بعد خمسين يوماً من المعارك الحدودية الدامية أعلنت المملكة العربية السعودية انتهاء العمليات العسكرية الكبيرة (فقط) على حدودها الجنوبية مع المتسللين الحوثيين، وكشفت السعودية عن عدد ضحاياها في هذه الحرب. وقال مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، في مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي خلال زيارة تفقدية للقوات المسلحة على الحدود الجنوبية، أن تلك العلميات أسفرت عن مقتل 73 فردا من القوات السعودية وفقد 26 آخرين.
وفيما يعد بعض المراقبين إعلان السعودية لحصيلة الحرب بمثابة إطلاق صفارة النهاية التي يراها البعض نوعا من الاستجابة لضغوطات خارجية على كل أطراف الحرب، ثمة من يذهب إلى أن إعلان السعودية لعدد الضحايا يأتي استجابة لدحض بعض الانتقادات التي تطالها بسبب قيامها بإزاحة المواطنين السعوديين من المناطق الحدودية في الوقت الذي لم تعلن فيه عن مقتل مواطن سعودي بسبب الحوثيين؛ الأمر الذي تنتفي لديه مبررات هذه الإزاحة من مناطق غير حربية ولا علاقة لها بالنزاع الدائر على الحدود (على الأقل من وجهة نظر مناوئيها).
ويرجح مراقبون بأن هذا الإعلان الذي يحمل دلالات مجازية أكثر منها حقيقية يأتي في إطار استيعاب رسالة إيقاظ الخلايا النائمة في تنظيم القاعدة التي وجهتها إليها الحكومة اليمنية، واستشعار المملكة بضرورة التيقظ لخطرلا يقل عن خطورة الحوثيين ويتمثل في القاعدة التي لا تكتفي بالتسلل فحسب وإنما باقتحام الأسوار والوصول إلى العمق.
ومما قد يعزز من تراجع حماس حسم المعركة هو إعلان الحوثيين استعدادهم للانسحاب من الأراضي السعودية مقابل وقف الحرب، كنوع من الاستجابة ل"مهلة 24 ساعة" التي أعطتها السعودية للحوثيين للانسحاب من موقع الجابرية الذي يحتلونه.
وأكد الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام في اتصال مع "وكالة فرانس برس" في دبي استعداد المتمردين للانسحاب من الأراضي السعودية التي يتمركزون فيها على الحدود مع اليمن مقابل ما أسماه ب "وقف العدوان" السعودي عليهم.
وفيما يتفاءل البعض بإيقاف الحرب السادسة من قبل السلطة اليمنية في غضون الأسبوعين المقبلين تمهيداً للحوار الذي تدعو إليه والذي تم تأجيله أيضاً لمدة أسبوعين، تحرص كلا من القوات اليمنية والسعودية على سرعة الحسم العسكري وعدم إبداء الحرج والتضجر من إطالة أمد الحرب؛ بينما يحاول الحوثيون الظهور كطرف متماسك وقد يكون على خلاف الواقع الميداني، لكنهم استطاعوا إثبات قدرتهم على ممارسة القتل الانتقامي حتى في قلب العاصمة صنعاء، كما حدث سابقاً في قتل أحد الجنود الجرحى داخل أروقة المستشفى العسكري، وكما حصل مؤخرا ً(الثلاثاء الماضي) من مهاجمة عدد من أتباع الحوثي لمنزل الشيخ حيدر بن جابر بحبح في منطقة الجراف بأمانة العاصمة وأطلقوا وابلا من الرصاص باتجاه أحد غرف المنزل التي كان يتواجد فيها أثناء ذلك وسقط قتيلا.
والأخطر أن هذا الانتقام الحوثي جاء في نفس اليوم الذي عاد فيه الشيخ بحبح من جبهات القتال في حرف سفيان باعتباره أحد مشائخها وكان يساند الجيش وبمثابة القائد للجماعة القبلية التي تقاتل مع الجيش منذ بداية الحرب السادسة الأخيرة .
