نشرت صحيفة الغارديان البريطانية الاثنين 20/12/2010، تقرير كتبه مراسلها في بغداد مارتن تشولوف جاء فيه: "في الوقت الذي يناقش فيه العراق ما إذا كان سيزيل كل ما له علاقة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، فإن النظام الحالي لديه حساسية تجاه مخلفات تذكارية تعود لصدام ومنها المصحف الذي كتب بالدم الذي تبرع به خلال عدة سنوات. وخلال عامين قاسيين أواخر التسعينات كان الرئيس السابق يجلس بانتظام مع ممرض وخطاط وقام الممرض بسحب 27 ليتراً من دم صدام استخدمها الخطاط كحبر لكتابة القرآن الكريم. ولكن منذ سقوط بغداد قبل حوالي 8 سنوات، ظل المصحف بعيداً عن الأنظار، ومخفياً خلف أبواب مغلقة. وهو جزء من تراث الدكتاتور السابق لا يعرف العراق كيف يتعامل معه". ويضيف الكاتب "القبو الملحق بالمسجد الفسيح في بغداد ظل مغلقاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تاركاً سور القرآن الكريم ال 114 بعيدة عن الأنظار- والعقول- بينما تعامل الذين يحكمون العراق بجهد كبير مع المخلفات الثقافية الأخرى من حوالي 30 عاماً من عهد صدام وحزب البعث". وقال الشيخ أحمد السامرائي رئيس الوقف السني في العراق وهو يجلس قرب المنارتين المرتفعتين لمسجد سماه صدام "أم المعارك": "ما هو موجود هنا لا يقدر بثمن، يساوي ملايين الدولارات، وكان خلفه (مصحف الدم)، المكتوب بدم صدام حسين". وحتى قبل الوصول إلى هذه النتيجة- وهي الخطوة الأخيرة قبل دخول القبو الممنوع- كانت هناك عملية مرهقة، فمن ناحية، كانت هناك الحكومة، التي فعلت كل ما تستطيع لمنع الدخول. والنظام الحالي حساس جداً إزاء إعادة ظهور أي رموز قد تعلي من شأن كوادر البعث، الذي ما يزال ينظم عمليات التفجير والاغتيالات كل بضعة أيام. ثم هناك السنة أنفسهم، الذين يخشون انتقام الحكومة إذا فتحوا الأبواب والرفض الديني إذا تعاملوا مع هذه النسخة المخيفة من القرآن الكريم بما يستحقه القرآن من التوقير والاحترام. وأضاف السامرائي :"كان من الخطأ أن يقوم بما قام به. هذا حرام"، وعلى الرغم من ذلك، قال السامرائي إنه تصرف كحام للنسخة أثناء الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003، فأخفى صفحات في بيته ووزع أخرى على بيوت اقاربه. واستطرد يقول: "علمت أنهم سيسعون للحصول عليها وقررنا حمايتها. ولكننا نعتبر أن ذلك كان صعباً. فهناك ثلاثة مفاتيح لم يكن أي منها محفوظاً في مكان واحد. كان عندي واحد منها، وعند قائد شرطة المنطقة مفتاح ثان، أما الثالث فكان في منطقة أخرى من بغداد. وكان لا بد من قرار تصدره لجنة للسماح بدخول القبو". المقتنيات الأخرى كان التعامل معها أسهل من جانب الحكومة، مثل تمثال صدام الذي أسقطه المارينز الأميركيون في نيسان 2003، والتماثيل النحاسية النصفية لقادة البعث التي نصبت في أرجاء البلاد. كانت إزالتها فورية، مع إذابة المعدن، بحسب ما يقوله حكام البلاد الحاليون. وفي الوقت الذي يقوم فيه العراق بتشكيل حكومته الرابعة منذ سقوط بغداد عام 2003، يتحول الانتباه الآن نحو قضايا أكثر صعوبة- مثل التعامل مع المخلفات والمعالم التي تميز بها نظام صدام والمرتبطة بصورة خاصة بتاريخ العراق. وبعضها مثل السيفين المتقاطعين اللذين نصبا في أرضية استعراض صدام العسكري وسط بغداد، ويعتبران من معالم بغداد كما مسجد أيا صوفيا بالنسبة الى مدينة اسطنبول، أو البلدة القديمة بالنسبة الى دمشق. ويصر عدد من السياسيين البارزين، مثل