سيدي الرئيس، ما يحدث في حدود جمهوريتك ليس سهلاً, فقد هُدمت صوامع وأركان، وأُحرقت جثث وأحاسيس، واستيقظت هواجس وأباليس، وتشوهت أذهان وأجساد. إننا لم نعد نميز بين صباح ومساء، فالكآبة والأحزان رداؤنا في كل وقت وحين. وهكذا هو شعوري وأنا أكتب إليك، فما إن اقترب من الفكرة أو تقترب مني حتى أغور وتغور بعيداً، وكلما حاولت أكثر سبقتني نصوص الوهم والخيال. هذه الحالة ليست وليدة موقف شخصي أو قضية تتعلق بشأن الذات الكاتبة أو ظروفها ..... إنها نتاج معضلة تمكنت من أرواح الناس جميعاً وسلبتهم تسلياتهم وحرياتهم وكراماتهم فكان هذا الشعور وكانت هذه الذهنية.. سيدي الرئيس، لقد اتسعت خارطة الجوع والفقر والموت والظلام، وكما فقدنا الثقة في حكومة عاجزة عن حمل مشروع يخلص الإنسان اليمني من الانهيار والاستمرار في ترسيخ شرعية الغاب، انعدمت الثقة أيضاً بين أطراف ومكونات الصراع السياسي المتشابهة في اللؤم والفساد، والموهوبة في فن الكذب والتزييف والإغواء وتوليد المعاناة والآلام. سيدي الرئيس، اليمن اليوم ليس في مفترق طرق فحسب، بل إن إحدى قدميه قد انزلقت فعلاً إلى دائرة العنف، وهو ما يعني ضرورة تدارك القدم الأخرى قبل أن تلحق بأختها وحينئذ ستتسع دائرة البكاء ليكون نشيداً للوطن وفاتحة لصلواته. ليس هذا من باب المبالغة أو التهويل، فالقوة الضاربة والممتدة في كل أركان البلاد ليست قوة الدولة المتمثلة في مؤسستها العسكرية، وإنما هي قوة جماعات قبيلة ودينية لها ارتباطات وتحالفات خارجية تمدها بكل ما يسر الناظرين من أدوات للموت والقهر والتعذيب، وكما ترى اليوم فإن شغلها الشاغل هو الاستعداد النفسي والحربي ليوم لا ريب فيه. سيدي الرئيس، إن هذه الجماعات الدينية والقبيلة وعصابات الفساد قد تمادت، فهي لم تكن حجرة عثرة أمامك فحسب، بل هي من كبلت الابتسامة والأمل ومشاريع الحياة برمتها في هذا الوطن. لقد أصبحت أنموذجاً شريراً لأطفالنا وشبابنا وملاذاً معرفياً وعقدياً يتربص بهم في المدارس والطرقات والمساجد. بل أصبحنا نحن أيضاً نداهنها ونغالي زيفاً في حبها، ونردد "قلوبنا معك لكن سيوفنا معها" خشية ألا تداهمنا صحائفنا على حين غرة. سيدي الرئيس لن تنقصك الفطنة والحيلة في إملاء الفراغ وإغلاق نوافذ وأبواب الشر قبل أن يلوثوا الأجواء ويتمكنوا من مقابض النوافذ والأبواب وحينئذ ستعجز أو في أقل تقدير ستحجم عن القراءة والبحث عن ما يفقدك البهجة والكبرياء، وسترضى حينئذ من الغنيمة بالإياب. فخامة الرئيس كل شيء في هذه البلاد لا يشبهه شيء، كل شيء يدركه الخطأ والتعسف، بما في ذلك محيطك المليء بالثقوب، والمشحون بالحماس الزائف والهادف إشباع نوازع شخصية وحزبية ليس إلا. فلتنتبه يا سيدي من جولات البلاط وصولاته، وتشريفات المستشار والريح التي تأتيك من قبل بابه الشرقي، وذلك قبل أن يلحقوك بقائمة التعازي التي مللنا منها كل مساء، أو يمنحوك راتباً تقاعدياً لا يغطي طباعة فصل من فصول مذكراته. أما الحكومة يا سيدي فأنت أبصر مني بوجهها القبيح جداً، وأعلم برائحتها التي أزكمت الأنوف، لقد بلغ بها العجز أن تفكر فقط كيف تغطي مرتبات موظفي الدولة، وبلغ بنا أننا لم نعد نطلب منها خمراً وعسلاً كما وعدنا أحبار الثورة المزعومة، وإنما نستجديها عبثاً قطرات من الماء والبنزين أو بصيصاً من الضوء أو منفى تسوقنا إليها لعلنا نعيد ما سرقته من أرواحنا وأذهاننا وأجسادنا. فخامة الرئيس لقد بلغ بهذا الشعب من المآسي والآلام ما يصعب توصيفه، فلتنتصر له بالانقلاب على الفاسدين وحز رؤوس الكهنة، أرجوك أن تفعل ولا تخشى أصداء همهمتهم وروائح مباخرهم، فهي -وإن بدت لك فظيعة وصلبة - أوهن من خيوط العنكبوت. صحيح أعرف أن معازفهم وأبواقهم ستدوي هنا وهناك، لكنها ستصمت سريعاً فليس لها مؤلف بارع ولا فكرة صائبة، وليست أسطورية كما يصورون. سيدي الرئيس لا شيء أمامك سوى حركة واحدة، حركة الهدم والبناء، هدم قصور الفاسدين وبيوت المدلسين والمخالفين لمنطق الحياة، وكبت طيشهم وجنونهم بحزم، ومن ثم البناء من جديد. أعلم أنه ليس فعلاً سهلاً لكنه آخر الدواء، وآخر الدواء وأصعبه كما يقولون الكي، فعليك به قبل أن تتلاشى ونتلاشى جميعاً أمام المغامرين والمقامرين بالوطن.