الجيش الوطني يعلن إسقاط مسيّرة تابعة للمليشيات الإرهابية بمحافظة الجوف    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    منع إقامة عرس جماعي في عمران لمخالفته تعليمات حوثية    الجمهورية والوحدة    - عاجل بنك اليمن الدولي سيرفع قضايا ضد عدد من الاشخاص ويكشف عن أصوله وراس ماله الحقيقي ويمتلك 1.5 مليار دولار موجودات و46مليار رأس مال كأكبر بنك يمني    الحوثيون يقيلوا موظفي المنافذ ويجرونهم للسجون بعد رفضهم السماح بدخول المبيدات المحظورة    مصر تحصل على عدد من راجمات صواريخ WS-2 بمدي 400 كم    منجز عظيم خانه الكثير    اتالانتا بطلا الدوري الاوروبي لكرة القدم عقب تخطي ليفركوزن    سبب انزعاجا للانتقالي ...الكشف عن سر ظهور الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى الوحدة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    الكشف عن القيادي الحوثي المسؤول عن إغراق السوق اليمني بالمبيدات المحظورة    بمناسبة يوم الوحدة المغدور بها... كلمة لا بد منها    "نهب حوثي مُنظم": سلب وكالاتٍ تجاريةٍ من أصحابها اليمنيين بأسعارٍ بخسة!    ساعة صفر تقترب: رسالة قوية من الرياض للحوثيين    أول تعليق حوثي على إعلان أمريكا امتلاك الحوثيين أسلحة تصل إلى البحر الأبيض المتوسط    السفارة اليمنية في الأردن تحتفل بعيد الوحدة    محاولا اغتصابها...مشرف حوثي يعتدي على امرأة ويشعل غضب تعز    قيادي انتقالي: تجربة الوحدة بين الجنوب واليمن نكبة حقيقية لشعب الجنوب    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    بيب يُعزّز مكانته كأحد أعظم مدربيّ العالم بِحصوله على جائزة أفضل مدربٍ في الدوري الإنجليزي!    وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل تقر تعديلات على لائحة إنشاء وتنظيم مكاتب التشغيل الخاصة    إجتماعات عسكرية لدول الخليج والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض مميز    رئيس انتقالي لحج يتفقد مستوى النظافة في مدينة الحوطة ويوجه بتنفيذ حملة نظافة طارئة    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    الهجري يتلقى التعازي في وفاة والده من محافظي محافظات    الحكومة اليمنية ترحب بقرار إسبانيا والنرويج وايرلندا الإعتراف بدولة فلسطين مميز    اليابان تسجل عجزاً تجارياً بلغ 3 مليارات دولار    سيلفا: الصدارة هدفنا الدائم في الدوري الانكليزي    مفاوضات إيجابية بين بايرن ميونخ وخليفة توخيل    رونالدو على رأس قائمة منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا    نافذون حوثيون يسطون على مقبرة في بعدان شرق محافظة إب    إعدام رجل وامرأة في مارب.. والكشف عن التهمة الموجهة ضدهما (الأسماء)    اعلان القائمة الموسعة لمنتخب الشباب بدون عادل عباس    أغادير تستضيف الملتقى الأفريقي المغربي الأول للطب الرياضي    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران ..متى نكون منصفين !!؟
نشر في المصدر يوم 14 - 11 - 2009

تمر على الانسان الطبيعي أوقات عديدة يفقد فيها القدرة على تمييز الحقيقة من الزيف والحق من الباطل والصواب من الخطأ ، حيث تحول ضبابية المشاهد وتداخل الوقائع دون اتخاذ القرار السليم ، وتزداد مهمة التمييز صعوبة فيما اذا كانت تلك المشاهد والوقائع مبرمجة سلفا وموجهة بحيث توصل الى نتيجة معينة قد لا تكون بالضرورة هي الحقيقة. ويفترض بالانسان المنصف أن يبذل جهده للوصول الى الحقيقة والا يكون إمَعة يساق كالدواب ويحرك كالالات ممن قد لا يريد له الخير .