إيران ..مشكلة أم حل؟ نجح رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني نهاية الأسبوع المنصرم في إحراج السلطة اليمنية حين أكد أن بلاده ترتبط بعلاقات ودية مع اليمن وهناك زيارات متبادلة بين البلدين، ولجأ لاريجاني في المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء الماضي بالقاهرة إلى دغدغة مشاعر الرئيس علي عبدالله صالح والعودة به إلى مرحلة الذكريات الودية حين أشاد بموقفه من العدوان الاسرائيلي على لبنان وغزة، مضيفاً بقوله "ولذلك نحن لا يمكن أن نتدخل في شؤون الحوثيين وليس هناك أي دليل يؤكد على تدخلنا".
وبالرغم من هذه المغازلة الإيرانية غير البريئة لليمن إلا أن السلطة اليمنية لا ترى مبرراً للرد على هذا الموقف الإيراني، ففي تصريحات لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية -نشرته الاثنين الماضي- أشار مصدر يمني مسؤول (لم يذكر اسمه) إلى أن القيادة اليمنية "تدرس الرد على إيران ومواقفها، رغم أنها تجد أن ما يصدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين لا يستحق الرد في ظل المواقف البينة لها والتي صنفتها على أنها تأتي لدرء الاتهامات التي وجهت إليها بدعم الحوثيين".
وتتهم صنعاءطهران بتقديم الدعم المالي والإعلامي والعسكري للحوثيين المتمردين في شمال اليمن بصعدة، ورغم أن الاتهام لم يوجه رسميا إلى الحكومة الإيرانية إلا أن عددا من المسؤولين اليمنيين اتهموا إيران صراحة بتقديم ذلك الدعم، في حين قال البعض إن مرجعيات إيرانية تقدمه عبر الحوزات العلمية.
وفي حين تنفي طهران تلك الاتهامات فإنها تتخذ بحسب مراقبين يمنيين مواقف وخطوات تؤكد تعاطفها المطلق مع الحوثيين، وهو الأمر الذي أدى إلى تأزم علاقات البلدين وتحديدا بعيد اندلاع البروفة السادسة من الحرب مع الحوثيين في أغسطس الماضي والمستمرة حتى اللحظة.
ولم يجذب القتال بين الجيش اليمني والمتمردين الحوثيين في صعدة انتباه العالم كثيرا إلا بعد دخول السعودية في هذه الحرب كقوة خارجية مناوئة للقوة الإيرانية. وفيما تتلكأ اليمن في تقديم ما بحوزتها من أدلة تدين الدعم الإيراني للحوثيين، لكن حتى ولو لم تصح تلك الأدلة فثمة من يرى أن إيران مستفيدة مما يجري في صعدة.
يقول المحلل السياسي سعيد ثابت سعيد ''إيران ستحاول الاستفادة من المواجهة بين القوات السعودية والحوثيين في تحقيق طموحاتها في الوصول إلى موطئ قدم على البحر الأحمر.
ويقول إن لإيران مآرب استراتيجية أخرى من دعم المجموعة الشيعية المسلحة وهى السيطرة على مناطق على أبواب السعودية. ويؤكد سعيد أن ''موقف مثل هذا سيساعد إيران في أن يعاملها الغرب كجزء من حل مشاكل المنطقة''.
وعلى الرغم من أن الصراع الآن له ملامح أزمة إقليمية محتملة فان بعض الدبلوماسيين الأجانب يعتقدون أنه أكثر تهديدا للحكومة اليمنية نفسها. وقال دبلوماسي غربي طالبا عدم إماطة اللثام عن هويته '' لقد أثبت الحوثيون أنهم يشكلون التهديد الأكبر للحكومة اليمنية".
بيد أن عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن يعتقد أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كان سعيدا وهو يرى القوات السعودية تضرب المتمردين. وقال عطوان في مقاله بالصحيفة '' من المؤكد أن الرئيس صالح مرتاح جدا الآن لأن السعودية اضطلعت بمسؤولية التعامل مع تمرد الحوثيين''.
