بدأت حركات التوعية الصحية بالكوليرا كعنوان مبتذل للصحفيين والأطباء واللاإنسانيين بينما ينتشر هذا الطاعون ليحصد الفقراء المرضى المفجوعين بسوء التغذية الذين عاشوا ويعيشون في أكوام من الأحجار والاسمنت أو الجص البارد الحاضن لطاعون السل أو تلك البيوت التي هي مزارع لكثير من الآفات تحت المجهر. تلك البيوت التي هي أشبه بمراحيض مظلمة تزكم الأنوف كما تزكمها شوارع العاصمة ، ومع أنها بهذه الموصفات فقد كانت غالية الثمن يتعاقب عليها سماسرة وجشعين خلت عنهم إنسانية الإنسان وكرامته. اليوم وشعبنا العظيم الذي قاد ثورة الخريف المبتذل وتسابق عليها ليعيش فترات من العيش الرغيد مستغلا هبات التجار والساسة والمنافسين و كأنه يتخلص من سجون اختيارية يدفع ثمن بقائها ما جادت به يده؛ تلك اليد المتعبة إن وجدت أجرها وقل أن تجده من أرباب العمل المستغلين للعمال الذين بدأ عليهم أثر الاستبداد المتخم فأفقرهم بالفواحش المهلكة. تلك اليد التي تدب يومها من أول نهارها حتى آخره تدفع أجرها أو أكثره على السجن العقاري وتلك الكهوف القاتلة، فيدفع المستأجر ثمن وقته وحياته وجهده على ما يقتله. اليوم طاعون الكوليرا ومن قبله حمى الضنك تحصد أموال الفقراء قبل حصاد أرواحهم ومصائبهم غنائم لكثير من الأطباء الذين امتهنوا الطب وأسقطوا شرفه ليكون كغيره من مهن النخاسة والمهن المتبذلة وأودعت شرف هذه المهن وكرامتها في سلوك اليمني الأكثر ارتباطا بالحاجة إن كان مواطنا والبحث عن الثروة إن كان موظفا. قبل أن أتحدث عن فساد الطبيب ! لماذا المواطن يعاني من الفساد ويحتاج من يتحدث مكانه ويدافع عنه، وفي المقابل لا يبذل جهدا في الدفاع عن حقوقه أو حماية نفسه بأبسط ممكناته وأدواته. النظافة صحة وعبادة وطاعة وصدقة " نظفوا أفنيتكم " "إماطة الأذى عن الطريق" حتى أن الجلوس في الطرقات من الأذى " اياكم والجلوس في الطرقات" كل هذه التعاليم النبوية نحفظها جيدا ولكننا شعب متدين وفاسد في الوقت ذاته نعيش انفصاما متناقضا بين رسالتي ووجودي وبين كينونتي وكياني .. الحيرة والتذبذب سلوكا نفسيا معديا قد يبدأ بفرد وتنتقل العدوى في المجتمعات هكذا يقول علماء النفس. القمامة في اليمن لم تأتي من السماء وليست هي بركان من الأرض ولم تأتي بذاتها وإنما هي مولود بشري أوجدتها سلوكيات الفرد والمجتمع. قد يكون ثوبك متسخا فتسي إلى نفسك أما أن تكون مدينتك متسخة فذلك يستدعي نقل مجتمعات الدولة إلى أطباء نفسيين ... لأن القذارة أصبحت سلوكا عاما، ومثل هذه المجتمعات لا تبني دولة ولا مدنية أو عالم من الإنسانية المتسامحة والكريمة ،، فالإساءة بالمثل سلوكا جماعيا والأنا سلوكا عاما والأنانية والقذراة سلوكيات مقززة .. الكوليرا تحصد الأموال والأرواح والشعب لا يجيد سوى الحوقلة وينتظر المهدي أو أسطورة صوفية برهمية تغير الواقع وكأنه يرى أن الصبر على المعاناة اختبارا إلهيا وينسب إلى الإرادة الإلهية إرادة الشر وحاشاه سبحانه.. فالشر فساد وهو لا يحب الفساد والقذارة مفسدة وهناك فرق بين أن يكون الأمر اختياريا أم اضطراريا ... الكوليرا طاعون بعلم الله وهي من جنود الله و ارتبط وجودها بإرادة مجتمعية " بما كسبت أيدكم" ... فماذا لو نزل الطبيب والصحفي والشيخ والموظف والطالب والمثقف ليكون قدوة للعامة والمواطنين في حملة نظافة كل أمام بيته ومتجره وفي حارته ... معا للقضاء على طاعون الكوليرا بالنظافة التي هي عبادة عملية فعلية فيها حياة النفس وطهارتها " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" وهنا يمكننا الاعتراف أن الشعب النظيف هو الشعب الذي يستحق الحياة أما الشعوب القذرة فستقبى جزءا من زبالة الواقع لا تستحق الحياة وستتحدث الأجيال القادمة عن شعوب اعتنقت الإسلام لكنها لم تعرف أبسط معانيه .. ماذا لو اشتغل خطباء المساجد بالنظافة عن السياسة! فما يقتل بالأمراض يزيد على عشرة أضعاف ضحايا الحروب فماذا لو تحدثوا عن الحياة وكانوا سببا في حياة نفس توشك أن ترحل بالكوليرا ولم يشاركوا في في نفس تهلك باسم الإله والتوقيع عنه في حروب السياسة والاقتصاد والبحث عن المدنية التي تحتاج لها شعوبا واعية متدينة تبدأ حضارتها بنظافتها. القضاء على الكوليرا و 99% من الأمراض لن تكون إلا بنظافة الغذاء أونظافة الفناء .... .... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet