عجز الأمم المتحدة في قضية محمد قحطان.. وصفة فشل لاتفاق السلام    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل.. إن بي سي: الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني وعدد من المسؤولين بسقوط المروحية خلال ساعات    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    تعز.. وقفة احتجاجية لأمهات المختطفين للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن من سجون المليشيا    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص ورقة مراد الغارتي "مدير منظمة تمكين للتنمية" المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين؟"
نشر في التغيير يوم 30 - 01 - 2012

نص ورقة مراد الغارتي "مدير منظمة تمكين للتنمية" المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين ؟ الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من 23- 24 يناير 2012، والذي نظمه مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن بالتعاون مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان:
ورقة حول : مشاركة الشباب ورؤى التغيير
إعداد/ مراد الغارتي- مدير منظمة تمكين للتنمية TDF))
مقدمة :
مثلت الحركات الاحتجاجية المدنية في اليمن (الثورة الشبابية الشعبية السلمية) الحدث الأضخم والاهم في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، والأطول أمداً من بين كل ثورات الربيع العربي. فقد احتشد المتظاهرون الشباب في جميع أنحاء البلاد، للمطالبة بإسقاط النظام والتنحي الفوري للرئيس على عبد الله صالح عن السلطة، بعد عقود من السيطرة والتي كانت تتجه نحو التوريث بشكل أو بآخر عبر عن هذه النوايا بمقولة "قلع العداد" والتي استثارت الشباب إلى حد كبير؛ ولكن، رغم ما حملته تلك الحركة من أمل غير مسبوق لملايين اليمنيين، إلا أن هناك بعض المآخذ من حيث بروز بعض أشكال الصراع غير السلمي التي قادت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي وتردى الأوضاع الإنسانية والسياسية والأمنية_ ولم يكن الشباب يرغب بها البتة _؛ حيث تواجه اليمن في المرحلة الراهنة تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، ونزاعاً سياسيا وقبليا وعسكرياً، وتشرذماً في النسيج الاجتماعي والسياسي على المستوى المحلي، وظهور حركات جهادية مسلحة يعتقد البعض أنها ليست عفوية ولكنها مقصودة ومدخرة لهذا الوضع لإرباك المشهد، كما تواجه الحكومة اليمنية المُشكَلة بموجب المبادرة الخليجية أزمة قبول حادة خاصة وأنها قد وضعت الثورة الشبابية في منزلة بين المنزلتين.
لقد كان الشباب اليمني، في بلد 75 بالمائة من سكانه تقل أعمارهم عن 25 سنة، أداة فاعلة في تحدي السياسة الإقصائية في البلاد، ورغم قيام قوات النظام بالاعتداء على مئات المتظاهرين مستخدمة كافة الوسائل بما في ذلك إطلاق النار عليهم، إلا أن الحركات الاحتجاجية خلقت فرصاً غير مسبوقة أمام الشباب، بمن فيهم النساء، بممارسة النضال السلمي وفتح مجالس للحوار حول شكل الدولة اليمنية القادمة وطبيعة علاقتها بالمجتمع في المستقبل. فالشباب اليمني لم يرفع صوته للتعبير عن المظالم فقط، والمنبثقة عن منظومة الفساد الوليد الشرعي للاستبداد في مطلق الأحوال، بل بدؤوا في صياغة رؤية متكاملة لنظام سياسي حديث أكثر اشتمالاً واستيعابا للجميع، وتأمينا للحقوق والحريات وضمانا للسلم الأهلي والتنمية المستدامة على المدى الطويل.
وبالرغم من أن كل العوامل التي رافقت الثورة والاحتجاجات كانت محبطة سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الاقتصادي فضلاً عن ضعف المواقف الدولية؛ إلا أن خروج اليمن من تلك الأزمات يحتاج إلى تضافر جهود كافة المكونات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمدنية، بالإضافة إلى مواقف ايجابية خارجية مساندة لرؤى المجتمع المدني خاصة الشباب.
إن السلطة وبتحديد أكثر هي محور الصراع السياسي للأطراف المتصارعة، والشباب هم مركز الثقل في عملية التوازنات السياسية والاجتماعية، وقد أثبتوا قدرتهم على التأثير في الشكل والهيكل السياسي والاجتماعي والثقافي في بلد عانى طويلاً من مشاكل كثيرة تمثلت في صور عدة من اللاتسامح والفساد وغياب القانون والسيطرة العسكرية وضعف المؤسسات وغير ذلك؛ وفي ظل التناقضات التي تفرضها الحالة اليمنية بين الفاعلين السياسيين والنظام الحاكم والشباب بالإضافة إلى الأطراف الأخرى السياسية والاجتماعية والعسكرية، كان لا بد من قراءة المشهد العام من منظور الفئة الأكثر بروزاً وتأثيراً في إطار هذا الوضع و هم الشباب، لمعرفة رؤيتهم لمستقبل اليمن الذي يتطلعون إليه وآلياته وتصوراتهم لمستقبل الدولة المدنية، ما يعني الاعتراف للشباب بدورهم في إحداث التغيير وفي عملية الإصلاح الشامل وتصويب مسار التطور ومنحهم الثقة الكاملة للمشاركة السياسية في صناعة القرار خلال المرحلة القادمة؛ كما ينبغي أن يكون للشباب – باعتبارهم محور التغيير- دوراً فاعلاً ورؤىً ينبغي احترامها والاستناد إليها في وضع السياسات وتنفيذها. وهذا ما تقدمه هذه الورقة حول التغيير الذي يراه الشباب، و أولوياتهم في بناء الدولة اليمنية المدنية و الحديثة.
وقد وجه الشباب رسالتهم إلى المجتمع المحلي والدولي بأنهم ماضون في ثورتهم السلمية، حتى تتحقق أهدافهم في التغيير الجذري والسعي نحو تعزيز الممارسات المدنية والحقوقية، التي تحتاج إلى تضامن كافة المكونات المحلية والإسناد الدولي . فاندلاع موجة الاحتجاجات الشبابية جاءت لتصويب الممارسة الديمقراطية وجعل التعدد والتنوع السياسي عامل قوة وليس عامل ضعف.
من المطالب إلى التغيير
يُمثل التغيير في الأساس "سنة كونية" لذلك لا ينبغي الهروب منه أو تعكير مصادره بحجج وذرائع تكبح حركية المجتمع وتفاعله مع مطالبه وقضاياه وهو الأكثر قدرة للتعبير عنها وتنفيذها؛ ويمكن قياس هذه الحالة من خلال مبادرة الشباب بالخروج في حركات احتجاجية تعبر عن هذه الحاجة والاستعداد للمساهمة في تحقيقها سلمياً، والمنطقي أن لا ينظر إلى ذلك على أنه عمل غير مألوف أو غير طبيعي، بل لا بد أن ترسخ هذه الممارسة الديمقراطية بما يجعل منها أداة رقابية ضابطة للعمل العام تُمكِن الدولة من إنجاز مهامها والقيام بواجباتها بكفاءة وشفافية عالية كونها ستؤدي في المدى القريب والمباشر إلى رفد العمل السياسي بقيادات شابة وفاعلة قادرة على ترشيد الأداء ومكافحة الفساد، والذي يمثل أهم دوافع الاحتجاجات الشبابية وعلى رأسها، ليس فقط لعلاقته في تدهور الحياة المعيشية والاقتصاد الوطني ولكن أيضاً لأن الديمقراطية لا يُمكن أن تستقيم في ظله، فالفساد يقوض حكم القانون والعدالة التي تمثل أهم مبادئ الديمقراطية، وبالتالي لا بد من انتقاء الأدوات التي تجعل التغيير عملية دمقرطة متكاملة في بنية النظام السياسي وفي عمق المجتمع، حيث الديمقراطية هي منظومة من الإصلاحات المستمرة والشاملة.
