تعز، المدينة والناس، تتعرض لمؤامرة على الدوام.. أبناؤها هم من يغتالونها ويوافقون على تأدية دور "القفازات" لخدمة نافذين وأحزاب لا تحب "تعز" ولكن تحب استخدامها كحلبة رئيسية للصراع.. وللأسف هناك الكثير من أبناء هذه المدينة "العصاة"، ارتضوا لأنفسهم "المهانة" وتأدية أدوار أكثر ما يمكن أن يقال عنها إنها "رخيصة"! منذ عامين وجدت "تعز" نفسها متلبسة بتهمة الانفلات الأمني غير المسبوق.. وتتصدر للعام الثاني توالياً محافظات الوطن في عدد جرائم القتل. هناك من يصر على جر "تعز" إلى العنف لإجهاض المستقبل الذي ناضلت من أجله طويلاً في رحمها، فالمسلحون صاروا أكثر من "الطلبة" وجنود الأمن، في مشهد يومي يشعر "تعز" بالإحراج لكنها تبدو عاجزة تماماً عن مقاومة جنون "الفوضى" وعربدة "الموت"..وتعز التي تحاول العودة إلى واجهة "المدنية" استهلت 2013م بتدشين "22" جريمة قتل بينهما امرأتان، وعند منتصف هذا العام المشئوم كانت حصيلة القتل العمد قد وصلت إلى "109" جريمة قتل عمد، وعشرات الجرحى وفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية التي اقتصرت مهمتها حيال "تعز".. على تدوين الإحصائيات وكأن الوضع الأمني في مدينتنا لا يعنيها في شيء؟! عاصمة الثقافة اليمنية تصدرت قائمة "الجرائم" في العام 2012م ب "180" جريمة قتل عمدي من بين "1190" جريمة وقعت في بقية المحافظات، و"32" جريمة قتل غير عمدي من إجمالي "206" جرائم.. الإحصائيات الأمنية مثيرة للريبة، فرائده الثقافية والمدنية أصبحت تتصدر المشهد الإجرامي، وتتعايش مع الانفلات الأمني والاستقطاب المذهبي المقيت، واختلط فيها الشأن الأمني بالسياسي فكان "الأول" وسيلة ابتزاز قذرة يستخدمها الثاني، ويزايد بها على كل قيم "الثورة" وبنود "الوفاق". أصبحت تعز كتيبة، موحشة ومستباحة.. لا أحد يكترث لهذه المدينة، كثيرون بمن فيهم أبناؤها يمعنون في عقابها ويبدو وكما جرت العادة منذ نصف قرن أنها خارج حسابات واهتمامات الدولة! في صبر ما يزال المستضعفون من أبناء القريتين "المرزوح وقراضة" يتساقطون بعيارات نارية "حميمة" يرسلها أقاربهم، بينما الذين ينجون منهم يتعايشون مع الخوف، وكلما بدأوا في لملمة ذكرياتهم الحزينة تسرع الرصاصات الغادرة التي لم تعد تفرق بين رجل أو امرأة ولا بين طفلة أو مسلح إلى نثرها مجدداً . شيء ما تكسر في هذه المدينة كأنها تذبح نفسها بنصل صدئ.. هاهي ترسل فلذات كبدها إلى معارك الجهاد الوهمية وهم ممتلئون بالحياة ليعودوا إليها داخل نعوش ، لتكتفي هي بالعويل عليهم وتخليدهم بعبارة "شهيد" على جدرانها المهترئة!. أخبار الموت تملأ الشوارع، وفي المنازل ثمة أمهات مكلومات يمضغن آلامهن ووحدتهن دون تذمر، ريح الشر تكمن في الأزقة وخلف الجدران والمتارس تندثر المدينة بصمت رهيب ينتصب كصمت المقابر الموحشة.. هنا ثمة أوجاع تجوب الطرقات وتزدهر في "البيوت".. وهنا يبدو أن لا شيء وفير سوى الرصاص والخلافات والأكفان والشهداء. ازدهار "البلطجة" في شوارع تعز التي كانت تتميز بالأمان، تزدهر أعمال البلطجة والتقطعات والاختطافات .. قبل شهر تقريباً قامت عصابة بخطف الشاب محمد منير ابن شقيق محافظ تعز، في وضح النهار لتتحول واقعة الاختطاف تلك- ويعلم الجميع تفاصيلها- إلى قضية رأي عام، قضية تؤرق البيوت التجارية وحتى بسطاء الأسر، وبالرغم من إرجاع محمد منير إلى عائلته الثلاثاء الفائت، إلا أن الأهالي ما يزالون يتوجسون خيفة من قادم مجهول بملامح قاسية طافحة بالشر يختطف أطفالهم أو يصادر أرواح أبنائهم، ومن المؤكد أنهم لن يحظوا بذات التعاطف الشعبي والاهتمام الرسمي الذي حظي به نجل أسرة كريمة كانت وما تزال يدها ممدودة بالخير لكل أهل اليمن، وفي مقدمتهم "التعزيين". في أوقات مختلفة من الأعوام الثلاثة الماضية تعرض عدد من الأطفال للاختطاف، ومنهم من لم يعد حتى الآن، والأجهزة الأمنية تتحفظ على أعدادهم وترجع ذلك إلى ضرورة عدم إقلاق الجميع. "مرسي" و"السيسي" في شارع "جمال عبدالناصر" التصرفات الانتهازية والأنانية للسياسيين وسعت هوة الشقاق في مجتمع تعز، وصباح الاثنين الفائت بدا ذلك المجتمع منقسماً بحدة.. دعوة