منذ بدأت عملية "عاصفة الحزم" ضد أهداف عسكرية هامة تابعة لكل من المخلوع علي صالح والحوثيين، انتشرت الشائعات والأكاذيب على نطاق واسع، تخللها البحث عن انتصارات وهمية، واختلاق أكاذيب تهدف إلى التغطية على العجز والهشاشة التي ظهر عليها الجيش اليمني الموالي لعلي صالح وعائلته، وكذلك ميليشيات الحوثيين، لدرجة أن سقوط طائرة سعودية في البحر العربي عد نصراً عسكرياً كبيراً، فالغريق -كما يقال- يتعلق بقشة، رغم أن الطائرة سقطت نتيجة خلل فني وليس بسبب الدفاعات الأرضية اليمنية القديمة والمتهالكة والتي تقصف إلى الجو بشكل عشوائي. لعله من المناسب القول إن عملية "عاصفة الحزم" كشفت عن هشاشة التسليح والتدريب لكل من قوات الجيش الموالية للمخلوع علي صالح وميليشيات الحوثيين من جانب، ومن جانب آخر، كشفت عن قوة واحتراف الجيش السعودي، وأعتقد أنه لأول مرة في تاريخ الحروب يقوم جيش دولة بقصف أهداف عسكرية في دولة أخرى تقع داخل وأطراف مدن رئيسية وكبيرة دون سقوط ضحايا مدنيين، بل وبدون سقوط حتى طائرة واحدة، رغم الدفاعات الأرضية التي أزعجت سكان العاصمة وسببت الهلع والذعر، وهي دفاعات بدائية وقديمة لا تستطيع التصدي للطائرات الحديثة ك إف16 وغيرها، فضلاً عن حدوث العديد من الإصابات بسبب الرصاص الراجع من الجو بشكل يومي. أخبرني أحد الجنود في أحد معسكرات الحرس الجمهوري (الاسم السابق للقوات العسكرية الموالية للمخلوع علي صالح وعائلته) والواقع في العاصمة صنعاء، أن القنابل الذكية التي تقصف بها الطائرات السعودية على المعسكر تستهدف تماماً مخازن الأسلحة، وأنه لم تسقط حتى قذيفة واحدة على أماكن سكن الجنود، وهذا يدل على الدقة في الأهداف والقدرات التدريبية الاحترافية العالية والمعلومات الاستخباراتية الدقيقة، ولا أدري كم من السنين نحتاجها حتى تتمكن اليمن من بناء جيش وطني مدرب تدريباً عالياً وذو إمكانيات تسليحية عالية. وخلال أيام قليلة من القصف، تمكنت القوات الجوية السعودية وقوات التحالف العربي من تدمير مقرات القيادة ومنصات إطلاق الصواريخ وعدد من المطارات والموانئ، كما تمكنت من تدمير عدد كبير من مخازن الأسلحة والصواريخ الباليستية والطائرات وغيرها، بالإضافة إلى قتل عدد كبير من المقاتلين الحوثيين في معسكرات تدريب خاصة في صعدة، ومازالت العملية مستمرة حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، بحسب تصريحات عسكريين سعوديين. صحيح أن الضربات الجوية لن تتمكن من تحقيق نصر عسكري نهائي، وأن المواجهات على الأرض هي من ستحسم المعركة، لكن هل الحوثيون قادرون على مواجهة قوات التحالف العربي في حال قررت إدخال قوات برية إلى البلاد لحسم المعركة؟ في الواقع، الحوثيون سحبوا مسلحيهم من المواقع العسكرية المستهدفة بالقصف، ومازالوا يراهنون على تدخل بري، كون ذلك سيمكنهم من حسم المعركة لصالحهم، خاصة وأن العنصر البشري الحوثي بأسلحته التقليدية لم يتضرر من الضربات الجوية، وهذا أيضاً ما يراهن عليه مؤيدو الحوثي، ويتحدث به بعض المراقبين الذين مازالوا على تنظيراتهم التقليدية في تحليلاتهم للمواجهات العسكرية. هناك عدة اعتبارات يجب أخذها في الحسبان عند الحديث عن المواجهات البرية -إن حصلت- بين الحوثيين وقوات التحالف العربي، سنوجزها كما يلي: - الحروب الحديثة لا تقتصر على الحروب الجوية فقط أو البرية فقط، بل فهي تشمل الضربات الجوية والتقدم البري والإمداد من البحر، بالإضافة إلى الإمداد والدعم اللوجستي، وفي حال دخلت قوات برية إلى اليمن، فإن الدخول سيكون عن طريق الإنزال الجوي وليس الدخول المباشر من الحدود إلا للضرورة، وهذا الإنزال سيكون في مناطق استراتيجية من الناحية العسكرية، كما أن التقدم البري سيتم إسناده بقصف جوي يستهدف المواقع التي يتحصن فيها الطرف الآخر. أيضاً، فإن القوات البرية ستستخدم أسلحة حديثة لا يمتلكها الحوثيون، دقيقة من حيث تصويب الأهداف وبعيدة المدى، وهنا، فإن رهان الحوثيين على الحرب البرية رهان خاسر. - الحديث عن أن الطبيعة الجغرافية الجبلية لليمن ستمكن الحوثيين من تحقيق نصر على أي قوات برية تدخل اليمن، فهذا أيضاً رهان خاسر، فالقوات البرية سيتم إسنادها بمقاتلين قبليين يمنيين، بالإضافة إلى قوات من الجيش غير الموالي للمخلوع علي صالح وعائلته، وهذه القوات ستكون قادرة على التعامل مع الطبيعة الجغرافية، والأهم من هذا كله، أن قوات التحالف العربي التي ستدخل اليمن برياً ستكون قادرة على التعامل مع مختلف التضاريس، كونها تلقت تدريبات عالية بهذا الخصوص، وهي قوات احترافية، وليس كقوات الحوثيين وعلي صالح البدائية من حيث التدريب والتسليح. - الضربات الجوية تمكنت من تدمير عدد كبير من الأسلحة التي كان من الممكن استخدامها في حال دخلت قوات برية إلى اليمن، وخاصة سلاح الطيران والصواريخ والدبابات، وهو ما يعني أن المقاتلين الحوثيين سيخوضون المعركة بأسلحة الكلاشينكوف والقنابل العادية والرشاشات قصيرة المدى، أمام قوات لديها إسناد جوي وصواريخ ورشاشات بعيدة المدى وقنابل ذكية ذات قدرات تدميرية عالية، بالإضافة إلى قدرات احترافية للتعامل مع الطبيعة الجغرافية المعقدة والصعبة وحرب العصابات وحروب الشوارع. كما لا ننسى أن ميليشيات الحوثيين لم تتمكن من حسم المعارك الحقيقية التي تخوضها في داخل البلاد لصالحها، مثل معارك الجوف ومأرب والبيضاء، رغم أن المسلحين الحوثيين واجهوا قبائل أسلحتها محدودة وغير مدربة وتحارب بأساليب بدائية، فكيف سينتصرون على قوات برية مدربة تدريباً عالياً ولديها أسلحة حديثة ومتطورة. إذن، نستنتج مما سبق أن رهان الحوثيين والعفاشيين على الحرب البرية رهان خاسر، وفي كل الأحوال فإن ما سيقدرون عليه، في حال صمدوا، تأخير حسم القوات البرية العربية المعركة لصالح الشرعية الدستورية.