يُعتبر خروج الشباب للتظاهر والاحتجاج سلمياً عملاً سياسياً مباشراً تجاوزوا من خلاله الأطر التقليدية بمختلف الاتجاهات ورفضهم الاستمرار في حدود المتلقي السلبي، بمعنى الإفصاح عن رغبتهم بتصدر المشهد السياسي والعام وممارسة حقوقهم بعد عقود من حالة التهميش والإقصاء الذي انعكس سلباً على قضاياهم الحياتية والمطلبية، الأمر الذي جعل السلطة تسارع إلى إعلان الاستجابة الصريحة والفورية لحل مشاكل الشباب، ثم تطور الأمر إلى دعوتهم لتشكيل حزب سياسي خاص بالشباب، وهي دعوة وإن كانت تحمل نوع من الاستعطاف والاعتذار السياسي، إلا أنها تتعارض مع منطوق القانون الخاص بالأحزاب السياسية ومنها عدم جواز تشكيل الأحزاب السياسية على أساس فئوي، كون الأحزاب مؤسسات طوعية مفتوحة لكل أفراد المجتمع؛ فيما أظهرت أحزاب المعارضة تعاطفاً وتأييداً للشباب، على اعتبار أن مطالبهم بإسقاط النظام تتفق مع رؤاها للإصلاح السياسي والوطني... وقد كان من الأنسب أن لا تتدخل المؤسسات السياسية في مسار التغيير الذي ينشده الشباب، حيث أن لدى الشباب استراتيجيات بعيدة ومختلفة عن الاستراتيجيات السياسية والحزبية حتى وإن كان بينهم قوى شبابية حزبية، كون الهدف العام لثورتهم هو إحداث تغيير جذري في بنية المنظومة السياسية بشكل عام ولا يوجد طرف بأحسن حال يمكن استثناؤه من التغيير؛ والثورة السلمية هي تغيير النظام وهي الأسلوب الوحيد الذي يفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي، وطبيعة الثورة هذه تجعل منها عملية طويلة المدى تتطلب الفعل السلمي التدريجي عبر مراحل وخطوات ووسائل سلمية، وقد بدا واضحا التطور في مسار التغيير والفعل الثوري السلمي من خلال مراحل متعددة تبدأ بالاحتجاجات ثم التظاهرات والمسيرات ثم الاعتصام الدائم ثم تتحول إلى ثورة تعلن مطالبها وأهدافها التي أعلنها شباب الحرية بساحة التحرير بتعز، وتجمعت حولها كافة الجماعات والقوى السياسية والاجتماعية وفعل نفس الشيء شباب المحافظات الأخرى وبذلك تحولت الثورة من ثورة شبابية فقط إلى الثورة الشبابية الشعبية السلمية، ثم تأتي أهم المراحل وهي المرتبطة بمرحلة التحول الديمقراطي وهي مرحلة الانتقال من المطالب إلى فعل التغيير الذي بدأ مؤخرا، وكان من أبرز معالمه مسيرة الحياة التي خرجت من تعز وتجمعت حولها عدد من المحافظات أثناء سيرها إلى صنعاء في مشهد ثوري متجدد ساعيا للتغيير، عملت تلك المسيرة بصورة تلقائية على حشر الأطراف المتوافقة في المبادرة الخليجية في زاوية، مما أدى بتلك الأطراف إلى ردة فعل سلبية من قبل المعارضة – التي أصبحت مشاركة في الحكومة- لم يتحركوا لحمايتها أمام ما قام به النظام العائلي العسكري من انتهاكات ضد شباب المسيرة؛ وساعد على ذلك عدم تقبل جماعات الإخوان المسلمين في الإصلاح الذين اعتدوا على شباب المسيرة في ساحة التغيير؛ كما لا بد من الإشارة إلى الخطوة التالية للفعل الثوري والمتمثلة في ثورة المؤسسات التي ساهم فيها الجميع ممن يعملون في تلك المؤسسات والحركة النقابية وهي عملية دفع بها الشباب داخل تلك المؤسسات، وهنا تجدر الإشارة إلى مسألة هامة تتعلق بمسار التغيير حيث ينبغي أن يجري التغيير في البنية المؤسسية والتشريعية والسياسية أولاً، الأمر الذي سيؤدي إلى لفظ الأفراد المطلوبين في قضايا فساد وانتهاكات وقتل .. لتتم محاكمتهم، والمعنى هنا أن لا يتم المطالبة بمحاكمة أشخاص لا زالوا يشغلون مناصبهم مما يساعدهم على قيام ثورة مضادة.
