40 دعاء للزوج بالسعادة.. ردديه ضمن أدعية يوم عرفة المرتقب    الاتحاد الجنوبي لمكافحة الفساد والشروط الضرورية لنجاحه    كيف لجنوبي الاقتناع بوحدة كفرته وسلبت كل حقوقه    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    الجزء الثاني من فضيحة الدولار أبو 250 ريال يمني للصوص الشرعية اليمنية    رئيس الوزراء بن مبارك يغادر عدن هربا من مواجهة الأزمات التي عجز عن حلها    القضية الجنوبية بين عبد ربه منصور ورشاد العليمي    شاب يمني ينتحر شنقاً في صنعاء الخاضعة للحوثيين (صورة)    شاهد: صورة تجمع سالم الدوسري بأولاده.. وزوجته تكشف عن أسمائهم    عبدالملك الحوثي يغدر بأقرب المقربين من صالح الصماد .. و "مصادر موثوقة" تكشف ما حدث لزوجته وأطفاله!    "لا حق لكم بإقحام الجنوب في توجهاتكم الشاذة!"...قيادي بالحراك يهاجم "الانتقالي" ويصف قياداته بالمطبعين    هل دقت ساعة سقوط الحوثيين؟...قبائل الجوف تكسر حصار الحوثيين    مكافأة 10 آلاف دولار لمن يدلي بمعلومات عن طفل يمني اختفى    القاضي قطران ينتزع حقاً من الحوثيين لأول مرة في صنعاء... ماذا فعل؟    شاهد: فضيحة فيسبوك تهزّ منزل يمني: زوجة تكتشف زواج زوجها سراً عبر المنصة!    من طهران إلى صنعاء: رحلة الأسلحة الإيرانية التي تغذي الصراع في اليمن    أولويات الكبار وميادين الصدق    مارب.. افتتاح مدرسة طاووس بن كيسان بدعم كويتي    قيادات بإصلاح المحويت: استمرار اختطاف قحطان يكشف الطبيعة العدوانية للحوثيين    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    برشلونة يختتم موسمه بالفوز امام اشبيلية    دراسة حديثة تدق ناقوس الخطر وتحذر من اخطر كارثة تتهدد اليمن !    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الاشتراكي اليمني يرحب بتوقيع قبائل الصبيحة ميثاق شرف لإنهاء الثأرات مميز    منظمة إيرانية منفية تكشف اساليب ووسائل إيران في نقل الأسلحة للحوثيين مميز    قيادة «كاك بنك» تعزي في وفاة والدة وزير العدل القاضي بدر العارضة    فتاة تكشف عن فضيحة كبرى تهز اليمن    وزير الصحة يلتقي مع المشرف العام لمركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية    البنك المركزي يعلن عن مزاد إصدار سندات حكومية طويلة وقصيرة الأجل    تعز.. العثور على جثمان طفلة جرفتها سيول الأمطار بالمدينة    الأهلي المصري يتوج بطلًا لأبطال إفريقيا للمرة ال12 على حساب الترجي التونسي    بينهم يمني.. شاهد: الأمن العام يُحكم قبضته على المُجرمين: لا مكان للجريمة في السعودية!    الجامعة العربية تشدد على ضرورة تكاتف الجهود للنهوض بالشراكة العربية - الإفريقية نحو آفاق أوسع    الحكومة اليمنية ترحب بقرار "العدل الدولية" وقف الهجوم العسكري على رفح مميز    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    الذهب يتجه صوب أكبر خسارة أسبوعية في أكثر من خمسة أشهر    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    "القسام" تعلن عن أسر جنود للاحتلال في كمين داخل نفق في جباليا    حصاد كهنة الآل لثمانية أشهر... بين استغلال المشاعر، واستثمار العاطفة!    الونسو ينهي موسمه بخسارة وحيدة في جميع البطولات    لعبة المصارفة التي تمارسها الشرعية تحصل على الدولار بسعر 250 ريال يمني    باريس سان جيرمان يتوج بكأس فرنسا بعد تفوقه على ليون في النهائي    العميد طارق صالح يعلق على فوز العين الإماراتي بدوري أبطال آسيا والأهلي المصري بدوري أبطال إفريقيا    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    اللواء العرادة يعلن عن إنشاء مدينة طبية وبناء كلية طب ومستشفى جامعي بمأرب    برشلونة يعلن إقالة تشافي رسمياً    34 تحفة من آثار اليمن مهددة للبيع في مزاد بلندن    مليشيات الحوثي تصدر بيانا بشأن منعها نقل الحجاج جوا من مطار صنعاء إلى السعودية    عالم يرد على تسخير الإسلاميين للكوارث الطبيعية للنيل من خصومهم    الفن والدين.. مسيرة حياة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرة إلى زعماء وقواعد المعارضة والموالاة: أوقفوا الانهيار الآن
نشر في المصدر يوم 27 - 07 - 2011

جمال بن عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، غادر اليمن دون أن تسفر زيارته عن شيء، مثلما غادر قبله كثيرون: الزياني وفيلتمان وبرينان.
