تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الداخلية تعلن ضبط أجهزة تشويش طيران أثناء محاولة تهريبها لليمن عبر منفذ صرفيت    عاجل: هجوم صاروخي للحوثيين في خليج عدن وإعلان أمريكي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    بن دغر يدعو للتحرك بشأن السياسي محمد قحطان.. وبن عديو: استمرار اختطافه جريمة بحق الوطن    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على طريق بناء الكتلة التاريخية للتغيير
نشر في المصدر يوم 09 - 01 - 2011


مقدمة:
تشهد بلادنا من عام 2007م تحولات متسارعة في الأحداث أرهقت المتابعين والمهتمين من كافة الأطياف والتوجهات في الداخل والخارج حتى أصبحت اليمن عام 2010م ملفاً متداولاً مثيراً للقلق والصداع والخوف لدى صناع القرار في عدد كبير من العواصم الإقليمية والدولية.

والطبيعي أن حريق اليمن كفيل بأن يستنفر طاقات وهمم وجهود أبنائه قبل غيرهم للبحث عن أدوات إطفاء كبيرة ومخارج طوارئ جيدة تحفظ كيان الدولة ولأبنائها حقهم في العيش بكرامة واستقرار مثل بقية شعوب الدنيا، وأن لا يكون حكم الخوف والفساد والتسلط والتخلف كأنه قدر مفروض على أبناء هذا البلد.

هذه الورقة محاولة ومغامرة في نفس الوقت توضح وتعرض ما قام به تكتل أحزاب اللقاء المشترك في سياق الجهد والاستنفار المبكر منذ العام 2007م ولازال مستمراً في سبيل مواجهة الأزمة الوطنية من خلال بناء إطار وطني مهمته البحث عن مخارج آمنة وأدوات ممكنة وقادرة على وقف تداعيات الأزمة التي أصبحت كالإعصار تعصف بالبلاد.

وهي تحاول في سياق العرض وبقدر المساحة المتاحة المرور على بعض الأسئلة المطروحة حول العلاقة القائمة بين المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وما يبدو للبعض أنهما أصبحا: إما طرفين في العملية السياسية الوطنية، أو أن أحدهما سيأكل الآخر، ولو لم تكن الانطباعات المحمولة معها تساعد السلطة وأجهزتها على ترويج الأكاذيب لما استحقت جهد التعريج عليها.

وتفترض الورقة أيضا، أن هناك آراء لأشخاص محترمين لديهم نقص حاد في المعلومات وتصورات لآخرين مصدرها مواقع الاختلاف مع السلطة وهم ليسوا في موقع المعارضة لها، وهناك من يشدهم ما هو فوري من الأحداث وغريب ومثير للغرائز المكبوتة والعواطف الإنسانية الطبيعية في لحظات الخوف والاحتقان وكلها يمكن الرد عليها بمجرد الاتفاق على مفهوم موحد للحديث عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وتوضيح مسار ظهورها ومجال نشاطها.

إن مفهومنا في هذه الورقة للجنة التحضيرية كإطار مؤسسي نراها امتداداً لتجربة اللقاء المشترك وأبرز مظاهر تطور أدائه الحزبي والسياسي خلال العامين المنصرمين، وهي تتفق مع مفهوم الكتلة التاريخية المتأصلة في مشروع المشترك والمنوط بها مهمة قيادة التغيير الوطني الآمن في ظل أزمة وطنية معقدة غير مسبوقة وفشل متكرر في حلها عبر الأدوات الأخرى.

وليس بالضرورة أن تتناول الورقة كل ماله علاقة باستراتجييات العمل من خلال هذا الإطار أو الكتلة إنما المهم سيكون إبراز جوهر العملية السياسية الشرعية والدستورية التي انطلق منها العمل وفي سياق من العلم والمعرفة بقوانين التغيير والعمل السياسي الذي يقوم على تنفيذ مهمتين تاريخيتين في حياة أي مجتمع وهما إنتاج "فكرة الأغلبية وقوة وقدرة الأغلبية".

وبلا شك أن هناك أساليب وطرق متعددة أمام أي باحث أو مهتم -ونؤكد على باحث ومهتم وليس عابر سبيل أو أداة دعائية في خدمة مصالح ضيقة لا تستطيع الإفصاح عن ذاتها- تمكنه من الحكم على ما أنجزته اللجنة التحضيرية وتقييم علاقتها مع تكتل المشترك حتى الوقت الراهن.

وفي ورقتنا هذه اخترنا طريق البحث عن السياق الزمني للأحداث في بلادنا والوظيفة الوطنية التي قامت بها أحزاب اللقاء المشترك من أجل فرض الصراع السياسي السلمي في جوهر العملية السياسية والحوار الوطني الشامل كطريق للخروج بالوطن من أزمته المعروفة وذلك من خلال تناول التحولات والقضايا التالية:

أولا: بوادر الاضطرابات العامة وفشل الحوار مع السلطة والمؤتمر.
ثانيا: دعوة المشترك للحوار الشامل والتمهيد له بالتشاور الوطني.
ثالثا: إعلان الدعوة الوطنية للحوار ورسائل المشاريع السياسية الأخرى.
رابعا: الحوار الوطني مطلب الإجماع الوطني والإقليمي والدولي.

أولا: بوادر الاضطراب العام وفشل الحوار مع السلطة والمؤتمر
بدأت المظاهر المعبرة عن الاحتقان العام بعد الانتخابات على شكل حنق في الخطاب السياسي للسلطة من المشترك ومرشحها للرئاسة المهندس فيصل بن شملان وامتد إلى التجربة الديمقراطية ذاتها ثم أصبح متحمسا يشجع ويروج لبدائل سياسية غير سلمية وصراعات على السلطة مسرحها العنف ولغتها المدافع بدلا عن مسرح الانتخابات ولغة بطائق الاقتراع.

وأصبح الحوار السياسي الداخلي غريبا ومع العواصم الخليجية والدولية حول الشئون الداخلية اليمنية حصان الرهان والارتهان من أجل المساعدات والقروض الخارجية من مؤتمر لندن ( نوفمبر 2006م) وحتى اليوم وكأن اليمن والشعب اليمني جزء من تلك البلدان والحكومة قسم شرطة لدى حكومات تلك الدول.

أمام ذلك اختارت أحزاب اللقاء المشترك ميداناً آخر للعمل، تمثل بالعمل وحماية التجربة الديمقراطية والضغط من أجل إصلاح منظومة الانتخابات، ورفضت العنف بكل أشكاله وأنواعه كخيار من أجل الوصول إلى السلطة، وسعت إلى حوار سياسي مع الحزب الحاكم حول قضايا الإصلاحات السياسية والوطنية.

وعلى ضوء هذين المسارين انقسمت بنية السياسة في البلاد إلى طرفين: السلطة تسعى جاهدة للمحافظة على بقائها من دون أن تدفع أي ثمن بل ومتجاهلة شروط البقاء من دون شرعية إنجاز ودون اكتراث بما قد يترتب على هذا السعي ذي الوجهة التدميرية للبلاد .

بل إنها جعلت من هذه الرغبة شكلاً من أشكال الدفع بالأحداث الأمنية والاجتماعية إلى مستوى الاضطرابات العامة والمراهنة على الخوف ففرضت على المعارضة اتجاهات إجبارية منها توسيع دائرة المقاومة المجتمعية وتحويل العمل السياسي إلى فرض عين على كل اليمنيين وعلى حساب وظائفها السياسية في الظروف الطبيعية.

ا-بوادر ومظاهر الاضطرابات العامة:
اختارت السلطة تجديد أزمة الحرب في صعدة في فبراير2007م وجعلتها في واجهة المشهد السياسي الوطني بعد الانتخابات الرئاسية مكرسة لغة صراع على السلطة في اليمن اعتقد الكثيرون أن اليمنيين قد تجاوزوها عام2006م أو أنهم قد قرروا ذلك.
لكن استمرار الحرب حتى يونيو2007م وتوسع جغرافيتها وخسائرها من الأرواح والموارد المادية والمعنوية جاءت بتطور آ'خر في مسار نسختها الخامسة تم وقفها عبر وساطة قطرية وفتح المجال واسعا أمام التدخل الإقليمي والدولي المكشوف والعاري من كل ستر.

بعض المواقف التي كانت تدعو وتمارس الضغط على اللقاء المشترك كي يقف إلى جانب الدولة تجاهلت عمدا هذه الحقائق وغضت الطرف عن المطالب الوطنية التي لا ترى بأن ما يجري في صعدة حرب بين (دولة ومتمردين) لأن وقائع الحرب وتجددها ووقفها خمس مرات بأساليب غير معهودة في إدارة النزعات المسلحة لم تكن تعبر عن هذه الحقيقية.

وبمعنى آخر فإن السلطة لم تكن تقوم بأكثر من ممارسات للعنف ضد مواطنيها بعيداً عن المؤسسات والقوانين والتقاليد وشروط إدارة الأزمة ولأغراض غير وطنية داخلية وإقليمية تكشفت تباعا.

مع ذلك كان غريبا أيضا أن يتم تجاهل أن اللقاء المشترك قد شارك السلطة كل اللجان التي شكلتها أثناء حروبها في صعدة وبعد كل إعلان لوقف الحرب ومنها اللجنة المشكلة بموجب اتفاق الوساطة القطرية في يونيو 2007م، والتي تم استبدالها من السلطة بلجنة أخرى بعد خمسة أشهر من الجهود الشاقة لمنع تجدد الحرب وبطريقة أكدت الأغراض المشبوهة مما يجري في حروب صعدة.

وفي 22 يونيو وردا على وثيقة قضايا وضوابط وضمانات الحوار عمدت جهات في السلطة إلى التعبير عن رفضها للوثيقة فاستدعت بعض مريديها إلى التعبير عن رفضهم وما جاء فيها بشأن قيام الدولة بإزالة آثار حرب 94 والصراعات السياسية في عملية مألوفة للهروب من استحقاق الحوار إلى خلق أزمة مع الجنوب.

لكن الأوضاع انفجرت بالأحداث واتخذت مظهراً من الاضطراب الاجتماعي الواسع وخرج أبناء المحافظات الجنوبية عن صمتهم تجاه ما عانوه من سياسة إقصاء وإبعاد وتهميش منذ حرب 94م وقد وفرت مظاهر الفساد وغياب حكم القانون ونهب الأراضي والمؤسسات العامة والخاصة وممارسات القهر والتمييز البيئة الخصبة لظهور الحراك السلمي في هذه المحافظات ومده بالمشروعية الدستورية والوطنية.

ربما تفاجأت السلطة بسخونة الحراك الجنوبي وتوسعه في أحداث يوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر لكنها اتجهت نحو ممارسة إنكار وجود مشكلات في هذه المحافظات بدلا من البحث عن حلول وإلى خطاب متشنج واجه حدة المطالب والتظلمات في الجنوب بحدة في التخوين الوطني .

ثم عمدت إلى المعالجات الأمنية واختراق المسيرات والمظاهرات بأفراد وشعارات انفصالية وذلك كي تدعم خطابها الاصطفائي الذي يرفع عنها مسؤوليتها في إنتاج الأزمة ويدعم عملية التضليل وتعبئة الرأي العام باتجاه مواجهة مؤامرة الانفصال كما كانت تزعم أنها تواجه مؤامرة الملكية في حروب صعدة الست غير عابئة بمخاطر الأكاذيب التي كانت تتخلى عنها عند إعلانها وقف كل حرب وباتصال تلفوني.

ووجدت نفسها في النصف الأخير من العام 2007 عاجزة عن التعاطي الوطني مع ما شهدته المحافظات اليمنية من مظاهرات واحتجاجات واعتصامات أبرزت إلى الواجهة القضية الجنوبية وعدالتها رغم كل محاولات تشويهها .

وعلى نفس منهج الخداع والهروب الذي مورس في حروب صعدة ارتفعت حدة الخطاب الرسمي الذي يدعو المشترك إلى أن يصطف وراء مواجهة الدولة مع (بعض الخارجين عن القانون في بعض المديريات في بعض المحافظات الجنوبية) فيما الأحداث تشير إلى أن الجنوب بكامله يعيش ثورة شعبية اجتماعية مشروعة.

أما مشهد الاضطراب الوطني الثالث فقد ظهر يحمل في طياته هذه المرة بذور أزمة تدخل عسكري وأمني إقليمي ودولي واسع في الحرب مع (جماعة القاعدة) والتي لم تكن إحدى جوانبها الرئيسية سوى امتداد لخيار تكريس أدوات العنف التي تتحكم ببنية السياسة الداخلية والخارجية في مجتمع سياسي يمني مقطوع الرأس .

وبدلاً من أن تصبح هذه القضية المعقدة هماً وطنياً ذهبت السلطة إلى توظيفها تارة بطلب مساعدات نقدية وعينية من أجل الحرب ضد القاعدة، وممارسة الابتزاز السياسي والأمني للداخل والخارج تارة أخرى.

وفي عام 2007م انكشف تكتيك التلاعب بهذا الملف بظهور عدم الرضا الأمريكي على جهود الحكومة اليمنية، وإفراج السلطات عن جمال البدوي وجابر البناء وهم من كبار المطلوبين لواشنطن في أكتوبر ثم قرار واشنطن إلغاء انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الثمان الذي سعت الحكومة لانعقاده في صنعاء في ديسمبر، واعتبرته فرصة لتحسين صورة اليمن في الخارج والقول إن اليمن دولة آمنه ومستقرة!

إلا أن صورة أخرى لبلادنا في استراتيجيات الصراع الدولي وموقعها الجغرافي ووضعها عام 2007م وهي على مشارف الاضطراب ومحيط إقليمي أكثر اضطرابا استدعت بالضرورة من بعض الدول اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية وقائية للمستقبل وتأمين المصالح الحيوية الدولية المتزاحمة في هذه المنطقة.