نعايش هذه الأيام حملة شعواء على جمهورية إيران الاسلامية كنظام وكشعب ، وتتميز هذه الحملة بعدم الانصاف في كثير من جوانبها حيث لم تقف عند حد الاختلاف السياسي بل تعدته الى مسائل التكفير والاتهام بالمجوسية والامبراطورية الفارسية و ... ، حتى أضحى السكوت عما يقال ويكتب بغير حق أمرا لا يجوز.

من الذاكرة

بدأت الحملة الشرسة على إيران بالتزامن مع انتصار الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني – رحمه الله – في نهاية السبعينات وسقوط نظام الشاه الذي كان يعد الحليف الأهم لامريكا والغرب في منطقة الشرق الاوسط.

نظام الشاه كان أيضا حليفا ومحل رضا وقبول لدى الممالك العربية في المنطقة ، بينما يذكر التأريخ أن الامام الخميني أقر – بافتخار- بانه كان يتلقى الدعم لمعارضته الشاه من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي كانت علاقته مع أيران الشاه متوترة بسبب ارتباط الأخيرة الوثيق باسرائيل وقوى الاستكبار الأخرى.

لم تكن العلاقات الوثيقة بين نظام الشاه واسرائيل تعكر صفو العلاقات مع الممالك العربية المجاورة ولم يثر الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية أي مشاكل لتلك العلاقات ، بل لم يشكل الاختلاف المذهبي بين شيعة إيران وسنة تلك الممالك أي عائق في وجه التعاون مع ذلك النظام .

تغير النظام الحاكم في طهران وانعكس معه ميزان التحالفات ، فتحولت إيران من حليف أمريكا والغرب الأول في المنطقة الى عدو لدود ومجاهر بالعداوة ، وتحولت سفارة إسرائيل في طهران الى مقر لإول سفارة فلسطينية في العالم. تحولت سياسات هذا البلد من خدمة وحماية مصالح الغرب في المنطقة الى دعم ورعاية حركات التحرر العربية والتي تناهض مشاريع قوى الهيمنة والاستكبار العالمية في تلاحم واضح بين تطلعات الشعب وسياسات ومنهج النظام الجديد بعد أن كانت تلك التطلعات تتعارض مع توجهات النظام السابق.

تعاملت الأنظمة العربية المحيطة بإيران سلبا مع التطورات الناشئة في إيران ، وتغيرت أمزجة زعماء تلك الممالك باتجاه الصديق السابق ، واندلعت الحرب العبثية العراقية الأيرانية وسط استعداء شديد وحشد لامكانات تلك الدول المادية والعسكرية والاعلامية والثقافية والطائفية ضد الجمهورية الوليدة.

شاركت معظم الدول العربية في دعم المجهود الحربي العراقي والذي حضي أيضا بدعم غربي وأمريكي غير مسبوق حتى أن بعض الدول العربية بادرت بارسال وحدات عسكرية مقاتلة الى جانب الجيش العراقي.

أدركت القيادة العراقية بعد عدة سنوات عبثية تلك الحرب وأنه تم توريطها لخدمة أجندة ليس للعراق فائدة فيها وأن المعركة مع إيران ليست معركتها ، ولكن اللعبة لم تنته بتوقف الحرب بين العراق وإيران ، لان عراق ما بعد الحرب لم يكن كعراق ماقبلها ، وتكرر خطأ القيادة العراقية باحتلالها الكويت ليلتف حبل المشنقة حول رقبة النظام العراقي.

هبت عواصف الصحراء وتدمر العراق جزئيا وبدأ الحصار الذي استمر 13 عاما و الذي فرضه الغرب وطبقته ممالك العرب ، لتأتي أحداث سبتمبر 2001 ويكمل بوش الأبن ما بدأه بوش الأب في تدمير العراق حيث غزت قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني - من خلال قواعدها في ممالك الخليج المجاورة– دولة العراق وتحطم العراق كما تحطمت معه صورة جميلة لقوة عربية تعلقت بها آمال كبيرة.

