لواء وخبير استراتيجي مصري : ال 48 ساعة القادمة قد تكون حاسمة في حرب غزة    حرب غزة.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    رابطة أمهات المختطفين تدين قرارات الإعدام الجماعية التي أصدرتها محكمة حوثية بحق 44 مختطفا    إب تحت رحمة الحوثيين: جبايات متزايدة ومعاناة مستمرة!    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    شرح كيف يتم افشال المخطط    ناغلسمان يعلن مشاركة نوير في ودية اوكرانيا    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    "الغرف المخفية" تُفضح فساد الحوثيين وتُجبرهم على بيع "ذهبهم" بأبخس الأثمان!    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    أولى جلسة محاكمة قاتل ومغتصب الطفلة ''شمس'' بعدن    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    ضربات هي الإعنف على الإطلاق.. صحيفة تكشف عن تغير أسلوب ''التحالف'' في التعامل مع الحوثيين    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقدام مافيا التهريب على شاطئ المخاء (تحقيق)
نشر في المصدر يوم 18 - 02 - 2013

في المخاء لم يعد التاريخ سوى مسخ.. لقد استبدلت روائح البن العطرية وأريج التاريخ بعفن التهريب، لقد كانت كمدينة وميناء قديم مشهورة، ذكرتها النقوش الحميرية باسم (مخن)، فيها جرت معركة مشهورة تاريخيا بين الملك ذو نواس وجيش الأحباش كما دار صراع فيها بين البرتغال والعثمانيين، وأصبحت اليوم عشاً مهجوراً لمجموعة الدبابير.

جئت المخاء وروحي تسبقني إليها ربما حكايات أجدادي التي يتداولونها عن جدهم الأول الذي عمل مصدرا للبن عبر منفذ المخاء إلى خارج اليمن كان له أثر في اللوعة العاصفة لزيارة هذا المرفأ المشهور عالميا منذ القدم بتصدير البن حتى أن الأجانب اسموا القهوة باسم المخاء (موكا). في هذا التحقيق المطول الذي ينشره «المصدر أونلاين» الحلقة الأولى منه، نحاول البحث في عمليات التهريب في منطقة المخاء الواقعة أقصى جنوب غرب اليمن.

في مواجهة جديدة، أو ثالثة، قد تكون هي الأعنف مع قوى الظلام، من المهربين والمتعاونين معهم من قيادات أمنية وعسكرية ومدنية ومؤسسات حكومية، يظهر عبد الواحد على العمراني، رابط الجأش لم تهزه التهديدات الساخنة، أو الإغراءات الناعمة بالمال، وهذه المرة حاولت شكواه المرفوعة إلى المحافظ شوقي هايل أن تحكي بعض أرقامها قصة ضياع مخزون وطني هائل من الأموال التي تتكبدها خزينة الدولة والتي تبلغ سنويا قرابة «18 مليار ريال».

الوضع بائس في مجتمع المخاء ومعظم قرى المنطقة بدون كهرباء وبدون ماء ووحدها بيوت المهربين «مسرّجة»
سر عودة الحماس لإثارتها يعود الى نجاح ثورة التغيير وتسلم الرئيس هادي مقاليد الحكم ما أعطى العمراني ومجموعة من الوطنيين حافزاً لوضع حد لمافيا التهريب وتصحيح وضع الساحل الغربي وخشيته فقط أن تصل الثورة إلى مقبرة التهريب كما وصلت إلى مقبرة الشهداء، كما يقول. لقد كانت شكوى العمراني مفتتحا لبحثنا في هذا التحقيق في طبوغرافيا المكان والإنسان لمعرفة أسرار استكانة الناس في المكان وسكوتهم عن التهريب وعصابات المافيا التي تقف وراءه كقراءة أولية للدخول في قراءة شاملة عن التهريب والمهربين في تحقيقات قادمة، دخلت المخا وبعض المرافئ الساحلية الأخرى في الظاهر ككاتب استطلاعات زمكانية (تاريخية سياحية) كي أتمكن من التحرك بعيداً عن العيون المتربصة وانجز تحقيقاً عن التهريب.