وكنتيجة طبيعية لانشغال السلطة في بلادنا بتأمين نفسها -كما سبق- تركت الجنوب مكشوفا من الأمن والسياسة وأعلنت اليمن جغرافيا مفتوحة لتنظيم القاعدة كما سبقت الإشارة، لذلك صعدت حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة في إطار الحلف الأطلسي من الاهتمام بإعمال القرصنة البحرية التي ظهرت فجأة في خليج عدن والبحر العربي ولكنها متزامنة بل وتالية للاحتجاج السلمي في الجنوب.

واتخذت الأحداث مسارا متسارعا انتهى في زمن وجيز إلى صدور ثمانية قرارات من مجلس الأمن الدولي (من يوم 6 أكتوبر وحتى 12 ديسمبر2007م) أباحت لدول حلف الأطلسي والعالم حق التواجد العسكري في خليج عدن ومياه وأراضي الدول المشاطئة لملاحقة القراصنة وحماية الملاحة الدولية في باب المندب التي أصبحت في الظاهر في وضع مكشوف ومهدد.

أخيرا تبخرت واجبات السلطة والمؤتمر الدستورية حين تم القفز على البرنامج الانتخابي الرئاسي والمحلي في مواجهة الفساد والفقر والبطالة والاختلالات السياسية والأمنية فتدهورت الخدمات العامة كالتعليم والصحة والكهرباء أكثر مما كانت عليه قبل الانتخابات ، وتجسدت أزمة الفشل في خطاب رسمي مأزوم تجاهل كل خطابات الشرعية والأغلبية وظهر الرئيس يدعو المشترك إلى تسلم الحكومة متحرراً ومتحللاً في خطاب غفراني وبدائي من أي واجب سياسي وذلك جوهر ما يجري حتى اليوم.

أصبح برنامج الحكومة الرئيسي هو برنامج التضليل والدعاية والتذرع بموقف المشترك والأزمة الاقتصادية العالمية فأصبح الخطاب مفلسا فوق كونه مأزوما لأنه لا يشير من قريب أو بعيد لسياسات حكومة حزب الأغلبية البرلمانية المسؤولة عن الفشل في إدارة الدولة والشأن ألاقتصادي والأمني وهي فقط تعبئ الرأي العام في خدمة استمرار الفشل .

ب: الحوار بين المشترك والمؤتمر الشعبي
كان مؤملا من الحوار الحزبي والسياسي الذي جرى بين اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام في نهاية مارس واستمر حتى التوقيع على وثيقة قضايا وضوابط وضمانات الحوار في 16 يونيو 2007م الدفع نحو عمل سياسي وطني لمواجهة الاضطرابات العامة التي بدت ملامحها في الأفق مكشوفة للجميع كما سبق من خلال الاتفاق على برنامج للإصلاحات الوطنية الشاملة .

وقد احتوت وثيقة يونيو على عدة قضايا توفق الطرفان لأول مرة في تحديدها والتوقيع عليها، شملت (الإصلاحات الدستورية والانتخابية والاقتصادية والحقوقية ومعالجة آثار حرب 94 والصراعات السياسية) وارتفعت آمال اليمنيين وحظي التوقيع بتأييد كل الفعاليات الوطنية وانعكست آثاره إيجابياً على موقف أحزاب المشترك من حرب صعدة.

إلا أن السلطة كانت تضمر حوارات من نوع آخر حول قضايا أخرى مع أطراف أخرى وخارجية في المقام الأول يخدم أهدافها ورغباتها في المحافظة على إبقاء الوضع الراهن بشكل معين وحلول أو معالجات لا تضر بها إذا اقتضى الأمر واستدعت الضرورة.

استدعت رغبة الرئيس في زيارة واشنطن والحوار مع إدارة بوش موافقته على انطلاق الحوار مع المشترك وأثرت نتائج الزيارة التي تمت مطلع مايو2007م على نتائج الحوار بشكل كبير وعلى موضوعاته وأطرافه المرغوبين والمرفوضين.

بعد الزيارة التي لم تثمر نصرا في إدراج حرب صعدة في إطار حرب أمريكا على الإرهاب، دخلت قطر وسيطا مع جماعة الحوثي، وقال الرئيس "إن قطر تتوسط بطلب من طهران" لكن الوساطة أياً كان الطرف الذي يقف وراءها فتحت الباب نحو أقلمة وتدويل الأزمات اليمنية والأخطر رفع وتيرة الصراع مع الرياض والتي أصبحت بدورها تحتاج إلى حوار مع السلطة من أجل الدعم المالي للحرب واستمرارها.

ومن حق أي متابع أن يستنتج أن الحوار مع المشترك لم يكن سوى تكتيك في خدمة دبلوماسية الرئيس وهو يبحث عن حلول للمشكلات الوطنية في العواصم الغربية من مؤتمر المانحين نوفبر2006م ثم زيارة واشنطن مايو 2007م وما قاد إليه سير السلطة في هذا الطريق حتى اليوم من مؤتمرات واجتماعات، شرط أن لا يتحول الاستنتاج إلا محاكمة للمشترك والتستر على انحرافات السلطة وتجاوزها لأخلاقيات الحوار ومسؤوليات المتحاورين الوطنية.

وقد تكون أحاديث (المساعدات، والقروض, والمنح، وبدل السفر) منصة مناسبة لمؤيدي هذا الطريق يبررون حضور الرئيس بدلا عن رئيس الحكومة وينزعون عن الدولة متطلبات إدارة علاقاتها الخارجية ومشورتهم -إن كان لهم مشورة- أن الحوار مع المعارضة سيخصم من قوة السلطة فيما الخارج سيقدم المال الذي يديمها ويدعم توريثها، لكنها أقاويل لا تستطيع إقناعنا أن المانحين جمعيات خيرية وحكومات للرفق بالحيوان.

ذلك كان الوجه الأول للحوار البديل، أما الوجه الثاني فقد ظهر في سبتمبر 2007م حين رتبت السلطة بطريقة لا تخلو من الغرابة إعلان عن مبادرة من عشر نقاط ركزت إجمالاً على إصلاحات جزئية وإصلاحات دعائية، منها اقتراح تشكيل لجنة الانتخابات من القضاة على الرغم أن الدستور ينص على استقلال السلطة القضائية عن المهام الإدارية خارج مسرح القضاء وكوتا للنساء يصعب تطبيقها من دون القائمة النسبية... وكانت ملامحها إجمالاً استجابة واضحة لمطالب الإصلاحات الخارجية.

وقد تم الاحتفاء بهذه المبادرة على طريقة (غابة كلابها ذيابة نزلين في الناس هم) ولم يتنبه كثيرون إلى جديدها الحقيقي المتمثل بالإعلان عن وجود أزمة ثقة بين الرئيس وقيادة المؤتمر التي وقعت اتفاق يونيو، وكراهية شديدة للعمل السياسي في إطار النظام الدستوري المكون من الحزب الحاكم والمعارضة.

