محلل في الشؤون الآسيوية.. هل بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين إيران ودول الخليج (الفارسي)؟ بعد دعوة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة المملكة، والتي من المقرر أن تتم على هامش مؤتمر وزراء خارجية "التعاون الإسلامي" بجدة ، تأتي زيارة أمير الكويت صباح الأحمد الجابر إلى طهران تعبيراً عن رغبة خليجية للمصالحة وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الجار الإيراني. القاهرة (فارس) وهذه الصفحة تقود إلى إنهاء حالة العداء التي تصاعدت وبلغت ذروتها طوال الاعوام الماضية ، وانعكست في محاولة لحشد الجيوش الأميركية والغربية ، وانفاق ما يزيد عن مائة وثلاثين مليار دولار على شراء أسلحة أميركية وأوروبية حديثة استعداداً ودعماً للخيار الاميركي الصهيوني العسكري الرامي لتدمير المنشآت النووية الايرانية . الدول الخليجية اختبرت ايران طوال العقود الماضية ، فوجدتها صامدة بكل صلابة في وجه كل معتد يحاول النيل منها ، وفي نفس الوقت وقفت طهران إلى جانب من تعرض الى العدوان من دول الجوار ، لا سيما الكويت التي تعرضت للعدوان والاحتلال من قبل النظام العراقي السابق ، على الرغم من أنها قدمت للنظام العراقي مع الدول الخليجية الأخرى مليارات الدولارات في حربه ضد ايران التي استمرت ثمان سنوات ( 1980 - 1988 ) ، ولكن طهران غضت الطرف ووقفت الى جانب الكويت ونددت بالعدوان عليها . كما أن موقف ايران من القضايا العربية العادلة واضح دون أي شائبة ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، كما أنها وقفت الى جانب لبنان حين تعرض للعدوان الصهيوني ، ولا تزايد إيران أيضاً على العرب في القضية الفلسطينية ، خاصة وأن الحكام العرب الذين انشغلوا بقضايا تصفية الحسابات بينهم ، وإدارة حروب وتغذية صراعات داخلية في معظم الدول العربية ، وتناسوا القضية الفلسطينية ، وتناسوا العدو الأول للأمة العربية والإسلامية ، وهو الكيان الصهيوني ، واصطنعوا أعداء وهميين سخروا جل طاقاتهم واهتماماتهم لمحاربتهم. ان تراجع الولاياتالمتحدة الأميركية عن الخيار العسكري في التعامل مع إيران فجأة ، بعد دراسات مستفيضة ومعمقة جعلتها توقن أنها ستكون الخاسر الأكبر في أي مواجهة عسكرية ، لذلك قررت اللجوء إلي خيار التفاوض ، وبعد مفاوضات سرية استغرقت 6 أشهر في العاصمة العمانيةمسقط ، تمخضت عن الاتفاق النووي المعروف الذي أربك الدول الخليجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ، ووضعها في موقف محرج للغاية، لأنها وجدت نفسها وحيدة في مواجهة قوة إيرانية اقليمية عظمى مدعومة بمؤسسة عسكرية قوية ، ووحدة وطنية وشعبية هائلة ، كما شعرت بالمهانة القاسية بعد تخلي الحليف الأميركي عنها ، وأجرى مفاوضات مع إيران بدون علمها ، ولذلك قررت التراجع عن سياستها العدائية ، واللجوء إلى سياسة أكثر تصالحية ، وخاصة بعد نصيحة الحليف الأمريكي الذي سبقها إلى التفاوض ، بعد أن جرب أسلحة المواجهة العسكرية بدعم نظام صدام حسين طوال ثماني سنوات من الحرب، كما اختبر خيار الحصار الاقتصادي لكنه وجد ان تلك الأساليب لم تجده نفعاً . ولم تشهد دول الخليج (الفارسي) حالة من الانقسام في أي وقت ، وخاصة منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي مثلما تشهده الآن ، فقد سحبت كل من السعودية والإمارات العربية والبحرين سفراءها من قطر في سابقة لم تشهدها دول الخليج (الفارسي) من قبل ، كما رفضت سلطنة عمان قبل ذلك تحويل مجلس التعاون إلي اتحاد خليجي وهددت بالانسحاب من المجلس في حالة الإصرار على ذلك ، وزاد من ذلك الانقسام حالة الاختلاف الكبير في السياسات الخارجية ، والصراعات داخل الأسر الحاكمة الخليجية ، وإدارة بعض دول الخليج (الفارسي) حروباً بالإنابة سواء مسلحة كما في