالفوا القانون فعوقبوا على لا شيء.لذا يزداد في نفس صاحب هذه الحالة الحقد وتشحذ أيام السجن في نفسه الرغبة في الانتقام وسرعان ما يقتنع بمقولة "كفر الحكام وأعوانهم من رجال الأمن", ومن داخل السجن تبدأ رؤية استحلال دم العسكر. يقول أحد كتاب مجلة صدى الملاحم واصفا حال أحد معتقليهم بسبب محاولة ذهابه الى العراق : "ولقد ابتُلي وعُذب في سجونهم صابراً محتسباً، ومكث عندهم قرابة الشهرين والنصف (يقصد السوريين),ثم سُلم إلى اليمن ليكمل مسيرة البلاء في سجون الأسود العنسي والتي مكث فيها قرابة السنة والسبعة أشهر وفي هذه السجون تعلم عقيدة الولاء والبراء وعرف حكم الطواغيت الحاكمين لبلادنا بغير ما أنزل الله والموالين لأعداء الله وحُكم أعوانهم من المرتدين فصبر في تلك السجون ولم تتخلخل عقيدته بل ترجمها عملياً فكان شرساً على أعداء الله لا يخاف في الله لومة لائم ... فما زاد بعد خروجه إلا إصرارا و ثباتا على المواصلة لهذه الطريق ونصرة الإسلام والمسلمين".
وأساليب المداهمات الليلية لبيوت فيها عائلات في المجتمع اليمني الذي يمقت هذا التصرف ويعده تدنيسا للبيوت, والسجن دون محاكمة لم تُجدِ الدولة نفعا بل أخرجت أشد المحاربين صلابة للحكومة, يقول احد كتاب مجلة "صدى الملاحم" واصفا بعبارات موتورة ما كان يمارسه الأمن السياسي ضدهم : " فكم أسروا من الأبرياء, و كم قتلوا تحت سياط وحشيتهم وعذابهم من الأخيار, وآلاف المظلومين و المكلومين الذين وضعوا في الأقفاص ينالهم أذى السجان، و تسلب منهم حريتهم، ويحرمون
من أبسط حقوقهم كم من عجوز مكلومة في ابنها , و كم من أرملة تشكو قتل زوجها أو تيتيم عيالها...وكم من شيخ مسن حرم من ابنه لا يجد إلا الدعوات يستمطر بها النصر من ذي الركن الشديد, و كم بيت داهمه هؤلاء الأنذال وانتهكوا حرمته".
وهذا الإجراء أفرز أيضا لدى القاعدة رغبة عارمة في الانتقام و تدابير مضادة تتمثل في الحملة المستمرة للقتل المستهدف لضباط الأمن وأفراده الناشطين في الحملة على "أنصار الشريعة". يقول أحد كتابهم متوعدا من سماهم "العصابة المرتدة" في معرض حديثه عن الإغارة على مبنى الأمن السياسي في عدن عام 2010: "هل تذكرون كلام شهيدنا شامل الصنعاني –رحمه الله- : تبايعنا على الموت، وتعاهدنا على الشهادة في ديارنا، والجهاد في أرضنا، و وعدٌ علينا أن نكدر عيشكم، وعارٌ علينا أن تعيشوا آمنين، ولن تحلم أيها العنسي و لا أنتم يا آل سلول ولا عبيدكم وأذنابكم بالأمن والأمان حتى يعيشه إخواننا المطاردين على أرض الجزيرة".
3- الاستئناس: وهذا يكون بالتلطف بالمساجين وتقديم المغريات المالية وإيجاد الأعمال التجارية لهم التي ستشغلهم عما كانوا فيه.
وهذا التدبير كان ناجعا في الماضي وأثبت نجاحه مع تنظيم الجهاد وتنظيم "جيش عدن أبين".
ولا شك أن هناك تدابير أخرى على الصعيد الاستخباري لكنها لا تصل إلينا لما ضرب حولها من الأستار الكثيفة,لذا سنتجاوزها حتى لا نلج في باب التكهنات.
ثانيا- الصعيد العسكري: تتسم التدابير المتبعة على الصعيد العسكري باستخدام القوة العسكرية مباشرة لإدارة الصراع وتفتيت قوة القاعدة,أو ضرب المناطق السكانية التي يتواجدون فيها لخلق بيئة طاردة لهم.وتتنوع هذه الٍتدابير من حيث الأهداف والوسائل, وإليك إياها:
1-المواجهة العسكرية المباشرة: حدثت المواجهات العسكرية المباشرة مع أنصار الشريعة في محافظة أبين في الكود وزنجبار والحرور ولودر.وقد استمرت المعارك في المنطقتين الأولى والثانية ما يربو على سنة. وقد دخلت القوات الحكومية في المواجهات بعد استيلاء "أنصار الشريعة" على زنجبار والكود في 23/5/2011. وكان المراد فيما يبدو وقف توسع"أنصار الشريعة" نحو عدن ولحج ثم تحطيم قوتهم والقضاء المبرم عليهم بواسطة المعارك والقوة النارية الهائلة التي تمتلكها القوات الحكومية فضلا عن الإسناد الجوي من سلاح الطيران السعودي ومن الطائرات الأمريكية دون طيار ثم في المرحلة الأخيرة حًكي عن إسناد بنيران القطع البحرية الأمريكية والبريطانية. وقد ظل أسلوب المواجهة المباشرة عديم الجدوى لما يقرب من سنة وفشل في تدمير قوة القاعدة الرئيسية حتى بعد أن بدأ بالنجاح وبدأت آثاره بالظهور في مايو و يونيو عام 2012مع انسحاب قوة القاعدة المهاجمة للودر بعد خسائر يقال أنها فادحة في الأرواح وبعد اشتداد الهجمات عليهم في جبهات أبين الثلاث (الحرور والكود وزنجبار).
ويبدو أن "أنصار الشريعة" بعد اشتداد وطأة المعارك في دلتا أبين بتكثيف القصف الجوي والمدفعي وبفتح جبهة الحرور وتشديد الخناق عليهم بواسطة "اللجان الشعبية" والحرس الجمهوري المتقدمين من جهة لودر إلى العرقوب نحو شقرة قد أدركوا أن هناك مناورة لتطويقهم استراتيجيا في الدلتا تبدأ بعد الاستيلاء على شقرة بقطع خط الإمداد القادم من عزان وتنتهي بعد وضعهم بين فكي كماشة طرفها الشرقي في وادي حسان وطرفها الغربي في الكود ووادي بنا وحينها سيستنزفون بهجمات مستمرة من جميع الجهات ستجبرهم على استنفاد ذخيرتهم و محروقاتهم و مؤونتهم وموادهم الطبية دون أن يستطيعوا إعادة الإمداد والتموين, وفي النهاية سيقع الأحياء منهم في الأسر وتكون هزيمتهم مدوية. لذلك يبدو أنهم اتخذوا قرار الانسحاب الاستراتيجي من الدلتا وشقرة و أسموه "انحيازا" أي تحيز الفئة التي في أبين إلى غيرها. ومن وجهة نظر عسكرية صرفة بعيدة عن الأساليب الدعائية التي أظهرت الحدث في وسائل الإعلام كأنه هزيمة ماحقة و أنه قد تم القضاء على "أنصار الشريعة" تماما في أبين كان قرار الانسحاب ذكيا و ينبي عن حنكة عسكرية لدى قادة هذه الجماعة, حيث أن الانسحاب حد من وقوع عدد كبير منهم في الأسر والقتل لو أنهم ظلوا جامدين, و حال دون تحقق الهزيمة الماحقة التي رامها من وضع خطة التطويق الاستراتيجي.
وقد نجحوا في تأمين سحب قوتهم سالمة باتجاه منطقة "ضِيقة" التي ينبي اسمها عن حقيقتها و ينبي تاريخها المنسي عام 94 عن هول القتال فيها.
أما أسباب فشل الحسم العسكري لما يقارب السنة فلا يعود إلى حظوة "أنصار الشريعة" بتفوق في الأعداد والعتاد بل هم على خلاف ذلك ,لكن تفوقهم في المعارك في المرحلة الأولى من الحرب يعود في رأي الكاتب إلى الأسباب الآتية:
أ‌-ضعف مستوى التدريب والتأهيل لدى ضباط الجيش وأفراده. فمعظم هؤلاء لا يجيدون استعمال الأسلحة التي لديهم وليس لدى ضباطهم معرفة بالتكتيك العسكري ولاسيما التكتيكات المضادة للعصابات. لذلك إن استعملوا القصف الناري الكثيف بددوا قوتهم النارية في غير طائل وإن تقدموا في هجوم كان الجنود والدبابات هدفا يسيرا للقناصة وصائدي الدبابات.
يقابل ذلك عند "أنصار الشريعة" إتقانهم استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من بنادق آلية ورشاشات وبنادق قنص وقنابل ومتفجرات تستخدم ضمن تكتيكات مبتكرة, فضلا عن الهاون الذي جعلوا منه سلاحا فتاكا بسبب دقة تهديفهم به, وعليه يعتمدون في صد الهجمات القوية لمشاة الجيش.