قبل يومين، اقترحت، في صفحتي على الفيس بوك، إعادة النظر في المعاني المستوحاة من المثالين التونسي والمصري ومعاييرهما، لكلمات مثل: النصر والنجاح والفشل والكسب والخسارة، كخطوة أولى في طريق النصر. وقلت: أن ترعى وتضمن الأمم المتحدة والقوى العظمى ودول الإقليم عملية سياسية تفضي إلى تغييرات عميقة تطال بنية الدولة والنظام السياسي والانتخابي ويسبقها أو يتبعها انتخابات رئاسية، لهو نصر مبين للثورة. فمجرد أن تجرى انتخابات ليس فيها الرئيس صالح مرشحا ولا أي من عائلته، ليس بالأمر الهين. حتى لو احتفظ صالح بتأثير مؤقت على المرشح الفائز، إلى أن يتم إرساء موازين قوى جديدة.
ولقد نظر أحد الشباب إلى هذا المقترح كدعوة لإنهاء "الثورة". لم يوضح إن كان يقصد بالثورة ساحات الاعتصام فقط، أم الوجوه الأخرى للثورة. لهذا قلت له إن كان يقصد بالثورة ساحات الاعتصام، فليطمئن لأنها لم تعد تشكل تهديدا حقيقيا للسلطة حاليا. أما إذا كان يقصد بالثورة كل الجماعات والفصائل المعارضة، المنشقة والقانونية، الانفصالية والوحدوية، المسلحة والسلمية، أي كل القوى التي تتخذ من معارضة علي عبدالله صالح أرضية مشتركة تقف عليها، وكل ما يمثل خطر ماحق للسلطة بل وللدولة أحيانا في آن، فإن هذا الجانب من الثورة ليس بالضرورة مرتبطاً ارتباطا عضويا ببقاء الساحات أو غيابها، لأن بعضها سابق للثورة نفسها وبعضها من مفاعيل الثورة.
(التمرد في صعدة وتداعياته في الجوف وتجاذباته الإقليمية، انشقاق علي محسن ومعه جزء من الجيش، تنظيم القاعدة، الحراك الجنوبي بتياراته ومكوناته المبعثرة، نضوب النفط والأزمة الاقتصادية والفقر، الحروب الصغيرة هنا وهناك، بيت الأحمر ومليشياتهم، واللقاء المشترك وجماعاته).
هكذا سيبقى المشهد في غياب الساحات. سيعود علي عبدالله صالح على وطن يغلي ويتمزق. سيقترح الأولاد أو رجال البلاط العميان بأن الثورة فشلت لأن الساحات طوت خيامها وانفضت. سيكون ممتلئاً بالنشوة لبعض الوقت، بعد أن حظي باستقبال مهيب ربما. وفجأة يغرق في الوهم بأن شرعية جديدة قد نبتت من بين حطام جامع الرئاسة. سيخطر بباله أنه كسب الرهان وانتصر.
وهذا أيضا مفهوم مضلل ومخادع للنصر والنجاح والفشل. والخطوة الأولى في طريق نجاح صالح الحقيقي تبدأ هي الأخرى بإعادة النظر في معنى النصر والفشل. التاريخ يسجل أن الأنظمة التي تمكنت من إخماد ثورة ما، تبادر على الفور إلى محاكمة وإعدام رموز الثورة أو الزج برفاقهم في السجون وتعذيبهم. علي عبدالله صالح لن يمتلك هذه الرفاهية، حتى لو بدا له أن الثورة فشلت بعودة الناس من الساحات.
العقد الأخير من حكم الرئيس صالح، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل أكثر هشاشة من أن يخمد تمرداً أو يعالج مشكلة أو يغلق ملفاً من الملفات، لا عبر القوة ولا عبر السياسة. ولهذا لن تسعفه قوته لإنهاء تمرد الجيش عسكريا، ولا لملاحقة رموز الثورة ومؤيديها، ولا الزج بقواعد الأحزاب في السجون ولا اجتياح الجنوب ولا كسر شوكة الحوثي.
فشل الثورة كما يفترض المحبطون، أو الحالمون في جانب السلطة، يعني إعادة تتويج لعلي عبدالله صالح. هذه هي الكذبة التي نحبها. فشل الثورة بالنسبة لي هو الإخفاق في التوصل إلى تسوية تاريخية عبر المسار السلمي، تبدأ بجلوس كل هذه الأطراف على مائدة واحدة على أن يكون صالح، أو من ينوب عنه، طرفا مساويا في الوزن والإرادة لكل طرف، تجتمع كل هذه الإرادات وتعقد صفقات بعضها مع البعض الآخر، وتؤسس لشرعية جديدة.
نجاح علي عبدالله صالح يكمن في مساهمته الفاعلة في إنجاز هذه التسوية العظيمة، وليس في الابتهاج الكاذب بفراغ الساحات, بينما سلطته لا تستطيع اليوم ولن تستطيع غدا، توفير الخدمات التي تجعل من الدولة دولة. ثم إن الشعارات والأجندات التي ينادي بها المحتجون هي نفسها التي تنادي بها السلطة الحاكمة ومؤيدوها، بمعنى أن تحويل مقولات مثل الديمقراطية والحريات وتداول السلطة والدولة اللامركزية والمواطنة المتساوية والعدالة وسيادة القانون، إلى مؤسسات وقوانين ونمط حياة، هو الثورة بحد ذاتها.
الجموع على جانبي الصورة سيكونون شركاء في صناعة هذه الثورة، أي أن الثورة ستكون هي الحصيلة الإجمالية لهذا الحراك والحراك المقابل. (محمد حسنين هيكل رفض اعتبار ما حصل في مصر وتونس "ثورات"، وفضل اعتبارها مقدمات لثورات، أي إزالة حواجز بمعنى من المعاني).
لكن لو سمح الموالاة لأنفسهم بالانتشاء لوهم الانتصار، سيكون الأمر أشبه بالرقصة الأخيرة لمافيا تحتسي الأنخاب بعد التنفيذ المحكم لجريمة ما، وعندما يوشكون على نسيان كل شيء، ينتبهون بغتة على "لمعة العيون الجائعة للأهالي الأصليين"، والتشبيه لدينو بوتزاتي في رواية "رعب في مسرح أسكالا".
لدينا خبرة طويلة مع شخصية علي عبدالله صالح الزئبقية المولعة بنقض الاتفاقات أو التملص منها متى ما تسنى ذلك. ولا بد أن المرارة في حلوقنا طرية من تجربتنا بعد خليجي عشرين، عندما انقلب صالح حينها مأخوذا بنشوة الفعالية الرياضية على النقاط الثمينة التي توصلت إليها لجنة الأربعة المؤلفة من الدكتور ياسين والإرياني والآنسي وعبد ربه منصور هادي. لكن الآن هيهات، هناك متغير جديد هو فكرة الثورة التي استدعت اشتراط ضمانة دولية لأي حوار مع رجل بمواصفات علي عبدالله صالح، تجنبا لويلات الحرب. قد يتنصل حتى من مواثيق تصدر بها قرارات أممية، لكن على ماذا سيراهن هذه المرة؟ الواقع هو الواقع وقوته هي قوته لم تتغير، تحت أي راية سيخوض الحرب وفي سبيل ماذا؟
جبهته متماسكة الآن لأسباب تتعلق بنوع من التضامن الإنساني إزاء الخطر. دعوهم يعتقدون أن الثورة فشلت لكي تنتعش آمالهم من جديد، حينها ستشهد جبهته خلخلة أكبر وانشقاقات أعظم. وهي متماسكة الآن لأن خطاب الثورة لم يفلح في تقديم رسالته على نحو مختلف يلائم ظروفنا وخصائصنا، لم يكن غالبا جذاباً ولا متسامحاً ولا مؤثراً، كان خطابا متعجرفا عدوانيا مغرورا متوعدا ضحلا. وقف ابراهام لينكولن يخاطب أمة كانت في أوج انقسامها مثخنة بالجراح فقال: "لسنا أعداء بل أصدقاء... ربما اشتد الانفعال لكن يجب ألا يكسر روابط المحبة بيننا"، كذلك كان يفعل نيلسون مانديلا وغاندي ومارتن لوثر كينغ وباراك أوباما.
عندما أسمع كلمة "حسم" تصدر من أي طرف كان، أول ما يتبادر إلى ذهني قذائف وأصوات انفجارات ونزوح ومذابح وجثة متورمة لعاملة نظافة في الحصبة. أكثر من ذلك، فكلمة "حسم" تجعلني أتخيل صنعاء بدون محمود ياسين ولا عبدالله دوبلة، وأشعر بنفسي مهجورا ومشردا في تلة من التلال النائية.
فيما يخص الانتفاضة الشعبية، ربما تقع بعض الملامة على اللقاء المشترك، لأنه لم يبادر إلى محاصرة الآثار السلبية لثورتي مصر وتونس. لقد ترك الساحات سياسيا تسرح وتمرح على هواها عرضة للمؤثرات البريئة منها والخبيثة، بينما اكتفى بالسيطرة الأمنية عليها. فبرزت إلى السطح ظواهر تتسم بالغربة الشديدة والخفة في تعاطيها مع العمل السياسي.
يمكن اعتبار توكل كرمان وخالد الآنسي بمثابة التجسيد الأمثل للانعكاس السلبي المتأتي من سحر ثورتي مصر وتونس. وكنت تناولت التأثيرات غير المرغوبة لهاتين الثورتين على الحركة الاحتجاجية في اليمن، بنوع من التفصيل. كان هذا قبل شهرين تقريبا، وقدمت مقترحات أولية لبرنامج عمل ميداني يتألف من عدة نقاط تشدد على خصوصية النموذج اليمني واختلاف مساراته، ويهدف إلى محاصرة أعراض الحالة والمتمثلة حينها في وقوع الكثير من شباب الساحات تحت وطأة الإحساس بطول المدة ومعاناتهم ومزيج قاتل من مشاعر الصدمة والخذلان وخيبة الأمل.
وكنت أتوقع أن يؤدي اللقاء المشترك هذه المهمة بكل شجاعة وحنكة، على اعتبار أنه حافظ في مستواه القيادي على حس موضوعي نسبيا بالواقع وحقائقه ومقتضياته وممكناته، على الرغم من ممارسة المتحمسين في الساحات دورا ضاغطا كان له مفعول مزدوج على أداءات المشترك، فمن جهة كان هذا التطرف والتصعيد يعزز الأوراق التفاوضية للمشترك ويترك النظام أعزل، لكن من جهة أخرى ساهم في إرباك تحركات المشترك ومناوراته ونال من ثقته بنفسه، ناهيك عن أنه جعله عرضة أحيانا للتخوين والانتقاد الساخط والتعنيف. بمعنى أن المشترك أصبح في مستوى ما رهينة لهذا المزاج المتعالي على الواقع.
حتى هذه اللحظة هناك من لا يريد تصديق أننا كنا نطارد أوهاما متوهجة تتسم بالتعقيد والرومانسية المفرطة، لقد كانت يوتوبيا ترفض الاعتراف بالواقع أو حتى إلقاء نظرة على محتوياته، والتعاطي معه ووضعه في الحسبان عند كل خطوة وحلم.
أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بالتحليق بعيدا متأثرين بخيال شخصي مخادع أو من كانوا فريسة لدعايتهم، يحتاجون بالفعل لمن يساعدهم لجعل أحلامهم أكثر معقولية وقابلية للتحقق. الأمر يشبه إعادة التأهيل عبر الجلسات العلاجية لشخص محطم الفؤاد يحمل على كتفيه عبء الخسارة والانكسار وكرب الرغبات غير المتحققة. وإنه لمن المؤسف أن تختار قناة الجزيرة البقاء في الهامش.
لقد أنجزوا، والحق يقال، باندفاعتهم الرائعة ما لم يكن ليخطر على بال أحد قبل فبراير، ولقد حان الوقت لاستخلاص الدروس والتحلي بالحكمة والرشد والتواضع والمسؤولية.
