برزت الهدنة الأممية خلال العام 2022 كأهم حدث في الحرب الجارية في اليمن، ورغم انها استمرت ستة أشهر منذ مطلع إبريل/ نيسان وحتى أكتوبر/ تشرين أول، لكنها ظلت بمكاسب محدودة لليمنيين ومعركتهم من أجل استعادة الدولة وإنهاء المأساة التي تعاني منها تعز جراء الحصار الحوثي. لم تتعامل الميليشيات الحوثية مع الهدنة كفرصة للتخفيف من المعاناة الإنسانية، بل نظرت إليها كمعركة سياسية عسكرية وتجاهل تام لمعاناة الشعب اليمني وفرصة للابتزاز، وقدمت نفسها كأداة خارجية تضع المصالح الإيرانية فوق اعتبارات مصالح الشعب اليمني.
ومنذ إعلان الهدنة في الثاني من إبريل 2022 بعدد من البنود الإنسانية، ضلت الميلشيات تتحايل على الاتفاق وتمارس كافة اشكال التعنت والمماطلة والاشتراطات المتطرفة في البنود الإنسانية في الهدنة، وعملت على تجييرها لخدمة مشاريعها الدموية في اليمن والخليج العربي.
ونصت الهدنة، وفق الأممالمتحدة، على "وقف جميع العمليات العسكرية الجوية والبرية والبحرية الهجومية داخل اليمن وعبر حدوده، وموافقة أطراف الصراع على دخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة، وتدشين رحلات تجارية من مطار صنعاء إلى وجهات محددة سلفا بالمنطقة، إضافة لفتح الطرق بتعز، والمحافظاتاليمنية الأخرى".
وفي 2 أكتوبر 2022، انتهت الهدنة الأممية في اليمن، ورفضت ميلشيات الحوثي ومارست الابتزاز في فرض مطالب وشروط جديدة وصفها مجلس الأمن بأنها "معقدة"، واستغلت الحاجة الدولية للتهدئة من أجل أمن الطاقة العالمية، في اعلان تهديداتها بهجمات على منشآت نفطية في السعودية والإمارات.
انتهاكات حوثية لم تلتزم مليشيات الحوثي بالهدنة الأممية كعادتها وارتكبت خروقات عديدة بعد ساعات من سريان الهدنة، وأكدت تقارير حكومية رسمية أن ميلشيات الحوثي الإرهابية لم تلتزم بالهدنة الأممية، وقامت بخروقات عسكرية في معظم الجبهات حينها.
وكشفت الحكومة اليمنية، في أكتوبر الماضي عن مقتل أكثر من 300 مدني وعسكري على يد مليشيا الحوثي خلال فترة الهدنة التي بدء سريانها، وقال وزير حقوق الانسان احمد عرمان "أن مليشيات الحوثي رفضت تنفيذ أحكام الهدنة ومارست خروقات واعتداءات مسلحة إرهابية افضت الى سقوط أكثر من 300 قتيل عسكري ومدني وأكثر من ألف جريح بينهم نساء وأطفال"، جاء ذلك في كلمة اليمن بالدورة 51 لمجلس حقوق الانسان.
كما رصد محور تعز العسكري، ارتكاب المليشيات الحوثية 3769 خرقاً منذ إعلان الهدنة، وأوضح بيان في أغسطس 2022 "ان خروقات الميليشيات الحوثية أسفرت عن استشهاد 18 جندي وإصابة 110 آخرين، وأن الخروقات تنوعت بين قصف واستهداف مواقع الجيش بالمدفعية والقناصة والطائرات المسيرة".
وفي شهر يونيو الماضي أكدت اللجنة الوطنية للتحقيق توثيقها في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان، 245 واقعة انتهاك ارتكبت خلال فترات سابقة وسقط بسببها 263 ضحية، بينها 23 قتيل وجريح خلال فترة الهدنة الاممية المعلنة مطلع ابريل الماضي ولمدة شهرين.