أحمد الجلبي، أحد شخصيات المعارضة لصدام، على أن كل ما يرتبط بالدكتاتور الذي أعدم يجب أن يندثر، ويقول الجلبي: "تم تسخير أفضل المواهب في العراق لانتاج نصب وتماثيل لمن اضطهدوا الشعب، وهذا أمر مدمر جداً لشخصية الشعب العراقي ونفسيته، وهو يذكر بشكل واضح بعواقب النظام الشمولي وتأليه شخص يمثل الشر. لم يجلبوا أي شيْ للعراق. وهم لا يستحقون التكريم. وليس عندهم قيم جمالية يعرضونها. وأنا أؤيد إزالتها". لكن أشخاصأً آخرين لعبوا دوراً كبيراً، أولاً في الإطاحة بصدام، ثم محاكمته وإعدامه، يبدون أكثر إيجابية. وقال موفق الربيعي، المستشار الأمني السابق الذي رافق صدام إلى المشنقة: "كان (صدام) هناك، وقد حكم وأثر على العالم. لكنه كان جزءاَ من تاريخنا. كان جزءاً سيئاً من تاريخنا، لكنه صنع فارقاً كبيراً، سواء أحببنا ذلك أم لا. لا نحتاج إلى دفن إرث تلك الفترة. نحن نحتاج إلى تذكرها، كل ما هو جيد وكل ما هو سيء وتعلم الدروس. وأكثر الدروس أهمية هو أن الدكتاتورية يجب الا تعود إلى العراق". عام 2005، شكلت الحكومة لجنة للإشراف على إزالة الرموز المرتبطة بصدام، وأكد علي الموسوي، وهو ناطق بلسان رئيس الوزراء نوري المالكي، وجود أزمة وقال من مكتبه المطل على السيفين: "ليس كل ما بني في عهد ذلك النظام أمراً يجب أن نزيله. لكن هناك بعض التماثيل التي كانت تمثل الدكتاتورية والسيطرة على العراق فقط. وقد تناول بعضها الدكتاتورية والمعارك ويجب إزالتها. فهي تحمل معاني عرقية وطائفية. تماثيل صدام لا مكان لها في الشوارع. ليس من المصلحة إبقاؤها هناك. لأنها إذا بقيت فستسبب الاستفزاز في المجتمع". لكن موسوي كان أكثر انفتاحاً بشأن مصحف الدم: "علينا أن نحتفظ به كوثيقة تدل على وحشية صدام، لأنه ما كان يجب أن يفعل ذلك". وأضاف "انه ينبىء بالشيء الكثير عنه. ومع ذلك فإنه ما كان يجب أن يوضع في متحف لأنه ما من عراقي يريدون رؤيته. ربما يمكن في المستقبل إرساله الى متحف خاص، كبقايا تذكارية على غرار ما خلفه نظاماً هتلر وستالين". مع مرور الزمن من المرجح أن تغدو تركة صدام حسين على مدى 30 سنة جزءاً من نقاش أكثر تجرداً في الوعي الوطني العراقي، شبيه إلى حد كبير بالنقاش الذي جرى في ألمانيا في أواخر الأربعينات من القرن الماضي بعد خلع النازيين من الحكم. أما في الوقت الحاضر فإن فحص الضمير متروك لأولئك الذين صنعوا الأعمال المثيرة للجدل وأولئك الذين عهد إليهم أن يكونوا حماتها الموقتين. كان عباس شاكر جودي البغدادي الخطاط الذي كلف برسم خط المصحف. وقد جلس مع صدام لسنتين بعد أن تلقى مكالمة هاتفية من صدام شخصياً. وكان صدام قد قرر في ذلك الحين العودة إلى الله من جديد بعد نجاة نجله عدي من محاولة لاغتياله، وكانت نتيجة عمل البغدادي مصحفاً مكتوباً بخط رائع الجمال كان يمكن أن يشغل مكانة بارزة في معرض فني- لولا حقيقة أنه مكتوب بالدم. ويقول البغدادي متحدثاً عبر الهاتف من ولاية فرجينيا الاميركية حيث يعيش الآن: "لا أحب التحدث عن الموضوع الآن. كان ذلك جزءاً مؤلماً من حياتي أريد نسيانه". أما في الجامع فان الشيخ السامرائي متوتر. إنه يخشى من الغضب عليه من جانب الحكومة بصورة أكيدة، وربما أيضاً من سلطة أعلى بكثير إذا ما فتح الباب الأخير، وقال: "حتى لو أدخلتك، فإن عليك أن تقف على بعد 10 أقدام من الصفحات وهي كلها داخل خزائن زجاجية"، ثم يعلن قراره قائلاً: "انها لا تستحق اهتمام أي شخص. ستثير متاعب أكثر من اللازم"