نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    تعيين شاب "يمني" قائدا للشرطة في مدينة أمريكية    الوية العمالقة توجه رسالة نارية لمقاتلي الحوثي    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    التفاؤل رغم كآبة الواقع    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    انهيار وشيك للبنوك التجارية في صنعاء.. وخبير اقتصادي يحذر: هذا ما سيحدث خلال الأيام القادمة    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طوارئ «الثورة».. حيث يستقبل الموت زبائنه بالجملة
نشر في المصدر يوم 14 - 05 - 2014

أحد المُمرضين يكرر الضغط بكل ثقله على صدر الرجل الذي تسيل منه دماء، صرخ طبيب في وجه أحد مساعديه "نريد دم" كررها بالإنجليزية Blood Blood، رد أحدهم "مفيش دم"، تراجع الطبيب خطوتين إلى الخلف بعد أن أمر مساعدته بأن تبعد عن المريض أنبوب التنفس، تهاوى على الكرسي كأنما رضخ للأمر الواقع الذي يقول "لا أمل، لا حياة، لا إنسانية".

الساعة تشير إلى الحادية عشرة منتصف الليل، دلفت إلى البوابة منتظراً الطبيب الذي اتصلت به في وقت سابق، تصاعد صوت صراخ مصحوباً بأنين من ذلك الطارود المزدحم بالمرضى، انبعثت أيضاً من الجهة اليمني رائحة كريهة، في منتصف الطارود عكفت شابة على تسجيل أسماء القادمين في قوائم معيّنة، في الجهة الأخرى كانت إحدى المُمرضات - ملامحها تشير إلى أنها هندية - تحقن المرضى في غرفة مكشوفة.

في تلك اللحظة فُتحت البوابة الأولى لسرير متحرّك، امتدت عليه مسنة لطخ الدّم وجهها، توسل أحد المرافقين لها بأن يُسمح لهم بالدخول إلى البوابة الثانية، صرخ رجل الأمن "غرفة المعاينة ممتلئة .. انتظروا حتى يحين دوركم"، غرفة المعاينة باتت أعجز من أن تستقبل مرضى جدداً.

ازدحام شديد
معظم هؤلاء كانوا مرضى منتظرين أن يُسمح لهم بالدخول إلى غرف المعاينة في طوارئ مستشفى الثورة بصنعاء، خمسة عشر ممرضاً وممرضة يعملون في ذلك الوقت حسب ما قالت بشرى الحجازي نائبة رئيس مجموعة وحدة الاستقبال، وبالكاد يستطيعون أن يتعاملوا مع المئات من المرضى الذين يرقدون في غرف التمريض المخصصة للطوارئ.

تتمثل وظيفة مركز الطوارئ باستقبال جميع الحالات الطارئة فوراً، وإجراء الإنعاش والفحوصات الطبيّة والتشخيص والعلاج وجعل حالة المريض مستقرة أو إحالته للأقسام الأخرى إذا دعت الحاجة.

يستقبل مركز الطوارئ في مستشفى الثورة بصنعاء ما بين 135 ألف و220 ألف حالة في العام الواحد، حسب وزير الصحة ومدير هيئة المستشفى سابقاً أحمد العنسي.

يشترط في تقديم هذه الخدمات أن تكون مجانية ومتوفرة على مدى 24 ساعة، وبإمكانيات توفّر العلاجات اللازمة والأجهزة الطبية والدم وغير ذلك.

بعد أربع ساعات من استقصاء المشكلات داخل مركز الطوارئ كان بعض المرضى ما يزالون يفترشون الأرض خلف البوابة، أما المحظوظ منهم فقد ظفر بسرير عاطل عن الحركة.

قرار خاطئ واحتجاجات
في أواخر العام الماضي، قرر مدير هيئة مستشفى الثورة عبد الكريم الخولاني نقل الطوارئ من المبنى القديم إلى آخر جديد، افتتح الدكتور ناجي حومش - استاذ في جامعة صنعاء وأخصائي جراحة ومدير فني في مستشفى ناصر - المركز بعشوائية وبدون أي سند قانوني أو إداري أو محضر افتتاح، بحسب أطباء تحدثوا الينا.

احتج أطباء الطوارئ ورفعوا قائمة بمطالب معينة، علقوا شارات حمراء كمرحلة أولى للاحتجاج، تطور الأمر إلى تنفيذ وقفة احتجاجية، حينها التحق العديد من كادر المركز بأقسام أخرى.

وجهت إدارة المستشفى بلاغاً للنائب العام يتهم فيه أطباء الطوارئ بتعليق العمل في المركز، استدعت النيابة العامة مجموعة من الأطباء، وتم إغلاق القضية على أساس "شكوى باطلة"، كما يقول محمد العمري طبيب أخصائي طوارئ.
أجهزة الطوارئ قديمة وبعضها رديئة التصنيع وأخرى لا يجيد الفنيون العمل عليها ونقص حاد في الأسرّة والكادر الطبِّي

تتمثل أبرز تلك المطالب في اعتماد مركز للطوارئ الجديد، الذي كان قسماً قبل ان يُفتتح، دون صدور آلية معينة تنظم المركز أو هيكلية إدارية أو اضافة كادر طبي.

وبحسب تقرير وضعته إدارة مركز الطوارئ في المستشفى العام الماضي، فإنه "بالرغم من أن القسم يقدم خدمات تعتبر الأفضل والأكبر على مستوى الجمهورية، إلا أنه لا يرقى إلى أدنى مستوى لمراكز الطوارئ والحوادث على النطاق العالمي أو الإقليمي".

وفي منتصف أغسطس الماضي، كرر مجموعة من الأطباء برئاسة مدير المركز آنذاك ناجي حومش، والذي أُقيل لاحقاً إثر احتجاجات الأطباء، رفع مطالب معينة بناءً على تقارير للجان سابقة مكلفة من قبل إدارة مستشفى الثورة، وأكد أن المركز لم يصبح جاهزاً للعمل.

يوصي التقرير أيضاً "أن عملية تسليم وافتتاح الطوارئ الجديدة يجب أن تتم طبقا للطرق القانونية والمتبعة ومن خلال لجنة إدارية فنية وطبية وهندسية توصي بأن العمل قد اكتمل".

وفيما يبدو أن مدير المركز تراجع عمّا أقره مسبقاً، يقول صلاح ريشان - طبيب اخصائي أول طوارئ - "حومش قفز على التقارير الذي وضعها هو بنفسه، وافتتح المركز رغم الأخطاء".

يوضح التقرير أيضاً أن أسّرة المركز غير مؤهلة للطوارئ، ويفتقد لصيدلية داخلية تعمل في نطاق 24 ساعة، كذلك مخازن الطوارئ غير كافية، ولا يوجد مكان لعزل الحالات التي يتوجب أن تخضع لإجراءات الحجر الصحي.

وبالرغم من التحذيرات الفنية، لم تكن عملية فتح قسم جديد للطوارئ عملية توسيع بقدر ما كانت عملية نقل فقط، يقول طبيب آخر رفض الإفصاح عن اسمه "خلال شهر واحد بعد عملية النقل توفَي العشرات من المرضى في القسم الذي كلف ما يقارب مليار ونصف المليار ريال".

الطوارئ القديمة أكثر تنظيماً
بدرجة ما يبدو قسم الطوارئ القديم، الخالي الآن، أكثر تنظيماً، فبينما يتم الكشف ومعاينة جميع المرضى في غرفة واحدة مكشوفة أمام المارين في المركز الجديد، دون احترام لخصوصية المريض وإنسانيته، كانت هناك ثلاث غرف مغلقة في المبنى القديم.

للمرضى أيضاً غرف مغلقة ومحددة لحقنهم، في المركز الجديد يحتم على المريض أن يكشف عن خصوصياته أمام المارين في غرفة مكشوفة لا تغطيها ستارة، اقتطعت تلك الغرفة من مساحة الطارود الذي انسد تماماً، ومن الجانب تصل رائحة الحمامات إلى غرفة الحقن.

في الماضي، كان من السهولة على مريض الطوارئ أن يذهب إلى وحدة الأشعة أو قسم العمليات الصغرى إذا ما استدعت الحاجة ذلك، لزاماً عليه الآن أن يجتاز خمس بوابات وأروقة طويلة من الازدحام الشديد حتى يصل إلى هناك، كما أن الاستعلامات غائبة.

تتوفر في قسم الطوارئ القديم غرفتان واسعتان لتخطيط القلب، أما في المركز الذي يفترض أنه أكثر اتساعاً فتوجد غرفة واحدة فقط تم اقتطاعها من مساحة الرواق.

النقطة الوحيدة التي يتفوق بها المركز الجديد عن القسم القديم تتمثل في فصل الرجال عن النساء في قسم الرقود للمرضى، لكن الرائحة المتكومة في الاقسام تخنق المرضى -كما يقولون- أحسست بالدوار حين وقفت لدقيقة واحدة، مراوح الشفط والتبريد كانت معطوبة.

قال مدير المستشفى في العشرين من فبراير لصحيفة "14 أكتوبر": "بدأنا بتنفيذ منظومة جديدة خاصة بالعمليات والعناية المركزة والأقسام المهمة، لكن ذلك لم يتحقق".
حالة من الارباك والعشوائية حدت من قدرة المركز الجديد للطوارئ على حل المشكلة

"لماذا لم يتم إعادة تأهيل قسم الطوارئ القديم، مع أنه يتم العمل بأجهزة الطوارئ القديمة - حسب تقرير الشؤون القانونية في الهيئة؟، تساءل أسامة الآنسي - اختصاصي طوارئ - عن إمكانية إعادة تأهيل القسم وتعيين كادر جديد في المستشفى لتفعيل الطوارئ.

تصاميم هندسية خاطئة
يسكن أسامة ومجموعة من زملائه الأطباء في الطابق الثاني من قسم الطوارئ، يقول: "هذه الغرف كانت معدة لأن تكون غرف عناية متوسطة، ولعيوب التصميم حُولت إلى سكن للأطباء".

تبدو الممرات المؤدية للغرف في جزء منها ضيقة "سرير المستشفى مش ممكن تمر من هنا"، يضيف محمد العمري.

وفي ظل تردي الخدمة الصحية للمرضى، يذكر الطبيب صلاح ريشان أنه في السادس عشر من أبريل رفع مجموعة من الأطباء كان هو واحد منهم بطلب من وزير الصحة "أحمد العنسي" تقريراً يفيد بمطالب أولية لإصلاح الوضع في الطوارئ، وسُلَمت نسخة من ذلك التقرير إلى إدارة هيئة المستشفى ووزارة الصحة واللجنة الرئاسية.

كانت اللجنة الرئاسية مشكّلة من رئاسة الجمهورية ومكونة من طبيبين؛ هما محمد الكميم وخالد سويلم، وكانت بناءً على طلب من أطباء الطوارئ لحل الإشكالية.

"لم يستجب لتلك المطالب، عدا استجابة جزئية تتمثل في إقالة مدير المركز وإعطاء تفرغ للموظفين الرسميين، نحن الآن في هدنة"، يقول أسامة الآنسي.

نقص الكادر التمريضي
في بهو غرفة المعاينة أحد المصابين يصرخ بشدة، على ملابسه آثار دماء، ترنو إليه عجوز مسنة، وضعت كفها على وجهه، كان صراخه يزداد.

وقف أمامي رجل ضخم، وقال "ممنوع التصوير، ومن أنت أولاً؟"، تملصت من الإجابة "مرافق لأحد المرضى"، تركني حين حضر أحد الأطباء، وقال إنني مرافق له، أخذ منّي تعهداً بألاً أصور، أو سيضطر لأخذ هاتفي.

أجساد المرضى متكدسة في غرف الرقود وبهو المركز، توزع عدد قليل من الممرضين عليهم، كان عددهم غير كافٍ بينما الحالات تتراكم، قالت بشرى الحجازي "الحالات تتراكم ولا يوجد لدينا آلية لتصريف الحالات، والأسرّة في الطوارئ لا تكفي لاستقبال مرضى جدد، والمفترض أن يكون لدينا 10% من أسرة المستشفى والبالغة 876 سريراً".

قال مدير مستشفى الثورة السابق - وزير الصحة والسكان حالياً - في وقت سابق إن مركز الطوارئ سيُفتتح بسعة 120 سريراً للعناية المركزة، يوجد الآن فقط 11 سريراً.

وتضيف: "نحن الآن في هذه النوبة 14 ممرضاً فقط، ونعمل في ظروف صعبة، في بعض الأحيان يتم الاعتداء علينا، و80 مريضاً بحاجة إلى رقود"، حينها كانت إحدى المريضات على كرسي متحرك تطلب من بشرى توفير سرير لها.

رفض استيعاب الكوادر
من بين تلك المطالب التي رفعها أطباء الطوارئ توفير ما لا يقل عن 260 ممرضاً وممرضةً لتغطية العجز، الآن في سجل المستشفى 115 ممرضاً وممرضةً، بعضهم متغيبون والبعض الآخر غادروا خلال الانتفاضة الشعبية عام 2011.

يتناوب عدد قليل من الممرضين على مرضى الطوارئ، يحرصون - كما تقول بشرى- "على تقديم الحد الأدنى من الخدمة الطبية للمرضى، من الضروري أن يزيد عدد الممرضين، فأعداد الحالات الجديدة لا تحتمل".

ويذكر محمد العمري أن المدير السابق لمركز الطوارئ ناجي حومش وضع آلية مفادها "أنه في حالة وجود أسرة فارغة وأطباء وممرضين بشكل كافٍ يتم التعامل مع الحالات الجديدة على الطوارئ، وإلا يتم الاستغناء عن أي مريض".

عيوب في التصميم تسببت في تحويل غرف العناية المتوسطة إلى سكن للأطباء
في سنوات سابقة، ومن معهد صحي يتبع ادارة المستشفى "مدرسة التمريض"، تخرج المئات من المُمرضين، أعلنت إدارة المستشفى خضوعهم ومع خريجين آخرين لاختبارات قبول على الورق، فقط قُبل أربعمائة ممرض، ولم تسمح لهم إدارة المركز بالنزول إلى الخدمة.

تسرّب الأطباء
يوضّح كشف مرفوع إلى إدارة المستشفى تسرّب الكادر الطبي في الطوارئ، فتسعة وعشرين طبيباً من اختصاصيين واستشاريين غادروا المركز، معظمهم غادر إلى مستشفيات خاصة والبعض الآخر سافر إلى دول الخليج والقليل منهم نُقل إلى أقسام مختلفة داخل المستشفى.

يقول محمد العمري "بالرغم من أن أسماء هؤلاء ما زالت في قائمة أطباء الطوارئ إلا أنه لم يحل بدلاً عنهم"، في مركز الطوارئ "يتواجد استشاري واحد - أعلى درجة في الأهمية حسب تصنيف الهيئة - وسبعة آخرين غادروا للعمل في أماكن أخرى"، يضيف العمري.

وبما أنه لم يوظف في الطوارئ أحد منذ عام 2010، فإنه يتواجد حتى اللحظة في المركز بالكامل ستة عشر اخصائياً - درجة ثانية في الأهمية - وأحد عشر أخصائياً غادروا للعمل في أماكن أخرى، بينما تم انزال ثلاثين درجة وظيفية؛ تم منح الطوارئ منها أربع درجات فقط.

يتطوع في مركز الطوارئ قرابة العشرين طبيباً، لا يمنح هؤلاء أي اعتمادات مالية عدا مكافآت الطوارئ، ولا يوجد لهم حقوق أيضاً. قال متطوع - رفض الإفصاح عن اسمه - "نطالب بتوظيفنا أو التعاقد معنا على الأقل".

في 26 يناير الماضي، يشير توجيه من نائب مدير هيئة مستشفى الثورة أنور مغلس إلى "تغطية عجز مركز الطوارئ بالأطباء المتدرِّبين أو المتطوعين مع استيفاء كامل الشروط بحسب النظام".

لكن مدير عام هيئة مستشفى الثورة عبد الكريم الخولاني أصدر أمراً إدارياً "يمنع قبول أي متدرّب أو متطوع للعمل داخل الهيئة، وذلك اعتباراً من تاريخ 29/4/2014"، قال العمري "ذلك يشكّل عبئاً كبيراً علينا".

ويشكل أطباء البورد - شهادة طب مهنية في الزمالة العربية دراسة أربع سنوات- عاملاً مساعداً لأطباء الطوارئ، إلا أن كل ذلك لا يغطي العجز أمام ضغط الحالات الجديدة".

معدات طبّية تعقّم بالصابون!!
في إحدى الغرف التي كان بابها مفتوحاً، تفرقت بُقع من الدم على الغطاء الأخضر للسرير الأوحد، سألت أحد الممرضين المنهمكين في تصفية وتنظيف أدوات طبية، قال إنه يعمل على تعقيم الأدوات الطبية والمستخدمة في الجراحة باستخدام صابون "سافلون"، بدلاً عن جهاز تعقيم "الأوتوكلاف".