إن ما يَظهر في هذا السياق تَمثَل في أن مستوى الوعي السياسي والتنظيم الفعال لدى الشباب أخذ في التعاظم، ما أدى إلى تحريك المياه الآسنة في المشهد السياسي والمجتمعي على النحو الذي جعل منهم أداة رئيسية شكلت محوراً لإدارة الصراع السلمي على أسس ديمقراطية، وعلى الرغم من محدودية الإمكانات وحداثة التجربة السياسية لدى الشباب، وهذا ربما مثل أبرز العوائق لأن يفرض الشباب مطالبهم في التغيير عملياً، إلا أن حركة الاحتجاجات الثورية والساحات وفرت فرصة للتعلم والنقاش ورسم التطلعات، فرصة ليست فقط لشرح المظالم وإنما لأبعد من ذلك، لكونها شَكَلت وطورت الرؤى العامة للمستقبل القريب والبعيد، والانطلاق منها إلى تصورات بناء الدولة المدنية الحديثة، وذلك لم يكن بفعل عبثي وإنما بممارسة الحقوق والمشاركة السياسية التي عبر عنها الشباب في مطلب التغيير.
إن المشاركة الفاعلة للشباب إضافة إلى أنها حق فهي ضرورة، وهذا ما جعل بعض المحللين والمهتمين بالشأن السياسي والديمقراطي على المستوى الدولي يصفون الاحتجاجات الشبابية العربية بالربيع العربي، وهو وصف ليس من فراغ بكل ما له من دلالات سياسية واجتماعية يتمثل بوجود قوى سياسية شابة وصاعدة ستحقق الرخاء والازدهار لشعوبها، ومطلوب أن يتحول هذا الوصف إلى عملية سياسية تمكن الشباب من المشاركة الفعلية في صنع القرار وعلى أساس التنافس الخلاق، وفق أسس ومعايير الديمقراطية تؤكد العلاقة الشرطية بين الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة.
وبالتالي فسيكون انتقال الشباب في عملية التغيير عبر المشاركة الفاعلة سواء عن طريق أحزابهم من حيث تحديث القيادات والبرامج السياسية والحزبية، فضلاً عن المشاركة في صناعة القرار، أو المشاركة في رسم السياسات العامة، أو من خلال منظمات المجتمع المدني المساهم الأكبر في تعزيز الوعي والعامل الوسيط بين الدولة والمجتمع لجهة مطالب المواطنين، الأمر الذي يجعل تحقيق التغيير نحو الدولة المدنية الحديثة مسألة مؤسسية مما يعني التغيير في البنية التشريعية التي لا تتم إلا عبر البرلمان.
ولذلك يريد الشباب في مسار ثورتهم نشر ثقافة وفعل الثورة إلى كافة مناطق البلاد بدلاً عن الاكتفاء بترديد الشعارات في الساحات، وسحب البساط من تحت أقدام الحاكم واللقاء المشترك من خلال أداء سياسي يقوم به الشباب؛ فضلاً عن الانتقال من الهدم إلى البناء – من التقليدي إلى الحداثي – من النظام الرئاسي إلى البرلماني – من المطالب إلى التغيير – من المراقبة إلى التمكين – من الإقصاء إلى المشاركة – من العنف إلى العمل المنظم – من إرادة النخب إلى إرادة الشعب والشباب - من الأطر الجوفاء إلى المؤسسات الفاعلة – من متلقي سلبي إلى صانع قرار – من الاعتصام إلى الممارسة – من الشارع إلى المؤسسات.
