مارس 05, 2014 عدد المشاهدات 14 عدد التعليقات 0 د.ريم عبدالغني نادراً ما أتابع التلفاز.. وإذا اضطررت فواحد من ثلاثة، كوميديا لا تتطلب تركيزاُ... أو برنامج علمي أو وثائقي يغني المعرفة... أو فيلم قديم... تشدّني الأفلام القديمة... تبدو فيها القاهرة أكثر نقاء وخضرة وبيروت أكثر إنسانية... كذلك تتراءى في الذاكرة صلنفة وبرمانا... وغوطة دمشق.. وحرش بيروت... قبل أن تجتاح غابات الإسمنت حتى الذكريات.. حنين خفي يدفعني إلى كل ما هو قديم... كأن البشر والعادات والعمارة .. كلّها كانت أكثر وداً... أو ربما أقل عنفاً.... حتى تجاه الطبيعة... ******** إذاً.. لماذا يزداد العالم قبحاً؟.. هل هي فعلاً بعض عاداتنا وصناعات عصرنا التي تنتهك البيئة؟ أم أننا شهود على تحوّل مناخي هائل، كذلك الذي حوّل ذات عصر غابات شبه الجزيرة العربية إلى صحارى قاحلة؟ وما قصّة الاحتباس الحراري التي صارت لازمة يرددها "من يفقهون ومن لا يفقهون"؟.. كي أفهم... قلبت مكتبتي رأسا على عقب، دخت بين خيوط الشبكة العنكبوتية... وعرفت أن مواسم الشتاء ازدادت منذ بداية الإحصاءات المناخية في الستينيات دفئاً وقصرت مدة، حتى اعتبر العلماء عام 2005 كثاني أشد الأعوام حرارة في العالم خلال نصف القرن الماضي.. إذاً كانت سلوى على حق حينما استفزتها عبارتي "نهار مشمس جميل" في عز الشتاء... أنا مدينة لها باعتذار وهي مدينة لي بمزيد من الإيضاح: "قرأت كما نصحتني، لكن بدلاً من قراءة عشرات الصفحات... ما رأيك أن تفيديني بما تعرفينه عن أسباب الأمر...أقصد ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي أو الاحتباس الحراري؟ ها قد أهديتها على طبق من ذهب فرصة عمرها، ستستمتع الآن بتقمص دور الأستاذة.. "لا بأس.. اسمعي يا صديقتي... هناك من يرى أن تركيز بعض الغازات، ك ثاني أكسيد الكربون والميثان (غازات الدفيئة)، أخذ يتزايد في الغلاف الجوّي منذ بدء الثورة الصناعية، بسبب الملوّثات الناتجة عن استخدام الطاقة (البترول والفحم والغاز الطبيعي) وغازات المصانع. والانفجارات البركانيّة والحرائق. وبعد اكتشاف ثقب الأوزون' فوق القطب الجنوبي 1974، اتهم البعض الآخر تحلّل طبقة الأوزون، التي تقينا ضرر أشعة الشمس فوق البنفسجية، ولحمايتها تم توقيع اتفاقيات فيينا 1985، ومونتريال 1987. -إذاً نحن المسؤولون الأساسيون؟.. أسأل بقلق -"ليس تماماً...فهناك فريق يبرئ ذمتنا، بناء على أنه من أين للإنسان التنبؤ أو التأثير على النظام الكوني الضخم.. ومن ضمنه النظام المناخي للأرض القائم على منظومة معقدة من الآليات والمتغيرات ؟ فقد يكون العامل الرئيس في التقلب المناخي المعقد، العلاقة بين الأرض والشمس وتغيراتها عبر آلاف السنين، كتغير درجة ميل واتجاه محور الأرض وتغيرات مدارها حول الشمس مما يغير كمية الاشعاع الشمسي الذي يصلنا، وكذلك الاشعاعات الكونية الناتجة عن تغيرات في أنشطة الشمس كالرياح الشمسية، ويذهب هؤلاء إلى أن هناك دورات لارتفاع وانخفاض درجة حرارة سطح الأرض، كالفترة الجليدية بين القرنين 17 و 18 في أوروبا، ثم تزايد درجات الحرارة بين عام 1900 ومنتصف الأربعينيات، يليه الانخفاض حتى منتصف السبعينيات، ثم بدأ مع الثمانينيات اتهام الاحتباس الحراري برفع درجة حرارة الأرض. أعبّ نفساً عميقاً قبل أن أهمس بانبهار: -يا سبحان الله... لو اختل نظام الكون المحكم قيد أنملة... بدلاً من أن تمنحنا الشمس الضوء والحرارة وقوداً للعمليات الحيوية.. نصير نحن وقودها.. أو نتجمد تحت أطنان الجليد.. ******** ولأن كلّ يرى الأمور من منظاره ووفقاً لاهتماماته-وهذا ما يفيد غالباً في استكمال الصورة – فقد طرحت السؤال ذاته على أبو كمال، صديقنا السياسي المخضرم... وفاجأني اعتقاده أن السبب هو... السياسة.. -"أجل... صدقيني، السياسة تفسد كل شيء.. حتى البيئة.. الحروب مثلاً، لا تقتل البشر فحسب بل والمناخ أيضاً, يقول العلماء أن حروب منطقة الخليج أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة في المنطقة خلال العقدين الاخيرين ، كما تشير التقارير بأن الولاياتالمتحدةالامريكية قامت بتطوير أسلحة سريّة يمكنها إحداث تغيّرات مناخية عبر موجات لاسلكيّة عالية التردد، بل قامت فعلاً بإنشاء محطة في الاسكا عام1990، تؤدي عبر 48 هوائي إلى حدوث تغيّرات مناخيّة، على شكل زلازل، براكين أعاصير، جفاف، فيضانات... ناهيكم عن تأثيرها على دماغ الانسان وأجهزته العصبية. ويعتقد بعض خبراء البيئة بأن مشروعاً امريكياً تم تطبيقه سراً في البحر الاحمر، كان وراء اجتياح موجات الجراد الأحمر لبعض بلدان المنطقة. ولكي نكون منصفين. فليست أمريكا وحدها. كلنا نساهم بطريقة أو بأخرى في تخريب البيئة، واختلاف درجات مساهماتنا، لا يمنع أن المخاطر –للأسف- ستطالنا جميعاً. فدفن النفايات النووية سرّاً، والتفجيرات النووية تحت سطح الارض والسحب المفرط للسوائل من باطنها، واقتلاع الصخور واقامة السدود وتكوين البحيرات، كلها ستؤدي إلى أنشطة زلزالية وبركانية، ويُقال أن المنطقة التي ضربها تسونامي في المحيط الهندي كانت قد شهدت تجارب نووية هندية قبل ذلك الزلزال المدمر... أسأله بقلق: إذاً.. كوكبنا في خطر... ماذا بيدنا أن نفعل؟... -يجيبني بهدوء: " أضعف الإيمان المطالبة "بعدالة بيئية"!... أجل، فبعد أن استوفى المواطن معظم حقوقه في العالم المتقدم، حيث الاهتمام بالبيئة يستأثر بالإعلام والتعليم ونشاط الجمعيات، تناهى وعيه إلى أن مشكلة تغير المناخ هي قضية حقوق إنسان؛ له حق المطالبة بتحديد سبل حماية البيئة ومواردها الطبيعية وإدارتها بشكل سليم.... مواطنهم يطالب بحقوق لم نسمع بها حتى.. ونحن في بعض بلدان "العالم الثالث"... ما زلنا نتجادل حول شرعية ومضمون كلمة "حقوق"..". ******* هل تذكرون فيلم "حقيقة مزعجة" لآل جور، نائب الرئيس الأمريكي السابق، والذي وثق التأثيرات الناتجة عن تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض؟.. يومها أيقظت مشاهده المرعبة العالم.. وكانت هذه القضايا قد أثيرت قبلاً في نهاية الستينيات، بسبب ظاهرة نفوق الأسماك في بعض بحيرات الدول الاسكندنافية (بتأثير "الأمطار الحمضية" الناتجة عن غازات المصانع)، وبعد مؤتمر استوكهولم 1972، بدأ الاهتمام بالاستخدام الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية لتحقيق فكرة التنمية المستدامة التي التزمت بها دول العالم في "قمة الأرض" في ريودي جانيرو 1992. ولم يكن التزامهم بدافع كرم الأخلاق.. بل لأن التغيرات المناخية سببت في العقود الاخيرة خسائر اقتصادية فادحة، فلأول مرة، تعرض قضية بيئيّة علي مجلس الأمن، على أساس أن تغيّر المناخ يهدد الأمن الغذائي والمائي وسلامة العالم كلّه، وربما يؤدّي إلي حدوث صراعات ونزاعات مسلّحة بين الدول حول الغذاء وموارد المياه ومشاكل الهجرة، النفاد التجاري ومصادر الطاقة... وتصوّروا أن الولاياتالمتحدة انسحبت من تنفيذ بروتوكول كيوتو عام 2005، الذي أعلنت فيه الدول الصناعيّة مسؤوليتها عن خفض إنتاج الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري، مع أنها-أي أمريكا- أكبر منتج لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولأن الخبراء يتوقعون بأن التغيّرات التي ستطرأ على كوكب الارض خلال 50 عاماً المقبلة تعادل حجم التغيّرات التي حدثت عليه لمدة 4 ملايين سنة بفعل العامل الطبيعي, فقد حذّر الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" مؤتمر "القمة العالمي لتغيّر المناخ" في كوبنهاجن عام 2009 (الذي سمي ب"عام تغيّر المناخ"): "حتى الآن، لم يجعل الكثيرون من تغيّر المناخ أولويّة استراتيجيّة، وقد بدأ الوقت ينفد من أيديكم...". لا أحب نقل الأخبار السيّئة... ولم أرد أن أزيد في همومكم، وأعلم أنها مادة علمية صرفة... ولكنّها "الحقيقة المزعجة"... والقلم مسؤولية... ألا قد بلّغت.. اللهم فاشهد... عدن اوبزيرفر