أما تكتيك "أنصار الشريعة" في نشر قوتهم فيبدو شديد البساطة والفاعلية كذلك . ينشرون قوتهم الصغيرة في الدفاع على شبه أنساق رقيقة وبالعمق على عدة نقاط على الطرق الرئيسة وبجماعات صغيرة لا تزيد عن العشرة فيما يُرى من تمركزهم حين كانوا يسيطرون على الأرض في جبهة الكود, فضلا عن بعض المفارز الصغيرة التي كانت توضع على الأجناب تحسبا لأي مناورة التفاف. وكانوا يبالغون في انتشار هذه الجماعات حين ينشط القصف المدفعي أو الجوي. وهذا التكتيك يؤمن الحماية الكافية من القصفين الجوي والمدفعي لأن انتشار مقاتلي "أنصار الشريعة " بالعمق مع قطع مدفعية قليلة العدد للجيش يجعل نيرانها مشتتة إن حاولوا أن يصلوا بها إلى كل أهدافهم ,إذ من المستحيل - مع هذا الانتشار للمقاتلين- إيصال القذائف إلى كل فرد منهم على حدة. وما يصل من قذائف فإنها تصيب أو تقتل فردا أو اثنين على الأكثر. وانتشار قوة "أنصار الشريعة" بالعمق بأنساق رقيقة جدا يوحي بيسر اختراق مواقعهم , لكن الجانب الآخر لهذا الترتيب القتالي–لاسيما إن علمنا أن الجيش لا يستطيع القتال خارج الطرق الرئيسية غالبا - هو الحركية العالية لكافة أنساقه التي تتقارب و تتضام إن اقتضت حاجات صد الهجوم ذلك, وللتكتيكات الخداعية التي توهم المهاجمين بكثرة المدافعين, وللاحتياط المتحرك الذي يبقى خارج ميدان المعركة ويظل متأهبا لتعزيز أي موقع يواجه موقفا تكتيكيا حرجا.وبذا يُضمن تشكيل جبهة قوية تصد القوة الزاحفة.
ب‌- يمكننا أن نستنتج من سوء الأداء الشديد للجيش في أبين أنهم لم يتمكنوا من تكوين رصيد تراكمي من الخبرات القتالية في مواجهة حرب العصابات برغم العدد الكبير من المعارك والحروب الستة التي خاضها الجيش في صعدة. ولنا أن نستنتج أيضا من أداء "أنصار الشريعة" أنهم قد كونوا رصيدا تراكميا فعالا من الخبرات القتالية الفردية والجمعية خلال مسيرة تنظيمهم الطويلة في أفغانستان والشيشان والعراق والصومال وأخيرا اليمن ويسند هذا الرأي أن "أنصار الشريعة " على قلتهم تمكنوا من طرد الجيش من مواقع كثيرة كان يسيطر عليها وتمكنوا حتى آخر يوم لوجودهم في الجبهات في أبين من منع الجيش من إحداث أي خرق أو تقدم فعال في جبهتهم واستطاعوا حين الانسحاب أن يؤمنوا الانسحاب من خطر المطاردة بل وحتى من القصف الجوي. وهو أمر لم تتمكن منه قوات نظامية كالجيش المصري حين انسحابه من سيناء عام 1967 والجيش العراقي حين انسحابه من الكويت عام 1991 حيث فتكت بهم الطائرات فتكا ذريعا.
و يبقى للجيش إنجاز وحيد هو نجاحه في منع تقدم "أنصار الشريعة" نحو عدن والاستيلاء عليها.
ج - انتشار الخور والجبن وضعف الروح القتالية وانعدام روح الفريق لدى قطاعات الجيش. ويمكن استنتاج ذلك من الحالات التي كثرت وتواترت بها الأخبار عن الانسحابات والهربات والاستسلامات الجماعية دون أوامر من قبل أفراد الجيش وأحيانا ضباطه "لأنصار الشريعة". و السبب في ذلك بحسب رأينا انعدام أي جهود حقيقية لشُعب التوجيه المعنوي مما يبدو أنه أدى إلى فقدان العسكري للشعور بعدالة الحرب التي يخوضها,فضلا عن شعوره أن قيادته العليا العسكرية والسياسية تراه شيئا يمكن الاستغناء عنه و استبداله إن قتل أو أسر, ولا تعول على تحسين ظروف حياته المعيشية ويضاف إلى ذلك الفساد المتفشي في الجيش الذي يقضم جزء من المخصصات الضئيلة للجنود. كل هذه الأمور مثبطة ومحبطة بل ومدمرة لروح القتال عند أي عسكري في حرب ضروس. وحتى لا تكون استنتاجاتنا هذه رجما بالغيب فإننا نستشهد بحادثتين فأما الأولى فما رواه المقدم عباس البغواني ركن التوجيه المعنوي للواء 111 في لودر لمندوب صحيفة الشارع حيث قال: "إنني حين هاجمت وزملائي مقاتلي القاعدة في محطة الكهرباء وجدنا مقاتلين أحدهما صومالي والثاني باكستاني وقفا أمامنا بصمود كأنهما صبة خرسانية, لم يوليا الأدبار رغم أنهما في وطن غير وطنهما,أما نحن فالجندي سرعان ما يولي هاربا. إن الإهمال وعدم الاهتمام به كمقاتل هو السبب وراء هروبه من أرض المعركة .... إن هذا الشخص الذي وصل إلى الجبهة أصبح الموت يتربص به ويجب أن تحسن معاملته وتوفر احتياجاته وخاصة في ظل ظروف هو يشعر فيها أن له مخصصات يأخذها غيره فلهذا سرعان ما ينسحب".
و أما الحادثة الأخرى فأسرى إغارة دوفس الذين هدد "أنصار الشريعة" بقتلهم فلم تكلف القيادة السياسية والعسكرية نفسها ببذل أدنى جهد لاستخلاصهم من الأسر حتى كادوا أن يفقدوا أرواحهم. هذا الأمر جعلهم يصرحون بعد إطلاق سراحهم بأنهم لن يعودوا إلى الجيش الذي تخلى عنهم.
على خلاف ذلك نجد أن "أنصار الشريعة" تنتشر عندهم الشجاعة والإقدام ويشعرون بروح قتالية عالية ورغبة عارمة في المواجهة لا للجيش اليمني فحسب بل للقوات الأمريكية. فالمقاتل لديهم يشعر أن لديه قضية يقاتل لأجلها وأن حربه عادلة. ومما يشد أزر المقاتل لدى هذه الجماعة أنهم يرون أمراءهم بجانبهم يقاسمونهم حياة السراء والضراء ويقتلون كما يقتل الأفراد العاديين. يقول أحد كتابهم : "أما السبب الثاني لتفوق المجاهدين أنهم مرتبطون مع بعضهم و بقيادتهم بارتباط روحي ووجداني وفكري وثيق جداً، فهم متحابون جداً فيما بينهم، ويفدي بعضهم بعضا ًبروحه، وقيادتهم كذلك تبادلهم الحب و الفداء، فلا نجد أن الأمير أو القائد يعطي الأوامر وهو في قصره بعيدا عن ميدان المعركة و جنوده يتجرعون المر كما هو الحال بالنسبة للعدو ...أما قادة المجاهدين فهم في الصف الأول دائماً، فها هو الملا عمر و الشيخ أسامة و الدكتور أيمن حفظهما لله ومن معهم من المجاهدين يقاتلون مع أفرادهم، ويعيشون نفس المستوى الذي يعيشه باقي الأخوة إن لم يكن أشد أحيانا، وكم من قيادات الصف الأول للمجاهدين استشهدوا؛ كالقائد أبي حفص المصري، و القائد خطاب، والقائد شامل باساييف و الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، و الشيخين أبي عمر البغدادي و أبي حمزة المهاجر ... "
ولا ننسى أن نذكر هنا أن جهود التعبئة العقائدية التي تبدأ من لحظة محاولة استمالة الفرد للدخول معهم تستمر وتتعدد أشكالها من حلقات قرآنية ومحاضرات و كتيبات ومجلات ومنشورات وأناشيد حماسية وعروض لأفلام جهادية وأجواء محرضة على القتال ومحقرة للموت في سبيل المبدأ ومرغبة للفداء كل هذه الأمور بعد أن يعبأ بها الفرد من "أنصار الشريعة" تجعله مقاتلا شديد الصلابة غير هياب لاقتحام الموت ينفذ ما يطلب منه فتكون النتيجة ما يرى من مآثره القتالية من جسارة في الهجوم وصلابة وثبات في الدفاع وروح الفداء في العمليات التي يقتلون فيها أنفسهم.
د- ومما أضعف خيار الحسم العسكري في أبين أن وحدات الجيش وكذلك القيادتين السياسية و العسكرية العليا كانت منقسمة على نفسها ويدب بينها الشقاق بل وتتربص بعضها ببعض. وتفتقر الوحدات في خط المواجهة إلى روح الفريق ويعوزها الولاء المفترض لمثل أعلى هو المصلحة العليا لأهل البلاد, ناهيك عما يمزقها من ولاءات مناطقية وطائفية وفئوية, بينما على الجانب الآخر تجد "أنصار الشريعة" يسودهم الانسجام الشديد على تنوع بلادهم وأعراقهم. ولعل ذلك يعود إلى العقيدة الدينية التي يطلقون عليها "الولاء والبراء" التي فيما يبدوا قد نجحت في صهر معتنقيها في قالب واحد.