قبل تدمير العراق ، كان قد تم تحييد مصر وحصار سورية وادخال الفلسطينيين في لعبة المفاوضات اللانهائية ، بينما إشتغلت باقي الدول العربية والاسلامية بمشاكلها الداخلية من باكستان وأندونيسيا والسودان الى اليمن والجزائر و....

انشغل الغرب عموما وأمريكا خصوصا بمعالجة تأثيرات هجمات 11 من سبتمبر 2001م ، وارتداد الفكر الموجه للجماعات التي دعمتها أجهزة الاستخبارات الامريمكية والغربية في مرحلة سابقة ضد المعسكر السوفيتي الشرقي خصوصا في أفغانستان وباكستان والذي كان الهدف منه أيضا تخفيف الاندفاع الاسلامي وموجة النهضة الاسلامية باتجاه فلسطين وضد الصهاينة – على بعد عدة كيلومترات- الى أفغانستان –على بعد الاف الكيلومترات - .

ساهم هذا الانشغال الغربي في تخفيف الضغط والحصار الغربي على إيران وسط تسارع لوتيرة بناء الدولة الايرانية الحديثة في كثير من المجالات ، واستفادت حركات التحرر العربية من ذلك بزيادة عدتها وعتادها وجاهزيتها.

اندلعت في صيف 2006 الحرب الاسرائيلية على لبنان بعد عملية للمقاومة اللبنانية هدفت الى تحرير بقية الاسرى اللبنانيين لدى اسرائيل . أتت تلك العملية لتثير مزيدا من حنق بعض الأنظمة العربية على حركات المقاومة الاسلامية وعلى إيران الداعمة لتلك الحركات وتشكل محور للاعتدال العربي شمل أساسا أنظمة السعودية ومصر والأردن في وجه محور للشر يشمل إيران وسوريا.

أتت نتائج تلك الحرب كارثية لاسرائيل وصادمة لتلك الانظمة العربية التي راهنت وبقوة على عدم بقاء المقاومة بعد الضربة الاسرائيلية ، حيث صمد حزب الله اللبناني لاكثر من شهر في وجه جيش يصنف بانه الأقوى في المنطقة ومن بين أقوى وأشرس جيوش العالم بل ان المقاومة اللبنانية استطاعت تغيير قواعد اللعبة العسكرية في المنطقة باستهدافها لاول مرة عمق الكيان الصهيوني وأدخلت هذا العمق ضمن دائرة المعركة في حين كان هذا العمق سابقا بعيدا عن ضوضاء المعارك الاسرائيلية مع جيرانها العرب .

كان الوضع الجديد الناشئ بعد تلك الحرب تداعياته على أنظمة محور الاعتدال العربي فبدأت أنظمته بشن حملة جديدة على جمهورية إيران الاسلامية وتم فرض مزيد من العزلة على سوريا واللتان جرى تحميلهما الوزر الأكبر في انتاج هذا الوضع الجديد في الصراع العربي الاسرائيلي والذي ينذر بخروج الصراع عن السيطرة وبتجاوزه للخطوط الحمراء لبعض الدول الغربية والأنظمة العربية على حد سواء.

إزداد هذا الواقع الجديد إثارة مع سيطرة حركة حماس الفلسطينية على قطاع غزة وفشل سياسة حصارها واحتوائها بهدف تحجيم أداء حركات المقاومة الفلسطينية في الرد على الاعتداءات الاسرائيلية ، وجاء الصمود الغزاوي خلال العدوان الاسرائيلي العنيف على القطاع ليوصل درجة الحنق لدى تلك الأنظمة العربية على إيران الى مداه ، فتزداد شراسة الحملة على إيران والتي جاءت انتخاباتها الرئاسية وما رافقها من اشكالات لتعطي فرصة نادرة لتلك الأنظمة العربية وللأنظمة الغربية عموما لتسديد بعض الضربات السياسية والاعلامية للنظام الايراني المشاكس.