أنظروا إلى ما هو أبعد من صنعاء
لقد رفع الشباب أصواتهم في الساحات وخارج الساحات في كثير من المحافظات بالقول: "أنظروا إلى ما هو أبعد من صنعاء".
بمعنى عدم تطويق عملية التغيير واقتصارها على صنعاء مركز الحكم وقيادة الأحزاب والنظر في القضايا التي تخص صنعاء وما حولها، بمعنى المطالبة باللامركزية وتضمين القضايا الوطنية والحقوقية الأخرى في أي تسويات سياسية، بمعنى الخروج عن الإطار الذي تعامل معه النظام السابق طوال فترة حكمه، بمعنى أنه ينبغي على المجتمع الدولي أيضا أن ينظر إلى المواطنين وقضاياهم في المناطق الأخرى ....
وقلما يكون للأنشطة التي تجري في صنعاء أثر على ما يحدث خارج العاصمة، وهو ما يفيد بتشرذم متزايد في البلاد يوشك أن يتحول إلى ديناميات نزاع تزداد صبغتها المحلية، وعادةً ما لا ترتبط بما يجري في صنعاء إلا من بعيد، وتتضاءل معها احتمالات أن تجد لها حلاً في إطار اتفاق نخبوي يجري في المركز.
ففي ظل الفترة الطويلة للاحتجاجات لم يكن المشهد في الواقع محصوراً في صنعاء مركز الحكم والإطار الذي يحافظ عليه النظام من السقوط بعد أن سقطت عدد من المحافظات الأخرى عن سيطرة النظام، بل إن أقوى المحافظات التي تجري فيها الاحتجاجات والتي يعتبرها اليمنيون وحتى الحاكم أنها منبع الثورة والتغيير والحرية هي "محافظة تعز" التي تضرب أمنياً وعسكرياً وترتكب فيها انتهاكات بشعة لحقوق الإنسان بصورة مستمرة منذ بدء الاحتجاجات، ربما لأنها رفعت شعار المطالبة بالدولة المدنية الحديثة.
كما تعتبر القضية الجنوبية من أهم المسائل التي تتطلب النظر إليها عند أي تسوية سياسية أو عند بناء الدولة المدنية فهي منطقة تعاني منذ حرب 94 وتنتهك بالاعتداء عليها عسكريا منذ فترة وتنهب أراضيها ويقصى العاملين من أبنائها.
لقد تعامل القائمون على السلطة على المستوى الوطني مع صنعاء باستمرار ، كما أنهم اهتموا بما هو مصدر قلق للفاعلين الدوليين في اليمن الذي تمثل في انتشار تنظيم القاعدة ونشاطه في اليمن الذي اخذ كل الاهتمام لدى الفاعلين الدوليين أيضا وسارعوا خلال فترة الثورة إلى إرضاء الحاكم ونظامه وتقديم المساعدة له والذي بدوره استخدمها لتقوية نفوذه وحكمه والسيطرة على البلد، ولم يدركوا أن هناك عدد من القضايا الهامة الفعلية التي ينبغي النظر إليها والأمر المهم هو في دعم التغيير والمطالب الشعبية الشبابية في ثورة اليمن ، حيث أن دعم التغيير سوف يساعد على قيام دولة مدنية مما يؤدي إلى الحد من نشاط القاعدة في اليمن تلقائيا.
أيضا شهدت مناطق أرحب وأبين صراعاً مسلحاً وحاليا تدور الأحداث في منطقة رداع؛ ولم يتم الاهتمام بكل الأحداث والقضايا التي تجري خارج صنعاء بل استخدمت كذريعة للتسابق على الاستحقاق السياسي على المستوى المحلي، والمكاسب المزيفة في النصر على خلايا تنظيم القاعدة في هذه المناطق لكسب التأييد الدولي .