ه- افتقار الجيش لوجود عقيدة عسكرية رسمية مكتوبة تعرف التمرد وتبين التدابير التي ينبغي اتباعها في حال مكافحته مما جعلهم يتخبطون بل ويتبعون تدابير إجرامية بحق المدنيين العزل الذين كانوا قاطنين في المناطق التي سيطر عليها "أنصار الشريعة".
4- نشر القوات في البؤر النشطة مثلما حدث في لودر في أغسطس 2010 عندما وقعت اشتباكات بين قوات للجيش والأمن المركزي مع القاعدة وأدت إلى مقتل أكثر16من الجنود, فأرسل اللواء 111 إلى لودر لتعزيز القوة العسكرية الصغيرة هناك.
يستنتج من هذا الفعل أن القيادة العليا آنذاك قد ظنت أنها بإرسالها قوة عسكرية بقوام لواء وبتهديدها بتدمير لودر على رؤوس ساكنيها ستنجح في التهدئة لكن ما حصل كان خلاف ذلك إذ أنها بفعلها قد أغرت المقاتلين من القاعدة وربما غيرهم باستهداف تلك القوات.
والمتتبع للتاريخ العسكري العام يجد أن هذا الأسلوب في مكافحة التمردات والثورات كان من أقل الأساليب جدوى في المواجهة مع الثوار والمتمردين في بلاد عديدة مثل فيتنام والجزائر وأفغانستان و العراق وفي اليمن الجنوبي أيام الكفاح ضد الاستعمار البريطاني وخصوصا في ما بات يعرف بمحافظة أبين اليوم. وتكون النتائج أسوأ لهذا الأسلوب حين يكون الخيار الوحيد ولا يردف بتدابير أخرى. إذ يغدو هذا الأمر مبتغى المقاتلين لأنه يشتت القوات, فيسعى المقاتلون إلى التكثير من البؤر الساخنة في أماكن متباعدة من البلاد لاستفزاز السلطة لتنشر مزيدا من القوات في أماكن متباعدة يكون من نتائجها تشتيت القوات, ثم في المناطق نفسها يمعن المقاتلون في أعمال من قبيل الإغارات والكمائن وينطلقون من أماكن عديدة فيضطرون القوة الحكومية أن تتوزع على هذه المواقع ويكون الأمر مزيدا من التشتيت للقوة والتضييع لأهم مبدأين من مبادئ الحرب وهما الحشد و الاقتصاد في القوى.وهذا ما حدث في مديرية لودر حيث وضعت قوة من اللواء 111 حول كهرباء لودر ثم تلة يسوف وهكذا بعد ضربات عدة وكمائن عدة بجانب جبل عكد عام 2010 وضعت كتيبتان هناك فانفتحت شهية القاعدة إلى مزيد من أعمال حرب العصابات من مناوشات ليلية بنيران البنادق ونيران الهاون على المواقع , ناهيك عن سيارات اللواء وعربات الحميضة التي كانت تنتقل بين مواقع الجيش في المديرية فقد أغرت مقاتلي القاعدة بنصب كمائن سهلة لاصطيادها, يعودون بعدها ولم يصبهم قتل أو جرح وقد غنموا من السلاح والآليات.
أسلوب نشر القوات وتشتيتها هو ما كان يسعى له مقاتلو القاعدة قبل الثورة الشبابية بسعيهم لاستفزاز الجيش وتشتيته في مناطق عدة شاسعة, إذ بهذه الوسيلة يضمنون تقطيع أوصال الجيش ثم إبادته بالتجزئة. يقول أحد كتاب مجلة صدى الملاحم : " ثم أنت من بعد ذلك ليس لك أرض محددة، بل كل الأرض لك، فعندما يهجم عليك العدو في أبين تضرب في صعدة، وعندما تتقدم عليك الحملات في شبوة تضرب في صنعاء، وعندما تشتد عليك الأمور في الضالع تكثف من الضربات في حضرموت، فيتمدد العدو على أكبر رقعة، وتنقل المعركة إلى وكر العدو، إلى حيث يكون أقوى وأكثر أمنا ".
هذه الأساليب القتالية البسيطة لدى القاعدة وأساليب أخرى مثل اختطاف العسكر واغتيالهم ورمي جثثهم على مقربة من المعسكرات وكذلك زرع الألغام المفجرة عن بعد ساهمت في انعدام الشعور بالأمن النفسي لدى العسكر وفي استنزاف روحهم القتالية لاسيما أن العسكر كانوا يتواجدون في أرض يشعرون بأنهم أغراب فيها ويسمعون من الناس صراحة دعوتهم إلى الرحيل منها والسبب في ذلك عائد إلى المظالم و الإساءات المتراكمة والتهميش السياسي وغيرها من الأمور التي أضحت تشكل اليوم لب القضية الجنوبية.
وهكذا ظل اللواء 111 يستنزف في رجاله و في روحه القتالية لأكثر من عام ونصف حتى إذا أزف اليوم الذي قرر فيه "أنصار الشريعة" الاستيلاء على لودر وهجموا هجومهم المباغت على مواقع اللواء 111 بجانب الكهرباء وفي تلة يسوف فر هؤلاء العسكر من مواقعهم ومن لم يسعه الفرار سلم نفسه وموقعه وسلاحه "لأنصار الشريعة", أما الذين كانوا من اللواء في الموقع الآخر من المدينة فقد لاذوا مع الفارين "باللجان الشعبية" التي اتخذت موقف الدفاع وتمكنت من صد هجوم "أنصار الشريعة" على أطراف المدينة الجنوبية.
إن تجربة لودر قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن أسلوب نشر القوات في البؤر الساخنة ثم الإمعان في توزيعها على المواقع أسلوب فاشل في مكافحة القوى المناوئة للسلطة بعد أن صار الجيش الذي جيء به إلى المنطقة للتهدئة وكان يأمل أعضاء "اللجان الشعبية" أنه سيدافع عنهم من أي هجوم عليهم صار عالة على اللجان وأهالي مدينة لودر.
5- العقوبات الجماعية لسكان المناطق التي يستولي عليها "أنصار الشريعة". هذا التدبير طبق في محافظة أبين في زنجبار و باجدار والكود, حيث قصفت منازل السكان العزل دون تمييز ودونما حاجة عسكرية مما أدى إلى تشريدهم .وحين تظاهر النازحون في عدن بعد ما يقرب من 10 أشهر ليضغطوا على الحكومة للسماح لفتح طريق أبين والسماح لهم بالعودة إلى مساكنهم تظاهرت السلطات بالقبول وسمحت لهم بالعودة ,لكن بعد ثلاثة أيام أعاد اللواء 25 قصفه لمنازل الساكنين بحسب إفادات من عاد من النازحين فاضطروا للعودة إلى عدن.
والغرض من هذا التدبير إيجاد رأي عام ناقم على "أنصار الشريعة" لاسيما حين يعزز بتدبير آخر هو ترويج الشائعات التي تتهم هؤلاء أنهم من تسبب في خراب الديار و تشريد الأسر لأنهم يرمون من بين البيوت.
هذا الأسلوب- كما رأى الكاتب وعاين من أثاره بين الناس – من أكثر الأساليب فاعلية في أثارة الرعب لدى عامة الناس من الموت والخراب والتشريد ومن أكثرها إثارة للسخط في قلوبهم على " أنصار الشريعة ", بل إن هذا التدبير قد جعل أناسا من المتعاطفين معهم ينقلبون ساخطين ويعدونهم سببا في الدمار والتهجير الذي حصل في أبين. ويبدوا هذا التدبير من وجهة نظر عسكرية صرفة بعيدة عن الوازع الديني والأخلاقي تدبيرا ناجعا في خلق بيئة طاردة للقاعدة, لكنه من ناحية أخلاقية عمل مُجرَّم في كل الشرائع السماوية والأرضية, بل ويعد فاعله في القانون الدولي مرتكب لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولا ننسى هنا أن الجيش الذي يقوم بهذه الجرائم أكثر أفراده من المحافظات الشمالية ويدمرون مدنا جنوبية ويشردون أهلها ويقتلونهم, و لم يسلم من قصفهم مسجد أو مستشفى. لذا فالعاقبة ستكون تعميقا للشرخ في اللحمة الوطنية و مزيدا من الحقد المناطقي والطائفي الذي ستظل جذوته متقدة لسنين طويلة, ولا يعلم أحد ما الوجهة التي سيتجه إليها هذا الحقد ولا كيف سينفجر. فضلا عن ذلك فإن قسما من الناس الذين مسهم الأذى تكون ردة فعله معاكسة لما يراد, إذ إن كثيرا منهم بعد أن يرى بلاده تدمر وأهله يقتلون ويشردون وبعد أن يمتلئ قلبه حقدا على الجيش وحين يسمع الخطاب الدعوي التحريضي ل"أنصار الشريعة" الداعي للثأر من الجيش لما يرتكبه من جرائم بحق الآمنين و أن " أنصار الشريعة" جاؤوا لنصرة المسلمين والقصاص للمظلومين من الظالمين" يجد هذا الخطاب في نفسه قبولا كبيرا فينضم إليهم لينتقم من الجرائم التي وقعت على أهله وبلده.
6- المجازر الجماعية للسكان الأبرياء من رجال ونساء وأطفال. وقد حدث هذا مرتين فأما أحدثهما فمجزرة أهالي الصبول في السيارة التي كانت تقلهم على طريق رداع التي راح ضحيتها ثلاثة عشر قتيلا وعددا من الجرحى و التي في ما يبدوا أن غرضها كان إثارة نقمة أهالي الضحايا على بعض آل الذهب الذين كانوا يؤوون جموعا من " أنصار الشريعة " و أما أولاهما فمجزرة المعجلة في محافظة أبين في 17/12/2009. وقد ذهب ضحية هذه المجزرة قرابة الستين معظمهم من النساء والأطفال, ولم يقتل من تنظيم القاعدة إلا رجل واحد يُكنَّى بأبي صالح الكازمي. وقد حدثت هذه المجزرة بستة صواريخ توماهوك ذات رؤوس تحوي قنابل عنقودية, وقد انطلقت فيما نرجح من البوارج الأمريكية في بحر العرب, ونرجح كذلك أنها لقِّمت بمعلومات جاءت من الأجهزة الأمنية اليمنية. وكانت المجزرة برضى القيادة السياسية العليا لليمن آنذاك , وكانت المجزرة مقصودة كما ظهر من وثائق ويكي ليكس وكما بدا من كلام رشاد العليمي الذي ظهر ثاني أيام المجزرة مهددا ومتوعدا "من يأوي عناصر القاعدة " بأنه سيتعرض للضرب. وبهذا ظهر للمتتبع للجهود الحكومية في مكافحة تنظيم القاعدة أن الغاية من هذه المجزرة إرهاب السكان المدنيين وترويعهم حتى يوجدوا في نفوسهم الكره والنفور الشديدين من أعضاء التنظيم وحتى تنشأ بيئة طاردة لهم من الحضن الدافئ (مناطق القبائل في أبين و شبوة ومأرب) , فكيف كانت الاستجابة ؟
حققت المجزرة قدرا من الرعب بين الناس في أرياف المحافظات الجنوبية لاسيما أبين و شبوة وأوجدت بين الناس بيئة كارهة لتنظيم القاعدة الذي ألفوه وتعايشوا مع أفراده حقبة من الزمان . لكن في الجانب الآخر أحدثت هذه المجزرة ردود فعل عنيفة أولها حدوث شرخ عميق في اللحمة الوطنية لأن هذه المجزرة قد اعترف بارتكابها نظام حكم يقبع على رأسه ويدير أطرافه الفاعلة مجموعة من العنصريين المناطقيين المحسوبين على المحافظات الشمالية. وقد كان رأي كثير من الجنوبيين أن المقصود من المجزرة ترويعهم ليكفوا عن مطالبهم الحقوقية والسياسية. ومن الردود كذلك أن هذه المجزرة قد زادت مشاعر الكراهية التي زرعها النظام الحاكم, وجعلت كثيرا من الجنوبيين ينظرون إلى الشماليين بأنهم جواسيس ومدبرو مؤامرات متعطشون لسفك دماء الجنوبيين. فضلا عن ذلك فإن هذه المجزرة قد عززت مطالب الانفصال وزادت من أنصاره, وأسقطت سلطة الدولة في أرياف المحافظات الجنوبية ومدنها الصغيرة لاسيما في أبين و شبوة ولم تبق إلا في عواصم المحافظات.
أما ردة فعل التنظيم فيستطيع المتابع لمسيرته أن يقول إنه قد مر بمرحلتين ما قبل المجزرة وما بعدها. والسمات المميزة للمرحلتين كانت في الأولى أن التنظيم لم يكن يسعى فيها للمواجهة الشاملة مع الدولة أو بسط سيطرته على أي منطقة من اليمن , وكان يتحاشى الدخول في مواجهات مع الجيش ويرى حرمة دماء العسكر, واقتصرت أنشطته على التجنيد والدعوة لمنهجه في مقاومة القوى الغربية وكذلك كان بين الفينة والأخرى يضرب المصالح الغربية في اليمن, وقد يقتل بعض رجال الأمن في المواجهات معهم أو انتقاما لأشخاص قتلوا من التنظيم, وفي الثانية كان من سماتها تصعيد المواجهات مع الجيش و استحلال دماء العسكر بعد أن عدوهم أعوانا للأمريكان. يقول أحد مشايخهم في أثناء إيراده لمسوغات قتال العسكريين اليمنيين وغيرهم : "ولا يستطيع أن ينكر أحد موالاة حكام اليوم للصليبين والصهاينة والقتال في صفهم، وخير مثال على ذلك قتال عسكر الإمارات إلى جنب قوات النيتو في أفغانستان، وقتا ل عساكر اليمن إلى جانب الطائرات الأمريكية المقاتلة كما في المعجلة، واليوم مأرب و لودر والحوطة ".
و قد شنت القاعدة في عام 2010 حرب اغتيالات و إغارات رهيبة على الأمنيين والعسكريين تمثلت في الاغتيالات المستمرة للناشطين من رجال الأمن ضد القاعدة, وبمهاجمة النقاط و المقرات الأمنية والعسكرية. وكان حصيلة إحدى هذه الحملات خلال أربعة أشهر تمتد مابين يوليو و نوفمبر15 هجوما على مقار و نقاط أمنية وأكثر من 8 على معسكرات ونقاط للجيش,وقد قتل في هذه العمليات 24 ضابطا من الأجهزة الأمنية المختلفة و 73 من المراتب الأدنى, و قتل من الجيش ما يزيد على 25 من المراتب الدنيا. وقد دمر خلال هذه العمليات و أعطب ما يزيد على 20 مركبة مابين سيارات ومصفحات ودبابات. ثم في مارس 2011 في أثناء الانقسام الذي حصل في الجيش بسبب الثورة وانشغال كل فريق بالآخر تمكنت القاعدة من الاستيلاء على مدينة جعار في أبين ومدينة عزان في شبوة و أعلنتهما إمارتين إسلاميتين وغيرت اسم التنظيم إلى "أنصار الشريعة", ثم تلا ذلك في 23 مايو الاستيلاء على مدينة زنجبار لتندلع حرب ضروس بين الدولة وبين "أنصار الشريعة" لم تتمكن الدولة من إخراج المسلحين من المدن التي استولوا عليها إلا بعد ما يزيد على سنة. ولا ننسى أن نذكر هنا أن هذه المجزرة مثلما أوجدت بيئة كارهة للقاعدة في أرياف أبين و شبوة فإنها كذلك ساعدت القاعدة في تحويل وعي كثير من الناقمين على الحكومة وجهة اعتناق عقيدتها الجهادية ووجدوا فيها ما يرونه مسوغا شرعيا لمقاومة ما وقع من ظلم على أهلهم فانضم إلى التنظيم العشرات من قبائل باكازم في أبين والعوالق في شبوة.
يبقى هناك استثناءان في استخدام هذا الأسلوب خارج جهود مكافحة القاعدة وهما مجزرة جمعة الكرامة ومحرقة ساحة تعز ويبدوا أن النظام قد نجح بهاتين المجزرتين من إرهاب الثوار السلميين ومن بيده زمامهم وجعلهم يعدلون عن فكرة الزحف الثوري.
7- القتل المستهدف بالطائرات بدون طيار. ويقصد بالمستهدف استهداف أشخاص أعدت بهم وكالة المخابرات المركزية قوائم مسبقة. و عبارة القتل المستهدفtargeted killing صدقت عليها الإدارة الأمريكية عام 2010 لتكون عبارة ملطفة لعبارة اغتيال assassination. وهذا النوع من العمليات شديد التعقيد ويتطلب عناصر استخبارية مزروعة بين "أنصار الشريعة" لتجمع المعلومات عن الأشخاص المؤثرين في التنظيم , وليضعوا الشرائح الإلكترونية التي تسترشد بها الطائرات لضرب السيارات أو مواقع المستهدفين. وتستعمل في هذا الأسلوب طائرات برايدتور الحاملة لصواريخ Hill fire (نار الجحيم) الدقيقة التصويب.
ويستهدف بهذا الأسلوب غالبا الأشخاص الأكثر تأثيرا مثل خبراء المتفجرات والأشخاص ذوي الفاعلية الإعلامية مثل أنور العولقي و خبراء الحاسوب و الدعاة والمخططين لضربات على الأراضي الأمريكية والقادة الميدانيين الكاريزميين.
و هذا الأسلوب قد يبدوا فعالا في القضاء على " أنصار الشريعة" باغتيال قياداتهم لكن فاعليته محدودة فيما يلوح للمتتبع, فقد قتل كثير من القادة الكاريزميين ولم يُقض على التنظيم ولكنه قد عُوِّق عن تحقيق أهدافه. أما من ناحية الردع الذي يبدو انه أحد مقاصد الإدارة الأمريكية من استحداث هذا التكتيك وتطويره للتعامل مع القاعدة وطالبان عبر دول عدة, فيبدو أنه قد أحدث الردع لكن لغير القاعديين. والسبب يعود في رأينا إلى طبيعة التركيب النفسي للمقاتلين و إلى طبيعة التربية القتالية و التعبية العقدية التي يتلقاها المقاتلون والتي تغرس في نفوسهم روح اللامبالاة بالموت.