منطقة التهريب
ربما السواحل اليمنية كلها غارقة في عمليات التهريب المختلفة، ومع ذلك يختلف التهريب فيها عن التهريب الأشد كثافة وخطورة في المنطقة الواقعة على الساحل الغربي ما بين المخاء وباب المندب بالإضافة إلى موانئ الخوخة و»يختل» والسبب إطلالة هذا الساحل على القرن الأفريقي (الصومال وجيبوتي واريتريا)، هذا إلى جانب امتياز مدينة جيبوتي بمينائها الحر الذي لا يجري فيه تفتيش المنتجات التي تحملها السفن إلا في حال إبلاغ الدولة الجيبوتية بوجود أسلحة، ولذا يسهل تمرير بضاعات ممنوعة هناك دون عناء وسوق اليمن أخصب الأسواق، كما أن نظام الفوضى الذي تعيشه الصومال وموانئها المفتوحة، يتيح للمهربين اليمنيين التعاقد مع عدد من الصوماليين لإيصال بضائعهم المهربة حتى ميناء المخاء والمراسي المجاورة، والموانئ الساحلية الأخرى، بالاضافة الى تعاون جهات رسمية في اريتيريا للمهربين للعبور بمهرباتهم، هذا إلى جانب أن معظم المخدرات يأتي بها المهربون من السودان المتصلة بدول القرن الأفريقي هذه بعض الأسباب القوية لاختيار هذا الساحل لتنفيذ عمليات التهريب، الموقع الاستراتيجي للساحل أدى إلى استفحال التهريب فيه واستفحال المهربين الذين جاوز ثراؤهم حدود اللامعقول.

ادخل المخاء بصفتك صياداً، فالمهربون يمارسون رقابة شديدة على الزائرين، وينظرون إلى الصحفي كعدو
كن مخبراً
عندما فكرت بالذهاب إلى مركز أو وكر التهريب (المخاء وعموم الساحل) لمعرفة بعض الحقائق لم أكن أتصور وجود عوائق، لكن يبدو أن لا مجال للتصرفات العفوية في هذا المكان الساحلي، هناك حذر من عواقب وجود كاميرا مثلا، أو كل ما يشي بوجود صحفي، قال لي أحد الأصدقاء اذهب بصفتك صياداً، أو زائراً لصديق: لا تحتاج لكاميرا لأن أمرك سرعان ما سينكشف، فرقابة المهربين شديدة، ومخابراتهم أقوى من مخابرات الدولة، ستشعر هناك بأن الجميع موظفون لدى مافيا التهريب، وللحصول على المعلومة عليك أن تكون مخبراً لا صحفياً «لقد صار الصحفي بالنسبة لهم عدواً خاصة بعد أن نشرت إحدى الصحف في وقت سابق أسماء من أدلوا لها بمعلومات عن تهريب الديزل فلاقوا أشد المهانة والتعذيب والقهر على يد المهربين».

مهما حاولت فإنك لن تشعر في هذا الساحل بوجود شيء مخل بالنظام أو القانون لأنه ليس ثمة من قد يشعرك من السكان بذلك، الحياة تسير بتلقائية، الكل يتعامل مع الغريب بحذر وحيطة، لا أحد يكلمه إلا فيما ندر شريطة أن لا يكون له دخل بالبحث عن معلومات تتعلق بالتهريب، فالتهريب حسب من تلقاهم هناك ليس له من وجود البتة- لهذا لسبب لن يشعر القادم الى هناك بتاتا بوجود شيء يحدث إلا إن أتى وعنده معلومات سالفة، والسبب صمت الأهالي المطبق عن مثل هكذا أعمال أضف إلى أن حركة التهريب، كانت في السابق - تعتمد بدء حركتها في زمن ما بعد منتصف الليل، وقد تجاوز المهربون نظامهم هذا، فبعد الانفلات الأمني الذي شهدته فترة الثورة الشبابية والفوضى التي تسبب بها الانقسام الأمني والعسكري منحت العصابات لنفسها فرصة للعمل ليلاً ونهاراً.

هناك حركة نشطة والمراسي البديلة عطلت الميناء المركزي بالمخاء وهي مراسي مهملة ولا تصل إليها الدوريات الأمنية
وطن الظلمة
السكان في هذه المنطقة يجبرهم الفقر على التعاطي مع هذه المشكلة بتساهل شديد لدرجة ان تهريب الممنوعات بات عندهم امراً طبيعيا، وكل ما يهمهم هو الحصول على عمل لدى زعماء عصابات التهريب كي يقتاتون منه، والذين يشغلون الجميع لديهم كعبيد بأدنى الأجور.

تجرأ أحد الشباب ذات يوم وقام بالابلاغ عن عمليات تهريب ليفاجأ بسجنه من قبل قوات عسكرية تتمركز في ذات المنطقة، يقول: «المصيبة أن من قام بسجني هم قيادات عسكرية، وليس عصابات التهريب».

الخوف والهلع والشك هنا هو سيد الموقف، الكل ينظر إليك بريبة، الكل يعتقدك مخبراً تعمل ضد مافيا التهريب، عامل الشك والخوف من التصنت يدفع للشك حتى بالمتسولين فأحد المتسولين لا يدري أثناء مد يده لماذا ربط وأدخل في شوال ليرمى به في أحد السواحل، لذا كان الكل يجتهد ليبلغ عنك قيادات المافيا، لأن الكل يخافونك ويعتبرونك بذات الوقت مصدراً جديدا للكسب والحصول على لقمة عيش، هم يتقاضون مبالغ مالية تسديها المافيا جراء البلاغات عن كل حركة أو وجه جديد يدخل المنطقة، فبقدر ما يعطي المواطن من معلومات يعطى مالاً، لم يعد الخوف وحده من يدفع للصمت أو إنكار السكان ورفضهم الإجابة عن سؤال: ماذا تعرف عن عمليات التهريب في هذه الموانئ؟ إذ التهريب صار مصدرا أكثر من ملائم للحصول على المال، جراء العمل المستمر لدى عصابات التهريب، من خلال إنزال الحمولات أو رفعها من وإلى السفن والقوارب، أو مساعدة المهربين داخل البحر وأشياء أخرى، ومن يحاول المساس بالمهرب كأنما يحاول المساس بأمن حياتهم الغذائي وشريانهم الحياتي، لهذا ينكرون، بل ويدافعون عن شرف المهربين، لأنك في نظرهم ليس أكثر من قاطع أرزاق حتى الأطفال يعملون في التحريات وجمع المعلومات ويموهون، ولا يتحدثون بالحقائق بل يجيدون المغالطات وبذكاء كما حدث مع طفل الجديد الفار من أمام عدسة كاميرا التصوير.

يلتزم السكان المحليون الصمت ويبحثون لأولادهم عن عمل عند زعماء عصابات التهريب
امتهان بشري
قد يتساءل أي منا عن أسرار أخرى للكتمان غير سبب الحصول على المال؟ ليجد أن أهم الأسباب صنعتها مجموعة من الأحداث التي قامت بها عصابات التهريب والتي كانت سببا في صناعة نفسيات السكان وإعادة تشكيل السلوكيات الاجتماعية لتصبح غير سوية، فالعصابات اعتمدت على قهر الأشخاص المناوئين، وبمساندة قيادات عسكرية وأمنية، ومشائخ وشخصيات اجتماعية مستفيدة، حتى وصل الأمر بالمواطن درجة التسليم بقدر عصابات التهريب كواقع قوي لا يمكن تجاوزه أو المساس به، فالمواطن يعلم مسبقا أنه قد يدفع حياته جراء أي تصريح ولو بسيط عن التهريب لذا يفضلون الصمت لدرجة الشعور، بأن لا قيمة للحياة هنا، فالكل - ماعدا المهربين - في حكم الميت، لأنهم فعلياً يعيشون لحظات موت محققة، فأهم أساليب القهر الأساسية للمهربين، اتباع أسلوب القتل بدم بارد، أو السجن، أو إثارة المشاكل حول الخصوم وإلصاق التهم، ولضرب أمثلة على ذلك نحتاج لمؤلفات لنشر قصص أليمة ليس أقلها وأهمها إسقاط عقوبات القتل في حق كل من يشكل خطرا، أو تتوهم العصابات خطره سواء كان من المواطنين أو من رجال الأمن الشرفاء وتعتمد العصابات على تنفيذ أعمالها الإجرامية على أكثر من أسلوب، من ذلك القتل المتعمد أو الحوادث المرورية المدبرة ولهذه الأساليب أكثر من قصة يستحضرها بعض أبناء الساحل من الشباب إذا ما تأكدت ثقته بك - رغم أنهم لا يعطون معلومات للغرباء عدا فيما بينهم - أو اعتمدت مع البعض الآخر أسلوب خداعي يعتمد على التقية والإيهام، وإبداء تعاطفك الكبير مع قضايا المهربين وهذا يقربك من البعض الذي يبدأ إيراد قصص يعدها بطولية لأشاوس المهربين ضد أعدائهم وقد يرويها بعض ممن قاموا بتنفيذ أو مساندة بعض العمليات، يحكي (ع. س) أن أحد المشايخ المساندين للتهريب وجه مجموعة بقتل عنصر أمني في منزله ليتخلص من شره الذي يتوقع، قائلاً «اعملوا أجر لله، اقتلوا فلان لأنه يشغلنا» المجموعة نفذت العملية، ولكن عمليتها لم تؤد إلى مقتله، أصابته فقط، لذا دفع لهم من مائة ألف معاتباً: «أخطأتوا الهدف»، وكلف مجموعة ثانية للإجهاز عليه في أحد المستشفيات، فنجحت العملية وأعطاهم مبالغ أكبر، هذا الشيخ شخصية مرموقة في الدولة وسبق وتناولت له الصحف عدداَ من القصص الوحشية، المشايخ في تلك المنطقة يعملون لصالح المهربين حفاظاً على لقمة عيشهم أيضاً كالمواطنين تماماً، مع التفريق بين كيفية حفاظ المواطن على لقمة عيشه وكيفية محافظة الشيخ عليها كل بحسب مقامه وقدراته.

