بدت الزيارة التي قام بها عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، إلى روسيا في شهر مارس الجاري، لافتة في توقيتها ومثيرة للتساؤلات حول أبعادها، وإن كانت محاولة شد الدب الروسي إلى مستنقع الصراع اليمني تلوح في الأفق، خصوصاً أنها لم تكن بدعوة من موسكو بل بطلب من المجلس المنادي بانفصال جنوباليمن. الموقف الروسي منذ بداية الحرب في اليمن حاول أخذ مسافة من الجميع بما يحقق مصالحه وصفقاته مع التحالف بقيادة السعودية، في مقابل عدم إبراز الفيتو في وجه أي قرار لمجلس الأمن ولم ينحَز للتحالف بشكل يضر بحلفاء حلفائه الإيرانيين "الحوثيين"، وحتى حين كان الرئيس المخلوع صالح حياً كانت سفارة موسكو بصنعاء ملاذاً لتحركاته فهو صديق حميم. أمّا الانفصاليون في الجنوب فيعتبرون روسيا "أكثر الدول واقعية وتفهماً ومرونة في تعاطيها مع قضية الجنوب مقارنة بغيرها"، بحسب ما غرد به على "تويتر" في مناسبة سابقة القيادي في المجلس الانفصالي أحمد بن فريد، في إشارة إلى ما كانت تمثله موسكو زمن الاتحاد السوفييتي من مرجعية أيديولوجية وعسكرية لدولة اليمنالجنوبي قبل الوحدة عام 1990. أمنيات ومواقف ثابتة وصف الزبيدي، في مقابلة له مع قناة "روسيا اليوم" الروسية، لقاءه بنائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، بالمثمر، لكنه حين سئل عن مدى قبول الجانب الروسي بقضيتهم اكتفى بقوله: إن "الجانب الروسي هم حلفاؤنا وأصدقاؤنا القريبون جداً، هم يعرفون ثقافتنا وأسسوا دولةً (جنوباليمن) كانت قوية في الشرق الأوسط من السبعينيات إلى التسعينيات وليسوا بعيدين عنا، وهم متفهمون أنه بدون إشراك الجنوبيين لا يمكن أن يتحقق السلام". وتؤكد روسيا الاتحادية حتى الآن في جميع مواقفها وبياناتها وحدة اليمن واستقراره وتعترف بالسلطة الشرعية والرئيس عبد ربه منصور هادي، رغم محاولات سابقة من قبل الحوثيين وصالح إلى جرها للصراع اليمني وخصوصاً بعد تدخلها في الملف السوري، إلا أنها في المقابل تحاول أن يكون لديها تواصل مباشر مع المجلس الانتقالي حيث استقبلت الزبيدي قبل عام في روسيا وقام سفيرها في اليمن بزيارة عدن وحظي باستقبال رفيع من قبل الانفصاليين. واعتبر الزبيدي أن تحقيق مطلبهم "الانفصال" مرتبط بثبات الجنوبيين على قضيتهم وأرضهم، وأضاف: "أما الدول الأخرى فهم سيعترفون بمن هو موجود على الأرض بدون شك". ورقة وحلف جديدان المحلل العسكري اليمني علي الذهب يرى أن زيارة رئيس "الانتقالي" ليست سوى ورقة لروسيا أمام السعودية؛ إذ تدور بينهما أزمة بسبب إنتاج النفط وأسعاره. وقال في تغريدة على تويتر: "المتمرد عيدروس الزبيدي يزور روسيا، محاولاً تقديم نفسه كورقة ابتزاز رخيصة لموسكو، تلوح بها أمام السعودية التي بضغطها على الحكومة الشرعية، للأسف، جعلت منه وطنياً خالصاً، وهو، في الأصل، ربيب الضاحية، وتلميذ مكشوف لحسن نصر اللات"، في إشارة إلى اتفاق الرياض الذي شرعن حضور المجلس الانتقالي سياسياً رغم أنه لم يطبق على الأرض حتى الآن. ولا يختلف معه الكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي؛ بربطه هدف الزيارة وتوقيتها بالخلاف النفطي بين روسيا والسعودية، وسخر من هذه الزيارة. وأضاف في تغريدة له على "تويتر": "وقيل إن منظم الزيارة صديق للطرفين عرف بحبه للسلام والاستقرار في المنطقة"، في إشارة ساخرة إلى الدور الإماراتي الداعم للمجلس الانفصالي والطاعن في حليفه السعودي. من جانبه يذهب المحلل السياسي اليمني فهد سلطان إلى أن هناك حلفاً جديداً يتشكل برعاية روسياوالإمارات في اليمن، موضحاً في حديثه ل"الخليج أونلاين" أن هناك خطوات واضحة لروسيا وبريطانيا للعودة إلى اليمن، في حين تحاول الإمارات أن تكون حاضرة في المشهد. وتوقع سلطان أن تنسحب السعودية بعد أن تحسم اتفاقها مع الحوثيين، في إشارة إلى الحوار الذي يدور منذ مدة في الكواليس بين المملكة والمليشيا المدعومة من إيران، معتبراً أن انفصال اليمن ربما يكون رهاناً إماراتياً. مصالح استراتيجية روسية وبغض النظر عن دوافع المجلس الانتقالي وأمنياته فإن لروسيا مصالح استراتيجية في اليمن تجعلها ضمن خططها وإن لم تكن ضمن أولوياتها. ويصف تقرير عن مركز "أبعاد للدراسات"، صدر في منتصف شهر مارس 2020، موقع اليمن الاستراتيجي على مضيق باب المندب بمصدر الرؤية الروسية بخصوص المنطقة، ويقول: "إن القرب من ممرات التجارة الدولية وخطوط نقل الطاقة لم يعد حلماً، بل استراتيجية تسعى موسكو إلى تحقيقها بأقل كلفة". وبحسب مراقبين نقل عنهم التقرير فإن "هذا هو التوقيت المناسب لعودة الدب الروسي في اليمن بالنظر إلى عاملين هما: ضعف القوى المحلية، ومحاولة الضغط على القوى الإقليمية المؤثرة في المشهد اليمني والمتمثلة بالسعودية لتصفية حسابات ترتبط بملفات أخرى منها النفط". وأشار تقرير أبعاد إلى أن موسكو لن تجد تأثيراً على صادرات السعودية من النفط أفضل من أن يكون لها حضور كبير في باب المندب، متطرقاً إلى محاولات موسكو للحصول على قاعدة عسكرية في القرن الأفريقي حيث الصين والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وبريطانيا، إذ تبدو اليمن منطقة استراتيجية إذا ما تمكنت من الحصول على تلك القاعدة لتلحق بالقوى الغربية. تأثير وسيناريوهات محتملة وبعد غياب روسي عن اليمن دام ثلاثة عقود، يبدو المجلس الانتقالي الجنوبي طرفاً يمكنه التأثير في أي عودة لموسكو، سواء كانت في حالتي الحرب أو السلم. فوفقاً للسيناريوهات التي توقعها تقرير مركز أبعاد، فإما أن "تستمر روسيا في سياسة دعمها لخطط إيقاف الحرب في اليمن، مع ضمان دور مؤثر للشركاء الجدد الحوثيين في الشمال والانتقالي في الجنوب و"عائلة صالح"، مع استمرار اعترافها بشرعية الرئيس هادي-الحكومة المعترف بها دولياً وإبقاء علاقات جيدة مع السعودية". ويضيف: "أو تتواجد بشكل غير رسمي وبالتعاون مع إيرانوالإمارات من خلال شركات أمنية وعسكرية تقوم بتدريب وتسليح الحوثيين حلفاء إيران في الشمال، والمجلس الانتقالي حلفاء الإمارات في الجنوب، وهذا يحقق لموسكو الضغط اقتصادياً وعسكرياً على الرياض بدرجة أساسية ثم واشنطن، دون كلفة كبيرة، كما يحقق لها في المستقبل انتصاراً يمكنها من التأثير في السياسة اليمنية وتحقيق استراتيجية وجودها قرب مضيق باب المندب".