وأخيرا فإن هذا الأسلوب الذي يخترق الأجواء والسيادة الوطنية يحطم الصورة المثلى للنظام الحاكم, إذ يظهره بصورة نظام عميل للقوى الغربية فيدفع بكثير من الشباب من ذوي العاطفة الدينية القوية إلى الاقتناع بمشروع التغيير بالعنف الذي يدعو إليه "أنصار الشريعة".
8- استخدام المليشيات المحلية في القبض على "أنصار الشريعة" أو قتلهم أو مطاردتهم بالتنسيق مع أجهزة الأمن والوحدات العسكرية في المنطقة. وهذا الأسلوب قديم جدا في مواجهة العصابات والجماعات الثورية, فقد استعملته الدول الاستعمارية كلها في مستعمراتها, حيث استعملته فرنسا في الجزائر بواسطة المليشيات التي كانت تعرف "بالحركة", واستعمله الأمريكان في أثناء احتلالهم للفلبين مطلع القرن العشرين وفي فيتنام, وكذلك في العراق تحت مسمى "صحوات العشائر". وهذا الأسلوب يندرج ضمن إستراتيجية اشمل وأكثر تعقيدا هدفها عزل أي حركة مقاومة عن الحاضن الشعبي تسمى فرق تسد. وهذا التدبير له فاعلية جيدة حين يستخدم بذكاء وحنكة. لكن فاعليته تتوقف على أمور عدة منها حجم حركة التمرد وتغلغلها في المجتمع ومقدرتها على تأمين الإمداد المادي والبشري كذلك يعتمد على العقيدة العسكرية و التاريخ العسكري لحركة التمرد وعلى مقدرتها على امتصاص الصدمات القوية ومعاودة النهوض. فمن التجارب السابقة للشعوب رأينا لهذا الأسلوب في البدء فاعلية قوية ضد تنظيم القاعدة حيث استطاعت الصحوات في البدء من القضاء على أعداد كبيرة من مقاتلي القاعدة والباقين أجبرتهم على الهروب من المدن والقرى إلى الصحارى والأماكن النائية. لكن هذا التنظيم استطاع أن يمتص الضربات ويعيد تنظيم صفوفه فضلا عن تجنيد مزيد من المقاتلين, وأعاد الكرة على الصحوات, وبعد أن كان طريدا لهم صاروا أهدافا لحملة دؤوبة من الاغتيالات بالكواتم واللاصقات . وأعاد الأمرُ العراقيين من الحرب الأهلية السنية الشيعية إلى الحرب الأهلية السنية السنية.
وإعداد المليشيات في الغالب لتقاتل أناسا من بني جلدتهم وتجمعهم بهم روابط القربى أو الجيرة في حرب بالوكالة عن قوى محلية وإقليمية ودولية ليس بالأمر الهين. لذا تمهد له أجهزة الدعاية باصطياد الأخطاء التي تقع فيها حركات التمرد فتضخمها وتزيد عليها وقد تردفها بأعمال أخرى مقلقة للسكينة العامة للسكان المحليين ضمن أساليب الحرب النفسية التي يراد بها زرع النقمة في نفوسهم وبث الشقاق بينهم وبين المتمردين حتى يتكون رأي عام ناقم على حركة التمرد ويميل للمجابهة وهذا ما يسهل عملية التجنيد لأفراد المليشيا وتعبئتهم ضد المتمردين ثم سوقهم لقتالهم.
وفاعلية هذا التدبير في مكافحة حركات التمرد تعود ببساطة إلى أن أفراد المليشيا من أهل الأرض وأدرى بشعابها, وبأهلها ,من هو مع التمرد ومن يناوئه ومن يقف على الحياد ومن هو متعاطف. فضلا عن ذلك فان احتكاك أفراد المليشيات بالمتمردين من جيرانهم وأقاربهم ومعارفهم يخلق عداوات شخصية تكون دافعا قويا لهم في مواجهة المتمردين. وحين تبدأ المواجهات مع المتمردين يسقط القتلى فتتجذر الأحقاد وتتراكم الحنات ويدخل في الصراع من لم يكن طرفا عند بدايته نظرا للروابط القبلية فيصير الصراع وحشيا لا رحمة فيه, لذا تجد أفراد المليشيا غالبا أشرس وأصبر في قتالهم للمتمردين من جنود الجيش والأمن لأن الصراع بينهم وبين المتمردين صار صراعا من أجل البقاء.
فأما طريقة عمل المليشيات فتنجز بالتنسيق والتكامل مع الوحدات العسكرية والأمنية.فتسند إلى المليشيا مهام التطهير في المناطق المأهولة بالسكان بالمداهمات لمنازل المشتبهين واعتقالهم وتسيير دوريات الحراسة ووضع نقاط التفتيش التي تعترضهم لاعتقالهم أو قتلهم إن قاوموا, و أما الوحدات العسكرية فيسند إليها تقديم الدعم الناري أو تعزيز المليشيات بالجند وبعض الأسلحة في أثناء تنفيذ المهام البعيدة عن قاعدة الانطلاق.
ولهذه الطرق في العمل ميزة مهمة هي منع أي احتكاك بين المدنيين والوحدات العسكرية فتخف حدة الكراهية تجاه الوحدات العسكرية فيتجنب بذلك الأمور المولدة للصدام بينهم.
و ما حدث مع "اللجان الشعبية" في لودر و مودية مثل هذا. وكانت البداية عندما أوعزت أجنحة في السلطة بإنشائها في أواخر ابريل 2011م." وكان من صميم عمل اللجان الشعبية تطهير المدينة من عناصر الجماعات المسلحة,فكانت هناك سلسلة من الصدامات بين الطرفين مما نتج حالة عداء شديدة وقتلى من الجانبين ".
ولقد تمكنت "اللجان الشعبية" في لودر من تجميع الناس وتأليبهم على أفراد "أنصار الشريعة" في المدينة, و قاموا في ليلة واحدة بمداهمات مباغتة لمنازل أفرد "أنصار الشريعة" تمكنوا فيها من اعتقال 15 رجلا.
ويرجع النجاح الأولي للجان إلى عدة عوامل منها :
أ-التمهيد الجيد قبل حملة الدهم بسلاح الدعاية الدائر حول أحداث المواجهات التي وقعت بين أفراد القاعدة وبين الجيش والأمن في لودر في أغسطس 2010 التي قتل فيها مواطنان اثنان وأصيبت بعض البيوت إثر قصف عشوائي من قوة الجيش والأمن الموجودة طرف المدينة, والتي على إثرها نزح سكان المدينة لأسابيع خشية القصف فتعطلت أعمال التجار والباعة.فنشأ على إثر ذلك قلق من تكرار ما حدث و نقمة بين الناس لأنهم رأوا أن أفراد القاعدة هم السبب. وقد ظل أفراد القاعدة لعدة أشهر يقومون بعمليات مناوشة و قصف ليلي بالهاون خارج المدينة للواء 111 المتركز في محيط مدينة لودر.وكان اللواء يرد بنيران المدافع (م ط) في سماء المدينة بمستوى قريب من سطوح المنازل مهددا المدنيين ومقلقا السكينة العامة. ويبدوا أن هذا التدبير كان من تدابير الحرب النفسية التي آتت أكلها بالتزامن مع تدابير الدعاية من بث للشائعات بأن أفراد القاعدة يرمون من بين البيوت ليستثيروا ردود أفعال الجيش نحو البيوت, هذه الأمور كلها فضلا عن الفتاوى المؤلبة على القاعدة في رأينا فعلت فعلها المؤثر في وعي الناس فغرست الكراهية للقاعدة وبدأت تمهد لما تبعها من أحداث.
وقد كان من حسن حظ القائمين على إدارة الحرب النفسية و بث الدعاية أن أفراد القاعدة في لودر لم يكونوا من ذوي التأهيل العلمي العالي أو ممن لديه ملكة النظر في مآلات الأمور لذلك لم يدركوا تأثير الدعاية و الحرب النفسية ولم يتصوروا أن ينقلب أهلهم وأصحابهم إلى أعداء لهم يداهمون بيوتهم ويعتقلونهم ويسلمونهم إلى الأمن السياسي وإلى اللواء 111ويشردون منهم من لم يعتقل, بل ويقاتلونهم مع الجيش الذي كان أكثر أفراد اللجان يسمونه "جيش الاحتلال اليمني". خلاصة القول أن أفراد القاعدة لم يبذلوا أي جهد للدعاية المضادة فهزموا في ميدان أول معركة في لودر بسبب هذا السلاح الذي لم يضعوا له حسابا.
ب- كان التيار السلفي بتنوع طيفه يغلب على البيئة الدينية في لودر. وكان معظم المنتمين إلى هذا التيار من مدرسة السلفية السلطانية التي كانت عقيدتها السياسية تتركز حول الطاعة المطلقة للحاكم ولا تجيز الخروج عليه بأي حال من الأحوال حتى إن كان ظالما, أو كان الخروج سلميا.هذا التيار له ارتباط قوي بالمملكة السعودية ويدين لها بالولاء أما عبر التمويل لمراكزه التعليمية وأما بالتبعية المطلقة لمراجع التقليد في المؤسسة الدينية الرسمية المتمثلة بما يسمى "هيئة كبار العلماء" واللجنة الدائمة للإفتاء ومن التف حولهم من مشايخ السلفية السلطانية. وهذه المؤسسة تبعا لسياسة الأسرة الحاكمة لها موقف شديد العداء من القاعدة, وقد أصدرت فتاوى تخرج القاعدة من الفئة المصنفة لديهم ب"أهل السنة والجماعة" و وأدخلتهم ضمن فئة الخوارج. ومن نافلة القول أن أتباعهم و مريديهم في اليمن عموما ولودر منها لا يحيدون عن فتاواهم.
