"الحرب.. إننا نستطيع التعود عليها، لكن ثمة شيئاً لا نستطيع التعود عليه، إنه الجوع". عبارة لا أتذكر أين سمعتها، لكنها حقيقة يعرفها كل الجائعين، إنك تتشرد كل مرة تذوق فيها طعم الجوع بشكل مختلف، وتغرب عن أحلامك أو ربما تغرب هي عنك حتى تتجاوز هذا المطلب الحيواني الملح بالإشباع، لا بالفلسفات الفارغة والتهويمات التي لا طائل منها. عندما نجوع علينا أن نأكل هذا هو الملخّص البسيط، إننا لا نستطيع أن نستبدل تلك الحاجة بقراءة كتاب مثلاً، أو الذهاب إلى حديقة للنزهة على غرار ما قالته ماري أنطوانيت عندما قالوا لها إن الشعب لا يجد خبزاً يأكله، فقالت: لماذا لا يأكلون البسكويت! هذه تجارة الموت التي أوصلتها إلى المقصلة، وصفحة من تاريخ سياسي أسود، عمل ليل نهار على إبادة الطبقات المتوسطة والتي تعتبر البذرة الحقيقية للمجتمعات المدنية والدينامو المحرك لثورات التغيير والتنمية، وكل ذلك حتى تنتهي معها الثقافة والحضارة والفعل الإيجابي تجاه ما ترتكبه التنظيمات السياسية الجاهلة.
إنها جاهلة وخائفة، وكما يقال الرجل الخائف خطر، كذلك نستطيع أن نقول الإنسان الجائع خطرٌ أيضاً، حظرٌ لأنه يتطرف تطرف الجوع نفسه، وخطر لأن جوهر الحياة ينتهي عندما يبدأ الجوع، جارح ومهين.
اليوم كلنا نجوع بدرجات مختلفة، نختصر شيئاً من طعامنا وطعام أطفالنا ليأكل اللص والمفسد والتاجر الجشع وشيخ القبيلة الذي يعتبر كل شيء ملكه، والمسؤول الذي يظل جائعاً بدوره ولكنه شكل مختلف من أشكال الجوع لا يعرفه البسطاء والشرفاء من الناس.
لذا علينا أن نتوقف عن السقوط في ذل الدرك المعتم، وعلينا أن نمقت لغة الجوع المقيتة، إنها المعركة التي على الإنسانية الانتصار لها، تفعل ذاك بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات المدنية المعنية، لكننا بحاجة إلى مثل أبعد أثراً من ذلك، إننا بحاجة إلى نهوض جمعي، والعمل على محاربة الجوع بآليات واضحة مدروسة، والانشغال بإعادة هيكلة البنى التحتية للأسر والأفراد بشكل عام، إنها فعلاً طريق طويلة ولكنها الوحيدة التي تنتج حلولاً حقيقية ونهائية.