في الخلف كان هناك جهاز له بريق فضي، قال اختصاصي المجارحة "هذا الجهاز يستخدم الآن لتعقيم الأدوات، وأحضروه لنا منذ يومين فقط، أما من قبل فكنا نستخدم الصابون".

غُرف مغلقة في وجه المرضى!
في الطارود الطويل تصطف غرف أبوابها مغلقة، تنتهي بغرفة علقت عليها لوحة، كُتبت بخط اليد "كشافة الصبغات والأشعة الملونة"، قال العمري "هذه الغرف مغلقة ولا تستخدم إلا في الصباح فقط، والغرفة هذه لم نعد بحاجتها، ورفعنا لهم بذلك تقريراً يفيد بأننا نحتاج الغرف لمعاينة المرضى، لكن لم نجد أي تجاوب".

أيضاً كانت غرفة جهاز الرنين المغناطيسي مغلقة، بينما نافذة صغيرة يخرج منها الضوء لاحظت من خلالها رجلاً شارد الذهن، كانت هذه غرفة المختبر.

مثل الكثير من المرضى لجأت عائلة صغيرة مكوّنة من رجل وامرأتين وثلاثة اطفال يرافقون شابة مريضة إلى مكان منزوِ بالقرب من غرفة العناية المركزة، أغلبهم افترش الأرض للنوم، حين مررت بجانبهم كانت الفتاة الممتدة على السرير تخبِّئ وجهها.

غُرفة عناية مهترئة
أُدخلت إحدى الأسرة إلى غرفة العناية المركزة، كانت طبيبة تقف خلف مكتب رفضت الإفصاح عن اسمها أو صفتها وتتحدث مع طبيب آخر عن إمكانية تشغيل بعض أجهزة التنفس الاصطناعي.

تستوعب غرفة العناية المركزة خمسة عشر سريراً بعد أن كانت 6 أسرة فقط، بينما ظل الكادر الطبي على نفس العدد، وهو ما يهدد بتدنِّي الخدمة الصحية.

لغرف العناية المركزة اهتمام آخر، ففي الأغلب تكون معداتها هي الأحدث والأرقى، قال أحد الممرضين "حين يصل المريض إلى هنا نعمل له ما نستطيع أن نفعله، وبقدر الإمكانيات المتاحة عدا ذلك ليس بمقدورنا أن نفعل شيئاً".

شاركته الطبيبة الحديث "الأجهزة قديمة في الأغلب، والحديث منها صناعة رديئة جداً، ولم يخضع القائمون عليها لدورات تدريبية"، أضافت "هل تصدق أن الكثير من الأجهزة ظلت مركونة لفترة طويلة، والتي اشتغل منها مؤخراً بطارياتها عاطلة".

ويفيد تقرير وضعه مهندسون بأن أقصى مدة يمكن أن يصل إليها جهاز يعمل هو عشر دقائق.

الكهرباء أيضاً تنطفئ!!
وتصل مدة انطفاء الكهرباء في المستشفى في بعض الأوقات إلى أربع ثوانٍ، مما يهدد عمل الأجهزة التي تتوقف مع انعدام وجود أجهزة تخزين الكهرباء.

ويتسبب ذلك في وفاة بعض المرضى المعتمدين على أجهزة التنفس الاصطناعي، مجهد هذا التيار الكهربائي في هذا البلد، فالمرضى كذلك يعانون وكل ما يتمنوه أن تستجاب دعواتهم في الثواني التي تطول بألاّ يستمر انقطاع الكهرباء.

غرفة الإنعاش بدون دم!!
في منتصف الممر، بدت غرفة مفتوح بابها ومن الجهة المقابلة لها أيضاً باب مفتوح كمكتب أمن، توسطت سريرين في مساحة الغرفة الضيقة، على سرير كان رجل ضخم الجثة يرقد ويبدو أنه على موعد مع الموت، وفي الأخرى رجل طاعن في السن هو الآخر لا يتحرّك.

كان الرجل شبه عارٍ وضخم الجثة، على ساقه أثر جراح عميقة، ومن صدره تمتد أسلاك وخيوط ترتبط بأجهزة، بشكل دائري تجمع طبيب ومساعدوه، كانت ممرضة تصل فمه بأنبوب هواء يتنفس من خلاله.