رفضت أحزاب المشترك هذا التكتيك وصعدت من فعاليتها الجماهيرية في عدد من المحافظاتً بهدف مقاومة خيارات الارتهان والتنصل من الاتفاقات وقاطعت اجتماع إعلان ما سمي (مبادرة الرئيس) وتمسكت بوثيقة قضايا وضوابط وضمانات الحوار التي تم التوقيع عليها وقالت إن الرئيس لم يأت بشيء جديد سوى التنصل مما تم التوقيع عليه مع قيادة المؤتمر الشعبي العام.
مع ذلك بذلت جهود من أجل العودة إلى الحوار على ما تم التوقيع عليه وفي أكتوبر 2007م ناقشت قيادة اللقاء المشترك مع السلطة وثيقة قضايا الحوار مرة أخرى والموعد النهائي للحوار حول الإصلاحات السياسية والانتخابية.

وتم التوقيع على محضر عدن في 11 نوفمبر 2007م إلا أن المفاجأة كانت بعد أسبوع، مرسوم رئاسي يشكل لجنة الانتخابات من القضاة وموجه لمجلس النواب وأمين عام المؤتمر الشعبي يترأس اجتماعات الفريق الفني، الأمر الذي أفشل الحوار الحزبي للمرة الثانية مع سبق الإصرار والترصد.

وفي مستطاع أي مراقب إدراك مخاطر هذا الفشل بالنظر إلى ما كانت تشهده البلاد من أحداث خطيرة تغطي جغرافية اليمن من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وتفضيل السلطة المنافع والفوائد السياسية المؤقتة مما يجرى، وتحرض الشعب والمعارضة على خيارات أكثر تجسيما أو البحث عن لغة إنسانية خاصة بالصم والبكم.

تلك صورة مختصرة للأوضاع العامة والسياسية التي أحاطت بتكتل أحزاب اللقاء المشترك واستند إليها المجلس الأعلى نهاية العام 2007م وهو يعلن فشل الحوار مع السلطة ويناقش الدعوة لحوار وطني شامل حول الأزمة الوطنية التي تشهدها البلاد .

ثانيا: دعوة المشترك للحوار والتشاور الوطني
حملت دعوة المشترك للحوار الوطني التي أطلقها بداية عام 2008 وضوحا في رؤية مصدر الأزمة في البلاد المتمثلة بسلوك السلطة وسياساتها، وطابعا حزبيا يحتاج إلى التأييد والمساندة الاجتماعية كي تكتسب الدعوة مشروعيتها وتكتمل أركانها في استنهاض كافة قوى المجتمع.

البيان الصادر عن المجلس الأعلى قال إن "الحوار السياسي مع الحاكم وصل إلى طريق مسدود وأن السلطة قد أفشلت كل المحاولات والجهود على طاولة الحوار وخارجها ولذلك "فإن أحزاب اللقاء المشترك تعلن وقف الحوار السياسي بعد أن تم استنفاد كل المحاولات" .

شخص البيان وضع البلاد واعترف أن الأزمة الوطنية أصبحت من التعقيد والخطورة بما لا يستطيع معه أي طرف في المؤتمر أو المعارضة لوحده التعاطي أو الادعاء أنه يمتلك حلول ومعالجات لها.

ونحو عملية الانسداد في أفق الحوار السياسي ومن إدراك لخطورة إغلاق طرق العمل من خلال النظام السياسي الشرعي وما سيترتب على سلوك التنصل من الاتفاقات الموقع عليها من أزمة ثقة حادة كان اتجاه المشترك في بيانه "العودة إلى قوى المجتمع ومكوناته بهدف إجراء حوار وطني بديل يستطيع عبره أبناء اليمن مواجهة الأزمة واتخاذ القرارات الوطنية بشأنها".

وكان هذا هو الخيار الأنسب من الناحيتين الدستورية والسياسية والأفضل من الخيارات الأخرى التي بدأت تفرض نفسها على الأرض من خلال العنف والدعوات الجهوية والمناطقية والعائلية، هي خيارات تصنع مستقبلاً لأصحابها لكنه ليس المستقبل الذي يبحث عنه اليمنيون ويتفق مع تاريخهم وتضحياتهم.

لذلك شكلت دعوة المشترك للحوار الوطني نقلة نوعية في أدائه السياسي ووظيفته الدستورية من نواحٍ عدة فقد أضافت مكونات المشترك إلى واجباتها الحزبية المتمثلة بتصعيد النضال السلمي والدفاع عن الانتخابات التي جرى الإصرار على مصادرتها واجباً وطنياً فرضته ضرورات مواجهة الأزمة الوطنية فاختارت عملا أوسع وأهدافاً سياسية أكبر.

وبرؤية عامة للأحداث اللاحقة يتأكد أن المشترك كان ينظر نحو المستقبل الذي سيصبح مجموعة من المخاطر فوق الأزمات لا يستطيع اليمنيون التعاطي معه إن لم يكونوا قادرين على رؤيته من خلال تجسيد شراكة مسؤولة في تشخيص الوضع الراهن وتحديد المستقبل الذي يتطلعون نحوه.

وقد قامت أحزاب المعارضة بدورها في استلهام تطلعات اليمنيين ومخاوفهم في هذه الفترة، بداية ببذل جهد مع الحاكم ثم بدور التحذير من ما هو قادم، وثالثا بدعوته كل ذي مصلحة ورأي حزباً كان أو منظمة أو جهة أو فرداً أن يقوم بواجبه ومسئوليته تجاه وطنه ولا تزال هذه الدعوة قائمة حتى اليوم.

التشاور الوطني على طريق الحوار الشامل.
حمل المشترك على عاتقه الترتيب للخطوات التالية ومنها السير باتجاه التشاور على طريق الحوار وبهدف أن يتحدد بعد ذلك برنامج العمل الوطني الذي من شأنه في المقام الأول منع انفراد قسم أو طرف أو عائلة بتحديد مستقبل اليمن الدولة والنظام السياسي انطلاقاً من الأزمة أو ظروف افتعال الأزمات .

وفي اللقاء السنوي الثالث لقيادة فروع المشترك في المحافظات الذي انعقد في العاصمة صنعاء في مايو 2008م تم إقرار دعوة المشترك للتشاور الوطني كمرحلة تمهيدية للحوار وقد احتوت الدعوة تحت عنوان (دعوة التشاور الوطني الأبعاد والدلالات) جاء فيها أن أحزاب اللقاء المشترك تدعو أبناء اليمن إلى التشاور حول ما تشهده البلاد من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية أصبحت تقتضي الوقوف عليها واتخاذ قرار بشأنها ونقل الاهتمام بها من الإطار الحزبي إلى الإطار الوطني العام.
وتشكلت اللجنة العليا للتشاور الوطني من 40 قياديا وناشطا سياسيا يمثلون أحزاب اللقاء المشترك وفي يوليو تشكلت اللجان الفرعية 40 في كل محافظة، وفي أغسطس انطلقت عملية التشاور حاملة مجموعة من المهام الوطنية غير المسبوقة في العمل السياسي وعبر إطار تنظيمي مناسب.

وتم توزيع مهام التشاور الوطني على مراحل:
الأولى: تم فيها عملية حصر القوى والفعاليات والشخصيات المؤثرة في العمل السياسي الوطني وتم فرزها في تسع فئات هي (الأحزاب والقوى والتنظيمات السياسية، الخطباء والدعاة، المناضلين، والشخصيات العامة، قادة الرأي ومنظمات المجتمع المدني، التجار والمغتربين، المرأة والشباب).

وفي هذه المرحلة تم تحديد ما يقارب 35 ألف شخصية وطنية تمثل هذه الفئات والفاعلين الاجتماعيين الذين يجب أن تصل إليهم دعوة التشاور وقد تم العمل بنفس التقسيم والآليات على مستوى المحافظات، الأمر الذي وفر لأحزاب اللقاء المشترك حصيلة من المعرفة بتفاصيل خارطة القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة خارج أحزابها والتي يجب أن تصل إليها دعوة التشاور الوطني.

وفي المرحلة الثانية مهام التواصل التي تمت في نوفمبر وديسمبر تم التركيز على ممثلين للجماعات السياسة (الأحزاب وجماعة الحوثي والشخصيات المعارضة في الخارج وممثلي فعاليات الحراك السلمي في المحافظات الجنوبية) وممثلي (الفئات الاجتماعية) الأخرى المستهدفة للتواصل السياسي وذلك من خلال آليات الاتصال الفردي والثنائي والمؤسسي واللقاءات العامة والمهرجانات والندوات وحلقات النقاش والمراسلات.

واستطاعت اللجنة العليا للتشاور على الصعيد المركزي وفروعها أن تبلغ دعوة التشاور إلى أكبر قدر من المستهدفين تجاوز عددهم ما يزيد على 35 ألف شخصية وطنية، وأثمرت هذه العملية نقاشات مستفيضة لدعوة المشترك للتشاور والقضايا الواردة فيها والحصول على الآراء والمقترحات بشأن السبل والطرق الخاصة بمعالجة الأزمة الوطنية والإطار المؤسسي لذلك.

قال البعض إن عملية الاتصال قامت بها القيادات المركزية والفرعية من أحزاب اللقاء المشترك وهذا صحيح ولكنها كانت شريكة في نفس الوقت مع قيادات وطنية مستقلة وممثلين لمنظمات المجتمع المدني، ولم تكن مشاركة القيادات الحزبية في هذه المرحلة عملاً ينتقص من قيمة التشاور وإنما على العكس من ذلك تجددت في دماء الأحزاب وفعالياتها المهام التي كانت قد تراجعت عن تأديتها منذ فترة وهي مهام ذات صلة بتفعيل النقاش العام حول القضايا الوطنية خارج مؤسساتها الحزبية.

وفي يناير وفبراير من عام 2009م تعززت عملية التواصل غير المباشر من خلال إقامة حلقات النقاش الوطنية الموسعة والعلنية حول القضايا الواردة في دعوة التشاور الوطني حيث نظمت اللجنة العليا للتشاور الوطني ما يزيد على 15 ندوة بهدف تعزيز دائرة النقاش العام كان موضوعها (أزمة السلطة والنظام السياسي، ومظاهر الأزمة الوطنية المتمثلة بالقضية الجنوبية ، حرب صعدة ، الحريات والحقوق العامة ، الأزمة الاقتصادية ، أزمة القضاء والتعليم والشباب والخدمات وحرية الرأي ومنظمات المجتمع المدني والتعليم الجامعي، والمرأة).

وقدمت قيادة أحزاب اللقاء المشترك في هذه الفعاليات تصورها لهذه الأزمات ومصادرها وأسبابها بهدف إجراء نقاش وطني حولها والحصول على رأي المجتمع وممثليه وفعالياته المختلفة وقد تجاوز عدد الذين شاركوا في هذه الفعاليات 2000 شخصية وطنية يمثلون كل الفئات والقطاعات من مختلف شرائح ومكونات المجتمع.

لذلك شكلت مرحلة التشاور الوطني عملية متطورة في تجربة أداء تكتل المشترك وعملية اتصال سياسي غير مسبوقة في تاريخ العملية السياسية الحزبية والوطنية شارك فيها عشرات الآلاف من اليمنيين ووصل العلم والمعرفة بها إلى غالبيتهم، الأمر الذي جعل من هذه العملية أحد المفاهيم والعناوين السياسية الرئيسية في اليمن وذلك خلال فترة امتدت من مايو 2008 وحتى مايو 2009.

وبسبب ذلك التفاعل الجماهيري مع جهود قيادة المشترك ولجنة التشاور تحققت أهداف التحضير على طريق مؤتمر التشاور الوطني وذلك من خلال إنجاز مهام الحصر والتواصل المركزي والفرعي للفاعلين السياسيين، والتعريف بالقضايا السياسية ، والحصول على الآراء والأفكار والتصورات من المجتمع واختيار ممثلين لملتقى التشاور من كل الفعاليات والفئات والأطراف التي قبلت المشاركة في الملتقى وذلك بهدف واضح ومحدد.. إطلاق الدعوة الوطنية للحوار.

وقد اكتسب التشاور أهميته السياسية والاستراتيجية من كونه قد نفذ وسط مناخ وطني مليء بالأزمات والتعقيدات التي راهن البعض عليها في إفشال التشاور كما حاولت السلطة من طرفها استغلال ظروف الأزمة والعمل على تعطيل هذا الجهد الوطني الذي جرى تحت شعار الوحدة والديمقراطية مرة بالتواصل السياسي مع قيادة المشترك وأخرى بإجراء تشاور مُناظر "رمزي وإداري".

وافقت السلطة والمؤتمر الشعبي العام على استمرار التواصل السياسي مع المشترك بشأن قانون الانتخابات لكنها بعد سبعة أشهر انقلبت على ما وافقت عليه والسير في إجراء الانتخابات البرلمانية منفردة غير مكترثة بالنصوص الدستورية وتداعيات الأزمة والإجراءات القانونية الصحيحة من أغسطس 2008م وحتى الانتهاء من عملية القيد والتسجيل .

إلا أن هذا المسار التخريبي للوظيفة الوطنية للانتخابات النيابية توقف بعد عمل سلمي واسع ومظاهرات قادتها أحزاب المشترك في كل اليمن ضد هذا المسار وإهدار نفقات وفساد بالمليارات تكبدتها خزينة المال العام، وقد سقط في هذه المظاهرات والمسيرات قتلى وجرحى واعتقالات طالت المئات من أنصار وأعضاء اللقاء المشترك.