نقاط التماس

يتضح جليا أن نقاط الخلاف بين بعض الأنظمة العربية وإيران يمكن إختزالها في النقاط الاساسية التالية :

1. الدعم الإيراني الكبير لحركات التحرر العربية وبما يجعلها خارج نطاق السيطرة ، وانبراء إيران لاتخاذ مواقف سياسية شديدة العداء باتجاه اسرائيل من خلال الانكار العلني للمحرقة ضد اليهود وجرأة النظام الإيراني في الدعوة الى زوال اسرائيل من الوجود ، أدى كل ذلك الى تعرية المواقف والسياسات التي تنتهجها بعض الأنظمة العربية أمام شعوبها ، مما وضعها أمام خيارات صعبة بين تطلعات ومطالب شعوبها وبين مقتضيات البقاء في الحكم وتفادي اثارة الحليف – أحيانا الراعي- الامريكي والغربي.
2. براعة النظام الإيراني في التعامل والتأثير فيما يجري حوله من وقائع جديدة كالإحتلال الامريكي والغربي لافغانستان شرقا وبعده احتلال العراق غربا، وفرض إيران نفسها كلاعب أساسي أرغم الأنظمة الغربية وحتى النظام الأمريكي على الجلوس على طاولة التفاوض معها حول تلك القضايا في مقابل عجز لتلك الأنظمة العربية في التأثير على مجرى أي من الأحداث المحيطة بها كالوضع في العراق مثلا وذلك بالرغم من أن قوات الاحتلال الأمريكي انطلقت لغزوها العراق من أراضي تلك الدول ويجري الدعم اللوجيستي لقوات الاحتلال من خلال القواعد الأمريكية في السعودية والكويت والبحرين وقطر.
3. إدارة إيران الجيدة لملفات الخلاف مع الغرب وخصوصا في الملف النووي ، وفشل سياسات الاحتواء والحصار بل وتنامي علاقات إيران الجيدة مع معظم دول جوارها وحتى دول أمريكا اللاتينية ودول أفريقيا بالإضافة الى القفزات العلمية الهائلة التي تحققها الجمهورية الاسلامية في مختلف أنواع العلوم والمعرفة مثل التصنيع الفضائي (أقمار صناعية وصواريخ فضاء)، التقدم في المجال النووي ، التطور الكبير في الصناعات الثقيلة المدنية والعسكرية ، كل ذلك أدخل تلك الأنظمة العربية في حالة يأس من امكانية السيطرة الغربية على جموح النظام الأيراني سياسيا في نفس الوقت الذي يمنح شعبه إنجازات تنموية هائلة بينما لا تجد تلك الأنظمة المجاورة سوى منتجات وسياسات الشرق والغرب لتقدمها لشعوبها.

أدوات الحملة

استغلت انظمة الحكم في بعض الممالك العربية جملة من الاشارات السلبية والتصريحات المبهمة الصادرة من دوائر ثانوية في النظام الإيراني التي تعلقت بمملكة البحرين وأيضا الرفض الإيراني –في هذه المرحلة- للتفاوض بخصوص الجزر الإماراتية الخاضعة للسيادة الإيرانية ، بل تم استغلال حتى موضوع تسمية الخليج بين العربي والفارسي في زيادة شقة التباعد وحجم الخوف من هذا الجار القوي والأخ اللدود.

إعتمدت الحملة ضد إيران على ماكينة إعلامية سعودية وغربية ضخمة تمثلت في وسائل إعلام موجهة كفضائية العربية وصحف كالشرق الأوسط ومواقع الكترونية ومنتديات عديدة ، وحظيت هذه الحملة بموارد مالية هائلة وجند لها عدد كبير من الأقلام الصحفية والكتاب وأغلبهم ممن يقدس ثقافة "البترودولار" سواء على نطاق العالم العربي أو محليا داخل كل دولة ، كما تم الاستفادة من مطابخ الفتاوي الجاهزة لبعض مشائخ تلك الأنظمة والذين تم استنفارهم للمعارك الدينية الداخلية والتي يجيدونها تماما.

