التغيير- ناجي عبد الله الحرازي: أصعب ما قد يصيب المرء منا أن يجد نفسه وقد إختلف مع من إعتاد الإتفاق معهم والدفاع عنهم بل وخدمتهم لسنوات طويلة ، ثم إضطر للإبتعاد حتى لا يصل الخلاف إلى حد المواجهة. والأصعب أن يجد المرء نفسه وقد إضطر للبحث عن فرصة أفضل خارج وطنه بعدما فقد الأمل في أن يرى نفسه في المكان المناسب، أو بعدما سيطر عليه شعور ما بأن الأبواب صارت مقفله أمامه وإن عليه البحث عن باب جديد في عالم جديد . هذا المشاعر قد يرى البعض إنها بلا مبرر وما كان لها أن تؤدي إلى إبتعاد المرءعن وطنه وبحثه عن فرصة أفضل ، على إعتبار إن العلاقة هنا (علاقة المرء بمن أحبهم أو بوطنه ) كانت مبنية على مبادئ لا علاقة لها بالمصلحة الشخصية . لكن أخرين يعتبرون إن الخلاف وارد في كل الأحوال ، وإن أفراد الأسرة الواحدة الذين تجمعهم صلة القرابة والدم قد يختلفون متى ما تعارضت مصالحهم ، وربما لأتفه الأسباب. ويبدو إن هذا هو حال بعض السياسيين والصحافيين في اليمن ممن إعتادوا أو إعتدنا على إعتبار إنهم جزء من النظام السياسي اليمني بل من أركانه والمدافعين عنه ببسالة إلى حد إن البعض يصفهم ب"عملاء السلطة " أو ب"المخبرين" أو بما شابه ذلك . هؤلاء وجدناهم وقد تخلوا عن نهجهم السابق أو تحولوا إلى صفوف المعارضة لسبب أو لأخر بعدما تعذر عليهم التمسك بمواقفهم المألوفة أو بتأييدهم المطلق للنظام ودفاعم المستميت عنه. هؤلاء يطرحون إن واقع ما يدور في يمن "22 مايو" ، خاصة بعد حرب الدفاع عن الوحدة التي خضناها صيف عام 1994 ، والكثير من الممارسات ، وخاصة ما يفعله بعض أركان النظام أو السلطة إذا صح التعبير ، دفعت الكثير منهم ساسة وموظفين حكوميين (مدنيين كانوا أم عسكريين) إما للتخلي عن تأييدهم المطلق لكل ما تفعله الحكومة ويقرره فخامة الرئيس ، ثم محاولة الإبتعاد والبحث عن موقف مستقل ، أو لإتخاذ موقف مختلف تماما أو معارض وتحمل الأعباء النفسية والمالية وأحيانا الإجتماعية لهذا الموقف الجديد. وما زلت أتذكر تلك المواجهة الكلامية التي وجدت نفسي أخوضها مع قائد عسكري وسفير سابق قرر طلب اللجوء السياسي في دولة أوروبية والإنضمام للمعارضة "الخارجية" وتبني موقف جديد وغير متوقع على الإطلاق. كما ما مازلت أيضا أتذكر حكاية بعض زملاء المهنة الذين توفرت لديهم قناعة تامة بأنهم لم يعودوا قادرين على مواصلة عملهم كموظفين حكوميين في مؤسسة عامة مطلوب منهم تأييد النظام القائم و "التطبيل " و "النفاق" ، وبالتالي قرروا إما الإبتعاد أو التحول للمعارضة .. وبالإضافة إلى الدوافع المتعلقة بمشاعر هؤلاء تجاه الوضع العام أو إحساسهم بالمسئولية تجاه الأوضاع والسياسات العامة ، فبالتأكيد إن هناك أسبابا شخصية دفعت كلا منهم إما للأبتعاد أو لتبنى خيار المعارضة ، فمنهم من شعر بعدم المساواة أو بالظلم أو عدم حصولهم على مايستحقونه من المال والمنصب والدرجة الرفيعة ، ومنهم من توفرت لديه قناعة بأنه لم يعد قادرا على تحمل المزيد من التناقض بين أقوال الحكومة وفخامة الرئيس وأفعالهم ، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد و مبدأ الثواب والعقاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. قال لي أحد هؤلاء الذين إستقر بهم المقام في أرض الله الواسعة : لم أعد قادرا على تحمل رؤية المزيد عدم الإنصاف والمحاباة أو المجاملة وإعتماد معايير لا علاقة ها بالكفاءة أو المؤهلات أو الخبرة في التعيينات التي تجري هنا أو هناك . وقال أخر إنه لم يعد قادرا على الربط بين الكثير من ما يقوله النظام ورأس النظام ، وهو هنا رئيس الجمهورية ، بشأن محاربة الكثير من القضايا كالفساد مثلا أو بشأن و مبدأ الثواب والعقاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وبين وما يفعله أو ما يصدره من تعليمات أو قرارات جمهورية بعيدة كل البعد عن ما تتضمنه خطاب الرئيس . هذا فيما يتعلق بالسياسيين أو الإعلاميين ، أما بالنسبة لأصحاب المهن الأخري كالأطباء والمهندسين والمحامين وحتى التجار والمستثمرين ممن يبحثون فقط عن ظروف عمل معقولة وراحة بال ، ولا علاقتهم بالشؤون السياسية والإعلامية ، فحدث ولا حرج . الكثير من هؤلاء أيضا باتوا ينشدون الأفضل في بلاد الله وتخلوا عن حلم المشاركة في نهضة الوطن وتقدمه. وبعدما كانت هجرة اليمنيين أو غربتهم في بلاد الله إلى حد كبير بحثا عن لقمة العيش ، يبدو إننا نشهد اليوم موجه جديدة من المهاجرين أو المغتربين الذين باتوا يبحثون عن أشياء أخرى لا علاقة لها بلقمة العيش. وهذا لابد لأن يدفع جهات الإختصاص وولي الأمر إلى مزيد من التأمل وحل المشاكل قبل أن تصاب البلاد بنزيف حاد في عقولها ومواردها البشرية قد يصيبها بالشلل ويعيق برامجها التنموية .