وأضاف عطوان '' لا نعرف ما إذا كان الرئيس اليمني الذي ذاع دهاؤه على مدى ال 30 عاما التي قضاها في الحكم قد خطط فعلا لتصدير هذه الأزمة إلى الجارة السعودية''. وقال عطوان: إذا لم تكن هذه هي الحقيقة، إذن. فإن الحوثيين يسدون 'معروفا كبيرا' ل"صالح" باستفزاز السعودية ودفعها للتورط في الحرب. وأضاف قائلا لقد ساعد المتمردون الرئيس اليمني في '' الهروب من المحنة التي شكلت أخطر تهديد لنظامه''.
وحسب تقرير نشر الفترة الأخيرة بمجلة (جين) البريطانية المتخصصة بالقضايا العسكرية, فإن الرياض ليس أمامها من خيار وهي تواجه متمردين متخصصين بحرب العصابات ومتمرسين على القتال بشكل جيد, سوى "زيادة الدعم وتعزيز الدعم العسكري الذي تقدمه للحكومة في صنعاء".
ولا يبدو, حسب هذه المجلة, أن بإمكان الجيش اليمني الذي ينخره الفساد والرشوة أن يقاتل على ثلاث جبهات ضد تمرد الشمال وتحريض الانفصاليين بالجنوب, إضافة إلى عناصر القاعدة. كما يفتقر هذا الجيش إلى الانضباط ويتوجس من أفراده المنحدرين من الجنوب, وهذا ربما هو السبب الذي جعله يفضل استخدام الطيران والقبائل المسلحة في مواجهته مع الحوثيين.
القاعدة واستدعاء الخارج. بينما يستغرب البعض من فجائية تفاقم الأزمة بين السلطة وتنظيم القاعدة وصولاً إلى مرحلة تلقين الدروس القاسية، لا يستبعد الكثير الضغوطات الخارجية التي ساهمت في الدفع بهذا التحول البيني في ظل حاجة السلطة الماسة إلى أقل القليل من الهدوء في أجواء الأزمات العاصفة التي تعيشها البلد.
وفيما يذهب البعض إلى أن السلطة تستهدف بضربها القاعدة خلق مبررات كافية لتأجيل أو الهروب من "خليجي عشرين" بشكل يحفظ لها ماء الوجه، يؤكد مراقبون أن السلطة عمدت من وراء فتح جبهة قاعدية إلى وصم الحراك الجنوبي بالقاعدة كمقدمه لتوجيه ضربة قادمة لمكونات الحراك، كما ابتغت السلطة بهذه المعركة الجديدة الهروب من فخ صعدة والإيثار به للجارة الكبرى لتتفرغ هي لمجابهة الخطر الآمن (القاعدة) وفق قاعدة " تقعيد الحراك وتحريك القاعدة" أي تقعيد الحراك بالإرهاب، وتحريك القاعدة لاستجلاب المزيد من الدعم الخارجي، وكذا الانتقام من بعض هذه الدول بمحاولة ربط قوة القاعدة بقوة الحوثية التي رفضت الولاياتالمتحدةالأمريكية إضافتها إلى "سفر الإرهاب العظيم"؛ وكأن السلطة تريد أن تقول : إذا كانت الحوثية مجرد شعرة بيد أمريكا فإن القاعدة حبل متين في قبضة السلطة.
وإلا ماذا يعني الظهور العلني النادر لعدد من تنظيم القاعدة في مظاهرة مناهضة للحكومة الاثنين الماضي والذي أكدوا فيه أن حرب "الجماعة" مع الولاياتالمتحدة وليس مع الجيش اليمني.
ولا يقتصر خطر القاعدة على أمريكا والغرب، ولعل السعودية بإعلانها انتهاء العمليات العسكرية الكبرى على حدودها قد أدركت حجم الخطر القادم من لدن تنظيم القاعدة الذي قد يسعى مستفيداً من انشغال الحكومة اليمنية بالحرب -(على أو مع) الحوثيين في الشمال وتزايد المشاعر الانفصالية في الجنوب- لتوسيع عملياته لتشمل المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم، ولهذا لم يكن أمامها اليوم سوى خيار السرعة سواء في الحسم أو الإيقاف.