على أن اندلاع الحرب سيظل احتمال وارد حتى في ظل عملية سياسية واتفاقات. الفارق بين الحرب الآن والحرب في ظل اتفاق سياسي وفي ظل سلطة توافق وطني، هو أنها ستكون محدودة ربما بين جانبي الجيش، مواجهات يرجح أن تحدث أثناء عملية هيكلة المؤسسة العسكرية. بكلمات أخرى: من خلال العملية السياسية، بوسعنا أن نتفادى مخاطر الحرب الأهلية الشاملة، التي ستؤدي إلى مذابح ربما وفراغ سلطة، في حين يستحيل الجيش إلى مليشيات تائهة، والقبائل يمضون أيامهم على بيع الولاء، وترسانة الأسلحة الضخمة تذهب إلى أيدي الجماعات السياسية والعشائر والطوائف الدينية. عند هذه النقطة لن يحالفنا الحظ بأي فرصة لبناء دولة من جديد، على الإطلاق.
الحرب في الحالة الأخيرة لن تضع فريقين وجها لوجه، إنها تضع سلطات متعددة في مواجهة مفتوحة، لأن الحرب تتحدى كل حساب تقريري، بحسب امبرتو ايكو. إنها لعبة تدمير ذاتي تنمو وتتطور خارج إرادة المتحاربين أنفسهم. وسيكون الظلم والمآسي الناجمة عنها أعظم بما لا يقاس من المظالم والمآسي التي نظن أننا نسعى من خلالها إلى دفعها.
في الحروب التقليدية كانت الحرب "استمرار للسياسة بوسائل أخرى"، بتعبير كلاوزفيتز، حيث كانت تنتهي عند التوصل إلى حالة توازن تعيدنا إلى السياسة. لكن الأمر في عصرنا تغير، بحسب ايكو، فالسياسة التي تعقب الحرب هي استمرار للمقدمات التي وضعتها الحرب.
من ناحية تقنية أكثر منها أخلاقية، لن يكون منطق تسويغ الحرب متماسكاً بالنسبة لكل فرقاء الصراع.
باختصار شديد، إن تعثر الثورة نتيجة الحسابات الخاطئة والواقع غير المواتي وعوامل أخرى كثيرة، لا يعني أنه بقي للحكام فرصة للبقاء حكام، هذا غير ممكن، حتى لو ضمرت الثورة وتلاشت. الخطر الآن محدق باليمن كدولة وليس بالسلطة الحاكمة ولا بالانتفاضة الشعبية.
أصبح اليمنيون بكافة انتماءاتهم وعقائدهم في عين العاصفة، وأمامهم فرصة الجلوس والتفاهم وتبادل الرؤى والأفكار بشأن بناء الدولة وتأسيس أرضية عامة ومثل وطنية عليا يلتف حولها الجميع، عقد اجتماعي جديد، "قوى متعددة تتنافس في مضمار واحد وفق قواعد مشتركة لضبط التنازع السياسي"، بتعبير ياسين الحاج صالح.
سيكون أمام اليمنيين جدول أعمال مزدحم وشاق، لكنها مهمة تأسيسية بامتياز للدولة والنظام وشروط الاجتماع السياسي. إذا أخفقوا في هذه المهمة فلا أحد بوسعه التكهن بما يمكن أن يحدث وما هي الصورة التي ستؤول إليها اليمن؟
هناك حالة لا توصف من اللاثقة، وعلاجها لا يكون بمفاقمتها وتعهدها بالرعاية عبر تكريس القطيعة والتخندق خلف مواقف وقناعات مصنوعة من الأنانية المفرطة وأوهام التفوق والاصطفاء والنقاء وأن الآخر أقل جدارة منك بالوجود معك على هذه الأرض. لا أحد يمتلك الحق في فرض نفسه وصيا شرعيا باسم اليمنيين. نحن الآن أقرب إلى حالة الطبيعة التي أشار إليها توماس هوبز، حيث الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، والكل يحارب الكل، في لحظة ما تفرض ضرورات التعايش وبقاء النوع البشري عقد صفقات يتنازلون بمقتضاها عن بعض حرياتهم لمصلحة إرادة عليا مشتركة. علاج انعدام الثقة بالتفاوض بعد الاعتراف كل بالآخر والاستماع كل للآخر. هذه المرة سيكون المجتمع الدولي مراقبا وضامنا لأي معاهدات ومواثيق يتم التوصل إليها. لكن رفض منطق التفاوض والاعتراف والتفاهم يعني أنك ترغب في استئصال خصمك وقطع دابره من الوجود. وهذا ليس منطق ثورة ولا دولة، هذا منطق بربري محض.

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.