الكل ينظر إلى الوافدين بريبة لدرجة أن أحد المتسولين ألقوه في «شواله» ثم ربطوها وقذفوه إلى الساحل
قصة شاب آخر جاءوا به مقتولاً و رموه في الساحل ورشوا جسده بماء النار (الأسيت) لتشويه ملامحه، ومن ثم دفنوه، الجندي الشريف أيضاً ليس بمنأى عن الاستهداف فحوالي 17جندياً من قوات البحرية قتلوا في السواحل القريبة من المخاء، وكذلك ما بين العشرة والعشرين قتلوا في ذباب دون أن يحدد من القاتل، وقصص أخرى يشيب لها الولدان حتى صار طبيعياً أن يرى السكان القتلى ولا يسالون بأي ذنب قتلوا؟ أما الحوادث المرورية فحدث ولا حرج، فحسب البعض، أن أكثر من 16حادثة مرورية في منطقة الكدحة فقط، وأكثر من عشرة ماتوا خلال شهري شعبان ورمضان فقط فكيف بقية أشهر العام؟ أساليب القتل تضاف لأساليب التعذيب الوحشية المختلفة، هذه أمثلة بسيطة للبرهان فقط، وأما عن أساليب التعذيب وإثارة المشاكل حول الأشخاص فهناك أمثلة ونماذج كثيرة لا تعد، منها أن أحد المواطنين كان يعمل مندوباً للعمال قام بطلب زيادة رواتب لهم، فقام المهربين بفتح مشكلة له، وسخروا له شخصاً غير قريب ولا وارث أدعى بالمحكمة وراثة غنم من جده المتوفى من أكثر من خمس سنين وبأموال المهربين، حصل الوريث المزور على حكم وراثة ابتدائي من محكمة موزع، هذا أنموذج لإثارة المشاكل وإشغال من يحاول المساس بهم، حتى وصل بهم الأمر حد استخدام السحر، أو محاولات شراء الذمة، ومن ذلك إيقاف موظفين عن وظائفهم ليتحولوا إلى مجرد عمال عاديين، كإلغاء وظيفة شخص يدعى «أبو رامز»، ومحاربة البعض في أرزاقهم، كما عملوا على إلغاء مكافآت عدد من موظفي الدولة، كانوا يتقاضونها مقابل تقديم خدماتهم عن طريق عدد من أياديهم النافذة في الجهاز المدني أو العسكري، ومن يقومون بمهام الدولة هناك فهم في واد آخر لا علاقة لهم بالمهام التي هم مكلفون بها، فمصالحهم مقدمة على كل شيء، لذا فهم أول من يتعاون مع المهربين بحسب أبو سهيل، ويضيف «الدولة لا تستحق أن نلجأ إليها، لأنها أول من يقف ضدنا، وأول من يجلدنا ويهيننا ويسجننا إرضاء للمجرم».

