يبدو أن معظم الأنظمة السياسية العربية تدير قراراتها بناء على فلسفة الإعلام والتوجهات الشخصية والتخمينات والحدس والتكهنات غير المنطقية وعندما تتلمس الواقع تجد نفسها في مأزق يدفعها للفرار منه وهيهات أن تنجو بالفرار ومع هذا لا تجد لها بدائل جديدة لتصحيح الأخطاء وتلافي الهفوات وإنما تعيد البداية بنفس الأخطاء أو تمارس الخطيئة. كذلك فإن الكثير من الجماعات التنظيمية تعتقد أن نهاية التاريخ يكون بموت قائدها لا سيما إذا كان متميزا بقابلية كاريزمية شعبية ومن ثم تتحلل الجماعة وتتجزأ وهذه من الأزمات النفسية المتعلقة بالأسطورة بينما تتفجر طاقات الجماعات العقائدية التي تستشعر مظلوميتها وتعيد انتاج ذاتها. والصراع في اليمن ليس كغيره من الصراعات لا سيما إذا كانت المعركة في صنعاء تلك المدينة التي تعتبر أكثر مناطق الجمهورية استسلاما وأكثرها تقلبا كتقلب قادتها وأفرادها وهي كوفة اليمن وعراق شبه الجزيرة العربية دوما تقف إلى جانب الجلاد وتستلم للأقوى والأكثر مالا وتأثيرا وإقناعا وعنفا. وقد تتشابه المناطق الزيدية في تكويناتها النفسية وتتميز بارتباط وشائج القربى مما يجعل التضحية بشيء أفضل من أن يذهب كل شيء، وفي المقابل التاريخي استطاع محمد بن يوسف الثقافي أن يسيطر عليها سيطرة تامة بنفس سياسات الحجاج في العراق بينما فشلت دولة بني العباس من السيطرة عليها مع أنهم من بني هاشم إلا يسيرا من حكم بداية حكمهم ويرجع ذلك الى اختلاط وتغير جينات حكام بني العباس المعادين للجنس العربي ابتداء بعهد المأمون من أم فارسية وحتى نهاية الدولة العباسية . وقد يكون طبيعة المعتقد الثوري والشعور بالمظلومية سببا لاعوجاج مواطنيها، فليس هناك ولاءات دائمة وإنما هي مصالح دائمة. كان الرئيس صالح مدركا لطبيعة هذه المنطقة ونفسياتها فأنشأ لها مجلس شؤون القبائل وميزانية خاصة لشرائها وكانت سيادة الدولة وقوتها في المدن الحضرية للمناطق الزيدية وسعى مسعى إدارة القبيلة للدولة معارضا مبدأ المدنية وإدارة الدولة إدارة مركزية وحضارية. وهكذا تغيبت سيادة الدولة تماما في مناطق سيطرة المشيخيات القبلية وخصوصا في صعدة التي تقاسمها النفوذ الشيعي السلفي. كان الشيخ عبد الله حسين الأحمر أكثر تأثيرا كشخصية حازمة في منطقة حاشد وأكثر فهما لطبيعة هذه النفسيات واستطاع بما لديه من مكانة لدى الرياض الداعم الرئيس للنفوذ القبلي والعسكري في اليمن وأيضا اتساع نفوذه في مؤسسات الدولة اليمنية من ربط مشائخ حاشد وكذلك بعض مشائخ صنعاء وبكيل بأعطياته الشهرية واللقاء الدوري بهم متنقلا بين صنعاء وعمران بينما لم يكن لأي من أبناءه تلك الصفات الشخصية التي كانت له، ولم يكونوا بمثل سخاءه وحزمه وارتباطه بقضايا الناس ومشاكلهم والحفاظ على عادات وتقاليد الأعراف القبلية التي كانت بمثابة دستورا مقدسا وأشهرها فيما يعرف بالعيب الأسود بالذي لم يعد موجودا والذي كان بديلا رئيسيا لمبدأ الحاكمية. وبما أن المنطقة مرتبطة بالمذهب الزيدي ومعادية لبني أمية فقد استطاع الشيخ الأحمر أن يكون رئيسا للتجمع اليمني للإصلاح الذي كان منشأه سلفيا مع استمرار تمسكه بالمذهب الزيدي الذي هو دين القبيلة ومعتقدها وهو ما دفع بجامعة الإيمان لإدراج المذهب الزيدي والاعتراف به كمذهب خامس في سابقة لم يكن لها وجود في التاريخ ولم تتلقه الأمة بالقبول ولم يرتقي إلى مستوى منهج ابن حزم في الفقه أو الأشعرية في العقيدة بل كان أحد قنطرة لعقائد التشيع وذلك لكونه لم يكن ثريا كثراء المدارس الفقهية الأربعة إلا ما نقل بعض رموزه عن المعتزلة والفقه الحنفي وعقائد الخوارج الثورية وحاكمية القرآن التي قتل بها علي في صفين وبها تقتل اليمن. وفي المقابل كان الشيخ مقبل الوادعي في صعدة أكثر تأثيرا وارتباطا بقبيلته الحامية له وبعد رحيله لم يستطع أحدا أن يكون بحنكته وقدرته وحكمته. وخلفه الحجوري وهو من منطقة حاشد أكثر ضعفا أمام كاريزمية الشيخ مقبل الوادعي وحزمه وإدراكه لعادات المنطقة وتقاليدها وأكثر تأثيرا في كثير من مناطق اليمن ومن بعد موته انقسمت السلفية وتوسعت وتعددت أقطابها وضعفت قوتها المرجعية برحيل مؤسسها الأول. وهكذا المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتمتع بشخصية قائده المؤثرة على أنصاره قبل أن يتخلى عنه الكثير من محبيه الذين بذلوا له ما يريد قبل أن يستغلهم الحوثي في الشراكة التي ضيعت اليمن في سلسلة من الحروب اللامتناهية واللامنتهية الا بحلول جذرية ترتبط بإرادتي القوة والفكرة. وهكذا وبعد أن سلم صالح دولة بأكملها لجماعة مرتبطة بالعنف حاول تصحيح هذا المسار الخطأ وانتهى دوره بنهاية حزبه الذي قضى على توازن القوى في الدولة ومع نهاية الحزب انتهت مقومات دولة واحتكرتها طائفة أكثر عنفا وغدرا وجهلا وخيانة. وانتهى حلم الامارات تماما في استعادة الرئيس صالح ولكن ارادتها في ترشيح ولده يسعى لإبقاء اليمن في سلسلة حروب وأطماع لا سيما وأن الأحزاب والديمقراطية جزءا من إشكالية وأزمات الدولة وانهيارها وأن إرادة القوة العادلة والتنمية الشاملة هي أساس استقرار البلدان واستمرارها. غير أن سياسة دول الخليج التي ترتبط بعقلية الماضي المتكلسة بإدارة القبيلة والسلطة والثروة لم تعد مجدية كما أن إدارة الشعوب إعلاميا وثوريا لم تعد مناسبة فالتعامل مع الواقع المنفتح المليء بالتنوع الأيدلوجي والعقائدي والعشوائي يحتاج إلى استراتيجيات معلوماتية للتعامل مع الواقع بناء عليها وليس أن تكون حقلا للتجارب فالحروب لا يكون قراراتها إلا بناء على مآلاتها ومدتها وقيمتها وإمكانياتها. ... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet