رغم علمنا بما يدور في هذا البلد من أحداث، وما يُحاك للوطن ولنا كشعب من مؤامرات ومن فتن ودسائس وإحباطات.... رغم علمنا بذلك ورغم اختزان ذاكرتنا الجمعية لأبرز أسماء العابثين في مرتع هذا الوطن الكبير من قتلة ومن متآمرين إقليميين ودوليين إلا أننا عادة ما نُظهر التغابي ونتصنع التعامي إزاء معضلة كهذه هي من نسج وغزل كل هؤلاء مفضلين الهروب في كل مرة تقع فيه فؤوس هؤلاء القتلة على رؤوسنا إلى صومعة الرئيس وإلى محرابه المنكفئ فيه في الستين، مطالبين إياه بمكاشفتنا بما يجري وتحديد من هوى بفأسه في اتجاه رؤوسنا ومن أعمل بنا كل هذا القتل وهذه الدماء. مشكلتنا التي ندفع في مقابل استمرارها -منذ زمن- أثماناً باهظة من دمائنا ومن أرزاقنا ومن أقوات يومنا ومن أمننا واستقرارنا هي في إصرارنا على المضي في تغابينا وفي تعامينا إلى مسافات هي الأكثر خطورة بين كل المسافات التي قطعناها خلال مجمل أسفارنا التي لم تتوقف منذ أوائل ستينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا. ما من أحد في هذا البلد سواء كان يتمتع بكامل قواه العقلية أو يعاني من خلل في هذه القوى إلا ويحفظ عن ظهر قلب كل المحطات الدموية التي مر بها الوطن، فضلاً عن اختزان ذاكرته لأسماء القتلة ومحدثي الفوضى والخراب والدمار في كل محطة من هذه المحطات التي يحتفظ التاريخ بأدق تفاصيلها. مطالبة البعض للأخ الرئيس بكشف ملابسات الأحداث والجرائم التي جرت خلال فترة حكمه لا أجد له تفسيراً غير في كونه يُعد هروبٌ من قبل هذا البعض من تحمل مسئوليته الوطنية والأخلاقية طالما يعرف الكل حق المعرفة مصدر هذه الجرائم ومصدر هذه الأحداث الدموية ولو من منطلق السؤال عمن هو المستفيد من هذه الأحداث الدموية. كثيرٌ ما يؤخذ على الرئيس هادي الحافلة فترته الرئاسية بكثير من الأحداث الدامية والمؤلمة والخطيرة عدم مكاشفته لمواطنيه بحقيقة وأبعاد مجمل الأحداث التي جرت خلال عامين ونصف العام من تصدره للمشهد السياسي في هذا البلد. السؤال هنا: ماذا لو قرر الرئيس فجأة مكاشفتنا بما يتوفر لديه من معلومات حول كثير من الأحداث الدامية التي جرت خلال فترة حكمه؟ ما الذي سيطرأ على الموقف الشعبي من تغيير، وما الذي سيتبدل في واقعنا اليومي المذل والمخزي تجاه كثير من الأحداث التي يعرف كل مواطن في هذا البلد أسماء محدثيها عن ظهر قلب ؟! بالتأكيد لا شيء سيتغير أو سيتبدل، إذ كل ما سينجم عن هذه المكاشفة هو حشر الرئيس في زاوية حرجة في مواجهة قوى إجرامية متحالفة ضد الوطن وضد طموحات أبناءه مسنودة بقوى خارجية إقليمية ودولية تجمعها مشاريع ذات صبغة تآمرية على حاضر ومستقبل هذا البلد وأبناءه. لا جديد سيطرأ على هذه المكاشفة إذا ما ركب الرئيس عقله وخرج على الشعب ليدلي بدلوه إزاء ما يجري في هذا البلد من خراب ومن دمار ومن استهداف لادمغته ومفكريه ووطنييه والذي لن يكون آخرهم القامة الوطنية والهامة العلمية الدكتور/ محمد عبدالملك المتوكل. الكل في هذا البلد يعرف مصدر آلامه وأوجاعه لكن هذا الكل اعتاد على تحميل كل ما يلحق به من مآسي ومن محن وكوارث على من يجلس على كرسي الرئاسة دون أن يكلف هذا الكل أو البعض نفسه مشقة الانتفاضة والوقوف في وجه من يتآمر عليه ومن ينغص عليه معيشته ومن يشده من أطرافه نحو أكثر من هاوية وأكثر من مجهول. لقد لفت انتباهي مقال للأخ محمد عايش رئيس التحرير نشر يوم الثلاثاء الموافق 4/11/2014م بعنوان"إني أتهم" اختزل فيه هذا الكاتب المميز والشجاع معاناة هذا البلد ومأساة مواطنيه لمجرد وضعه النقاط على الحروف دون خوف أو التفاف على الحقيقة المُرة التي لا تخطئها ذاكرة مواطن سوي ينزع للحرية وللحياة الكريمة... هذه الحقيقة المتمثلة بأسباب ومصدر معاناة هذا البلد وأهله والتي حصرها بخمسة أسماء هي: علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر، ومحمد اليدومي، وغالب القمش، وأولاد الأحمر. التغابي أو التعامي أو القفز على هذه الثوابت المسببة لكل كوارثنا لا يعني غير قبولنا كشعب باستمرار المأساة من خلال استمرار هذه الأسماء في مزاولة أنشطتها الهدامة في طول الوطن وفي عرضه. مكاشفة الرئيس لنا حول حقيقة دور هذه الأسماء في رسم المشهد المعتم الذي يبدو عليه الوطن حالياً لن يقدم أو يؤخر في شيء؛ طالما الخلل لا يكمن في معرفتنا لهذه الأسماء من عدمه! وإنما في انهزامنا من داخلنا وفي تسليمنا بأن هذه الاسماء باتت قدر محتم علينا لا يمكن الخلاص منها غير بتدخل إلهي وهنا تكمن مشكلتنا. ما أحوجنا لكتابات بهذا الوضوح الذي انتهجه الزميل محمد عايش في كثير من كتاباته... ما أحوجنا لهذه الشفافية المطلقة البعيدة عن أسلوب الدوران والتحليق عند الكتابة في فضاءات وعلى ارتفاعات هي أبعد ما تكون عن موقع الجلاد وعن تماس أخطاره المصوبة نحو محيطه. ما احوجنا في هذا الظرف العصيب الذي نمر به لمن يضع أصبعه على مواضع آلامنا وأوجاعنا كون ما نحتاجه هو للتشخيص الدقيق الذي يقودنا إلى الخلاص من بواعث ومصادر هذه الآلام وهذه الاوجاع لا للتنظير الذي أوقعنا في هذا الشرك وفي هذا النفق المظلم منذُ أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمن. [email protected]