شعرت بالاختناق، الغرفة ضيّقة وتفتقد إلى تهوية وتكييف ومراوح هواء، مراوح الشفط كانت لا تدور، قال أحدهم إنها عاطلة، تهاوى الطبيب على الكرسي يقول "مفيش بنك دم تابع للطوارئ"، رددها بحسرة "غرفة إنعاش مفيهاش بنك للدم"، كان المارة يحملقون من الأبواب.

موت بالجملة
اُفتتحت غرفة لحالات ما بعد الإنعاش كقسم جديد لمركز الطوارئ، يرقد فيها المرضى قبل العناية والمنتظرون للترقيد في العنايات المختلفة للمستشفى، أُغلقت بعد شهرين فقط بأمر من المدير الفني للمستشفى عبد الحميد ابو حاتم، بناءً على تقرير رُفع من مشرف التمريض، كان التقرير يفيد بنقص في الكادر التمريضي والطبي.

يقول محمد العمري "في هذه الغرفة لقي أكثر من سبعين شخصاً حتفهم خلال شهرين، كان ذلك بسبب النقص في الكادر التمريضي والطبِي بشكل عام، وخلال تلك الفترة التي جاءت متزامنة مع فترة عيد الأضحى غاب كثير من الممرضين والأطباء".

الموت وحده في طوارئ المستشفى لا ينازعه شيء على الإطلاق، لذا كان على كثير من ذوي المتوفين أن يرفعوا رؤوسهم إلى السماء لعلّ أرواح الموتى تغفر لهم جرم ما ارتكبوه في إدخالهم طوارئ الموت.

في نهاية شهر يناير، حاولت الإدارة فتح الغرفة من جديد بالرغم من الكارثة التي تسببت بموت الكثير، لكن أطباء وممرضي المركز رفضوا ذلك.

في رواق مكشوف اصطفت أسّرة لمرضى، على أحد الأسرة يرقد رجل كبير تعرّض لحادث، تكسرت أضلاع صدره، تحدث بصوت متهدج "أنا هنا من يوم السبت، وما معيش مرافق"، كان المفترض أن يكون الرجل في قسم الجراحة العامة، في وحدة فائقة العناية.

روى محمد العمري أن مريضاً ظل في الطوارئ العامة طيلة شهرين، كان مصاباً بجلطة في الدماغ أدت به إلى غيبوبة كاملة وبحاجة شديدة إلى رقود في عناية الباطنية "لم نستطع أن ندخله العناية، حاولنا أن نسحب له جهاز تنفس صناعي للمحافظة على حياته، لكنه خرج جثة هامدة دون أن يتم ترقيده في المستشفى".

يقول طبيب -رفض الإفصاح عن اسمه- إنه في يوم 21/1/2014 وصل مريض - يحتفظ"المصدر أونلاين" باسمه- كان مصاباً بتسلخ في أبهر القلب، رفعت به تقريراً إلى إدارة المستشفى عن طريق المستلم الإداري والعام "كان المريض يرقد في مركز الطوارئ حتى توفي، مع أن طبيب القلب حضر لمعاينته، ولكن لم يتم تحويل الحالة حسب المتفق عليه في مثل هذه الحالات". يضيف أيضاً "حالات الوفاة بسبب الإهمال وعدم جاهزية الطوارئ كثيرة".

في تقرير حصل "المصدر أونلاين" على نسخة منه يوضّح أن مرضى كثيرين ينتهي بهم المطاف جثثاً هامدة في طوارئ المستشفى، ويذكر أن بعض الأطباء في الأقسام المختلفة في المستشفى لا يتجاوبون مع مركز الطوارئ في الحالات التي تُرفع إليهم.

المجاري في طوارئ الأطفال!!
في الأول من مارس، استقبل مركز الطوارئ بمستشفى "الثورة" عشر حالات لأطفال دفعة واحدة، تم نقلها من الدور الأرضي لمبنى الطوارئ والمخصص لطوارئ الأطفال اثر انفجار المجاري داخل المبنى.

ظلت الحالات المرضية للأطفال في قسم الطوارئ المخصص للكبار، ذلك فاقم من تدهور الحالة الصحية، كادت الكارثة أن تنهي حياتهم.

في بوابة الخروج كان مريض ينام على الأرض، غمغم بكلمات غير مفهومة، لم أفهم منها سوى كلمات "يا الله..يا الله".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.