اللامركزية
يعتقد الشباب أن القيادات على المستوى الوطني، بما في ذلك الدولة، كانت وراء الأزمة الحالية، ويشعرون بأن المجتمعات والقيادات المحلية، لو تركت لحالها، فهي مؤهلة للتعامل بفاعلية مع مكوناتها. فقد قال الشباب إنهم شعروا بتحسن الأوضاع في تعز عندما انسحبت الدولة؛ كذلك قال شباب من عدن إنه "عندما كان هناك فراغ في السلطة أنشأنا مجلساً من شخصيات مؤثرة، ولو تركت له الفرصة، فإنه يستطيع إدارة شؤون البلاد بفاعلية." كذلك كان الحوثيون في صعدة مثالاً آخر على قدرة المجتمع على تعزيز الأمن والاستقرار بدرجة أكبر عندما يترك لحاله، بدلاً من الدولة المركزية.
فضلاً عن ذلك، يُنظر إلى المجالس المحلية باعتبارها تمثيلية على نحوٍ كافٍ لسكان مناطقها، وقادرة على التعبير بشكل أفضل عن المشاعر الشعبية، مقارنةً بالأنظمة الوطنية الأكثر بعداً، مثل الأحزاب السياسية الرئيسية. وقد عبر الشباب من المكلا عن أن حضرموت ليست ممثلة على نحوٍ مناسب في اقتراحات المجلس الانتقالي التي طرحت في صنعاء. وهو شعور يشاركهم فيه شباب في محافظات أخرى.
على أن الرؤى اختلفت حول درجة الاستقلال المحلي المرجوة، وبرزت، بعض حالات الشكوى من الاستغلال أو الإهمال على المستوى المحلي. بيد أن فكرة زيادة اللامركزية بوصفها وسيلة لدفع المصالح المحلية وحمايتها لقيت تأييداً لا بأس به من قبل الشباب. وقد كان أشد مؤيديها من أبناء المحافظات الجنوبية، فكما أشار شباب من حضرموت: "في النظام الفدرالي، حيث كل منطقة مسئولة عن القرارات المتعلقة بصالحها العام ومنطقتها، سوى ترى تحسناً تلقائياً في الأمن، والصحة، والتوظيف، والتعليم، وتوزيع الثروة. ويتناغم مع هذا الاتجاه، مساءلة المسئولين المحليين حول تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة، والتعليم، والأمن".
إن ذلك ما أكد عليه الشباب من أهمية وجود نظام سياسي يقوم على اللامركزية الإدارية والمالية من خلال نظام حكم محلي كامل الصلاحيات مع بقاء الشئون السيادية للسلطة المركزية. وتمثلت الملامح الأساسية للامركزية، وفق ما ذكره الشباب، في الانتخابات على المستوى المحلي، وعلى مستوى المحافظات، وعلى المستوى الوطني، وكذلك التشريعات الصارمة التي ترسخ الحقوق المحلية وعلى مستوى كل محافظة. وقد ذكر العديد من الشباب الجنوبيين، من غير المطالبين بالانفصال، الفدرالية بوصفها نظاماً يدفع المساواة بين الأقاليم المختلفة، ويشعر فيه المواطنون بأنهم شركاء في السلطة والثروة، دون هيمنة إقليم على آخر. على أن التفسير الدقيق لما تنطوي عليه الفدرالية، أو كيف يمكن تطبيقها في اليمن، ظل مسألة يكتنفها عدم الوضوح.