استدعت هذه الحملة في مفرداتها كل ما يمكن أن يقال في المجال السياسي كالتدخل الإيراني في الشئون الداخلية لبعض الدول العربية ، أو في المجال الثقافي من خلال استدعاء القومية العربية في مقابل القومية الفارسية بل تعدى الأمر الى الجانب المذهبي من خلال الادعاء بوجود حملة تشييع إيرانية داخل بعض البلدان العربية كما تم التطرق الى المسائل المذهبية الخلافية كالموقف من الصحابة ومبدأ ولاية الفقيه وغيرها.

وقد جمعت هذه الحملة -من خلال مفرداتها المذكور بعض منها في الفقرة السابقة- العديد من التناقضات والالتباسات وقلب للحقائق مما يسهل للمرء -بقليل من الحيادية والانصاف- إدراك كيدية معظم تلك المفردات والتي يمكن تصنيفها اعتمادا على الفئة المستهدفة في جمهور الجناحين : العلماني والذي يخاطب طبقة المتحررين في مجتمعات الخليج والمستغربين من طبقة المتعلمين والمثقفين العرب عموما ، أما الجناح الثاني وهو الديني الوهابي فهو يخاطب المواطن البسيط العادي ممن قد يسهل التغرير به.

فسر الجناح العلماني للحملة موضوع التدخل الأيراني بكون إيران تدعم حركات حماس وحزب الله والجهاد الاسلامي وبما يمثل ذلك من انتقاص وانتهاك لسيادة السلطة الفلسطينية ودولة لبنان ، كما يتم تناول الدور الأيراني في العراق بشكل سلبي كونه يؤثر على انجازات قوات الأحتلال الامريكي في بناء الدولة العراقية الحليفة الجديدة في نفس الوقت الذي يفسر فيه الجناح السلفي الوهابي ذلك التدخل بانه يأتي في مصلحة اسرائيل وأنه لا وجود لدعم إيراني للحركات الفلسطينية المقاومة وأن حزب الله اللبناني هو صنيعة إيرانية اسرائيلية والهدف منها تدمير لبنان وأنه لولا إيران لما استطاعت أمريكا احتلال العراق ...

أما فيما يتعلق بالجانب القومي ، وفي حين بدأت حملة لإضهار إيران كمن يسعى الى استعادة أمجاد الدولة الفارسية القوية والمسيطرة على محيطها ، وأن هناك مظاهر اضطهاد للمواطنين العرب كعرب الأهواز مثلا أو من الناحية الدينية بادعاء وجود اضطهاد للمسلمين السنة في إيران وأنهم ممنوعون من بناء المساجد بل وصل الأمر الى إدعاء حدوث مجازر للنظام الإيراني بحق رعاياه السنة ، الا أن هذا الاتجاه في الحملة يلقى معارضة للاستمرار فيه من بعض الجهات المشرفة على هذه الحملات بدعوى أن حجة إيران قوية في هذه النقطة وأن إيران مشهود لها عبر التاريخ بانها من أكثر دول العالم تسامحا مع الأقليات والديانات الأخرى ، بل أن ردة الفعل الإيرانية في هذه النقطة بالنسبة لاوضاع كثير من فئات المجتمعات العربية وخصوصا الأقليات في دول الخليج العربي قد تفتح أبوابا لمشاكل هذه الدول في غنى عنها.

وتبرز شراسة الحملة الدعائية ضد إيران في النقاط المتعلقة بالاعتقاد الديني ونقاط الاختلاف مع الشيعة عموما ، ويظهر التكفير كسلاح في هذه الحملة . وبرغم أن هذا الجانب من الحملة لا يأخذ حيزا كبيرا من خلال المنابر الاعلامية الأكثر انتشارا كالفضائيات والصحف ، الا أن الحملة شديدة جدا من خلال الاعلام الالكتروني المفتوح أو من خلال المساجد والمنتديات المفتوحة.

