بعد 17 شهرا على شغور منصب الرئاسة في لبنان، دخل اسم الزعيم المسيحي سليمان فرنجية، ابن العائلة التي لعبت دورا بارزا في الحرب الاهلية وصديق الرئيس السوري بشار الاسد، بورصة المرشحين لرئاسة الجمهورية في لبنان. وفشل البرلمان اللبناني الاربعاء للمرة الثانية والثلاثين في انتخاب رئيس جديد للبلاد نتيجة الانقسام الحاد بين الكتل السياسية، الا ان التصريحات السياسية على هامش الجلسة تمحورت حول ترشيح فرنجية المفاجىء الذي برز الى الضوء قبل اسبوعين بعد لقاء بينه ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري في باريس. وادرجت هذه الخطوة غير المتوقعة من الحريري، ابرز زعماء قوى 14 آذار والمعادي بشدة للنظام السوري، تجاه الفريق الخصم، في اطار محاولة للتوصل الى تسوية للازمة الرئاسية عن طريق اختيار فرنجيه. وكانت قوى 14 آذار اعلنت بعيد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان دعمها لترشيح احد اركانها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، فيما رشحت قوى 8 آذار التي ينتمي اليها فرنجيه، وابرز اركانها حزب الله، رئيس الحكومة السابق والنائب الحالي ميشال عون. لكن نواب حزب الله وعون والكتلة التي ينتمي اليها فرنجية قاطعوا كل الجلسات التي حددها رئيس البرلمان نبيه بري لانتخاب رئيس، ما حال دون اكتمال نصاب الجلسة واجراء عملية الانتخاب، مطالبين ب"مرشح توافقي". ولعل ابرز مؤشر على جدية ترشيح فرنجية ظهر خلال الساعات الاخيرة مع تصريح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط "لأننا لم نستطع على مدى سنة ونصف ان نتوصل الى رئيس توافقي، أتت فرصة رئيس تسوية متمثل بفرنجية". وكان جنبلاط يتحدث بعد اجتماعه مع فرنجية في منزله في غرب بيروت. وقال "سأساعد على طريقتي في تذليل العقبات ضمن الامكانات". وغالبا ما ينظر الى وليد جنبلاط الذي يتراس كتلة نيابية من 11 نائبا، على ان في امكانه ان يرجح كفة احد الفريقين السياسيين الاساسيين، وهو يصنف نفسه "وسطيا". ويتحدر فرنجية البالغ من العمر خمسين عاما من مدينة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية، من عائلة اقطاعية وسياسية معروفة جمعتها علاقة عائلية تقليدية مع عائلة الاسد في سوريا قبل ان تجمعهما المواقف السياسية. فجده لوالده الذي يحمل اسمه، سليمان فرنجية، كان من ابرز الزعامات المسيحية في لبنان، وانتخب رئيسا بين 1970 و1976، وهي الفترة التي شهدت اندلاع الحرب الاهلية في نيسان/ابريل 1975. ويرى رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان ردا على سؤال لوكالة فرانس برس ان هناك "التقاء اميركيا وفرنسيا وروسيا وسعوديا وايرانيا - حتى لو يكن معلنا - وسوريا ايضا" على فرنجية، معتبرا انه "مرشح اجماع اقليمي ودولي". في بلد لطالما انتخب رئيس الجمهورية فيه بتأثيرات خارجية، تطرقت تقارير اعلامية عدة الى وجود مثل هذا التوافق الاقليمي والدولي. ويدعم الغرب والسعودية قوى 14 آذار، بينما تلقى قوى 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه) دعما من ايرانوسوريا. لكن في المواقف الداخلية، يثير احتمال وصول فرنجية الى الرئاسة اعتراض الكثيرين، وعلى راسهم الاطراف المسيحية من كلا الفريقين المتخاصمين. - جيل الحرب ويعد فرنجية من جيل الحرب (1976-1990) التي دفع ثمنها ايضا على الصعيد الشخصي. فقد قتل والده طوني وكان نائبا ووزيرا، ووالدته فيرا وشقيقته جيهان (ثلاث سنوات) ووالدته وشقيقته وعدد كبير من انصاره في ما عرف ب"مجزرة اهدن" في 1978 على ايدي عناصر من حزب الكتائب اللبنانية، ما ترك عداوة متجذرة بينه وبين سمير جعجع المسؤول في الحزب آنذاك. دفعه مقتل عائلته الى تحمل مسؤوليات عائلية وسياسية مبكرة. وبدأ نشاطه السياسي وكان لا يزال في مطلع العشرينات. عين نائبا في البرلمان اللبناني في اطار تعيينات تمت بعد انتهاء الحرب، وكان الاصغر سنا. ثم انتخب نائبا في دورات متتالية حتى العام 2005. وتسلم خلال تلك السنوات حقائب وزارية كان اخرها وزارة الداخلية حين قتل رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في 2005. - صديق بشار الاسد ويعرف عن فرنجية انتماؤه الى الدائرة الضيقة المحيطة بعائلة الاسد في سوريا. وهو لطالما افتخر بانه صديق بشار الاسد وان علاقته مباشرة مع آل الاسد ولم تمر يوما بقنوات او وسطاء على غرار باقي الاطراف اللبنانية. وسليمان الجد كان بدوره من اصدقاء الرئيس السوري السابق حافظ الاسد، وهو من دعا في ايار/مايو 1976 الجيش السوري للتدخل في لبنان. ونتج عن ذلك تواجد عسكري استمر نحو ثلاثين سنة، مارست خلاله دمشق هيمنة على كل مفاصل الحياة السياسية والعامة في البلد الصغير. ويعتبر فرنجية علاقته مع الرئيس السوري من "الثوابت". وفي مقابلة تلفزيونية في العام 2010، قال "انا صديق الرئيس الاسد وافتخر واعتز بذلك بكل الظروف، ولكن اذا يوما من الايام كان الرئيس بشار الاسد ضعيفا فانا افتخر أن ادفع الثمن الى جانبه ولكنه اذا كان قويا لا اريد من احد ان يعطيني شيئا". واعتبر مقتل الحريري الذي تلاه خروج للقوات السورية من لبنان تحت ضغط الشارع والمجتمع الدولي محطة للتخلص من "الوصاية السورية"، الا ان التاثير السوري لا يزال قائما عبر حلفاء سوريا في لبنان، ويلعب هذا التاثير دورا في تعميق الانقسام السياسي وتتالي الازمات. كما يعاني لبنان من تداعيات النزاع السوري امنيا. وتقول الباحثة سحر الاطرش من "مجموعة الازمات الدولية" لفرانس برس ان "طرح اسم فرنجية وهو صديق مقرب لبشار الاسد ورمي لبنان مجددا في دائرة النفوذ السوري في هذه المرحلة امر مستغرب". وحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري 16 كانون الاول/ديسمبر موعدا جديدا لانتخاب رئيس. وتساءلت صحيفة النهار الصادرة الخميس في صفحتها الاولى "هل تكون الجلسة 33 لانتخاب الرئيس ثابتة؟".