قلّما تمكّن فيلم افتتاح في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، أو في مهرجانات دولية أخرى، من تحقيق نجاح مُستحق، أو إثارة الدهشة التي يترقٌبها المشاهد والناقد، وغالباً ما يسبق تلك الأفلام تحشيد إعلامي، وحتى ضجّة سجالية، إما بسبب وجود أسماء كبيرة ضمن طاقم الفيلم أو بسبب موضوع الفيلم نفسه، وهو ما حدث مع فيلم الافتتاح للدورة السابعة والستين من المهرجان، الذي منح صولجان الافتتاح إلى شريط «غريس دو موناكو» للمخرج الفرنسي أوليفييه داهان، ببطولة نيكول كيدمان وتيم روث وعدد آخر من نجوم هوليوود والسينما الفرنسية. وربما كانت مقاطعة العائلة المالكة للمهرجان، أكثر وقعاً من الفيلم نفسه. فالفيلم، كما هو معلوم استُبق بضجّة إعلامية كبيرة بسبب اعتراضات العائلة المالكة في إمارة موناكو ضد السيناريو وضد الفيلم، واعتراضات منتج الفيلم نفسه، ولم يعرض المهرجان إلاّ نسخة المخرج، التي ستتعرّض إلى تقطيع آخر، قد يحذف منه مشاهد معيّنة. وأبدى الإعلام سجال العائلة المالكة في موناكو، في الظاهر وكأنه اعتراض على «اختلاق وتزييف» لأحداث من حياة الأميرة الحسناء، كما ورد في بيان صدر عن القصر، لكن مشاهدة الفيلم تفسّر السبب الحقيقي للاعتراضات، أو هكذا يُخيّل لي، فشخصية الأميرة غريس، تبدو في الفيلم وكأنها نموذج للحزن والتعاسة، بعيني نيكول كيدمان الباهرتين، اللتين جعلهما المكياج، دون مبرّر روائي، تبدوان وكأنهما أسالتا قبل حين قصير كثيراً من الدموع، لكنّها، أي «غريس دو موناكو» رُغم كل ذلك، لا تخرج بشكل سيء، بقدر ما تخرج واهنة شخصية الأمير رانييري الثالث، الذي أظهرة الفيلم، ضعيفاً، ضائعاً يجيد التدخين واحتساء الويسكي، والغضب بتوجيه لكمة أو بتكسير أقداح في ساعات القرارات الحاسمة. ظلال نجوم يتناول الشريط ستة شهور من حياة الأميرة غريس دو موناكو، ومن حياة الإمارة، في عام 1962. فبينما تحتدم المواجهات في الجزائر بين حركة التحرير الوطني الجزائرية ويتصاعد الاحتجاج العالمي ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر ويبلغ الصراع هناك مرحلة حاسمة، يضغط الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول على موناكو ويحاول فرض «الجزية الضرائبية» عليها، ويهدّد باحتلالها ويفرض عليها حصاراً بوليسياً. ديغول يحتاج إلى مدخول ضرائبي من إمارة صغيرة بدأت تجتذب إليها المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وصارت فردوساً ضرائبياً. يتزامن هذا الحصار، مع حصار من نوع آخر، فها هو المخرج الكبير آلفريد هيتشكوك يحل ضيفاً على الإمارة ليلتقي الأميرة التي صنعها هو «غريسي» كما يحلو له مناداتها، ليعرض عليها دور البطولة في شريطه الجديد«مارني» والذي «ستدفع لها شركة يونيفيرسال لقاءه مليون دولار»، كما يخبر المخرج الأميرة. غريس كيلّي في حيرة من أمرها إزاء ما يُعرض عليها، فهي ترغب في العودة أمام الكاميرا، ومع هيتشكوك، بالتحديد، لكن التزامات وبروتوكولات القصر لا تجعل من الأمر هيناً على القرار، والأمير رانييري لا يبدو آخذاً الأمر على محمل من الجد، لانشغاله بالمواجهة مع الجنرال شارل ديغول، لكن عندما يستخدم الإعلام الفرنسي والعالمي، الخبر للنيل من أميرة موناكو، يُصعّد من اعتراضه ضد الفكرة، و «يُجبر» الأميرة على الالتزام ببروتوكولات القصر. جفاء طبيعي ستة شهور، تبدو قرناً من الزمان، يختزل فيها المخرج الأمور، ليقلب الجفاء الطبيعي ما بين مواطني الإمارة الصغيرة والفرنسيين، من جهة، والأميرة - الممثلة السابقة القادمة من أميركا، من جهة أخرى، وتتحول في لمح البصر إلى معبودة مواطنيها وتجيد البروتوكول واللغة الفرنسية بطلاقة إلى حد بلوغ براعة إطلاق خطاب مليء بالعاطفية والتعليمية التي تُجبر، حتى الجنرال ديغول نفسه، على الوقوف والتصفيق لها، لأنها «اختارت موناكو منزلاً لها ولأنها أحبّت الأمير وحققت حكاية الحب الحقيقية، وهو الحب الذي تسعى عبره، وعبر منظمة «الصليب الأحمر الدولي»، التي اختارتها رئيسة لها، تحقيق السلام بين الناس. ما ميّز العمل بشكل عام، هو غياب الأداء، فبرغم العدد الكبير من الممثلين، فإن ما يبرز في نهاية المطاف هو التمثيل وليس الأداء، إذْ لم يُقنع أي من الممثلين بأدائه، باستثناء روجر أشتون غريفيثز الذي أدى شخصية آلفريد هيتشكوك، وربما ذلك بسبب خصوصية هيتشكوك نفسه، وقدرته على الاقناع لمجرّد إسماع صوته وربّما لكون الدور في الفيلم قصيراً بالقياس إلى الأدوار الأخرى. بروتوكولات ولعل أحد أفضل مشهدين في فيلم الافتتاح هو عندما يُغلق هيتشكوك خط الهاتف مع الأميرة غريس بعد أن تُعلمه بخيارها رفض عرضه، وهو دليل على أن هذا الفنان الكبير ما كان لينصاع للبروتوكولات التي تفرضها قصور النبلاء. أما المشهد الثاني، فهو عندما يُري المخرج «نيكول كيدمان - غريس دو موناكو»، وهي تهبط سلم القصر في أبهى وأثرى أناقتها، بينما تنتعل حذائين دون كعوب حتى تقترب قامتها من قامة الأمير، الذي يظل، في جميع الأحوال أقصر منها شيئاً ما، لتتعملق شخصية الأميرة فيما بعد بخطابها في حفل «الصليب الأحمر» وتقتنص التصفيق من الجميع، بمن فيهم رئيس الجمهورية الفرنسية شارل ديغول. مسرحية هزلية وصفت كيلي وابنها ألبرت وشقيقتاه من أمير موناكو الراحل رينيه الفيلم بأنه »مسرحية هزلية« لا أساس لها من الواقع، وهو انتقاد قالت كيدمان إنه جعلها »حزينة«، وأضافت كيدمان »الفيلم لا ينال من العائلة لا غريس ولا رينيه هو من نسج الخيال وليس سيرة ذاتية«، وعبرت عن أسفها لأن العائلة المالكة لم تحضر العرض الأول. تمبكتو يشارك المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساسكو في مسابقة المهرجان الرسمية بفيلمه » تمبكتو« الذي يقف فيه أمام المدينة التاريخية العريقة في شمال مالي والتي تعد من أهم العواصم الإسلامية في غرب إفريقيا ، وازدهرت بالثقافة والعلم وكذلك الغزاة على مر العصور ، واليوم تقع »تمبكتو« تحت غزو وسيطرة جهاديين ومتطرفين إسلاميين. البيان الاماراتية