أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر ضمه القرم إلى بلاده مخاوف دول الجوار المتمثلة في تمدد روسيا نحو دول أخرى تابعة لما كان يسمى اتحادًا سوفيتيًا، وخصوصًا بعد ظهور أصوات مؤيدة لموسكو في مولدوفا وترانسنستريا تطالب بالتحاقهما بروسيا. حين أعلن الرئيس الروسي فلاديمر بوتين ضم شبه جزيرة القرم، قال إن استفتاء 16 آذار/مارس، الذي جرت عملية الضم على أساسه، أظهر أن تتار القرم "يميلون نحو روسيا". لكن تتار القرم أكدوا من خلال ممثليهم السياسيين وعلمائهم المسلمين وقادة منظماتهم المدنية أنهم مع الحفاظ على وحدة الأراضي الإقليمية الأوكرانية، وقاطعوا الاستفتاء تعبيرًا عن هذا الموقف. وكان هذا موقف التتار، الذين يشكلون نحو 13 في المئة من سكان شبه الجزيرة، البالغ عددهم مليونان، منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991. مولودوفا تاليًا؟ يرى مراقبون أن بوتين بتجاهله هذه الحقائق، أوجد سابقة تتمثل في التمدد نحو جمهوريات سوفيتية سابقة أخرى. وتبدو مولدوفا ثمرة أينعت وحان قطافها بنظر بوتين، وأن ما يصح على تتار القرم يصح على المولدوفيين، الذين يشكلون أقلية في منطقة ترانسنستريا الانفصالية. وليس هناك ما يقف في طريق الكرملين وحلفائه في مولدوفا من الإعلان بأن أقلية ترانسنستريا المولدوفية أيضًا "تميل نحو روسيا"، مثلما قال كذبًا عن الأقلية التتارية في شبه جزيرة القرم. وكانت روسيا مهدت الطريق لقضم ترانسنستريا باستفتاء أُجري في المنطقة ذات الغالبية الناطقة بالروسية عام 2006. وجاءت نتيجة الاستفتاء ب 97 في المئة من الموالين لروسيا الذين صوّتوا لمصلحة الاندماج بها. امتنع الكرملين في حينه عن ابتلاع المنطقة على أساس نتيجة الاستفتاء، الذي رفضت الحكومات الغربية الاعتراف بشرعيته. كما امتنع الكرملين عن التحرك حتى الآن بشأن استفتاء آخر أُجري في شباط/فبراير الماضي، وصوّتت فيه أقلية غاغوز المولدوفية، من المسيحيين الأرثوذوكس الناطقين بالتركية، لمصلحة اتحاد اقتصادي اقترحه بوتين بدلًا من الارتباط بالاتحاد الأوروبي. لاستدراج الأقليات الموجودة في المناطق المرشحة للضم والالتحاق بالجمهوريات السوفيتية السابقة، تدّعي موسكو أنها عقدت صفقة مع تتار القرم، توفر حماية أكبر لحقوقهم. استمالة التتار وكان العربون اعتراف بوتين بمعاناة التتار، الذين رحَّلهم ستالين عام 1994، وحكم عليهم بأربعين عامًا من الغربة في آسيا الوسطى. وتعهد بوتين بأن يعيد إلى التتار حقوقهم، ويرد لهم اعتبارهم، بعد اتهامهم بالتعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. كما وعد بمساواتهم في الحقوق مع الروس والأوكرانيين في القرم. في اليوم عينه الذي كان بوتين يكيل الوعود لتتار القرم، شيّعوا جثمان رشاد أميتوف، الناشط التتاري، الذي بسبب احتجاجه على ضم القرم إلى روسيا، خطفه مجهولون يرتدون ملابس عسكرية في 3 آذار/مارس. وعُثر على جثته، التي ظهرت عليها آثار الضرب، مرمية في حفرة بعد نحو أسبوعين، كما أفادت صحيفة فايننشيال تايمز. وبسبب اعتداءات الميليشيات الموالية لموسكو وسيطرة السياسيين الموالين لروسيا على برلمان القرم وتشويه موقفهم من ضم القرم، فإن التتار على اقتناع بأن وعود بوتين ستبقى فارغة، وهم يخشون من أن ينفِّذ أسياد المنطقة الجدد قوانين ملكية لمصلحة الروس على حساب تتار القرم، الذين ما زالوا يكافحون من أجل تأكيد حقوقهم في بيوتهم وأراضيهم، بعد عودتهم من آسيا الوسطى في التسعينات. مضايقات للرضوخ يُحاك مخطط مماثل في مولدوفا، حيث قال قادتها إن سلطات منطقة ترانسنستريا الموالية للكرملين، تتعمد رفع الإيجارات وأجور الخدمات العامة وتكاليف الدراسة، وتعرقل النشاط المصرفي وتضيق على المعلمين من أفراد الأقلية المولدوفية في ترانسنستريا. وتُناقش قضية مولدوفا ومنطقة ترانسنستريا الانفصالية منذ سنوات في إطار ما يُسمى صيغة 5 + 2، بمشاركة مولدوفا وترانسنستريا، مع الاتحاد الأوروبي وروسياوأوكرانيا والولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي من دون إحراز تقدم. والآن إذ ترتفع أصوات المؤيدين لموسكو في ترانسنستريا، مطالبين بضمها إلى روسيا، فإن مصيرًا مماثلًا لمصير تتار القرم المتوجسين مما يخبئه الغد في ظل السيطرة الروسية ينتظر المولدوفيين في ترانسنستريا، إذا انتهت إلى ما آلت إليه شبه جزيرة القرم. ايلاف