زف لنا مجلس تنسيق نقابات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية عبر أحد مندوبي النقابات المتواجدين في العاصمة المؤقتة عدن نبأ قرار حكومة اليمن (الشرعية) في عدن التي يعترف بها المجتمع الدولي بالبدء بصرف نصف مرتب شهري لمنتسبي الجامعات الحكومية الواقعة تحت سيطرة حكومة (الأمر الواقع) في صنعاء ابتداء من شهر يناير 2019م، بعد انقطاع مرتباتهم منذ شهر سبتمبر 2016م، اللهم إلا من أنصاف مرتبات تصرفها لهم حكومة صنعاء كل ثلاثة أو أربعة أشهر. وعلى عكس ما كانت تتوقع الحكومة في عدن فقد قوبلت هذه الخطوة بامتعاض واضح من كثير من المشمولين بذلك القرار إن لم يكن معظمهم، وكان سر ذلك الامتعاض هو النظرة الدونية التي شعروا أن حكوماتهم تنظر بها للجامعات ولأساتذتها، الذين يفترض أنهم يعدون جزءا من نخبة المجتمع وقادة الرأي. خصوصا وحكومة عدن كانت قد انتظمت منذ أكثر من عام بصرف مرتبات القضاة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء كاملة دون نقصان، رغم أن مرتبات القضاة تفوق مرتبات أساتذة الجامعات بما يقارب الضعف، مع العلم أن القضاة في معظمهم من حملة شهادة البكالوريوس، على عكس أساتذة الجامعات الذين يحملون شهادات ودرجات علمية عليا. وأيضا سبق لنفس الحكومة الشروع بصرف مرتبات جميع الموظفين المتقاعدين في المناطق التابعة لحكومة صنعاء، وهي أيضا تصرف لهم مرتباتهم كاملة دون نقصان، رغم أن أعدادهم تفوق كثيرا أعداد أساتذة الجامعات وموظفيها. كل ذلك جعل أساتذة الجامعات يقفون مستغربين أمام التبرير الذي وضعته تلك الحكومة بالاقتصار على صرف نصف مرتب لهم، وقولها أن ذلك يعود لقلة الموارد، حيث جعلتهم المعطيات المذكورة أعلاه لا يقتنعون بذلك التبرير، خصوصا أن رؤساء الحكومات هم دكاترة جامعيين في الأساس، سواء رئيس الحكومة الشرعية السابق (بن دغر) أو الحالي (معين عبدالملك) وكذلك رئيس حكومة الأمر الواقع (بن حبتور)، وهو ما يثير الاستغراب من عدم تفاعلهم مع هموم أساتذة الجامعات ومراعاة الظروف التي يمرون بها. إلى جانب أن المرتبات الكبيرة التي يستلمها كبار المسؤولين في حكومة عدن التي تنوي صرف الأنصاص لأساتذة الجامعات يجعلنا لا نقتنع بأن ذلك يحدث لقلة الإمكانيات، فهم يستلمون مرتباتهم بالدولار، وتتراوح تلك المرتبات مابين ثلاثة آلاف دولار وسبعة آلاف دولار، أي أنها تساوي أضعاف مضاعفة لمرتبات دكاترة الجامعات، التي تبلغ في المتوسط في حدود خمس مأة دولار للدكتور، ما يعني أنها مجرد فكة لمسؤولي تلك الحكومة، ومع ذلك استكثرتها وقررت صرف النصف منها فقط. وبالإضافة إلى كل ما سبق لا يخفى بأن ذلك الإجراء سيخل بمبدأ المواطنة المتساوية بين أساتذة الجامعات، عندما يتم الصرف للعاملين في الجامعات التابعة لحكومة الشرعية مرتب كامل، بينما يصرف لغيرهم نصف مرتب. خصوصا أن ما سيتم صرفه هو مرتبات وليس معونات ستقدمها الحكومة، والمرتب حق لا يجوز مساومة الموظفين عليه أو استغلال ظروفهم وعوزهم لتسليمهم جزء منها فقط. قد يقول قائل بأن حكومة عدن ليست مسؤولة عن صرف مرتبات موظفين يتبعون حكومة أخرى، ونحن نقول بأن تلك قضية أخرى وليست موضوع حديثنا هنا، وقد تطرقنا لها في مقالات سابقة، فنحن نتحدث هنا عن الانتقائية التي تتعامل بها حكومة عدن مع الموظفين التابعين لحكومة صنعاء، فهذه الجهة تصرف لها مرتب كامل، وتلك تصرف لها نصف مرتب، وثالثة لا تصرف لها، من غير الاستناد على أي معايير قانونية أو منطقية مقنعة. أما قصة عبث حكومة صنعاء بمرتبات موظفيها، واقتصارها على صرف مرتبات المقربين منها فقط بمسميات مختلفة وبأكثر من المرتبات الرسمية التي يستحقونها، بطريقة تتم من تحت الطاولة، بينما تقوم بحرمان غيرهم من موظفيها من ذلك، وتكتفي بصرف أنصاف مرتبات بشكل موسمي فهي قضية أخرى وقد تحدثنا عنها أيضا أكثر من مرة. لكننا اليوم هنا بصدد الحديث عن نية حكومة عدن بصرف نصف المرتب لبعض الجامعات، وأردنا أن نسلط الضوء على عيوب ومحاذير مثل تلك الخطوة علهم يتداركون الأمر ويعملون على تصحيحها قبل السير فيها.. وطبعا يكون التصحيح بصرف المرتبات كاملة وليس بإيقاف الخطوة كما قد يتبادر لذهن بعض (دهاة المسؤولين). ويبدو أن الحكومتين المتصارعتين قد اختلفتا في كل شيء، لكنها اتفقت بشكل عجيب ومريب على إذلال أساتذة الجامعات بشكل خاص، وتجويع كل الموظفين العموميين بشكل عام، لغرض في نفس يعقوب لا يعلمه إلا الله والراسخون في علم العبث والفساد.. والله المستعان على ما يصفون.