سورياوالعراق وليبيا ، أو حروبا باردة كما في مصر والبحرين وغيرها . ان السعودية تريد من إيران التخلى عن النظام السوري ، والموافقة على مشروعها العسكري الرامي إلى الإطاحة به ، وذلك المطلب تعلم المملكة جيداً أنه يستحيل الاستجابة له ، لسببين أساسيين ، الأول هو أن وضع المملكة الضعيف لا يسمح لها بفرض شروط على إيران ، والثاني هو أن الخلاف بين السعودية والنظام السوري هو رفض الأخير التخلي عن الحليف الإيراني وقت اشتداد الحصار عليه ، ولكن لإيران كما للسعودية مصلحة مشتركة في الوصول إلى حل سياسي يوقف نزيف الدماء السورية ، ولا يمكن الوصول الى حل لتلك الأزمة إلا بالحوار ، وهذا هو أحد أبرز مهام أمير الكويت في زيارته لإيران . لقد برهن الإيرانيون على مدى ما وصلوا إليه من دهاء سياسي ، ومدى تأثيرهم في كثير من قضايا المنطقة المعقدة ، وكلها قضايا تتقاطع مع دول الخليج (الفارسي) وخاصة السعودية ، سواء في العراق أو البحرين واليمن ولبنان ، ولكن يبقى الملف السوري الأكثر تعقيداً ، والذي يمكن أن يكون تسويته بداية لعهد جديد بين إيران وجيرانها الخليجيين . لقد ارتكبت دول الخليج (الفارسي) خطأً فادرحاً عندما لعبت بورقة الطائفية ، وروجت لصراعها مع إيران علي أنه صراع طائفي بين السنة والشيعة ، فتعبئة الشعوب العربية ، والخليجية بصفة خاصة طائفيا ضد إيران من خلال تصوير الصراع معها في العراقوسورياولبنان على أنه صراع بين السنة والشيعة ، وتوظيف الآلات الاعلامية الجبارة في هذا السياق ، وضع هذه الدول في مأزق حقيقي ستمتد آثاره لفترات طويلة ، فالتحريض الطائفي سيف ذو حدين خاصة في دول خليجية توجد فيها أعداد شيعية قوية موحدة ، في مقدمتهم الكويتوالبحرين حيث يمثل الشيعة أكثرية فيها ، بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية ، وقطر والمملكة العربية السعودية نفسها ، وما أحداث القطيف من ذلك ببعيد ، لذلك يجب على دول الخليج (الفارسي) أن تعالج هذا الخلل من خلال التركيز على ترسيخ الهوية الإسلامية غير الطائفية التي تعمق الولاء للوطن والعالم الإسلامي عامة ، وليس للطائفة وذلك من خلال إجراء إصلاحات سياسية حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع منصف للثروة علي كافة المواطنين . ان إيران الجار الصديق أفضل بكثير من إيران الجار العدو ، والحوار معها أفضل بكثير من المواجهة العسكرية أو القطيعة معها ، خاصة أن هذه المواجهة جاءت لصالح إيران ، فقد بنت دول الخليج (الفارسي) استرتيجية المواجهة مع إيران بالاعتماد الكلي على الحليف الأمريكي ، والذي خذل الحلفاء وانحاز لمصالحه ، وقرر عدم التضحية بنقطة دم واحدة من دماء أبنائه تلبية للتحريض والقلق الخليجيين ، وخاصة أن الولاياتالمتحدة تحارب في سوريا بدماء العرب وأموالهم لإنهاك القوة السورية وتدميرها ، وتمزيق البلاد لمصلحة الكيان الصهيوني ، العدو الأول للعرب والمسلمين . ويرتفع سقف التوقعات والأمنيات في أن تسهم زيارة أمير الكويتلإيران ، على حل الخلافات الإيرانية الخليجية ، لأن التعاون بين إيران ودول الخليج (الفارسي) يمكن أن يجعل من الخليج (الفارسي) بحيرة سلام واستقرار لسائر الدول علي جانبيه ، والذي يمتد أثره بالطبع ليشمل كافة دول المنطقة ، فلقد عملت إيران بقدراتها الذاتية على تجنيب المنطقة من التدخل الخارجي ولا سيما العسكري ولكن الكيان الصهيوني الذي يرى وجود إيران قوية ومستقلة خطراً على مصالحه يعمل على إثارة الخوف والذعر لدى دول الجوار من ايران ويزعم ان إيران هي أخطر على أمنها واستقرارها من الكيان الصهيوني نفسه ، وللأسف فإن دول الخليج (الفارسي) صدقت ذلك ! ، فهل استوعبت دول الخليج (الفارسي) الدرس الآن ، وأيقنت أن التعاون مع إيران أفضل من العداء معها ؟ بقلم: أحمد عبده طرابيك / 2811/ وكالة انباء فارس