وبالتزامن مع بدء الفعاليات الوطنية المفتوحة للتشاور دعا الرئيس مطلع يناير2009م قيادة اللقاء المشترك إلى الموافقة على مناقشة تأجيل الانتخابات تحت مسمى (تعليق الجرس)، والبدء بحوار حول الإصلاحات.

وعقدت عدة اجتماعات مع قيادة المؤتمر الشعبي الذين كلفهم الرئيس أفضت إلى التوقيع على اتفاق فبراير 2009م الذي نص على تأجيل الانتخابات مدة عامين وأربع قضايا للحوار: "تهيئة المناخات السياسية إصلاح النظام السياسي، والنظام الانتخابي وقانون الانتخابات، واللجنة العليا للانتخابات".

كما تم الاتفاق على تحويل اتفاق فبراير بصيغته الدستورية في 23 فبراير واتخذ البرلمان الإجراءات اللازمة لإخراج الاتفاق إلى حيز التنفيذ وتوقفت عملية التحضير للانتخابات وأصبحت شرعية السلطة والبرلمان مرتبطة وقائمة على تنفيذ اتفاق فبراير وشرعية الحوار والتوافق الوطني.

ولأسباب ربما تعود إلى ضعف في الوعي السياسي أو قصور في معرفة واجبات المعارضة السياسية اعتبرت قيادة المؤتمر الشعبي العام أن اتفاق فبراير يلزم المشترك التوقف عن استكمال مهام التشاور الوطني، وكان ذلك مطلباً غريباً يدعو المعارضة إلى التخلي عن مصداقيتها فيما تعمل وتقول وبرامجها وأنشطتها السياسية والوطنية.

ثالثا: إعلان الدعوة الوطنية للحوار ورسائل المشاريع الأخرى
استمرت أنشطة التحضير لانعقاد ملتقى التشاور الوطني بعد اتفاق فبراير وتم ضمان مشاركة ما يربو على 2500 شخصية يمثلون الفئات والفعاليات والمحافظات وأطراف الأزمة السياسية وبذلك اكتملت (مرحلة التمهيد للحوار الوطني) ورأت قيادة اللقاء المشترك في عملها تطابقا مع البند الأول والثاني من اتفاق فبراير2009م وقد قصدت أثناء التفاوض على نصوص الاتفاق مع قيادة المؤتمر ضمان عدم التعارض مع أنشطة المشترك.

ولم تكن مصادفة أن اللحظة الزمنية التي انعقد فيها ملتقى التشاور الوطني 20-21 مايو 2009م كانت لحظة فاصلة في مسار العملية السياسية الوطنية انبعثت فيها مكنونات وبواطن أزمة اليمن وآمال وتطلعات شعبه للخروج منها وارتسمت في نفس الوقت ملامح المستقبل أمام الجميع للاختيار والمفاضلة بين من يسعون نحو التغيير الوطني ومن يحافظون على الوضع الراهن ومن يريدون العودة إلى الماضي.

وقد حملت فعاليات ملتقى التشاور وشعاره وجلساته ونتائجه عنواناً يمثل غالبية اليمنيين وحضورا في الافتتاح باعثاً على الأمل في قدرتهم على الاجتماع من أجل استنهاض الهمم والدفاع عن المشروع الوطني الذي قامت من أجله الثورة والوحدة.

كانت لحظة تزاحمت فيها الخيارات والسبل دفعة واحدة في يوم واحد وذكرى واحدة وهي ذكرى قيام الوحدة اليمنية بما لها من دلالات رمزية واستراتجية تشير إلى مجرى عملية مصادرة مستقبل اليمنيين وإجهاض مشروع نهضتهم طوال 19 عاما من قيام الوحدة ، ومن خلال ما هو معروض في سوق الأزمة من مطالب في مقدمتها مطلب الحوار الوطني الشامل.

أما المطلب الثاني فكان معروضا (رموز وخطاب) في ميدان السبعين وفي مكان ليس بعيدا عن انعقاد ملتقى التشاور الوطني وخطابه تمثل باحتفال السلطة بيوم الوحدة ولوحدها ومن دون شركاء وبالعرض العسكري لكافة أنواع الأسلحة الدفاعية والهجومية عرض ترسانة المفروض أنها ملك للدولة وفي خدمة أمنها وسيادتها واستقرارها وليست في خدمة السلطة.

ولأن سماء وأرض اليمن في لحظة العرض كانت تشهد كل أنواع التدخل والاختراق الأجنبي باعتراف الجميع ، وأن شركاء الوحدة مبعدون ومشردون في المنافي ودول الاغتراب في خطابات الجميع، والأوضاع في عدن والمحافظات الجنوبية تشهد مواجهات عنف غير مسبوقة تحت سمع وبصر وعلم الجميع: فمن الطبيعي أن يحمل العرض الرسمي للجيش والسلاح رسالة لليمنيين تقول إن الوضع الراهن سيبقى باالقوة والعنف وبالقسر والإجبار المادي للمعارضين.

العرض الثالث جاء من المنفي من نائب الرئيس علي سالم البيض الشريك الرئيسي في قيام دولة الوحدة والإعلان عن ميلاد مشروعها النهضوي السلمي الديمقراطي صبيحة يوم 21 مايو 1990م يدعو إلى فك الارتباط بين الشمال والجنوب بعد مرور19 عاماً على قيام دولة الوحدة؟.

ولو لم تكن الأحداث والأوضاع في المحافظات الجنوبية قد وصلت إلى درجة من السوء والخطورة بفعل سياسات السلطة وخطابها المأزوم فلن تجد هذه الدعوة إلى الماضي صدى وتأثيراً في سوق الأزمة الوطنية ومساراتها المستقبلية.

تلك هي الخيارات التي عرضت أمام اليمنيين علناً في لحظة زمنية واحدة وفي مقدورهم أن يفاضلوا بينها، وبمعنى آخر أكثر وضوحاً كانت لحظة أطلقت فيها شرارة الصراع الجديد بين مشروعين إجمالاً، هما المشروع الوطني الكبير مع مشاريع صغيرة وماعدا ذلك تفاصيل وشروح جانبية لهذا الصراع.

وقد حظيت أحزاب المشترك بالاهتمام الذي تستحقه وهي تنتصر لمرحلة فاصلة تؤسس لوعي سياسي صحيح ولعملية سياسية طبيعية واضحة متحررة من الانحرافات والأوهام وتدشن مرحلة أخرى تنتقل باليمنيين إلى ما هو أهم وأكبر إلى تحديد مسار وميدان التسوية الوطنية التاريخية عبر الحوار الشامل بين كل أطراف الأزمة ومكونات المجتمع.

