لن يمر أي سائح بأي عقبات وهو يتجه أو يهبط في جزر الكناري التي تحاذي شواطئ المغرب وموريتانيا وتتمدد في عرض المحيط الأطلسي قطع وكأنها نحتت على سطح البحر، وفي هذه الجزر ينسى السائح الأوروبي قشعريرة البرد والصقيع في بدنه وهو يستقبل تيارات الهواء العليل المشحون بأشعة الشمس المتدفقة والتي تمثل ترياقا حقيقيا لعلاج برد الشمال الأوروبي لتشفي البدن والنفس . وتنتشر الرمال الذهبية على امتداد شواطئ هذه الجزر الكثيرة تضاهي زرقة البحر سحراً وجمالاً . وهي بحق الملاذ الاستثنائي للسياح الساعين للدمج ما بين جمال الطبيعة ومناخ تلك البلاد الرائع . وهنا تحاك كل خيوط الألوان لتشكل لوحة عناصرها البحر اللازوردي والشاطئ الذهبي والخضرة التي تتمدد وتنتشر في صوة بهية رائعة . وفضلاً عن الاستلقاء تحت أشعة الشمس وأخذ الحمام الشمسي يجد السائح متعة كبيرة في السباحة في مياه رقراقة يبان منها قاع البحر بكل ألوانه، ويمضي الكثيرون يبحرون على متن القوارب الشراعية ويغوص آخرون سعيا لاكتشاف ما تخفيه تلك اللجة من سحر في عمق البحر . تشهد جزر كناري نشاطاً معمارياً غير عادي لمواجهة أفواج السياح والمستثمرين المتدفقين، وتتواصل حركة بناء الفنادق والمساكن والمباني التجارية المخصصة للشركات . ومع كل ذلك فإن النزوع لاستغلال الأراضي الزراعية لا يزال في أوجه حيث يعمل الآلاف من سكان الكناري في الحقول والأعمال الزراعية المتنوعة الأخرى، وهؤلاء يبدعون في زراعة ما لذ وطاب من الفاكهة والخضار وهي زراعة تنتشر في طول هذه الجزر وعرضها . ومن بين الزراعات دوالي العنب وبيارات البرتقال، كما تنضم محاصيل الأزهار إلى باقات المنتجات الزراعية الأخرى التي تشكل أهم المنتجات التي تصدر للخارج . كما تشتهر البلاد بصناعة صيد الأسماك العريقة هنا وتحظى بعناية خاصة . وتعترف الجهات الرسمية هنا بأهمية السياحة وانعكاساتها الإيجابية على النمو الاقتصادي . ويشار إلى أن هذه الجزر التي تتكون منها الكناري كانت فيما مضى من بين أفقر الأقاليم الإسبانية وعلى الرغم من النهضة والرخاء الذي تشهده الكناري وخضوعها للإدارة الإسبانية، فإن السكان المحليين تراودهم دائما فكرة الانفصال التي تضرب على عصب حساس لديهم . وتؤكد شريحة من السكان أن الاستقلال عن إسبانيا أفضل لهم وللجزيرة، وتعكس هذه المشاعر شعارات دأب الانفصاليون على تخطيطها على بعض الجدران مثل: "أيها الإسبان ارحلوا إلى بلادكم" ولكن البعض الآخر يعلل أسباب تلك الشعارات بأنها ناجمة عن الفقر الذي يدفع موجات إثر موجات من السكان المحليين للتخلي عن جزرهم والهرب إلى بلاد المهجر . وتقع جزر الكناري في الواقع تحت سلطة إسبانيا ولها عاصمتان سانتا كروز ولاس بالماس، وهي تصنف في المرتبة 13 من حيث المساحة بين الأقاليم الإسبانية، ويبلغ عدد سكان الجزر نحو مليونين ونصف المليون 7 .85 في المائة منهم من الإسبان و3 .14 من غير السكان الأصليين مثل البريطانيين والألمان والمغاربة وتضم الكناري الجزر التالية: تينيريف، فورتيفنتورا وغران كناري،لانزاروت، لا بالما، لا غوميرا، إيلهيرو، لا غراسيوزا، أليغرانزا، آيلا دو لوبوس، مونتانا كلارا، روك دوإيستيه وروك ديل إيستيه . الموقع والمناخ والمواقع الطبيعية يمكن القول إن ماسبالوماس في "جير غران كاناريا وتيد" المتنزه الوطني الأضخم وتقع فيه ثالث أعلى قمة بركانية في العالم قياسا بارتفاعها عن سطح المحيط وهو ما يضفي على هذه الجزر شهرتها الواسعة في عالم السياحة، وتعد الكناري وجهة سياحية متميزة حيث تستقبل الجزر ما لايقل عن 12 مليون زائر سنويا . وتتميز بطقسها شبه الاستوائي حيث تعيش الجزر فصل صيف طويل وشتاء دافئ، وهو ما مهد إلى تشييد مرصدين فلكيين، لأن الرؤية هنا مثالية في الليل . ويقع المرصد الأول على جزيرة تينيريف والثاني على جزيرة لا بالما . وتعد مدينة لا بالماس الأضخم بين مدن الكناري، تنافسها مدينة لاغونا التي تعد موقعا تراثيا عالميا وتقع المدينة على جزيرة تينيريف . وعلى نقيض اسمها فإن جزر الكناري ليس لها علاقة بطائر الكناري الشهير . ولكن هذا الطير هو الذي حصل على نعته استنادا إلى اسم الجزر . وفي الواقع فإن اسم "جزر الكناري" تعني "جزر الكلاب" . وهو الاسم الذي أطلق في الأصل على جزيرة غران كاناريا . يقول المؤرخ بليني الأكبر إن ملك موريتانياجوبا الثاني أطلق على جزيرة كناريا هذا الاسم لأن الجزيرة كانت تضم في ذلك الوقت مجموعة هائلة من الكلاب، ولكن نظرية أخرى ترى أن تلك الكلاب لم تكن سوى حيوان الفقمة البر مائي الذي لم يعد له وجود على الشواطئ . لكن نظرية أخرى تقول إن السكان الأصليين للجزيرة الذي يعرفون بالغوانتشيز هم الذين كانوا يربون الكلاب ويقدسونها حتى إنهم كانوا يحنطونها باعتبارها حيوانات مقدسة . وعلم الإغريق القدماء بهذه الأمة وكانوا يقولون إنهم رجال برؤوس كلاب . وتقول افتراضات أخرى إن عبادة الكلاب القديمة في جزر الكناري هي عادة فرعونية حيث كانت بعض المذاهب المصرية القديمة تقدس آلهة وثنية لها رأس كلب يطلقون عليه "أنوبيس" . ولكن على خلاف ذلك فإن الاسم مصدره قبيلة بربرية كانت تعيش على الساحل الأطلسي المغربي طبقا لكتابات رومانية قديمة .