لكي يتحول حبيب عبدالرب سروري من روائي جميل، ومن صاحب منجز سردي رائع في اليمن، وربما من بروفيسور ناجح في علوم الحاسوب، إلى (لا شيء مما سبق)، ولكي تتحول روايته الرائعة (طائر الخراب) إلى مجرد خراب سردي فادح، فقط كان عليه أن ينهي هذه الرواية بما هو أقل من تلك البصقة التي أنهى بها روايته: (.........يلزمني بعد ذلك أن أتوجَّه إلى منزلِها، أن أُقبِّلَ باسلَ وإلهامَ الصغيرة، أن أُصافحَ خالد، أن أُعانقَ خالد، أن أتوجَّهَ معهُم نحو جبال ثُلا، أن أشاهدَ عن بُعد القَصرَ الذي وُلِدَتْ فيه إلهام، وأن أبْصُقَ عن قُرْب في وجهِ طائرِ الخراب.......) والتي أنهى بها البطل (نشوان) فصلاً أو جانباً من حكايته وحكاية إلهام وحكاية البلاد مع طائر الخراب، لقد كانت البصقة هي أقل ما يمكن أن يفعله (نشوان) ليعبر عن كبريائه واحترامه لذاته ولوطنه ولحبيبته وعن قرفه من هذا الطائر الشنيع البشع الفظيع، الذي خلف الخراب وراءه وحسب. الطائر الذي دمر حياة (إلهام) ودمر حياة (نشوان) الطائر الذي استحال إلى خراب بحجم الوطن. لكن ماذا لو حدث هذا الأمر فعلاً؟؟ ماذا لو أنها جاءت الرواية بلا بصقة؟؟ أو ماذا لو صادف أن حبيب كان قد أمسك روايته (التي صدرت في عن مؤسسة العفيف 2005م.)00 وأخذ يقلب صفحاتها ال(247) ويفكر جدياً أو يبدأ عملياً في إجراء تعديلات عليها قبل أن يعاد صدورها (صدرت مؤخراً عن دار رياض الريس 2011م.) وجاءتنا الرواية في طبعة أنيقة في ورق أصفر راق جدا وجاء مكتوباً عليها في الغلاف (طبعة منقحة ومزيدة)، ثم وجدنا أن هذه التعديلات جاءت نزولاً عند رغبة المستهلك...أو استجابة للضرورة الشعرية. (وهي أصلاً رواية مش قصيدة). أو أنه اضطر لفعل ذلك استجابةً لضغوط من الدار أو من إحدى صديقاته في الفيس بوك، أو من الحكومة الفرنسية أو (عشان خاطر) شريحة من القراء في دول الخليج، لا يحبذون أي صور أخرى تخالف الصورة النمطية التي لديهم عن الطيور، أو أن البصقة في وجهه ستثير حساسية (طيور الخراب الخليجية)، أو أن أي إضافة من هذا القبيل ستجعل المستهلك الخليجي (وهو طبعاً مستهلك على طول مستهلك وبس) يشتري لكل فرد في عائلته ثلاث روايات من رواية حبيب سروري، وسيحقق حبيب بذلك شهرة واسعة وسيحبه الخليجيون أكثر من (بلاك بيري)، وستسهر الخليجيات على شخصية (نشوان) في الرواية أكثر من (المفسبك الولهان) أو (مذوب البنات في الشات) وسيكون بالنسبة لهن تامر حسني روايته. أقصد عصره. لنفترض أن حبيب قام بذلك، من منا سيحترم نشوان؟؟ بالنسبة لي ولأن نشوان هو شخصية روائية بحتة فلن أفعل إزاءه شيئاَ، لكني سألغي صداقتي بحبيب من الفيس بوك، وسأحذف رقم غيداء من هاتفي فيما لو تكرر اسمه على لسانها، وسألغي حتى صداقتي ببشير زندال الذي يحدثني عنه دوما، وسنشعر أنا وأصدقائي بذمار بالعار لأن رواية مثل (طائر الخراب) دارت بيننا كالخمرة بين الندامى... وسأخجل من صديقتي التي أهديت لها ذات يوم رواية (طائر الخراب).....وسأستعيدها منها وربما أعطيها بدلاً من رواية حبيب (مقطع) لعبده الجندي، أو ميدالية في جهة منها صورة لصالح وأبنائه الثلاثة في عرسهم...وفي الجهة الأخرى صورة له ولأبرز شخصيات (المشترك) مكتوب على كلتا الصورتين (من خلف ما مات). ولي أن أفعل ذلك وأكثر، ولكل قارئ يحترم ذاته ويحترم كاتبه ويحترم إلهام (ضحية طائر الخراب في الرواية) يحترمها كإنسان، ويحترم الحقيقة ويحترم الأدب، ويحترم الحياة، ولكل إنسان أن يفعل ذلك مع حبيب، -فيما عدا الكائنات العجيبة الخليجية التي تم تعديل الرواية وفقاً لأفق التلقي الخاص بها- أقول لهؤلاء جميعاً أن يفعلوا ذلك وأكثر، و(ليش لا؟) ففي حين نقرأ في الرواية في طبعتها الأولى (تلك البصقة الجميلة) ثم في الطبعة الثانية لا نجدها، أو نقرأ في الطبعة الأولى مثل هذا الكلام: (البلدُ الذي تصلهُ في 17 يوليو 2000 كئيبٌ إلى أقصى حدود الكآبة، منهوبٌ حتّى النخاع الشوكي!... لن تجد صعوبةً في رؤيةِ طائر خرابٍ بِحجم