رابعاً : الحوار الشامل خيار التغيير الوطني السلمي
نصت دعوة الحوار الوطني التي صدرت في ختام ملتقى التشاور عن واقع التوافق بين أعضاء الملتقى في عدة محاور أبرزت الدعوة مظاهر الأزمة الوطنية ودور السلطة في إنتاجها وعجز النظام السياسي لدولة الوحدة في ذكرى ميلادها ال19 عن مواجهتها، وقد حددت الدعوة أفق المستقبل وخاتمة الحوار الوطني بالوصول إلى تأسيس عقد اجتماعي جديد يعيد بناء الدولة على قواعد مختلفة ويحفظها من التآكل والتفكك والاندثار.

كما شكل ملتقى التشاور الوطني إطارا تنظيميا ملائما يتحمل مسؤولية الانتقال بدعوته الوطنية للحوار من الإعلان إلى حيز التنفيذ، إطارا جسد الوعي بالمسؤولية السياسية وبأن مستقبل الشعب والوطن في لحظة الأزمة والمحنة لا تقرره الأمنيات والرغبات وحسن النوايا وإنما تصنعه الإرادة الإنسانية الملتزمة بالتنظيم والتخطيط وتحديد المسؤوليات.

وتكون هذا الإطار من اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي ضمت 90 شخصية وتوسعت بعد ذلك إلى 125 يمثلون الفعاليات السياسية الوطنية المشاركة في الملتقى وأخرى مساندة تمثل المكونات الاجتماعية الفاعلة في السياسة ومنسق لكل محافظة وذلك في إطار من الوعي بالمهام المترتبة على الدعوة الوطنية للحوار وفي مقدمتها استنهاض الوعي الرافض للعنف الذي بدأت مظاهره تتفشى في الوعي الاجتماعي واعتباره الأداة الوحيدة في مواجهة الاستبداد والتسلط.

ويوضح التمثيل الشامل والنوعي الذي تم على ضوئه اختيار هذه اللجنة بما يحقق أهدافها دلالات مهمة في تجربة القبول بالآخر فلا يكاد التمثيل الحزبي يتجاوز 50% وفيما قد يرى البعض أن عدداً من الخمسين الأخرى ليست خافية ميولهم السياسية على أحد لكن تلك الميول لا تذكر أن أصحابها موظفون مع أحزابهم.

وهناك شواهد كثيرة تشير إلى المناخات الصحية التي أوجدها تكتل المشترك مروراً بالانتخابات الرئاسية وحتى ملتقى التشاور الوطني أبرزت قدراً عالياً من المرونة والتكيف في التجربة الحزبية من زاوية القبول بالآخر والواجبات السياسية في أوضاع الأزمة والإصرار على توسيع التحالفات.

ونعتقد أن الطريقة المثلى لتقييم تجربة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني حتى الآن كإطار مؤسسي جديد دفعت أحزاب اللقاء المشترك نحو ظهوره وتشكيله لابد وأن يتجاوز الانطباعية والدعاية المضادة إلى المهمة التي أنيطت باللجنة وفي مقدمتها التمسك بثقافة الحوار أمام الترويج لثقافة العنف، وسلوك القبول بالآخر في مواجهة الإقصاء والإبعاد والوصول إلى تغيير وطني آمن ينقذ الدولة من الانهيار ويعيد بناءها على أسس جديدة بشراكة كل أبناء اليمن.

وسيكون من السخف تجاهل تأثير الوزن السياسي والوطني والحزبي لقيادة اللجنة التحضيرية وما قاموا به من جهود يعرف الجميع مدى النتائج الجيدة التي ترتبت عنها وستظل قيادة اللجنة التحضيرية برئاستها وأمانتها العامة ولجانها المتفرعة نموذجاً للعملية السياسية الجديدة التي لا تزال تحتاج إلى التروي في إصدار الأحكام عليها، ذلك أن الضرورة الوطنية تقتضي التركيز على "ماذا نعمل" وليس "من يعمل" كون هذا التركيز هو معبر الخلاص من أزمة الحكم في اليمن. وبنظرة فاحصة وموضوعية إلى المهام التي أنجزتها اللجنة التحضيرية للحوار الوطني كأحد أبرز مظاهر التطور في تجربة تكتل أحزاب اللقاء المشترك بجهود كل مكوناتها أن تنتقل وخلال فترة وجيزة استطاعت ومن دون مبالغة أن تدفع بمطلب الحوار إلى أن يصبح خيار إجماع وطني وإقليمي ودولي.

وما أنجزته اللجنة حتى اليوم يكاد يشكل إطاراً وحيداً لكل أبناء اليمن للعمل وللسير قدما نحو الخروج من مأزق جمود الوضع الراهن وتداعياته الخطرة كما أنه ليس في مقدور أي طرف تجاوز هذا الإطار خلال المرحلة القادمة كونه قد تحقق من خلال الجهود التالية:

أولاً: منذ تشكيل اللجنة التحضيرية وحتى اليوم وخطابها وأنشتطها تستهدف الإعلاء من قيمة الحوار الوطني، والمحافظة على هذه القيمة ولا تزال تعلي منها وهذه المهمة لا يستطيع أحد أن ينكرها بالنظر إلى القيم التي تُعلمها أطراف الأزمة الأخرى لأتباعها في السلطة وخارجها، وتنتشر في صعدة ومأرب وشبوة وأبين ولحج وحضرموت والجوف وعمران والضالع وصنعاء تعاليم وقيم مهما قيل عن الأسباب التي أدت إلى تطرف بعضها مقابل تطرف السلطة فإنها في الأخير تكرس قيماً وتؤسس لوقائع منذ ثلاثة أعوام لا تستقيم مع القيم الوطنية سواء قيم التغيير الوطني أو وسائله أو جغرافيته.

ثانياً: قادت اللجنة التحضيرية من خلال أطرها الداخلية ومؤسساتها وهيئاتها مهمتين هامتين وحيويتين على صلة بالحوار رسخت فيها قيم الديمقراطية والشفافية والعلنية والمسئولية، وخلال الفترة من يونيو وحتى 7 سبتمبر2009 من نفس العام أربعة أشهر قامت بعمل تجربة داخلية للحوار الوطني وفي نفس الوقت انتهت بنجاح في هذا المعمل المصغر إلى مشروع ( وثيقة الإنقاذ) التي تعد من أهم الوثائق السياسية والوطنية إن لم تكن الوثيقة الوحيدة حتى اليوم التي تعاطت مع أزمة البلاد وتعقيداتها بذلك الشمول والوضوح تؤسس لبناء عقد اجتماعي جديد وتقدم لليمنيين فرصة للنقاش على أرضية صلبة وجيدة يندر أن امتلكت القوى السياسية مثيلاً لها .

ثالثاً : وصلت اللجنة التحضيرية إلى أطراف الأزمة تنفيذاً لما جاء في مشروع وثيقة الإنقاذ من آليات حوارية، وشهد عام 2010م التوقيع على عدة اتفاقات ومحاضر مع جماعة الحوثيين في صعدة 15مارس و12 ديسمبر نصت على الانضمام إلى اللجنة التحضيرية والحوار الوطني ومحضر اتفاق مع المعارضة في الخارج في 13 يونيو من نفس العام تؤكد على مضامين وثيقة الإنقاذ وبرنامج موحد للسير نحو الإنقاذ والتغيير.

