لقد فضحت صفقة الأسلحة مع روسيا مدى اهتراء الدولة عندما كشفت الوقائع رشاوى من قبل أطراف بالسلطة، ويبدو أن الأمريكان على خط المعارضة لها، وربما هم من فجروا الواقعة وبصرف النظر عن الصراع القائم بين مثلث إيرانوروسيا من جهة، وأمريكا من جهة أخرى على أرض العراق واستقطابه إلاّ أن الصورة نزعت منه استقلالية القرار، ولعب دور البلد الذي لا يرتهن لأي سلطة، لكن تنافر القوى والمزايدات التي تجري بينها جعل الولاءات تنتقل إلى عناصر خارجية كتب يوسف الكويليت ان العراق بلد بموارد هائلة، لكن إذا لم تذهب إلى أرصدة شخصيات الدولة ومحاسيبها، فإنها توظف لصالح أهداف إيرانية تقوم بها الدولة نيابة عنها، كدعم حزب الله وسوريا، وسد بعض العجز المالي الإيراني بسبب وطأة الحصار الذي أضر بصادراتها النفطية. وعلى الصعيد العراقي ايضا يرى محمد عياش الكبيسي ان أهل السنة في العراق قد استأثروا بشرف المقاومة وهذا ما خرجوا به من حصيلة التضحيات الجسام وهذا استحقاق طبيعي لا ينافسهم فيه أحد، بيد أن هذا الاستحقاق تعرض هو الآخر للتشويه، حيث أصبح أهل السنة في نظر العالم منقلبين على مقاومتهم، بل إن المقاومة نفسها أصبحت منقسمة على نفسها، وكل هذا نصنعه بأيدينا وألسنتنا وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة، ثم نقول لماذا لا يقف العرب معنا كما يقفون اليوم مع أهلنا في سوريا وفلسطين. يوسف الكويليت في الرياض السعودية: العراق.. فراغ أمني وسياسي العراق حيّر مواطنيه، فمن آمال تخطي ماضي الدكتاتوريات إلى حكم مدني ديموقراطي، والانتقال من رعب السلطة إلى بناء المؤسسات، وانتهاء الفساد الإداري والاقتصادي، إلى نكسات متتالية، فكل الأدوار التي تقوم بها السلطة الراهنة، افتعال العدادات في الداخل ونشر الفوضى كتعبير عن عجز كبير في أداء ينقذ الشعب من الاغتيالات وفوضى الأمن، وضعف البنى التحتية وانتشار الرشاوى والمحسوبيات، حتى إن تجزئة العراق لم تعد على الورق بل صارت جزءاً من عمل منظم ومستهدف على أرض الواقع.. فالعراق بلد بموارد هائلة، لكن إذا لم تذهب إلى أرصدة شخصيات الدولة ومحاسيبها، فإنها توظف لصالح أهداف إيرانية تقوم بها الدولة نيابة عنها، كدعم حزب الله وسوريا، وسد بعض العجز المالي الإيراني بسبب وطأة الحصار الذي أضر بصادراتها النفطية، دولة بهذه المواقف لا تستطيع جلب الأمن للعراق، والخروج به من نفق الطائفية والعشائرية وتحدي المكون الاجتماعي والديني والقومي، حتى ان خلق الأزمات مع الأكراد، وعودة الصراعات التقليدية أفرز واقعاً قد يؤدي إلى إعلان دولة الشمال من طرف واحد مما يعني عودة التوترات السياسية والتحارب باسم العداء القومي والطائفي.. لقد فضحت صفقة الأسلحة مع روسيا مدى اهتراء الدولة عندما كشفت الوقائع رشاوى من قبل أطراف بالسلطة، ويبدو أن الأمريكان على خط المعارضة لها، وربما هم من فجروا الواقعة وبصرف النظر عن الصراع القائم بين مثلث إيرانوروسيا من جهة، وأمريكا من جهة أخرى على أرض