ولقد كان أصحاب هذا التيار في لودر من السباقين إلى المكافحة العملية لانتشار فكر القاعدة بنشرهم لفتاوى مراجعهم عن القاعدة بأنهم "خوارج على السلطان الشرعي للبلاد" (علي عبدالله حينها) وأنهم "يقتلون النفس التي حرمها الله", وغيرها كثير مما تمتلئ به كتابات هذه المدرسة. وقد تمكن مشايخ هذه المدرسة في لودر بدأبهم من كبح وتيرة استقطاب تنظيم القاعدة للشباب ومن تنفير عدد كبير من الناس منهم بل وصبَّت جهودهم ضمن جهود الدولة في الدعاية والحرب النفسية التي هيأت لودر للانقلاب على عناصر تنظيم القاعدة بعد أن كانت الحضن الدافئ لهم وكانت لهم جهود في الحثّ على إنشاء "اللجان الشعبية" بل ودخلوا فيها ووقفوا مع المقاتلين في صف واحد يشدون أزرهم بالقتال معهم وبالفتوى بالجهاد ضد القاعدة.
لهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن "تعتمد المؤسسات الرسمية العربية توصية قدمتها مؤسسة راند الأمريكية المعروفة, وتتضمن هذه ضرورة استخدام وتوظيف الإسلام التقليدي في مواجهة الإسلام الجهادي".
نتائج العام الأول من تجربة "اللجان الشعبية" : أدى استخدام اللجان الشعبية في لودر في مكافحة أنصار الشريعة إلى النتائج الآتية:
أ- نجاح سريع في البداية في التخلص من عناصر " أنصار الشريعة " في لودر ومحيطها بالاعتقال أو بفرار من لم يقدر عليه.
ب- أدى مقتل احد أفراد " أنصار الشريعة "من أهل لودر في المعتقل واسمه وليد الزبيدي إلى بدئهم بسلسلة من الانتقامات من اللجان تمثلت في حرب المتفجرات والاغتيالات التي يبرعون فيها بينما ظلت اللجان تتلقى الضربات دون قدرة على الرد لانعدام الخبرات اللازمة في التعامل مع هذا النوع من الأساليب فضلا عن الإمكانات اللازمة أو خطط المواجهة التفصيلية المنعدمة أصلا. وقد أدت هذه العمليات إلى مقتل عدد من أعضاء اللجان على رأسهم توفيق حوس قائد اللجان وأحد مؤسسيها.
ج- فقدان الشعور بالأمن في مدينة لودر اثر تهديد " أنصار الشريعة " بالعودة بالقوة إلى لودر وتوعدهم للجان, مما دفع اللجان إلى وضع نقاط التفتيش على منافذ المدينة وترتيب الحراسات وتسيير الدوريات الليلية لمنع "أنصار الشريعة" من وضع المزيد من العبوات الناسفة أو من دخول المدينة بغتة.هذا الأمر تطلب تفريغ كثير من الأهالي للحراسة لساعات طويلة مما أرهقهم وعطل أعمال بعضهم.
د-الهجوم على مدينة لودر ومحاولة اقتحامها لإدراك "أنصار الشريعة "آنذاك أن بقاء المدينة خارج نطاق سيطرتهم واستمرار اللجان في جهود مكافحتهم يهدد بقاءهم في دلتا أبين بعد شعورهم بالجهود التي يعدها النظام لبسط سيطرته على المنطقة الوسطى من أبين لقطع شريان الاتصال عنهم مع عاصمتهم مدينة عزان في شبوة . وحين قرروا الاستيلاء على المدينة هاجموا بقوة مواقع الجيش واستولوا عليها بيسر, ثم تقدموا إلى أطراف المدينة للاستيلاء عليها لكنهم جوبهوا بمقاومة عنيفة من اللجان منعتهم من دخول المدينة مما اضطرهم إلى ضرب الحصار عليها من جوانبها الشرقية والجنوبية , و أدى الأمر بلجان لودر إلى تحمل العبء الأكبر في الدفاع عن المدينة بل والدفاع عن الوحدات العسكرية التي نكصت عن اللقاء إلا قليلا واكتفت بتقديم الدعم بنيران المدفعية أو إمداد اللجان بالذخيرة أو الأسلحة الخفيفة,وهذا أدى إلى استنزاف اللجان التي وصل عدد قتلاها ما يزيد على الخمسين أما الجرحى فقد تعدوا الثلاثمائة.
ه-إصابة اقتصاد مدينة لودر القائم على التجارة و البيع والشراء مع القرى المجاورة والبعيدة بأضرار فادحة بسبب القتال والحصار للمدينة.
و- التفاعل الايجابي "لأنصار الشريعة" مع جهود مكافحتهم بواسطة اللجان وتطويرهم لأساليبهم الخاصة في المكافحة المضادة لجهود مكافحتهم. وتمثلت جهودهم في مكافحة جهود اللجان ضدهم بإرسال السيارات المفخخة لضرب نقاط التفتيش وأيضا الإغارة عليها وقتل الخفراء وقتل من يصادفونه من أعضاء اللجان بعيدا عن لودر وأسر بعضهم واغتيال قيادات اللجان بواسطة المتفجرات والأحزمة الناسفة.
والقارئ المتبصر لأدبيات القاعدة ومسيرتها يستطيع أن يستنتج من هذه الأساليب أنهم قد استفادوا من تجاربهم السابقة في العراق مع الصحوات وراحوا يبنون إستراتيجية لمواجهة اللجان ذات شقين : أولهما- الردع الذي يتحقق بالرعب الذي تتركه هذه الضربات في الوعي الجمعي للقبائل والذي يدفعهم للإحجام عن الدخول في صراع مع " أنصار الشريعة " غرمه أكبر من غنمه.
و ثانيهما- تكريس مبدأ الضربات الاستباقية الإجهاضية لأي جهود تسعى لمكافحة تواجدهم بالاستعانة بالقبائل, أو لأي جهود لتوسعة تجربة اللجان وتعميمها.
ويبدو أن هذه الأساليب قد استطاعت أن تحيد كثيرا من القبائل في أبين وشبوة عن الانضمام إلى اللجان. لكن بعد إخفاق "أنصار الشريعة" في اقتحام لودر ومع امتداد المعركة زال حاجز الخوف عند كثير من قبائل العواذل فانضموا للقتال مع لجان لودر في الصراع الدائر. و انضمت بعض القبائل لا سيما النخعيين إلى القتال الدائر ومحاولة التطويق الاستراتيجي لقوة "أنصار الشريعة " في شقرة و دلتا أبين في المرحلة الأخيرة من الجولة الأولى من الحرب قبيل انسحابهم من جعار وزنجبار وشقرة. ثم بعد أن أتموا الانسحاب انضمت القبائل كلها في محافظة أبين إلى اللجان ونشرت نقاط التفتيش على طول الطرق الإسفلتية لمنع أي تسلل "لأنصار الشريعة".
ثالثا – الصعيد الإعلامي : التدابير المتخذة على الصعيد الإعلامي تندرج تحت ما يسمى في الاصطلاح السياسي الدعايةPropaganda .والدعاية إحدى وسائل الحرب النفسية التي توصل إلى غاياتها. وتُعرّف الدعاية بأنها "المساعي المنظمة والمقصودة لتشكيل التصورات والسيطرة على التفكير وتوجيه السلوك لإنجاز استجابة تعزز المقاصد المرغوبة لمروجها".
وإن أردنا تطبيق هذا التعريف على جهود المواجهة مع "أنصار الشريعة" فسنقول إنها المساعي التي تنظمها الدولة و من حالفها عبر وسائل الإعلام الجماهيري من صحف و إذاعة و تلفاز و إنترنت وعبر الشائعات وعبر المنشورات التي ألقتها الطائرات وعبر الخطابة في المساجد و الفتاوى الصادرة من بعض المشايخ , الرامية إلى تشكيل تصورات سلبية عن "أنصار الشريعة" لدى العقل الجمعي اليمني تصفهم "بالإرهاب والغلو و التطرف في الدين , و سفك دماء الأبرياء من مسلمين وغيرهم وكذا العسكر دون ذنب ارتكبوه , وتسببهم في خراب العمران في أبين , وتشريد الناس من مساكنهم , وتقطيعهم لأيدي الناس ظلما وعدوانا", وغيرها من الأوصاف التي لا مجال لاستيفائها هنا. والإقناع بهذه التصورات يأتي وفقا للمبدأ الذي يوجب " أن تردد نفس الفكرة مرات عديدة نظرا لأن التكرار الدائم لفكرة ما بصرف النظر عن عدم حقيقتها سوف يؤدي إلى جعلها مقبولة ومسلما بها لدى الجماهير".