اعتراف أممي بعدم تنفيذ الحوثي لبنود الهدنة
أكد المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ في احاطته لمجلس الأمن في 14 أبريل "أن الهدنة في اليمن هشة ويجب العمل على تثبيتها وضرورة فتح الطرق إلى مدينة تعز "التي تتعنت مليشيات الحوثي من فتحها كأحد أهم بنود الهدنة الأممية".
وفي الجلسة الخاصة لمجلس الأمن قال مندوب اليمن الدائم لدى الأممالمتحدة، السفير عبد الله السعدي، قال "لقد التزمت الحكومة اليمنية منذ اللحظة الأولى بكل بنود الهدنة سواء فيما يتعلق بإدخال السفن النفطية عبر موانئ الحديدة او اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتشغيل رحلات مباشرة عبر مطار صنعاء".
وفي أكتوبر الماضي أكد المبعوث الأممي إلى اليمن خلال احاطته لمجلس الأمن الدولي "أن مليشيا الحوثي عرقلت تمديد الهدنة بمطالبات إضافة من غير الممكن تلبيتها، محذراً من مخاطر العودة للحرب مجددا"، وقال: "إنه من المؤسف للغاية عدم التوصل إلى اتفاق في 2 أكتوبر بشأن تمديد الهدنة وتوسيعها".
وأضاف، "أُثمّن موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحي بشكل إيجابي، ويؤسفني أن الحوثيين جاءوا بمطالب إضافية لم يكن من الممكن تلبيتها".
حصار تعز أبرز بنود الفشل وبرز ملف فتح الحصار عن مدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، كأحد الملفات التي فشلت الأممالمتحدة في تنفيذها بسبب رفض مطلق من قبل ميلشيات الحوثي خلال نصف عام من الهدنة المنتهية، وظل تراوغ رغم استمرار تنفيذ جميع مطالبها من الهدنة.
وفي أواخر مايو/ آيار، أي في انتهاء الشهر الثاني من بدء اعلان الهدنة، بدأت مفاوضات بين وفدي الحكومة وميلشيات الحوثي برعاية أممية في العاصمة الأردنية عمان، وعند انتهاء تلك المحادثات أعلن المبعوث الاممي عن مقترح لفتح الطرق بناء على النقاشات بين الطرفين وبما يلبي متطلباتهم.
وأعلن وفد الحكومة الشرعية موافقته على المقترح الذي نص على فتح طرق نحو مدينة تعز منها طريق واحد رئيسي، بالإضافة لطريق آخر بين مدينة دمت ومركز محافظة الضالع، في المقابل رفض الحوثيين وأعلنوا انهم يعتزمون فتح طرق فرعية وعرة فقط رافضين أي نقاش حول فتح طريق رئيسي نحو مدينة تعز المحاصرة منذ ست سنوات.
وفي سبتمبر/ أيلول 2022، أي قبل انتهاء موعد الهدنة، طالبت الحكومة اليمنية، المجتمع الدولي بموقف رادع وحازم لإجبار مليشيا الحوثي الإرهابية، على تنفيذ بنود الهُدنة وفي مقدمتها رفع الحصار الكلي عن تعز، وقال وزير الإعلام الإرياني "إن مليشيا الحوثي تراوغ وتناور رافضة تنفيذ التزاماتها التي نصت عليها بنود الهدنة في رفع الحصار الذي تفرضه على ملايين المدنيين في محافظة تعز، وكل الخيارات والمبادرات التي طرحت بهذا الشأن بما فيها مقترح المبعوث الاممي".
وأضاف الارياني "أن تعنت مليشيا الحوثي في تنفيذ بنود الهدنة، ورفضها فتح المعابر وتسهيل تنقل المواطنين بين المحافظات، يؤكد من جديد للعالم اجمع مسئوليتها الكاملة عن عرقلة جهود التهدئة والحل السلمي للأزمة في اليمن، ومسئوليتها عن المأساة الإنسانية المتفاقمة لليمنيين منذ اندلاع الحرب التي فجرها الانقلاب".
وتتعرض مدينة تعز لحصار خانق منذ العام 2016، حيث يتنقل السكان عبر طرق وعرة تسببت بعشرات الحوادث وارتفاع الأسعار بسبب تكلفة النقل، فيما يضطر المواطنين للسفر نحو 5 ساعات من منطقة الحوبان (شرق المدينة حيث سيطرة الحوثيين) إلى شارع جمال وسط المدينة (الحكومة الشرعية)، وقبل حصار الحوثيين المسافة لا تتجاوز 10 دقائق فقط.
استغلال حوثي للهدنة خلال أشهر الهدنة الستة استطاعت ميلشيات الحوثي استغلال الهدنة لصالحها العسكري فقط، ومواصلة ابتزاز الحكومة الشرعية المتمسكة بالهدنة لتخفيف معاناة اليمنيين، بالإضافة إلى ابتزاز المجتمع الدولي الذي يسعى للهدنة من أجل منع أي تصعيد حوثي يهدد منشآت النفط في السعودية والامارات، في ظل أزمة الطاقة العالمية.
وقال العقيد الدكتور مروان العسلي "إن مليشيات الحوثي استغلت فترة الهدنة للتحشيد المليشاوي وإعادة تموضعها لاستعدادا لقيامها لهجماتها المتكررة على المواطنين العزل خصوصا في مدينتي مأربوتعز".
وأضاف في حديث ل"الصحوة نت"، "أن مليشيات الحوثي لم تلتزم بالهدنة منذ اعلانها وارتكبت العديد الخروقات تسبب في سقوط ضحايا مدنيين، ومستمرة في حصار تعز وترفض فتح الطرقات ورفع الحصار عن المدينة منذ ثمانية سنوات".
وأشار العسلي إلى أن المليشيات الحوثية هي المستفيد الأكبر من الهدنة المعلنة والتي هي في الحقيقة من طرف واحد (الحكومة اليمنية) حيث رفدت خزينها بملايين الريالات وأدخلت خبراء عسكريين لتدريب ميليشياتها الإرهابية وتمويل حروبها ضد المدنيين".
وكانت الحكومة اليمنية قد اتهمت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران بنهب 150 مليار ريال يمني من إيرادات النفط عبر ميناء الحديدة (غربي اليمن)، وذلك خلال فترة الهدنة الإنسانية، وقال وزير الاعلام الأرياني "أنها تكفي لتمويل دفع مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتها لمدة 6 أشهر".
رفض الميلشيات تمديد الهدنة كالعادة تضع مليشيات الحوثي مطالب واشتراطات متطرفة أمام كل الجهود والمساعي الدولية لحقيق الهدنة الإنسانية وتمديدها وقد فشل المبعوث الأممي في التواصل الى اتفاق تمديد الهدنة لستة أشهر التي انتهت في الثاني من أكتوبر الماضي باشتراط المليشيات الحوثية التي تجد الظروف مواتية لتحقيق مزيد من المكاسب، لا سيما في ظل الاحتياج العالمي للإبقاء على حالة الاستقرار في المنطقة.
وأبلغ المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرندوبرغ، في منتصف أكتوبر مجلس الأمن الدولي أن مليشيا الحوثي عرقلت تمديد الهدنة بمطالبات إضافة من غير الممكن تلبيتها، محذراً من مخاطر العودة للحرب مجددا.
وحتى الآن ترفض ميلشيات الحوثي تمديد الهدنة رغم موافقة الحكومة الشرعية، وتضع مجموعة اشتراطات معقدة منها دفع رواتب مقاتليها من قبل الحكومة في الوقت الذي تريد عدم محاسبتها على إيرادات المؤسسات بمناطق سيطرتها ومنها ميناء الحديدة.