بدت العاصمة صنعاء صباح اليوم على غير العادة خالية من حركة المواصلات لباصات الأجرة في شوارعها الطويلة والممتدة. وتوقفت معظم الفرزات عن العمل نتيجة لإضراب شامل لباصات النقل بعد رفض الركاب الزيادة الجديدة في أجور النقل. ولم يجد المواطنون وسيلة تقلهم إلى مقر أعمالهم إلا ركوب الدراجات النارية ذات التكلفة الأقل, بعد أن تعذر ركوبهم في حافلات الأجرة, وذلك بعد إضراب السائقين في معظم فرزات العاصمة. وكان سائقو الباصات أقدموا أمي على رفع تعرفه المواصلات (أجور الركوب)إلى أكثر من50%,وذلك بزيادة 10ريال, ليصبح اجر المواصلات30ريالا, في تمهيد لتنفيذ جرعة تعتزم حكومة الحزب الحاكم إنزالها في أسعار البنزين, وتحاشيا لموجة احتجاجات قد تنشب على خلفية إنزالها قبل رفعها عمليا عن طريق رفع أجور النقل والمواصلات. وقد أبدى عدد من المواطنين اليوم ممن اكتظت بهم شوارع العاصمة صنعاء نتيجة لانعدام وسائل نقل، استياءهم بعد أن جلسوا لساعات على الرصيف بانتظار الحصول على وسيلة نقل. وسادت موجة من التعليقات وحالات الرفض على متن باصات الأجرة على خلفية تصميم السائقين على رفع10ريال فوق تعرفه المواصلات الحالية. وتظاهر عشرات الطلاب في شارع تعز بأمانة العاصمة مطالبين بإلغاء الزيادة في أجور نقل الركاب كونهم المتضررين الوحيد لبعد مساكنهم عن الجامعة. وكانت الحكومة قد أقرت منذ بداية العام الجاري أربع جرع سعريه, حيث دشنت العام الحالي في مطلع فبراير الماضي بإقرار جرعة في المشتقات النفطية بزيادة100ريال في كل20لتر بنسبة تصل إلى أكثر من 8.3 % في البترول, وأكثر من14% في الديزل, واتبعتها في ذات الشهر بجرعة في مادة الغاز المنزلي بواقع100ريال في الاسطوانة الواحدة, كما قررت الحكومة في مارس الماضي فرض رسوم إضافية على71سلعة غذائية وخدمية. وفي تواصل لهذا المسلسل نفذت الجمعة الماضية جرعة أخرى في الغاز المنزلي برفع100ريال لكل اسطوانة. وكان مجلس النواب قد طالب الحكومة بعدم فرض أي زيادة في رسوم التعريفة الجمركية، إلا بعد استكمال الإجراءات الدستورية، وتعديل قانون التعريفة الجمركية. وقد طالب برلمانيون وخبراء اقتصاد بإقالة الحكومة على خلفية فشلها في إجراء إصلاحات اقتصادية سليمة لا يتحمل المواطن تكاليف تلك الإجراءات, وبدلا من أن تفعل ذلك تلجا إلى تحميل المواطن نتائج إخفاقاتها في إدارة البلاد بشكل أفضل, وفيما يدفع المواطن رسوما إضافية في أسعار المشتقات النفطية, يستفيد نافذون ومهربون يتاجرون بهذه الثروات إلى الخارج ولا تحاسبهم الحكومة كما تفعل مع شعبها الفقير. وكانت اللجنة البرلمانية المكلفة بدراسة تدهور سعر العملة الوطنية قد قالت في تقريرها أن الحكومة لم تتّخذ الإجراءات اللازمة لمكافحة تهريب المشتقات النفطية، سواءً التهريب الداخلي أو الخارجي، وأن 30- 40% من الدعم الموجّه للمشتقات النفطية يمكن أن ينخفض إذا ما تم مكافحة الفساد المتعلّق بتهريب المشتقات النفطية. وأشارت إلى أن الكميات المستهلكة محلياً من المشتقات النفطية غير واقعية، حيث تؤكّد جميع المؤشّرات وجود فساد كبير وتهريب للخارج، كما أن الكميات المستهلكة محلياً تزداد كلما تحرّكت الأسعار العالمية وتنخفض بانخفاضها، وذلك مؤشّر على أن وتيرة تهريب المشتقات النفطية تزداد مع ارتفاع الأسعار العالمية بفعل زيادة هامش الدعم الذي تدفعه الدولة.وأظهر التقرير ارتفاع فاتورة دعم المشتقات النفطية المستوردة من الخارج والتي تتراوح بين 48-49 مليار ريال شهرياً، وفي الجانب المقابل فقد بلغت موارد النقد الأجنبي الموجّهة لاستيراد المشتقات النفطية من الخارج عبر شركة مصافي عدن خلال الفترة المنصرمة من عام 2010 حوالي 467 مليون دولار، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة وكذا على ميزان المدفوعات. ولفت التقرير البرلماني إلى ما أشار إليه مجلس النواب في تقاريره حول الحسابات الختامية للأعوام السابقة والتي أكّد فيها وجود فساد كبير وتهريب للمشتقات النفطية للخارج. وأوضحت اللجنة البرلمانية في تقريرها إنها لاحظت أن ما جاء من قبل الحكومة بشأن مكافحة التهريب لا يعكس جدية الحكومة بالتعامل مع ظاهرة التهريب الجمركي للسلع والبضائع وكذا فيما يخص مكافحة تهريب المشتقات النفطية، كما أن معالجات الحكومة قد ركّزت بدرجة كبيرة على الإصلاحات السعرية التي يتحمّل عبئها المواطن، حيث أبدت اللجنة عدم موافقتها الحكومة في هذا التوجّه.وطالبت الحكومة بأن تكافح الفساد المستشري في كافة الأجهزة والمؤسسات وبالذات في الجهات والقطاعات التي تستحوذ على نسب أكبر من الإنفاق العام، وكذا فيما يخص الفساد المتعلّق بالمشتقات النفطية. وطالب التقرير الحكومة في توصياته بترشيد استهلاك المشتقات النفطية وإعادة النظر في مخصّصات كافة الجهات الرسمية المدنية والعسكرية واتّخاذ الإجراءات الكفيلة بمواجهة عمليات التهريب الداخلي والخارجي لهذه المشتقات، وتطوير وتأهيل مصفاة عدن بما يمكّنها من التوسّع في الإنتاج وتشجيع القطاع الخاص لتوجيه استثماراته نحو إنشاء مصافي لتكرير النفط بهدف سد احتياجات البلاد من المشتقات النفطية.