وفي دورة اجتماعها ( دورة رائد التغيير المهندس فيصل بن شملان) أعلنت اللجنة التحضيرية في جلسة عامة صباح يوم الثاني من يونيو 2006م انضمام الحركة الوطنية للتغيير، ومجلس التضامن الوطني، و30 شخصية وطنية بارزة تضم وزراء سابقين وقاده سياسيين وأعضاء في البرلمان والشورى من كافة الاتجاهات السياسية إلى عضويتها ومكوناتها وهي إضافة عبرت عن التطور في الأداء والإنجاز جاءت بمناسبة مرور عام على تشكيل اللجنة لكنها في نفس الوقت استنفرت السلطة وثقافة الخوف من التغيير.

كان اتفاق فبراير 2009م قد قدم ضماناً مبكراً أن تكون السلطة والحزب الحاكم جزءاً من عملية السير نحو حوار وطني شامل ونص البند الأول والثاني على الشراكة في التحضير للحوار الذي تسعى إليه اللجنة وقد تم النص على ذلك في وثيقة الإنقاذ الوطني ولم يكن هناك ما يستدعى الغضب والحنق سوى النجاح الذي أحرزته اللجنة في مهامها وعجزت عنه السلطة منذ بداية الأزمة.

رابعاً: شكل التوقيع على محضر 17 يوليو مع السلطة وما رتبه من إطار مؤسسي آخر تمثل بلجنة المائتين تحولاً في سياق التأكيد على أن مسار الحوار الوطني الشامل مع كل الأطراف كخيار نحو التغيير لم يعد برنامجا للمعارضة كما كان يدعي البعض ولا رغبة في تصعيد الصراع مع السلطة كما ادعي الانهزاميون وإنما خيار الضرورة الوطنية بعد انهزام الخيارات الأخرى.

وإذا كانت السلطة قد استهدفت من القبول بالتوقيع على المحضر إفساد ما عمله المشترك وإفساد النجاح الذي حققته اللجنة التحضيرية للحوار الوطني وقد تحقق لها بعض ما تريده على حساب ما يريده اليمنيون إلا أن محضر 17 يوليو مهما كانت النتائج الراهنة شكل دعماً إضافياً وإنجازاً يحسب للجنة التحضيرية للحوار وجهود المشترك وحجة على السلطة وحكماً شاملاً أنها ضد الحوار وأنها مصدر الأزمة وجذرها كما جاء في وثيقة الإنقاذ .

نخلص إلى التأكيد أن خيار الحوار الوطني من أجل الإنقاذ أصبح مساراً تتوفر له اليوم فرص النجاح من الأطراف والقيادات المسئولة والمجربة والمناخ السياسي الداخلي والخارجي المؤيد والمشروع الملائم والفكرة الجامعة وأصبح التحدي معلوما بالسلطة ومواليدها الصغيرة من أعمال وأفكار تخريبية لهذا المسار وما قد تؤدي إليه تعقيدات الأزمة من أحداث تعيق خطواته أو تبطئ منها.

إن اللجنة التحضيرية بعد أكثر من عام ونصف على تشكيلها وجهودها استطاعت في ظروف معقدة معلومة للجميع أن تخلق من الأزمة فرصة سياسية سانحة مطلوب اغتنامه يقابلها خطر يعرض نفسه فارضا نتائج غير مرغوبة إذا تقاعس وتخاذل كل ذي مصلحة في إنقاذ دولة هشة.

مناقشة ختامية:
أعلنت السلطة والحزب الحاكم الانسحاب من التحضير للحوار الشامل والسير بانفراد نحو الاستيلاء على الانتخابات في اليوم التالي لأزمة الطرود المشبوهة 29 أكتوبر2010م وهو توقيت يؤكد مرة أخرى صلة قرابة ورحم بين السلطة وملف الإرهاب وتداعياته وهذا هو التحدي الأول الذي يفرض نفسه أمام رغبة الإجماع الوطني.

وفي نفس الوقت فإن عواصم العالم الفاعلة المهتمة بالأزمة اليمنية ستفرض خلال المستقبل القريب خياراتها عبر الرياض ولندن وواشنطن حيث أن هذه العواصم لن تقبل الانتظار واختيار موقف الفرجة من بلد تزحف منه التهديدات الأمنية نحو النفط والملاحة الدولية شمالاً وجنوباً وما يدور في أروقة هذه العواصم وما كشفته مؤخراً وثائق ويكيليكس تشير إلى تحد ثان أمام المشروع الوطني وجهود اليمنيين لإنقاذ بلادهم وفرض مطالبهم وخياراتهم.

إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل أن كل البيانات والمواقف التي صدرت مع نهاية هذا العام الخارجية قبل الداخلية تؤكد على مسار الحوار الوطني وضرورته وحتميته، ما يعني أن اليمن أمام فرصة تاريخية فيما يخص الانتقال بالأزمة الوطنية من حيز التشخيص والبحث عن إجماع حول الدعوة للحوار إلى حيز السير بالحوار الوطني نحو غايته المنشودة.

وإذا لم تستجب السلطة لهذا النداء فإن حق الأحزاب والتنظيمات السياسية أصيل في روح الدستور ونصه أن ترفع الشعارات المعبرة عن تعارضها مع عقيدة السلطة في الحكم وإدارة البلاد وليس مخالفتها كما يروج البعض طلبا للسلامة.

والحق الثاني أن تسعى نحو تشكيل الأطر الوطنية القادرة على حمل شعاراتها وتحقيق برامجها ورؤاها وقد حملت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني على عاتقها تنفيذ مهمة وطنية في ظروف أزمة مستحكمة ومعقدة لم تعد الأطر الحزبية قادرة على التعاطي معها وهو لا يعني الإعلان عن تخلي الأحزاب عن مهامها كما يزعم البعض تضليلاً وجهالة فاللقاء المشترك سيضل يشكل أهم مكونات هذه اللجنة وقلبها النابض بالفعالية السياسية .

وفي الختام نجدد الدعوة لكل أبناء الوطن وقواه الحية استغلال الفرصة السياسية السانحة ودعم جهود اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الشامل قبل فوات الأوان وارتفاع تكاليف الصمت والحلول المتأخرة وهي دعوة سياسية وليست موقفا أخلاقياً وتكتيكاً مؤقتاً سرعان ما سيتراجع، فالتشابه في الظواهر السياسية في اليمن على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لا تعني تشابه الوقائع السياسية التي خلقت على الأرض فارضة نفسها خلال هذه الفترة.

* ورقة مقدمة إلى ندوة اللقاء المشترك المنعقدة في العاصمة صنعاء خلال الفترة 29-30 ديسمبر 2010.
** محمد يحيى الصبري الناطق باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.