يخافون الله
ذات يوم تجرأ شاب وأبلغ عن شحنة مهربة فزج به القائد العسكري إلى السجن جزاء ذلك
المهرب كإنسان وعبد لله فهو إلى جانب التهريب يخاف الله كثيرا، وهذا ما لحظناه خلال الزيارة، فكبير حيتان البحر الحاج (ز.خ) مثلا يحج سنوياً ولا يشرب الخمر رغم أنه أعظم موردي الخمر على الإطلاق، بل وكبير مهربي أنواع البضائع والمخدرات، أما المهرب (ع ح م) فقد دفعته تقواه لينفرد بتسمية زورق التهريب الخاصة به باسم «ما شاء الله «ليقيها شر حاسد إذا حسد، بل لقد وصل به ورعه لتذكير الناس بأهمية الصلاة على رسول الله، إذ ستجد ذلك مجسداً بالقرب من جانبي الباب الشرقي لحوشه الخاص بحفظ أنواع البضائع المهربة، فقد كتب وكرر جملة «صلوا على النبي «، أما أعلى الباب الشمالي للمنزل الذي يقع داخل الحوش فقد سجل «يا داخل الدار صلى على المختار «، أما ما شد إعجابي أكثر زاهد من المهربين يدعى (ع ط) يعمل في مصنع بالخارج للخمور فقد بنى في قريته الكدحة مسجدين متجاورين لا يفصلهما سوى مترين لم أدر سبب ذلك.. وأنعم بتقوى المهربين، فهم أيضا يجسدون تقواهم في واقع الناس أيضا، إذ أن معظم منطقة «واحجة» جنوب المخاء الكبيرة والمبعثرة قراها هنا وهناك ذات المساحات والأراضي الشاسعة ويدخل فيها الكدحة أيضا، لا توجد فيها كهرباء إلا في بيوت رموز التهريب الذين يستخدمون المولدات فيما تعيش كامل قرى منطقة واحجة ظلاما دامسا، فيما المخاء بكهربائها العمومية التي تغذي الجمهورية اليمنية كاملة، لا تبتعد عن واحجة سوى سبعة كيلو مترات تقريباً، وقد تم إيصال الكهرباء لمناطق خارج المخاء ابعد بكثير من واحجة كمنطقتي يختل -20 كم- شمال المخاء، والظرافي والثوباني - 25 كم - سر زهد كبار المهربين - والى جانبهم أعضاء المجلس المحلي العاملين في التهريب أيضا- عن توفير الكهرباء للمنطقة يكمن في رغبتهم بعزل المنطقة وصرف الأنظار عنها حتى لا تكون جاذبة للسكان ويزحف العمران إليها وتصبح حية فتفضح تهريباتهم، هم يريدون العمل بهدوء تام، وعند انتظاري للشباب الذين أمدوني بمعلومات بقيت داخل إحدى عشش وادي واحجة الفسيح ما يقارب ساعة ونصف تحت جنح الظلام حتى يكتمل حضور الشباب ومن ثم جرى توصيل مصباح كهربائي ببطارية دراجة نارية وهذا هو حال الجميع في واحجة، أما مشروع ماء واحجة فهو مجرد هيكل إسمنتي لا يوجد فيه شربة ماء والحاصل أن كل مواطن يحصل على 200 لتر ماء من الوايتات بسعر يصل من (500 - 1000 ريال).

مرافئ جديدة للتهريب
يشغِّلون الناس لديهم كعبيد وتبدأ حركة المهربين تدب بعد منتصف الليل
ميناء المخاء كميناء هام وشهير، وواجهة بلد ومزار سياحي لتاريخيته، لجأ بعض المهربين في فترات ليست ببعيدة لاستبداله بموانئ مستحدثة هي عبارة عن قرى ساحلية كالكدحة وواحجة خارج المخاء أو «الجديد» في ذباب، لتتكشف خطورة المهربين في الاستبدال لأجل التغطية وعدم لفت الأنظار، حيث جرى إيقاف إدخال بضائعهم رسميا من المخاء، لتحل محلها الموانئ المذكورة التي لا تبتعد عن المخاء سوى مسافة لا تزيد عن 7-12 كم جنوبا، وإلى جانب هذه الموانئ يجري التهريب عبر موانئ «الخوخة» و«يختل» شمال المخاء و«ذباب» و«باب المندب» جنوبا، لكن أخطر هذه المراسي البديلة مراسي «واحجة» كمرسى «عينة» ومرسى «التانكي» ومرسى «الرباح» وكذلك مراسي ذباب كمرسى الجديد وذباب ورأس عيسى، ليجرى توزيع مهام رئيسية لكل مرسى تتمثل في تخصصات في نوع أو أنواع من مواد التهريب، فيتركز تهريب الديزل والسموم والسلاح والمخدرات والمواد الكيماوية، في مراسي «واحجة» إلى جانب أنواع المهربات وفي مراسي ذباب يتركز تهريب البشر والديزل وأنواع البضائع المهربة.

المراسي البديلة للمخاء والتي أدت إلى تعطيله، رغم حراكها التجاري المستمر، إلا أنها تقع تحت خط الإهمال المتعمد من الدولة وكأن ثمة خطة متعمدة لجعلها بعيدة عن الأنظار، ليتمكن زعماء التهريب لممارسة أعمالهم بكل أريحية دونما أدنى رقابة، فكما يفيد الأهالي، بأن لا أحد يسأل عنها من جهات الدولة المسئولة، لا خفر سواحل ولا أمن ولا قوات بحرية، الخ فالدوريات الأمنية أو العسكرية لا تصل إلى هناك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.