صحيفة (لو فيغارو) الفرنسية اعتبرت تحول اليمن إلى "بلد فاشل" وقاعدة خلفية لتنظيم القاعدة بأنه شبح بدأ يخيم على العواصم العربية والغربية على حد سواء, ولم تعد السعودية وحدها التي تخشى من انهيار هذا البلد الذي يواجه ثلاث جبهات مختلفة حسب تقرير الصحيفة الفرنسية.
ويخشى مراقبون من تحول تنظيم القاعدة إلى ما أسموه ب"حالة جماهيرية" بسبب عدد الضحايا من النساء والأطفال والمدنيين الذين قتلوا في الغارات الأخيرة، علاوة على ظهور دور أميركي مباشر في العملية، ما قد يجعل القاعدة تلتحم بالجماهير في حالتي العداء لأميركا والانتقام للضحايا.
ويفسر البعض تواجد القاعدة في المناطق القبلية والجبلية في اليمن بأنه يأتي في إطار بحثها عن منطقة جغرافية حصينة تأوي إليها وتقوى فيها حتى يصعب كسرها، لا سيما وأن مؤشرات نموها تتزامن مع مؤشرات ارتخاء قبضة السلطة المركزية وتشابك العلاقات والمصالح الإقليمية والدولية مع الشأن اليمني.
إضرب القاعدة يفهم الخارج في الوقت الذي تبدو فيه السلطة ضليعة في معرفة أماكن تواجد قيادات وأعضاء القاعدة وزمن انعقاد اجتماعاتهم،مما ساعدها في توجيه ضربات موجعة وقاصمة"كما تسميها" جاء رد الفعل الأولي للقاعدة كتهديدات علنية باتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية وليس أجهزة السلطة التي تحاول الظهور بمظهر المتحفز لردود فعل القاعدة بإعلانها حالة الاستنفار العام في أوساط الجيش ، وكذلك إرسال الوفود إلى دول خارجية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي زارها وزير الخارجية القربي الأربعاء الماضي، وسلم خلالها رسالة من الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ومن المقرر ان يقوم الدكتور أبو بكر القربي وزير الخارجية بزيارة رسمية ثانية إلى واشنطن يوم 20 يناير القادم تستغرق بضعة أيام.
أما العميد يحيى محمد عبد الله صالح، رئيس أركان قوات الأمن المركزي اليمني فقد اعترف بأن المشكلة في اليمن تكمن في المتعاطفين (دون أن يسميهم) مع تنظيم القاعدة, وأن القاعدة تتخذ من الوجود الأمريكي في العراق ذريعة، وأن الخطاب الديني للقاعدة بأنها تستهدف الصهيونية في فلسطين ذريعة من أجل الحصول على هذا التعاطف.
وأكد العميد صالح في مقابلة مع ال" BBC العربية " أن القاعدة تحتاج إلى مواجهة على جبهات عدة: أولا يجب أن يتم التخلص من الأعذار التي تستخدمها القاعدة، ثم المواجهة على الصعيد الاقتصادي ثم الفكري وما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، وأخيرا المواجهة العسكرية ضد تنظيم القاعدة.. مما يعني أن مواجهة السلطة للقاعدة لم تكن ذات أولوية لديها.
وقال العميد " إن مساحة اليمن كبيرة جدا والمعلومات حول تنظيم القاعدة محدودة والقاعدة في حالة تنقل مستمر لذلك تحتاج الدولة إلى دعم أكبر لقواتها التي تواجه القاعدة إلى جانب تزويدها بالمعلومات". وأضاف أن "المشكلة تكمن في المعلومات الاستخباراتية"، في إشارة إلى قبول التعاون الاستخباراتي الذي قد يعني أيضاً القبول بالتواجد الخارجي في اليمن.