العراق واستقطابه إلاّ أن الصورة نزعت منه استقلالية القرار، ولعب دور البلد الذي لا يرتهن لأي سلطة، لكن تنافر القوى والمزايدات التي تجري بينها جعل الولاءات تنتقل إلى عناصر خارجية.. في الداخل ليس هناك من يعرف أين تتجه السلطة، تفجيرات بعضها تتهم الحكومة بها لتصفية بعض العناصر، أو خلق شعور عام بعدم الأمان، وهناك من يرى اعتماد التفرقة بين المذاهب والعشائر والقوميات، وشراء الولاءات جزءاً من سياسة احتكار الهيمنة، وفي العلاقات العربية لا يوجد بناء الثقة مع الدول المجاورة وخارجها، بل إن مطاردة كل ما هو عربي، صار جزءاً من حرب الهويات لصالح تعميم الفارسية كعمق للمذهب الذي تلتقي عنده سلطة المالكي وملالي إيران، وقد تمت تصفية الرموز العربية باسم مطاردة البعث مثلما حورب السنة وبقية الطوائف بذرائع الحرب السياسية والنفسية.. لا أحد يعرف أين يتجه العراق فهو غير متجانس ومتلائم داخلياً، ولا هناك أجواء مصالحة مع نطاقه العربي، ودولياً ضائع بين جبهات إقليمية ودولية، فإيران حليف هي ونظام الأسد، وتركيا ودول الخليج على قائمة الأعداء الثابتين في سياسة نظام المالكي، وكل يرى احتمالات الانفجار قائمة لأن ضابط الإيقاع بتميز شخصية العراق المستقلة والثابتة، بات عرضة للتقسيمات والنزاعات، ومخلفات الحروب خلقت أجيالاً من حالات الأمراض النفسية والعضوية، وهي مؤشرات لأزمات متلاحقة قد لا تحل بوجود السلطة الراهنة.. محمد عياش الكبيسي في العرب القطرية : صحوات العراق.. قراءة نقدية ضبط الأمن في المجتمعات البشرية يعد ضرورة من ضرورات الحياة الرئيسة التي لا يمكن استمرار الحياة بدونها، والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة بقوله: {فليعبدوا رب هذا البيت*الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} (قريش:3-4). وقد عرفت المجمعات البشرية هذه الحاجة مبكرا حتى وصلت اليوم إلى مرحلة المؤسسات الأمنية الكبيرة التي تعد ركنا أساسيا من أركان الدولة والحياة المعاصرة بحيث لا يمكن أن تخيل وجود مجتمع بشري بدون هذه المؤسسات. هذه الحقيقة ربما لا يختلف عليها اثنان، بيد أن القضية التي تثير قدرا حادا من الجدل هي كيف نلبي هذه الحاجة أو الضرورة في ظل الاحتلال وخضوع المجتمع لسيطرة القوة الأجنبية الغازية؟ هناك احتمالات منطقية عديدة، أفضلها أن يتمكن أهل البلد من حماية أنفسهم بأنفسهم، لكن هذا يصعب تصوره واقعا في ظل غياب السيادة على الأرض، وقد حصلت حالة استثنائية من هذا النوع ما بين معركتي الفلوجة الأولى والثانية، حيث بسطت المقاومة هيمنتها على المدينة وكانت تجربة ناجحة، لكنها محدودة زمانا ومكانا، ومنها أن تقوم قوات الاحتلال نفسها بهذا الدور وبطريقة مباشرة، وهذا يتطلب وجود أعداد ضخمة وهائلة من جنود الاحتلال ومؤسساته الأمنية، ومنها أن تقوم سلطة الاحتلال بالمحافظة على المؤسسات الأمنية والقانونية والقضائية الموجودة قبل الاحتلال لتمارس دورها في ضبط الأمن، وهذا ما تقرره المعاهدات