الرواية أعلاه من اصدارات المؤسسة الفلسطينية للنشر والتوزيع والطباعة ، صدرت عام 2013 وتقع في (234) صفحة من القطع المتوسط ، وتصميم الغلاف للفنان المقدسي احمد نبيل ،،، تسرد الرواية وعلى مدار اربعة فصول معاناة التشرد ،،، واللجوء لاسر مقدسية ،،، كانت تعيش حياة رغد وسعادة ،،، ومع بداية ربيع 1948 ،،، تبدا الروائية بوصف سردي لتاريخ يكاد يكون ضرب من الخيال لمن لم يعش تلك الفترة من حياة القدس وقراها المهجرة عنوة ،،،، كيف للقاريء ان يتخيل وقائع يندى لها جبين كل شريف في وطن أضحى بين عشية وضحاها بأيدي غرباء ،،، وسكانه الاصليون يتشردون على طول البلاد وعرضها ،،، تبدأ الروية بفقرة راقت لي ص(5) "ما اصعب ان تجد نفسك غريباً عن نفسك ! تائهاً بين ثنايا الزمن تبحث عن اجابة لسؤال يؤرقك في صحوك ومنامك :لماذا؟ لماذا تركنا بلادنا ؟ لماذا تركنا هواءنا ؟ لماذا تركنا سماءنا ؟ لماذا تركنا ترابنا ، وماءنا ، وشجرنا ، وحجارتنا ،وبيوتنا ؟ لماذا تركنا الجنة ؟ هل تواطأ القدر مع أعدائنا؟ " تساؤلات تطرحها الروائية على رفيقة التي عادت لوطنها ولكن ليس الى لفتا- قضاء القدس وانما الى رام الله ،،، تساؤلات لم تشأ الروائية الا الانطلاق منها لتفاصيل غاية في الجمال لتنقلنا من فلسطين الجمال الى فلسطين التشرد ،،، من قدس يعيش سكانها حياة اشبه بالجنة الى حياة بؤس في ضواحيها ،،، وعندما يعودون يواجهون الموت ترهيباً كي لا يفكروا في عودة ،،، فيبقى الألم متلازمة حياة لا تفارق الاولاد والاحفاد بل ستبقى تلك الحكايات شاهدا حيا على حق لن يضيع. تصف الروائية النزوح القسري فتقول على لسان خديجة ص(21) "رحلنا اسراباً ، وجماعات ... حوالي ثلاثة آلاف نسمة ، أغلقوا جميعا بيوتهم بالمفاتيح الحديدية الكبيرة ، ورحلو ... النساء الحائرات ، المترددات حملن سلالهن ، وملاحفهن المعبأة بالأغراض ... وحملت أنا ؟أخي عدنان الصغير عدنان على حضني ، انه لم يبلغ سبعة اشهر بعد .... الخ " وصف يكاد لا يخلو من المرارة والألم ،،، مشاهد تتكرر ولكن بتفاصيل اخرى ،،، هنا قرية لفتا المهجرة ،،، وهناك صوبا الجميلة ،، ومشاهد متشابهة تتخللها كلمات حنين للبلاد وحزن على فراقها فمثلا ص(22) بعض اغاني ترددها الأمهات كبدا ، وقهرا لفراق فتقول : "يا حسرتي حملوا والريح طاوعهن راحوا يا يما ومفتاح القلب معهن يا حسرتي حملوا ع خيلهم شدو ولبسو ثياب السفر على الريق ما تغدو .....الخ " .... وفي ذات السياق تقول خديجة الفتاة التي تحلم بالزواج والسعادة ،،، وتنتابها مخاوف على خطيبها علي من اليهود والانجليز والحرب والرحيل ،،، متغيرات طارئة لم تكن في حسبان المقدسيين يوماً: "ليت خوفنا الساكن في رؤوسنا وقلوبنا ، يسحق كما يسحق القمح بين حجري الرحى " دلالة على رفض مطلق لكل تلك المخاوف والهواجس. حكاية وردة بطلة الرواية ،،، الفتاة الجميلة ذات الشعر الاشقر ،،، التي كانت تركب الفرس الاصيلة "نور الصباح " برفقة والدها وذكرياتها بين عمواس والنبي موسى والسهول الخضراء الممتدة ،،،وجنة الله في ضواحي القدس كلها تغادر في لحظة،،، فتتحول حياة وردة الى نزوح وفقد وتشرد ،،، في الرواية ايضا تطل على عاداتنا وتقاليد مجتمعنا الجميلة بلهجة محكية ،،، تجعلك تعيش تلك الحقبة من التراث الجميل فالكثير من الاهازيج في الافراح والمناسبات تسردها الروائية بشكل انيق وشيق ،،، ففي ص(31) على لسان ام ناصر احدى النساء المشاركات في الفرح فتقول : "راحت ام ناصر تهاهي بصوت مجلجل ذي موسيقى رنانة : "هيي صلاة النبي على عروستنا هيي زي القمر ضاوي حارتنا هيي صلاة النبي على عروستنا هيي احنا المزيونات والزين عادتنا " ردت عليها خالتي ام وليد ...." هنا تتجلى الاهازيج الشعبية بابهى حلتها ،،، فتشعرك بعظمة التراث الجميل ورونق حضوره . وفي المقابل تبرز الروائية دور المرأة الفلسطينية ومساهمتها في دحر المحتلين عن ديارها فتقول على لسان ربيعة زوجة عبد العزيز احد الثوار ضد الانجليز عام 48 فتقول : "خذ كل ذهبي ، يا عبد العزيز . كل أساوري ... ماذا سأقعل بالذهب من غير كرامة ؟ المال يروح ، ويجيء ، حياة الانسان وحدها فقط ، التي تروح ولا ترجع أبداً ،،، اترك لي فقط هذا الخاتم ، لانه ذكرى من المرحومة أمي" تواصل الروائية التنقل بنا بين تفاصيل مهمة ومفاصل في حياة المقدسيين والفلسطيينين بشكل عام فتعرج على معركة القسطل وسقوطها المدوي في جبين التاريخ ،،، وقول القائد العظيم على لسان شاب مناضل يدعى عبد الحكيم ص(87) "كم هو صعب خبر استشهادك ايها القائد العظيم ! لم تكن معركتك متكافئة ايها القائد، لم تكن متكافئة . لا سلاح ، لا تنظيم ، لا خدمات طبية ، لا وسائل اتصال ، لا شيء ، لا شيء. .....الخ " ثم يسترسل قائلا ً : " يقولون بانه عاد بنصف كيس من الرصاص ، سمعوه يقول لاعضاء اللجنة العسكرية في دمشق "سوف يكتب التاريخ أن فلسطين وقعت بيد اليهود، بسببكم " " تواصل الروائية سردها لسيرة وردة التي تفقد على مراحل الاب ،،، ثم الزوج ثم الولد ،،، في مفاصل التشرد والضياع ،،، حتى لتكتوي بنارها وانت تقرأ ذاتك المحكية عندما تقول على لسانها ص(120) "وداعا ايتها الارض ، وداعا ايها التراب ،،، وداعا ايتها الحجارة العتيقة ،،، وداعاً يا سماء بلادي ....وداعا ايتها العجوز العنيدة القوية ، الصلبة ، وداعا يا امي ، يجب ان يعرف الجميع بانني مهاجر عن ارضي، عن وطني ، عن روحي ....أشعر ان السماء تبكي ، بل تنوح عليّ. ليتني أملك جناحين لاطير بهما فوق ربوع بلادي ..." صورة تقطر اسى لمغادرة ارض الوطن ،،، وتلاشي الأمل بعودة" وفي مشهد آخر تحاول وردة الرجوع الى قريتها ،،، تتحدى كل الكمائن المنصوبة للحيلولة دون عودة العائلات المهجرة ،،، وتجازف وما تبقى لها من اسرتها ،،، فتقول على لسانها ص(187) : " عندما يزداد الظلام حلكة ، سأكون خارج المدينة ، سوف أتسلل عبر الجبال حتى أصل بلدتي" حلم قابله المحتل بصلف وتهجير ثانية ،،، ورحلة عودة مع قصاص اثر يدعى ابو مرزوق ، ليدلهم على طريق آمن لعودة مأمولة ،،،ومعاناة مع اطفال لا تنتهي ،،، عودة لم تمنحهم الكثير من الوقت لتفقد قرى خالية من كل حياة ،،، وقد عاثت فيها عصابات "هجانا " دماراً وتخريباً ،،، لا يكادون يفرحون بعودة ،،، حتى يتم ترحيلهم في شاحنات معدة خصيصا لترحيلهم خارج البلاد ثانية،،،رحلة نزوح قسري لا تنتهي. تستعرض الروائية دور وكالة الغوث في مساعدة اللاجئين وتعويضهم ،، وتتساءل بمرارة عبر شخصية وردة وابنتها ليلى رغم شدة عوزها وحاجتها للعلاج ،،، الا انها ترفض بشدة ان يقال عنها لاجئة . الرواية تحفل بالكثير من القصص الواقعية الى حد بعيد ،،، بحيث تترك النهاية مفتوحة على احتمالات النجاة من المحتل ومواصلة النضال ،،، الاسر التي تذكرها الرواية تسرد عائلة وابناءها وكيف يقضون واحدا تلو الاخر على طريق العودة ،،، ولكنهم يواصلون بكل عزم نحو هدف اسمى من كل حياة خارج الوطن .