اليمَن، يُحلِّقُ في فضائها من أقصى الغيظة في شرق حضرموت، إلى أطراف جبال صنعاء وسواحل تهامة في الغرب. هو في كلِّ مكان، يملأ الفضاء! يرسمُ بعبقريّةٍ لوحةَ الخراب في كلِّ شبرٍ فيها! يُنمِّقُ لوحتَهُ بعنايةٍ وشغفٍ كلَّ يوم. طائرُ خرابٍ نادر، يكرهُ كلَّ جميل، يسحقُ كلَّ جميل. مُهمَّتُهُ العظمى: اقتلاعُ كلِّ مدنيّ، كلِّ رائع، كلِّ حرّ، كلِّ نظيف. ستراهُ بأمِّ عينيك يُحلِّق في كلِّ سماء اليمن، يرسمُ ببراثنهِ الشنيعة: مملكةَ الخراب!...) ثم في الطبعة الجديدة نجد فصلاً جديداً في الرواية، يقوم فيه الناس بثورة ضد (طائر الخراب) ثم تنتهي الرواية لا محاكمة، ولا هروب، ولا نفي، ولا خروج، ولا حتى بصقة.... ستكون الرواية عبارة عن كارثة، كارثة حقيقية، كارثة بحجم طائر الخراب، بحجم الخراب الذي خلفه وراءه..... ستكون كارثة لكنها لن تكون شيئاً فيما لو قارناها بحكاية مماثلة في الواقع أشد وأدهى وأكثر بشاعةً.... إن طائر خراب مثل (صالح) -ولعل في الرواية ما يجعل من السهل على القارئ إسقاط شخصية طائر الخراب في الرواية على شخصية (صالح) إذا لم يكن الكاتب قد رمى إلى ذلك فعلاً- ورواية مثل 33 عاماً من الخراب، يأتي الفصل الأخير فيها (قيام ثورة) ضد (صالح) الذي عاث في البلاد خراباً....ثم تنتهي بحصوله على حصانة، إنها لكارثة حقيقية، بل طامة كبرى، وعار في تاريخ اليمن، واليمنيين، وإنها لمفارقة عجيبة وساخرة ومؤلمة، أن تقوم ثورة ضد طاغية تنتهي بحصول الطاغية (ومن معه) على حصانة بموجب قانون خاص.(أعجبني). وكأن الثورة جاءت لتكرس الصنم لا لتقتلعه، وتحميه لا لتحاكمه، عندها فليذهب البردوني إلى الجحيم وهو يتحدث عن خيبة ثوار 26 سبتمبر(أيّ نفعٍ يجتني الشعب إذا * مات فرعون لتبقى الفرعنة) لأن ثورة 26 سبتمبر إذا كانت أهدافها الستة كلها تسلل، فإن أهداف ثورتنا 2011م. كانت كلها من خلف المرمى (وإذا تحققت منها أهداف حقيقية بالفعل فهي تلك الأهداف التي سجلت في دوري الساحات) ثورة 2011م. التي جاءت لاستكمال أهداف سابقتها لم تسقط لا فرعون ولا الفرعنة، ولهذا فإننا نقتنع في دواخلنا أنها ليست ثورة، ولا يمكن أن نقول عنها أنها ثورة، وفي نفس الوقت لا نجد في وسعنا إلا أن نسميها ثورة، إنها ثورة وإذا لم يعجب ماركس هذا الكلام فليضرب رأسه في أقرب حائط فيسبوكي لأحد الثوار الابتذاليين(كما يسميهم محمود ياسين)، وليمسح اليساريون بمفهوم الثورة والتحولات وقانون الصيرورة مؤخرة التاريخ. أنقذنا إذن يا حبيب سروري أرجوك أيها السارد، هات لنا طبعةً ثالثةً من روايتك/نا، ودع النهاية فيها مفتوحةً(ماذا يخطر في بالك)، كي يتسنى لكلّ منا أن يضع بصقته الخاصة، ونادنا واحداً واحداً: تعالوا يا أبناء الشهداء، تعالي يا جمعة الكرامة، تعالي يا عدن، تعالي يا أبين، تعالي يا تعز، تعالي يا مسيرة الحياة، تعالي يا بشرى المقطري، تعالوا يا دفعة (سنة أولى ثورة) وليصنع كل منكم بصقته الخاصة، تعال يا محمد العلائي العقلاني (كن عقلانياً أيضاً واصنع بصقتك الخاصة)، تعالوا يا كتاب الهجاء والمدح والغزل الثوري (والأغراض التقليدية للكتابة الثورية)، وليبصق كل منكم في أي وجه يراه مناسباً، بالنسبة لي سيكون لي بصقتي الخاصة، لن أبصق على صورة باسندوة، ولا صورة السفير الأميركي، لأن كلاهما لا يعني لي شيئاً، ولا في وجه جيفارا اليساري الموزعة صوره في الساحات(كما لو كان مفقوداً يتم البحث عنه)، ولا في وجه يحيى الراعي، ولا في وجه خطيب الجمعة الذي ظل يتحدث لسنين عن (كلمة حق في وجه سلطان جائر) قبل أن يصبح -فيما بعد- عبدالرزاق الهجري رجل القانون عضو مجلس النواب (ابن قريتي الذي منحته صوتي الانتخابي وصوت أمي) ليتحدث عن لجنة مختصة لدراسة مقترحات المجلس بشأن حصانة صالح، لن أبصق أبداً في وجه هؤلاء، ولن أبصق ولا حتى أشعر برغبةٍ في البصق لا عن قرب ولا عن بعد في وجه طائر الخراب نفسه، بل سأبصق في وجه الطير الجمهوري ذلك الطير التافه الحقير المسلوب المصلوب.