وبعد الاقتناع تسيطر هذه التصورات على معتنقها لاسيما أنها تأتي ضمن سياق تفكير جمعي تصعب مخالفته , فتوجه فكره و تمنعه من التفكير النقدي لهذه التصورات أو قبول ما يخالفها مما يروج له "أنصار الشريعة". وتكون خاتمة هذه العملية النفسية توجيه سلوك الفئات المستهدفة من المجتمع اليمني للقيام باستجابات توافق مقاصد مروج الدعاية وهي في المجمل في حالتنا المدروسة عزل "أنصار الشريعة" عن الحاضن الشعبي, الذي يؤدي إلى قطع المدد بالمال والرجال عنهم, و التحريش بينهم وبين رجال القبائل ليستحكم العداء بينهم فيضيق الخناق عليهم فيحرمون من حرية الحركة ومن إيجاد الملاذ الآمن فيسهل هزيمتهم.
ما ذكر من المقاصد هو المقاصد الكلية للدعاية والحرب النفسية التي لا تتحقق ألا من خلال أهداف جزئية. و هذه تعرف من خلال المادة الدعائية الموجهة. وسنذكر هنا أهمها, وهي:
1- إبراز "أنصار الشريعة" بصورة القتلة لأفراد الجيش في المعارك الدائرة مع إظهار العسكري القتيل بأنه ضحية لا شأن له بالصراع من خلال عبارات مثل"هذولا مجرمين يقتلوا عسكر ضباحى يسعوعلى لقمة عيشهم". والهدف من هذه العبارات تصوير "أنصار الشريعة" بأنهم مجرمون لتنفير الناس منهم. العبارات مثل هذه نجحت نجاحا باهرا في استدرار عطف الناس على العسكر وبغضهم "لأنصار الشريعة". لكن يبدو أنه قد غاب عن المروجين لهذه المادة الدعائية أنها سلاح ذو حدين , فهي على نجاحها في تجريم "أنصار الشريعة" في الوعي الجمعي اليمني تترك لدى عامة الناس (والعسكر منهم) انطباعا قويا عن قوة "أنصار الشريعة" وبطشهم وجبروتهم الأمر الذي يغرس شعورا بالدونية و الضعف لدى العسكر فينعكس الأمر سلبا على أدائهم في المواجهات.
2- الترويج لعدد كبير من الشائعات المختلفة ومن مصادر متعددة وبعضها يناقض بعضا تلتقي في مقصد واحد هو وصم "أنصار الشريعة" بالإجرام والعمالة , وهدف هذا النوع من الشائعات تعزيز الصورة الشريرة لهم في الوعي الجمعي اليمني لينفر الناس منهم ولضمان عدم وجود اعتراضات جدية على أي عمل تقوم به الدولة أو غيرها ضدهم. من الشائعات التي تصفهم بالإجرام شائعة قتلهم من يجدون بحوزته بطاقة عسكرية في الحال. وإلقائهم المواد الكاوية على أوجه غير المنتقبات في عدن . وشائعة صلبهم ثمانية منهم رفضوا تنفيذ عمليات انتحارية. و من الشائعات غير العقلانية التي راجت أيما رواج أنهم عملاء للأمن القومي. ومقصد هذه الشائعة فضلا عن الوصف بالعمالة تخويف من يتعاطف أو يرغب في الانضمام وصده. أما أغرب الشائعات فما كانت تروجه الأطراف السياسية المتصارعة من إلقاء لتهمة صنع القاعدة أو توجيهها أو التحالف معها, من ذلك ما كان يروجه إعلام الرئيس المخلوع تحت مصطلح "الحراك القاعدي" لترهيب الحراك وتنفير الناس منه, ومن ذلك ما كان يروجه المناوئون للرئيس المخلوع أنه مؤسس القاعدة والموجه لها وأن زعماءها من الزوار الدائمين لقصر الرئاسة وأنهم شاهدوا شوالات النقود تخرج من القصر في سيارات أمراء القاعدة وأنه يستخدم القاعدة لضرب الجيش وإضعافه و أنه يسلم لهم المناطق لكي يبتز الولايات المتحدة والغربيين (كأن هذه الدول المتقدمة حضاريا وما لديها من أجهزة استخبارات نافذة ومراكز أبحاث مطلعة أفراد بسطاء التفكير والحيلة يسهل على رئيس شبه أمي لبلد في أدنى سلم الحضارة أن يخدعهم ويأخذ منهم ما يريد). ومن نفس القبيل لكن في الاتجاه المعاكس ما كان يروج له أنصار الرئيس المخلوع من أن القاعدة صناعة علي محسن وهو الذي يوجهها. أما الحراك الجنوبي فقد أخذ النظريتين وقال أن القاعدة قاعدتان واحدة لعلي محسن والأخرى لعلي عبدالله يوجهانها في الجنوب لأشغال الجنوب بالحروب ولإظهاره أمام العالم بأنه سيكون موطنا للقاعدة فيقفون ضد استقلاله.
وقد راج هذا النوع من الشائعات رواجا كبيرا مع انعدام عقلانيته بل وصار عند ناس كثر عقيدة راسخة يثورون لأجلها ضد من يخالفهم في صحتها. وهذا أمر يدلنا على إسراف النخب السياسية والإعلامية لمختلف الأحزاب والجماعات السياسية في إساءة استغلال نظرية المؤامرة في حربهم مع خصومهم حتى صيروها هاجسا مرضيا لدى العقل الجمعي اليمني الذي صار لا يقبل بأسباب سواها لتفسير الأحداث حتى إن كانت واقعية. إن القبول بمثل هذه الشائعات عند الأغلبية كأنها أمر قطعي الثبوت لا يقع إلا في مجتمع يعاني نمط التفكيرالجمعي عنده من أزمة في التفكير المنطقي السليم الذي يربط النتائج بمسبباتها الواقعية. مجتمع لا يزال نمط التفكير الأسطوري هو السائد عنده في التفسير للأحداث فضلا عن ضعف ملكة التفكير النقدي عنده.
3- ترويج شائعات تستهدف زرع الشك في عقول المتلقين عن حقيقة وجود القاعدة مثل الشائعة التي تقول:"هذه القاعدة ليست قاعدة بن لادن الحقيقية بل مزيفة ". ويستدل من يروجها بأن القاعدة في العراق وأفغانستان لا تقاتل المسلمين وإنما الأمريكان, و أن أيمن الظواهري أنكر صلته بهم. كذلك ما قيل أنه وجد في وثائق بن لادن أنه يرى أن القاعدة قد خرجت عن المنهج الجهادي الذي اختطه لهم وصاروا دمويين.
و يبدو أن المستهدف بهذا النوع من الشائعات هم المتعاطفون من عامة الناس لتنفيرهم وتحييدهم. ومن لديه أدنى متابعة لشأن القاعدة يعلم مدى تناقضها مع رسائل الظواهري الصوتية و مؤلفاته الفكرية.
4- التركيز في أحاديث الناس -لا وسائل الإعلام الجماهيري- على الدمار و التشريد الذي أصاب أهل أبين و إبراز "أنصار الشريعة" بأنهم متسببون, مع ترويج شائعات تسوغ للعامة ما صنع الجيش من دمار. وغرض هذا النوع من الدعاية تحويل مشاعر النقمة عن القوات المسلحة إلى " أنصار الشريعة " فضلا عن إثارة الذعر لدى العامة من قدوم "أنصار الشريعة" إلى بلادهم الذي سيسبب دمارا وقتلا وتشريدا, لتكون الاستجابة تأجيج مشاعر الكراهية لديهم وروح المواجهة مع "أنصار الشريعة" باعتبار المواجهة معهم أهون ضررا وأقل كلفة وأرحم بالمدنيين من مواجهة الوسائط النارية لدى الجيش اليمني والطيران الأمريكي التي لا تبقي ولا تذر حتى الأطفال كما حدث في مجزرة المعجلة.
وهذا الأسلوب الدعائي من أكثر الأساليب نجاحا وسرعة في التأثير. وبمثل هذا النوع من الدعاية استطاعت الدولة أن تنتصر بالرعب على القاعدة في لودر مسيرة سنين, واستطاعت أن تفصل القاعدة عن الحاضن الشعبي لها في المنطقة بل وأوجدت أقوى و أصبر المناوئين لها في اليمن, بل بمثل هذا الأسلوب استطاعت الدولة أن تقلب اتجاهات التفكير عند المتعاطفين مع القاعدة لصالحها.
5- فتاوى مشايخ تيار السلفية السلطانية بأن "القاعدة من الخوارج" و " أنهم كلاب أهل النار" وأنهم "ضالون ودعاة على أبواب جهنم".هذه الفتاوى وما جرى مجراها هي السلاح الفتاك للدولة في مواجهة السلفية الجهادية, وبهذا السلاح استطاعوا أن يُحيِّدوا المتعاطفين مع القاعدة بل و أن يقلبوا بعضهم عليهم, وبهذا السلاح استطاعوا أن يوجدوا القبول " للجان الشعبية " في لودر بل واستطاعوا أن يوجهوها لقتال "أنصار الشريعة" في حرب ضروس أظهروا فيها صمودا لم يستطع الجيش أن يأتي بمثله.
وهذا الأسلوب يعزز الأسلوب الذي قبله في توجيه الفئات المستهدفة نحو الاستجابة المطلوبة.
6- استغلال مشاعر الكراهية العنصرية تجاه الصوماليين و المناطقية ضد أبناء المحافظات الشمالية وتغذيتها لدى أهل المناطق الجنوبية لتأجيج روح العدوان ضد "أنصار الشريعة" بترويج إشاعات مثل "ليش يجيبو الشماليين لا أرضنا؟!", "ليش يجيبو اهل مارب لا هنا؟ ليش ما يحاربوا في ارضهم؟, بس يبوا يخربوا أرضنا!". ولعلنا نذكر الخبر الذي شاع بعد مقتل اللواء قطن والذي أسند مقتله إلى صومالي, تبين بعدها أنه يمني. ومن قبيل استثارة مشاعر الكراهية ما كان من اتهام أبناء المحافظات الشمالية ولا سيما أهل مأرب بنهب الممتلكات العامة ونشر شائعات ضدهم من قبيل ضبط نقطة " للجان الشعبية " لشاحنة فيها أناس من أهل مأرب وبحوزتهم مولد كهرباء خاص بملعب خليجي عشرين. والحق يقال هنا كان معظم الناهبين من أهل أبين لا سيما أهل جعار التي انضم كثير من بلاطجتها إلى "أنصار الشريعة" ليتمكنوا من نهب الأموال العامة وكذلك المزارع الخاصة مستقوين بعضويتهم وبسمعة التنظيم المخيفة في النزال فكانوا يسيرون حملات الدهم الليلية للمزارع الخاصة لنهبها, فروعوا أصحابها متشجعين بسكوت التنظيم عنهم و بخوف الناس من مواجهتهم. فكان أمر محير أن يتغاضى من تقوم دعواه على تحكيم الشريعة على انتهاك المحسوبين عليه لحرمات منازل المزارعين وترويعهم ونهب ممتلكاتهم.
والحرب النفسية (والدعاية جزء منها) هي المجال الذي استطاعت فيه الدولة و مناوئو "أنصار الشريعة" إلحاق الهزائم المتتالية بها. و أتت نتائج هذه الهزائم على الهيئات الآتية :
1- انتشار موجة كراهية واسعة ضدهم بين معظم الناس ونشوء اتجاه في الرأي العام ذي طيف واسع مؤيد لأي إجراء يتخذ ضدهم حتى بين الإسلاميين باختلاف أطيافهم و حتى إن كان مخالفا للدستور و القوانين اليمنية مثل استخدام الطائرات الأمريكية بلا طيار.و أبرز مثال على ذلك تصريح بافضل الشهير في دعوته للأمريكان و الاتحاد الأوربي بالنزول على أرض اليمن لتعينهم المعارضة على استئصال القاعدة.
2- تآكل القاعدة الشعبية العريضة من المتعاطفين معهم في الماضي.
3- اتفاق كافة الفرقاء السياسيين من شماليين وجنوبيين وحراك و حوثيين ومؤتمر وإصلاح وكل من يعمل في الساحة السياسية بل والجزء الأكبر من الفسيفساء السلفية التي تشارك "أنصار الشريعة" المعتقد على حربهم و استئصالهم. و لم يحدث قط أن اتفق هذا الكم من الفرقاء اليمنيين على أي قضية أخرى.
هذه الغلبة للدولة ومناوئي القاعدة ما كان لها أن تحدث لولا تظافر عوامل عدة منها ما هو ظاهر سنذكر هنا أهمها ومنها ما كان يدور في السر ولمّا تزح يد الزمان الستار عنه. من هذه العوامل:
1- الدعاية المعاصرة ضد "أنصار الشريعة" قد سبقتها دعايات لمدة طويلة منذ 11/9/2001 من قبل الأمريكان والغرب ومعظم الدول العربية. وقد كانت هذه الدعاية في البدء ضعيفة الأثر في معظم الناس وكانت هناك جهود للدعاية المضادة لها بين الإسلاميين. لكن مع استمرار و دأب هذه الدعاية والتنويع فيها وتضخيمها لأخطاء القاعدة, وإردافها بوسائل الحرب النفسية الأخرى من استعراضات القوة الأمريكية في أفغانستان والعراق, وما لحق الشعبين الأفغاني والعراقي من تنكيل استطاعت أن تؤثر في الوعي الجمعي اليمني والعربي والإسلامي بتحويل اتجاهات الرأي العام الإيجابية إلى سلبية والتعاطف إلى عداء مما يسر لمروجيها فيما بعد عملية توجيه السلوك الجمعي في سبيل إنجاز استجابات تعزز مقاصدها.
2- تضافر جهود الأحزاب والجماعات السياسية والدينية في البلاد ضد القاعدة وتسخير وسائلها الإعلامية ضدها أسهم في إكمال رسم الصورة الشريرة للتنظيم التي بدأ بها الأمريكان.
3- وقوف تيار السلفية السلطانية بقوة مع السلطة ومساندتها بالفتوى والتعبئة لمنتسبيه من طلاب العلم الشرعي ومن عامة الناس ضد القاعدة. وقد حمل أقطاب هذا التيار و منتسبوه العبء الأكبر في جهود وقف انتشار القاعدة في اليمن والسعودية, لأنهم يملكون سلطة روحية قوية فضلا عن احتكارهم شبه التام للفتوى, وهما العامل المؤثر الأكبر في مجتمع اليمن الذي يغلب عليه التدين التقليدي.
4- من حسن حظ خصوم "أنصار الشريعة" أن هذا التنظيم يفتقر إلى وسائل الإعلام الجماهيرية كالإذاعة والتلفاز والصحف, كما يفتقر إلى الكفاءات الإعلامية التي تعرف الأمور المؤثرة في الرأي العام وتتقن فن الدعاية,فضلا عن أنه يفتقر لخبراء في علم النفس والحرب النفسية الذين يستطيعون أن يضعوا الخطط للدعاية والدعاية المضادة الموجهة إلى خصومهم. لعل السبب في ذلك أن كثيرا منهم لاسيما اليمنيين لم يأخذوا بقسط وافر من التعليم النظامي. ولا ننسى أنهم خرجوا من عباءة السلفية السلطانية الجماعة التي يحقر كثير من مشايخها خصوصا في اليمن العلوم غير الشرعية و يحقرون التعليم النظامي ويصدرون الفتاوى التي تحرم على مريديهم الالتحاق بالجامعات بحجة ما فيها من الاختلاط , وهذه الأمور تخرج بيئة شديدة الجهل بفقه الواقع فضلا عن جهلها " لفقه التدين فهما وتنزيلا".
[1].Field Manual 101-5-1, Operational Terms and Graphics
(Washington D.C.: Department of the Army, 1997), p. 1-40
[2] صدى الملاحم ع 12 ص 32.
[3]عملية عدن, سامي العدني, صدى الملاحم عدد 14 ص64.
[4]رسائل تحملها أمواج عدن, اللجنة العسكرية, المرجع السابق ص 66.
[5]أنظر ما نقلته صحيفة الوسط ع 381 عن معركة لودر.
[6]صحيفة الشارع ,ع 236.
[7]انهيار معنويات العدو, إلياس الصنعاني, مجلة صدى الملاحم, عدد 14, ص 55-56.
[8]حرب المحترفين, سامي العدني, صدى الملاحم, عدد 15, ص 35.
[9]انظر رواية المواطن محمد الجابري من سكان زنجبار لمحرر الشؤون السياسية بصحيفة عدن الغد عدد 3.
[10] كان الكاتب قد شاهد مرور الصواريخ فوق قريته قبل المجزرة بدقائق قليلة وعرف نوعها وشاهد حطامها في المعجلة وبقايا القنيبلات التي لم تنفجر, و كان احد الناجين من انفجار إحداها الذي قتل أربعة وجرح تسعة يوم مهرجان التضامن مع أهالي المعجلة.
[11], محلة صدى الملاحم الصادرة عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب,العدد 15, مشروعية استهداف عسكر علي صالح, عبد الله الأنصاري ص 10.
[12]انظر تفاصيل هذه الإحصائية في التقرير الإخباري الذي تناول هذه العمليات ومواقعها وأسماء ضباط الأمن الذين اغتيلوا ومواقع اغتيالهم في المرجع السابق ص 38-41.
[13] أنظر صدى الملاحم ع 12 ص 26 حيث عرض الكاتب صاحب الاسم الحركي حامل المسك العواقب الايجابية التي جناها تنظيم القاعدة من وراء مجزرة المعجلة التي منها ما ذكرنا أعلاه.
[14]انظر : THE PHILIPPINE INSURRECTION (1899-1902):
DEVELOPMENT OF THE U.S. ARMY'S COUNTERINSURGENCY POLICY.P 81.
[15]صحيفة عدن الغد عدد 15.
[16]انظر: صحيفة عدن الغد العدد 15 ص5.
[17]مجلة مقاربات العدد الأول,عبد القوي حسان, السلفيون والثورة , صنمية النص وحتمية الواقع,ص57.
[18]Garth Jowett and Victoria O"Donnell, Propaganda and Persuasion, 4th ed. Sage Publications, p. 7
[19]حرب بلا مدافع , ترجمة محمد عبدالرحمن برج , القيادة العامة للقوات المسلحة إدارة التوجيه المعنوي ,1967.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.