الدولية المعاصرة، وفي هذه الحالة يكون هناك ما يشبه السلطتين في الدولة الواحدة، وقد عنيت المعاهدات والاتفاقيات الدولية بضبط العلاقة بين هاتين السلطتين. في الشريعة الإسلامية هناك مباحث فقهية لهذه الحالة تبلورت إبان الغزو المغولي للعالم الإسلامي، حيث أصبحت هناك دار ثالثة يسميها ابن تيمية بالدار المركبة «دار سلم وحرب بآن واحد» (مجموع الفتاوى ج28- ص240)، وفيها يقول العز بن عبدالسلام -وهو شريك ابن تيمية في محاربة المغول-: «ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة» (قواعد الأحكام)، وربما تكون لنا مع هذه النقطة وقفة أخرى. بناء على ما تقدم يبدو أن وجود مؤسسات أمنية وقضائية إلى جانب المؤسسات الأخرى في ظل الاحتلال أمر لا مناص منه، وإلا تعطلت الحياة بالكامل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن علاقة هذه المؤسسات بطرفي الصراع «الاحتلال والمقاومة» ستبقى مصدر توتر وجدل لا ينتهي، حيث سيحاول الاحتلال كسب هذه المؤسسات وتوظيفها لصالحه في هذا الصراع، وهذا أمر طبيعي ومتوقع، لكن المقاومة سترتكب خطأها القاتل لو سلمت بما يريده المحتل، ومنحته فرصة للاستحواذ على هذه المؤسسات، فهناك فرق بين معالجة التفاصيل الناتجة عن مثل هذا الوضع الاستثنائي وبين نزع الشرعية من حيث المبدأ عن كل هذه المؤسسات وإعلان الحرب عليها، كما أعلنت القاعدة عن تكفيرها لكل من ينتسب إلى سلك الشرطة والحكم بقتلهم ردة وخيانة!! وربما كانت بعض الجهات الشيعية في العراق تعمد إلى تسريب قوائم المرشحين لهذا السلك من أهل السنة إلى عناصر القاعدة لتحقق بهذا أكثر من هدف! تجاوز الأميركان في العراق كل المعاهدات الدولية المعروفة بهذا الصدد، فعمدوا إلى إلغاء المؤسسات القائمة، وراحوا يشجعون تشكيل المليشيات الشيعية (جيش المهدي نموذجا) والسماح لها باستعراض القوة في شوارع العاصمة والمدن الأخرى، بل وممارسة العدوان الصارخ على الأحياء السنية بما فيها من مساكن ومساجد ومؤسسات، وحينما ارتفعت شكاية السنة بالمطالبة بالحد الأدنى من الحماية لم تكن أمامهم إلا فرصة تشكيل الصحوات التي سمح بها الأميركان لأكثر من غرض، ولم يكن أمام أهل السنة إلا القبول بهذا الخيار. تشكلت الصحوات وتمكنت من بسط الأمن في أغلب المناطق السنية، وقد كانت مصدر قلق كبير للحكومة الطائفية في بغداد بل وللحكومة الإيرانية أيضا التي هاجمتها بقوة عبر قنواتها الفضائية الموجهة للعراق والعالم العربي متهمة إياها بالتواطؤ مع الأميركان! وليس هذا هو الغريب، إنما الغريب أن تتعرض هذه الصحوات للحرب من قبل بعض الواجهات السنية بحكم مبدئي ومسبق كما فعلت القاعدة، وهذا يعني أن الخلاف مع الصحوات ليس بسبب ما قام به بعضهم فيما بعد من ملاحقة لشباب المقاومة واعتقالهم وربما قتلهم، بل المسألة أبعد من هذا وهو ما ينم عن مواقف غير مدروسة وغير مؤصلة أو منضبطة لا بضوابط الشرع ولا بضوابط القانون ولا حتى بضوابط المصلحة. إن البلد الذي يتعرض للاحتلال سيبقى يحتاج إلى كل المؤسسات التي تضمن له حاجاته الأساسية كالقضاء والأمن والتعليم والاقتصاد..