أحزاب اللقاء المشترك إلى الخروج في تظاهرة مليونية من أجل "تعز بلا سلاح.. مدينة آمنة ومستقرة" ، هذه الدعوة قوبلت رغم تأخرها بتفاعل جماهيري جيد، إلا أنها فجأة انشطرت إلى تظاهرتين إحداهما داعمة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وترفع صوره وشعارات "رابعة" والأخرى تهتف باسم وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي، وأيضاً ترفع صوره، فتصاعدت التلاسنات وانتهت المظاهرات بأحداث عنف واشتباكات وشعور بالخيبة لا يمكن وصفه! تصرفات "حمقاء عبثية" لا هي أعادت "مرسي" لكرسي الرئاسة، ولا عززت من قوة وسطوة "السيسي" ولم تخدم قضية تعز الرئيسية، لكنها زادت من أوجاع "تعز" المسلوبة الإرادة، وصادرت بقايا أمنيات الحالمين من أبنائها. مفارقة عجيبة فقد صار يسيراً جلب المشاكل العابرة للحدود إلى قلب "تعز" لتعبث فيها كيفما تشاء، بينما لا تستطيع أحلام البسطاء ومطالبهم المتواضعة عبور "حوض الإشراف"!! مجلس عزاء كبير الأفراح مؤجلة في مدينة أشبه ما تكون بمجلس عزاء كبير، الأنباء المريحة التي سبقت إعادة "محمد منير" عكرتها حادثة اغتيال ضابط عمليات القصر الجمهوري العقيد صدام حسين غدراً في مكان عام، لتتوالى الأحداث المفجعة. كانت مدينة تعز القديمة على موعد مع جريمة مازالت تفاصيلها ومرتكبوها مجهولة، وضحيتها "سفيان" الطفل الذي لم يتجاوز ال9 من عمره، حيث وجد مشنوقاً ومتدلياً من على عمود كهربائي.. جريمة شنيعة أعادت إلى الأذهان جريمة اغتصاب وقتل الطفلة "مرام" قبل حوالي عام.. تلك الجريمة التي هزت الرأي العام، وصدر قبل أسبوعين فقط الحكم القضائي الصادر من الشعبة الجزائية بمحكمة استئناف تعز، بإعدام "2" من مرتكبيها.. فيمالا يزال "5" ممن شاركوا في اغتصاب وقتل الطفلة التي لم تتخط سنتها التاسعة، بعيدين عن يد العدالة، ويبدو أن لا أحد من المعنيين الأمنيين مهتم بملاحقتهم! في 27 أكتوبر الماضي رفعت الشارات الحمراء على صدور أغلب شباب مدينة تعز احتجاجاً على الانفلات الأمني، ورفضاً لحمل السلاح. كانت التنسيقية العليا للمجالس النقابية بمحافظة تعز وراء حملة الشارات الحمراء تحت شعار "تعز مدينة خالية من السلاح" بعد اجتماع قيادة التنسيقية العليا للمجالس النقابية الذي تقرر على إثره رفع الشارات الحمراء في كل المكاتب والمؤسسات وهذا ما حصل بالفعل. وأدانت التنسيقية في بيان لها قبل أكثر من شهرين، ما تتعرض له المحافظة من انفلات أمني حيث أصبح القتل سمة ملازمة للمحافظة وكأن هناك أيادي تعمل على تغذيتها. وحملت التنسيقية العليا للمجالس النقابية محافظ المحافظة ومدير الأمن مسئولية الانفلات الأمني… وطالبت من مدير الأمن ومدير المرور وضع حد للدراجات النارية وإخضاعها لقانون المرور، إسوة ببقية المحافظات ،خاصة وأن الدراجات النارية أصبحت أداة للقتل والسرقة وإقلاق السكينة العامة ومصدراً أول للموت والإصابات.. حملة "تعز مدينة خالية من السلاح" لم تحدث الصدى المرجو منها رغم مصاحبتها عديد فعاليات أهمها الحشد لتأدية صلاة الجمعة في أكبر شوارع المدينة، وعديد لوحات تحث المواطنين على الاستمرار في رفع الشارات الحمراء.. غير أن الذي استمر هو العنف ومظاهر التسلح.. ومن يشاهد الشارع التعزي في الأشهر الأخيرة وما يعتريه من تململ وتوهان واستسلام لن يصدق أن ذات الشارع كان شرارة الثورة الشعبية السلمية في فبراير2011وصوت هديرها وأنه لم يكل أو يمل طيلة أكثر من عام!! انقسم الشارع التعزي، وانجر وراء خلافات سياسية وحزبية، ودخل في أتون صراع مذهبي وفي خضم كل ذاك العبث نسي "تعز" وكل أمانيه ونضالاته ومعاناته من أجلها، وتركها عاجزة في مهب " الانتقام"..وقد أصبحت مدينة تعز "مستباحة" ولم تعد الحملات الأمنية "الناعمة" نافعة، ولا بيانات الإدانة والاستنكار ذات جدوى.. ولا يمكن للصلوات بقلوب خائفة إيقاف " الفوضى والعنف" .. الثورة ضد الانفلات والفوضى والقتل والسلاح هي الحل.. الثورة من أجل تعز التي ظلمت وهمشت طويلاً وحين ثارت من أجل إعادة الاعتبار للوطن اليمني عوقبت بقسوة. ثورة ثانية وبأدوات حضارية وإرادة مسئولة ،وحدهم ناس تعز قادرين عليها.