تحول "الربيع العربي" الذي بدأ قبل اربع سنوات سريعا جدا الى زعزعة اقليمية أفضت الى ضعضعة نظم حكم وصعود الاسلام السياسي وانتقاض دول ومجتمعات واحتشادها مرة اخرى في البنية القبلية والطائفية. وهي بدورها تتحول الى زعزعة استراتيجية ترسم المنطقة ومستقبلها من جديد. إن أبرز علامة للزعزعة هي زوال أمل القوى المحركة وجماعات الشباب والليبراليين الباحثين عن التغيير واولئك الذين أرادوا أن يغيروا فساد الحكم الذي صيغ فأصبح تراثا. إن تلك القوى التي جاءت بالطاقة والحماسة تشعر بأن الثورة سُرقت منها وأن مبادرتها سبتها قوى محافِظة معادية للديمقراطية إما باسم الاسلام وإما باسم الجيوش الوطنية. إن النتيجة الواضحة للزعزعة الاقليمية هي تضعضع الاستقرار وزيادة الفوضى في مجتمعات ودول وتغلغل متزايد لجبهات ومنظمات اسلامية مسلحة وأصولية تكافح بقايا نظام كما في سوريا في سبيل الله والاخلاص للشريعة الاسلامية وللاسلام. وقد أصبحت سوريا وليبيا ولبنان ومصر دفيئات استنبات لمجموعات ومنظمات لا تنفر من استعمال الارهاب الوحشي على السكان المدنيين غير المشاركين في القتال، لكن منظمة ما تشتبه فيهم أنهم سكان موالون لمنظمة اخرى أو للنظام القائم. وتضطهد الأقليات الدينية ولا سيما المسيحيون اضطهادا لا هوادة فيه، ويُقتلون، وما زال تيار من مقاتلي الجهاد من جميع أنحاء العالم ومن اوروبا ايضا يتدفق على ميادين المواجهة العسكرية ويزيد في سفك الدماء. لم تعد الزعزعة الاقليمية محدودة في المنطقة الجغرافية لدول المنطقة ويتغلغل تأثيرها الى المنطقة الخارجية، الى اوروبا وسواها. وتتصل تأثيراتها بقضايا تقلق المجتمع الدولي واستقرار وتوازن النظام الدولي. بيد أن التأثير لا يعمل فقط في اتجاه واحد لأن سلوك المجتمع الدولي بازاء ايران والتوتر بين الولاياتالمتحدةوروسياوالصين، وازدياد هاتين الاخيرتين قوة مع تحدي الولاياتالمتحدة التي أصبحت تُرى قوة ضعيفة، يؤثر في المزاج العام في ميادين القتال وليس فيها فقط بل في الأحداث نفسها ايضا. تغيرت صورة مصطلح الولاء في سنوات الزعزعة وحل محله التشكك ومجالات المصالح الجديدة، وقد باعد بين صديقتين مثل تركياوسوريا وقرّب بين عدوين شكاكتين مثل السعودية واسرائيل، أو أفضى الى زيادة قوة نسيج المصالح الاستراتيجية كما بين مصر واسرائيل. وفقدت الولاياتالمتحدة من جلالة شأنها ومكانتها، أما روسيا فأصبحت لاعبة مهمة وأعظم تأثيرا، في حين تتفحص الصين طريقها وتشق طرقا الى منزلة تأثير. ووجدت أقليات عرقية مثل الاكراد الوقت مناسبا لتحقيق مطامح قومية خابت سنين كثيرة، وهم يعملون في صوغ واقع سياسي جديد على هيئة نظام حكم ذاتي في العراق أو شبه حكم ذاتي في سوريا، والظروف الناشئة تُهييء الفرص في نظرهم لتوحيد حقيقي بين الاكراد من اربع جهات (ايرانوالعراقوسورياوتركيا). وتشعر أقليات اخرى مثل المسيحيين في سورياوالعراق برائحة الخطر من الاسلاميين المتطرفين ويُجربون بصورة مأساوية عجز السلطات التي تكافح عن بقائها. إن الشتاء الدامي الذي ولّده الربيع العربي يغير فضاء الأخطار والتحديات والفرص لاسرائيل، وتُثبت الأحداث صورتها المختلفة وشذوذها في المشهد الاقليمي. إن اسرائيل تُرى جزيرة سلامة عقل واستقرار، وهي أكثر من ذلك في نظر لاعبات اقليميات مهمات مثل مصر والسعودية تُرى أنها تقرأ الخريطة قراءة صحيحة، وأنها الوحيدة القادرة على العمل في تصميم على مواجهة ايران الساعية الى القدرة النووية. وأصبحت الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة تفهم ما كانت تفهمه دائما في الحقيقة وهو أن المكان الوحيد الذي تستطيع فيه أقليات مثلهم أن تعيش في كرامة وتحافظ على طابع حياتها واعتقادها هو اسرائيل. وفي هذا الواقع تتغير خرائط مصالح اللاعبات وتنتقض أحلاف قديمة وتتصدع ولاءات وتُستبدل، وأهم من كل ذلك أنه تُتاح ايضا الى جانب التهديدات والأخطار فرص لصوغ المنطقة من جديد. * اسرائيل اليوم 25/12/2013 ** محاضر وباحث في جامعة اريئيل