إلخ، وكل هذه المؤسسات لا بد أن ترتبط بسلطة الاحتلال بشكل أو بآخر، وكما أن الطبيب في المستشفى أو المعلم في المدرسة أو عامل النظافة ترتبط وظيفته بسلطة الاحتلال أو بحكومة الاحتلال وسيأخذ راتبه الشهري منها فكذلك رجل الأمن، ولو كان هناك حل آخر فليتقدم به أصحابه، بل لو كان هناك حل لما لجأ أشد الناس حربا على الصحوات إلى طلب الحماية والرعاية من دول وحكومات لها علاقة بالأميركان أكثر بكثير من تلك الزيارة الشاذة التي قام بها بوش لمضارب عشائرنا في الأنبار، فهل كانت الحاجة الشخصية معتبرة شرعا وقانونا أكثر من الحاجة العامة؟ وإذا تمكن هؤلاء من العثور على الملاذات الآمنة فمن الذي يوفر مثل هذه الملاذات للملايين من البسطاء والمستضعفين؟ إن أخطر ما واجهته التجربة العراقية أن جعلت المقاومة في كفة وجعلت الحاجات المجتمعية الأخرى في كفة على طريقة (مع أو ضد)، ولقد كلفتنا هذه التجربة خسائر ثقيلة أكبر من إمكانياتنا وعلى مختلف المستويات، ففي الوقت الذي كانت المقاومة تسجل انتصاراتها المتلاحقة على الجيش الأميركي تراها هنا مرتبكة أمام نظريات وفتاوى غير ناضجة وغير مدروسة، حيث طلب منها أن تعلن الحرب أو البراءة على الأقل من كل هذه العشائر التي انخرطت في مشروع الصحوات، وكان هذا في الوقت ذاته مبررا لتلك العشائر أن تتخلى عن دعمها واحتضانها لهذه المقاومة، وحقيقة لم يكن الأمر ليتطلب كل هذا الاحتراب والتمايز الحاد، فلقد كان المنافقون في المدينة يشكلون الضرر الأشد على الدعوة الإسلامية، ولم يكن لوجودهم حاجة ولا مبرر، ومع هذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحتويهم في مسجده وحلقات علمه ودعوته، وكان يقول لمن يطالب بمقاتلتهم: «كيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟!» وقال عن ابن أبي سلول: «بل نحسن صحبته»، فهل يكون هؤلاء أكثر حرصا على الجهاد وأغير على الإسلام من رسول الله؟ وهل كانت عشائرنا أبعد عن الإسلام من أولئك المنافقين؟ وإذا كان أهل السنة في العراق قد استأثروا بشرف المقاومة وهذا ما خرجوا به من حصيلة التضحيات الجسام وهذا استحقاق طبيعي لا ينافسهم فيه أحد، بيد أن هذا الاستحقاق تعرض هو الآخر للتشويه، حيث أصبح أهل السنة في نظر العالم منقلبين على مقاومتهم، بل إن المقاومة نفسها أصبحت منقسمة على نفسها، وكل هذا نصنعه بأيدينا وألسنتنا وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة، ثم نقول لماذا لا يقف العرب معنا كما يقفون اليوم مع أهلنا في سوريا وفلسطين؟ لقد مد ياسر عرفات يده مصافحا إسحاق رابين أمام العالم، ولم أسمع من خالد مشعل ولا إسماعيل هنية تجريحا بأبي عمار ولو بكلمة واحدة، فحماس تعلمت من تجربتها الطويلة فن صناعة الأصدقاء، ولم تتعلم فن صناعة الأعداء، وهذا من أدبيات المقاومة الواعية والصادقة وهو من مستلزمات النصر القادم بإذن الله.