لازالت أغلب السفارات اليمنية، في أهم عواصم العالم، بما فيها معظم سفارات الدول الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، بدون سفراء، ومضى على بعضها أكثر من عام، على انتهاء فترة عمل السفراء فيها. وتحاط التعيينات الجديدة للسفراء بالكثير من الاشكاليات المتعلقة باستعادة التوازن في تمثيل السفراء، لتكون شاملة لسفراء يمثلون شركاء الحكم الانتقالي الذين يتقاسمون الحكومة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الموقعة في الرياض في نوفمبر 2011.
وإضافة لذلك، تشهد وزارة الخارجية اليمنية احتجاجات مستمرة للكادر الدبلوماسي، بمختلف مستوياته، والذي يطالب بإنفاذ القانون وتطبيق المعايير الدبلوماسية في اختيار السفراء والطاقم الدبلوماسي، ويطالبون بانتهاء المحاباة في هذا الجانب.
وصرح وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي، لموقع صحيفة سبتمبر الحكومية التابعة لوزارة الدفاع قبل يومين أن الوزارة بصدد ترشيح 29 سفيرا لليمن في الخارج الشهر المقبل.
وقال القربي «إن السفراء الجُدد سيرشحون في السفارات اليمنية الشاغرة»، مضيفاً أن الترشيحات ستخضع للمعايير الدبلوماسية ولن تخضع للمحاصصة السياسية أو التقاسم الحزبي.
ليس جديداً تصريح القربي، ووزارته، ففي نهاية فبراير الماضي، كان الوزير يصرح في مؤتمر صحفي أن الشهر القادم (مارس الماضي) سيشهد ترشيحات السفراء، وفقاً للمعايير الدبلوماسية، وسيكون الاختيار من وزارة الخارجية التي يتواجد فيه كل الأطراف، ومن كل الأحزاب السياسية، «وإذا كان هناك تقاسم فسيكون في هذا الإطار».
ذات التصريح أكده مصدر في الخارجية في العاشر من مارس الماضي، الذي أكد أن الترشيحات ستتم قبل تدشين مؤتمر الحوار الوطني (في 18 مارس الجاري)، ووفقاً لمعايير وشروط شغل وظائف السلك الدبلوماسي وبما يراعي التوافق السياسي الحاصل في اليمن.
دشن مؤتمر الحوار، دون أن تنضج ترشيحات الخارجية، ولكن موعداً جديداً ضُرب في تصريح القربي، ولعلّه يكون قابلاً للنضوج.. «الشهر القادم»، يبدو أنه ليس مقدراً له أن يكون الحالي أو الذي يليه، ربما، سوى في تلك التصريحات.
وبحسب موقع وزارة الخارجية اليمنية، فإن لدى اليمن 48 ممثلية في الخارج، بينها أربع قنصليات في دبي، ومومباي، وفرانكفورت، وجدة، وثلاثة وفود دائمة، في الجامعة العربية، والأممالمتحدة، ومكتب الأممالمتحدة، والمنظمات الدولية، والاتحاد الأوروبي في فيينا.
ومنذ انتخابه رئيساً توافقياً انتقالياً، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارين بتعيين سفراء، كان الأول من نصيب رئيس الحكومة السابق الدكتور علي محمد مجور سفيراً ومندوباً دائماً للجمهورية اليمنية لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، وصدر نهاية اغسطس الماضي، وقدّم الدكتور مجور أوراق اعتماده في نهاية مارس الماضي.
وكان القرار الآخر من نصيب قائد قوات الحرس الجمهوري سابقاً العميد أحمد علي عبدالله صالح، الذي عُيِّن نهاية الأسبوع الماضي سفيراً ومفوضاً فوق العادة لليمن لدى دولة الإمارات، وذلك ضمن تسوية إعادة هيكلة الجيش.
ويلقي تعيين نجل الرئيس السابق لمنصب سفير بعلامات استفهام حول الاستثناءات، ومدى مطابقة المعايير الدبلوماسية، التي يشدد عليها وزير الخارجية أبو بكر القربي، في تصريحاته باعتمادها في اختيار السفراء، على السفير الشاب، القادم من قيادة اعتى قوة عسكرية في البلاد، دون أن يملك سابق خبرة تذكر في المجال الدبلوماسي، ليعيّن سفيراً لليمن في إحدى أهم عواصم الخليج.
ومطلع أبريل 2012، عيّن الرئيس هادي عدداً من المسؤولين السابقين الذين أقالهم من مناصبهم، سفراء في وزارة الخارجية، وهم محافظ تعز السابق حمود خالد ناجي الصوفي، ونائب وزير الداخلية ومحافظ أبين السابق اللواء صالح حسين الزوعري، كما عيّن في سبتمبر الماضي سفراء في الوزارة، هم مدير مكتب رئاسة الجمهورية السابق اللواء علي محمد الآنسي، وأمين عام رئاسة الجمهورية السابق، الدكتور عبد الهادي الهمداني، ومدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة اللواء علي صالح الأحمر.
ودأب الرئيس السابق علي عبدالله صالح على تعيين السفراء دُون المعايير الدبلوماسية، وكانت غالباً تعتمد على سياسة المُراضاة، والمُحاباة، وهو ما أحرج الدبلوماسية اليمنية كثيراً في الخارج، بحلول رؤساء بعثات لا يفقهون شيئاً في مهامهم أو البروتوكولات الدبلوماسية، أو يعرف ب«الايتيكيت الدبلوماسي».
ولم يتقيّد صالح بالفترات المحددة للسفراء، والتي تتراوح بين 3-4 سنوات، وظل سفير ينتمي لأسرته، كصهره عبدالوهاب الحجري، سفيراً لليمن في واشنطن لما يقارب 17 عاماً، قبل أن ينهي الرئيس هادي خدمته قبل نحو عام من الآن.
وبانتظار نضوج الترشيحات التي بشرت بها وزارة الخارجية مراراً، سيكون الرئيس هادي في محطة اختبار حقيقية، اختيار سفراء من ذوي التجربة في العمل الدبلوماسي، يشرفون البلاد ويلتزمون بأداء مسؤولياتهم برعاية مصالح البلاد في الخارج، وبين تحقيق قدر من التوازن في تلك التعيينات، لتتجنب العشوائية والمحاباة التي طالما اتسم بها نظام صالح في اختيار السفراء.