لم يحدث في تاريخ العالم أن انهارت دولة بسبب استخدام مواطنيها حقهم في التعبير بأي شكل، بل لم يحدث حتى أن انهارت دولة بسبب الإرهاب! فالدول تنهار بسبب عدم قدرتها على أداء مهامها، أو عدم ثقة المواطنين في قدرة الدولة على تلبية إحتياجاتهم، وتحقيق حياة عادلة وآمنة لهم، وبالتالي يلجأ المواطنون للحلول الفردية، خارج النظام، وحين يصبح الخروج على النظام هو الغالب، تسقط الدول. ويأتي في مقدمة الأسباب التي تجعل المواطنين يلجأون إلى تلبية احتياجاتهم خارج النظام؛ انهيار ثقتهم بمنظومة العدالة! فتصبح القوة هي الضامن الوحيد لتلبية الاحتياجات، وحماية المصالح. ويسعى كل من استطاع سبيلا، إلى امتلاك القوة خارج النظام! وهنا، يجب أن ينتبه الجميع إلى ناقوس الخطر الذي ينذر بقرب الانهيار. حينما يقول رأس السلطة التنفيذية في البلاد، أنه يعلم أن هناك الكثير من المظلومين بالسجون! فهذا يعني أننا أمام خلل كبير بمنظومة العدالة، زج بهؤلاء الأبرياء إلى السجون. ويكون أمام الحاكم إما العمل على إصلاح هذا الخلل، وضمان ألا يتكرر مستقبلا، أو أن يكتفي بالإفراج عن البعض، والإبقاء على وضع غير عادل، يسمح في المستقبل، بالتنكيل بأبرياء آخرين! وصدور قانون الإرهاب بشكله الحالي بعد هذا التصريح، يثير علامات استفهام كثيرة . فطوال العقود الماضية، خاض القانونيون والحقوقيون صراعات حادة، لتعديل المادة 86 وما تلاها من قانون العقوبات؛ التي تحدد تعريف الإرهاب، وتعريف العمل الإرهابي، والكيانات التي تمارس الإرهاب. وكان انتقادهم ينصب على أن التعريف الذي أورده المشرع واسع وفضفاض. وهو ما أخضع عدداكبير من القيادات الوطنية لمحاكمات سياسية جائرة، بحجة أن ما يقومون به من مطالبة بالتغيير السلمي، أعمالًا تهدف إلى قلب نظام الحكم! وكان من المفترض أن يأتي قانون الإرهاب، ليضمن حماية للوطن من خطر الإرهاب، وحماية للمواطنين من محاكمات جائرة تتهمهم بما ليس فيهم، لكن تأتي الرياح في بعض الأحيان بما لا تشتهي السفن. ففي العدد رقم 7 مكرر (ز) من الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 17 فبراير 2015 نشر القرار بالقانون رقم 8 لسنة 2015، والخاص بتنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، والذي جاء في عشرة مواد يلاحظ الآتي: التعريف الذي أورده القانون للكيانات الإرهابية أوسع بكثير من الوارد بالمادة 68 وما بعدها من قانون العقوبات، التي كانت تتبنى تعبيرًا فضفاضًا أيضًا، إتهم بمقتضاه عدد كبير من قيادات القوى الوطنية في فترات مختلفة بالاشتراك في جماعات تهدف إلى قلب نظام الحكم! لم يحدد القانون في مادته الأولى، الأفعال المادية التي تدرج بمقتضاها المجموعات ضمن قائمة الكيانات الإرهابية، واستخدم عبارات مطاطة مثل إلقاء الرعب في قلوب الأفراد، أو الإخلال بالنظام العام، أو الإخلال بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وهي أمور تتعلق بالشعور والتقدير الشخصي لا يمكن الاعتماد عليها لتوقيع عقوبة. في ذات المادة قرر المشرع جواز إدراج المجموعة في قائمة الكيانات الإرهابية، إذا قامت بالدعوة، بأي وسيلة ولو كانت سلمية، لتعطيل أحكام القوانين، وهو ما يمكن أن يدرج أحزابا مثل المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدستور، والتحالف الشعبي، وغيرها من الأحزاب التي تطالب بتعطيل أحكام قانون التظاهر، ضمن الجماعات الإرهابية! بل، والمثير أنه بموجب هذا القانون يمكن إعتبار لجنة متابعة المسار الديمقراطي التي شكلتها الحكومة التي أصدرت قانون التظاهر – برئاسة نائب رئيس الوزراء كيانًا إرهابيًا، لأنها طالبت بوقف وتعديل قانون التظاهر! كما يمكن اعتبار نائب رئيس الوزراء، الذي أعلن اعتراضه على تعديلات قانون الاستثمار، إرهابيًا! فالقانون لم يعتبر الدعوة لتعطيل القوانين، عملا شرعيا مادام لم يرتبط باستخدام العنف. لم يشترط القانون ثبوت قيام الكيان بفعل إرهابي،لإدراجه بقائمة الكيانات الإرهابية، واكتفت المادة الثانية منه باتهام النيابة له بذلك، ليصدر قرار وقتي بالإدراج لمدة ثلاث سنوات يمكن تجديدها بإجراءات خاصة لحين صدور حكم قضائي. رتبت المادة السابعة على إدراج الكيان في قائمة الجماعات الإرهابية بهذه الطريقة المعيبة، حظر نشاط الكيان، وحظر اجتماعاته وغلق مقراته، وحظر تمويله سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتجميد أمواله وأموال أعضائه متى استخدمت في أنشطته، وحظر الانضمام له، واعتبار أعضائه إرهابيين طبقًا للمادة الأولى من هذا القانون، وهو ما يمكن إستخدامه في الإطاحة بالخصوم السياسيين! طبقًا للمواد من 2: 5 من القانون يكون إدراج الكيانات أو الأشخاص في قائمة الكيانات الإرهابية أو قائمة الإرهابيين، بموجب قرار وقتي يصدر من محكمة استئناف القاهرة لمدة ثلاث سنوات تجدد بإعادة العرض، لا بحكم قضائي يقضي بثبوت هذا الوصف!وهو ما تؤكده المادة الرابعة حينما تتحدث عن صدور الحكم النهائي الذي يثبت الوصف الجنائي على الكيان المدرج. ويعني هذا أننا أمام أمر وقتي يمكن أن يتسبب في حظر حزب وتجميد أمواله وحرمان أعضائه من الممارسة السياسية وتجميد أموالهم، قبل ثبوت تهمة الإرهاب عليهم! الأمر الذي يشير عمليا إلى إمكانيةانزال عقاب لأشخاص وكيانات، من دون ارتكابهم لجريمة. وتجعل هذه القواعد، التي تسمح بتطبيق قانون الإرهاب على كل من يطالب سلميا بالتغيير، من القانون أداة يمكن تطويعها لخدمة من يسيطرون علىالسلطة! وهنا يبدأ الخطر من تنامي الشعور لدى المواطن بأن القانون ما هو إلا أداة في يد القوي للإطاحة بالأضعف، وتبدأ حمى إمتلاك القوة، فيبدأ إنهيار الدولة، لا قدر الله.