هذا الجانب من الحملة ، والمعزز بفتاوى تكفيرية تصدر سرا وجهرا من قبل بعض مشائخ السلفية الوهابية ضد من يختلف معهم من المسلمين قد أفرز سابقا –ولا يزال- عشرات العمليات الانتحارية والمزيد من العنف والتوترات الطائفية في العراق وباكستان وأفغانستان وحتى داخل إيران ، الا أن ناقوس الخطر لم يدق بعد لدى تلك الأنظمة الراعية لمثل هذا الفكر والتي تتشدق بالدعوة –باستماتة- الى حوار للحضارات والأديان بينما تستنكف عن الدعوة أو حتى المشاركة في حوار بين المسلمين أنفسهم .

الخلاصة

نصل في الأخير الى حقيقة أن خلفية الحملة على طهران والتي إشتدت مع وصول الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد الى السلطة يأتي بسبب جموح طهران في دعم حركات التحرر العربية والتي تريدها الأنظمة العربية داخل نطاق السيطرة ، وأن الطرف المستفيد من تفاقم الخلاف بين النظام الأيراني وبعض الأنظمة العربية هو القوى الغربية والصهيونية .

إن إيران والأنظمة العربية المختلفة معها مدعوون –على الأقل بلغة المصالح- الى الجلوس الى طاولة واحدة لتناول المسائل محل الخلاف فالثمار التي تنتج عن أي إتفاق بين الجانبين –وإن كانت بسيطة- قد تكون أكثر تأثيرا وفائدة من أي نتائج مرحلية يحصل عليها كل فريق يعمل على حدة.

إن نظام جمهورية إيران الاسلامية مطالب اليوم بمزيد من التنسيق والتعاون مع الدول العربية التي قد تختلف معه وهو مطالب أيضا بتوضيح نقاط اللبس وبالكف عن الإصرار على أن سياسته هي الأنسب دوما وأن على الجميع دوما أن يتناغم مع سياسته ومع سرعة أدائه.

كما أن على الدول التي تدعي تدخل إيران في شئونها الداخلية كما هو الحال مع النظام اليمني والذي يتهم بعض المرجعيات الدينية في إيران بدعم حركة التمرد الحوثية أن يقدم ويعرض ما لديه من أدلة ويعرضها على إيران الرسمية ، حيث أنه الى الآن لم تستطع الدولة اليمنية تقديم أي دليل على الأطلاق لتورط إيران الرسمية أو غير الرسمية في دعم الحوثيين حتى أن البعض يفسر مثل هذا الاتهام لطهران بانه وسيلة لاثارة ذعر المملكة السعودية وبالتالي توفير المزيد من الدعم للمساهمة في إنهاء التمرد ، ولكن في كل الإحوال فان النظام اليمني مطالب في حالة وجود شكوك حقيقية بوجود مثل هذا التدخل الإيراني بإن يتعاطى مباشرة مع النظام الإيراني وأن يعلم بإن دخوله في معركة التحالفات والاتهامات سيزيد من خسائره ليس الا.

الأنظمة العربية مطالبة أيضا بالاستفادة من هذا الاندفاع الأيراني في دعم القضايا العربية بصورة مباشرة ومن الدعم التركي الجديد والذي يأتي بصورة غير مباشرة، في الضغط على الجهات الغربية للحصول على تنازلات في مواقفها تجاه تلك القضايا وعدم الاكتفاء بالتعامل السلبي مع كل ما يصدر من طهران وأن هناك إمكانية للوصول الى قوالب عمل مشتركة، وعليها أيضا التوقف عن تجيير أسباب فشل سياساتها الخارجية على إيران، بل على بعض هذه الأنظمة أن يتذكر دوما بإنه من بدأ باستعداء النظام الإيراني عقب ثورته الاسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.