رؤية الشباب تفوق رؤية القوى السياسية
إن الاعتراف بحق الجميع في المشاركة وتأصيله دستورياً وقانونياً لا يعني نضوج وترسخ الممارسة الديمقراطية في الواقع العملي إذا ظلت النخب السياسية الحاكمة، التي قادت التغيير التوفيقي على المستوى السياسي، تسعى للاحتفاظ لنفسها بنصيب الأسد من العملية السياسية كونها تمسك فعليا بزمام السلطة، وهي حالة تُميز معظم البلدان النامية التي شهدت حدوث تحولات ديمقراطية الأمر الذي جعل الممارسة الديمقراطية في مرحلة ما بعد التحول تبدو غير معبرة عن اتجاهات وتقاطعات سياسية قوية وفاعلة لكافة المواطنين لأن للمنافسة شروط قد لا تتوفر بنفس القدر المتساوي لكل الأطراف سلطة ومعارضة ومستقلين وهذا يعتبر مدعاة لبروز اختلالات عميقة لا تساعد على نمو واستقرار الديمقراطية وتطورها؛ فالمبادرة الخليجية التي وقعت عليها الأطراف السياسية من السلطة والمعارضة، عملت على تطويق الثورة ومسارها لكونها تقوم على مقاربة إصلاحية توفيقية، تقوم على إسقاط رئيس النظام، وتغيير النظام وفقاً لآليات النظام نفسه، لا عبر الأسلوب الثوري، الأمر الذي جعل كثير من شباب الثورة يتخوفون من أن تعمل النخب العسكرية والقبلية والسياسية التقليدية وبمساعدة الفاعلين الدوليين والإقليميين على تطويق ثورتهم وحصر مشاركتهم بنصف ثورة، من خلال مشاركتهم فقط في إسقاط النظام، وإقصائهم عن عملية بناء الدولة والنظام الجديد، وبالتالي انفراد القوى التقليدية بعملية بناء الدولة، التي لن تحدث تغيير حقيقي في النظام إلا على رئيسه، ويُبقي على أشخاص النظام الآخرين ومؤسساته وتشريعاته، وبناء دولة قبلية أو دينية؛ أو نظام عسكري متسلط، وهو ما يخالف أهداف ثورة الشباب ورؤيتهم لأفاق التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية.
إن ما يطرحه الشباب من أراء وتصورات لطبيعة المرحلة القادمة سواء من خلال ما ترفعه الثورة من شعارات وأهداف يؤكد أن لدى الشباب رؤية واضحة للواقع السياسي الجديد وبصورة تفوق ما لدى القوى السياسية من تصورات التي ربما لا يكون لها دور بالقدر والكيفية الحالية، وبالتالي على هذه القوى أن تسارع إلى إعادة التكيف وتجديد برامجها وهياكلها مع متطلبات المرحلة التي ستكلف الشباب، وهم أداة الضغط والحماية لأهدافها وتنفيذ برامجها، ويستحيل بعد اليوم أن يتراجع الشباب أو يذعنوا لما يسمى بالأمر الواقع، فحدود التغيير تتجاوز الجوانب الشكلية إلى أحداث تغيير في الجوهر والعمق قد تمكن الشباب بالفعل من كسر الحاجز المعيق لفعلهم الثوري، وهذا يعني أن خيار الثورة السلمية يحمل مبادئ وقيم الديمقراطية ويهدف إلى فرض الالتزام بمضامينها وأهدافها بصورة حضارية سلمية.
من المعلوم أنه في إطار الديمقراطية لا يوجد ثبات في الأدوار والمواقع السياسية سلطة ومعارضة أغلبية وأقلية، فما هو في السلطة قد يصبح في المعارضة والعكس وكذلك ما هو اغلبيه قد يصبح أقلية والعكس، لذلك فإن كل هذه المكونات ليست بمنأى عن نقد الشباب لأدائها وخاصة المعارضة التي تعاني من ضعف لا يمكنها في فرض هذه الحقائق وهذا ما يجعلها عاجزة عن تقديم الأفضل، إن كان على صعيد الممارسة الديمقراطية لتشكل نموذجاً للإشعاع الديمقراطي في الدولة والمجتمع، أو على صعيد تقديم الرؤى لإحداث تطور مجتمعي عام ربما يقودها إلى السلطة على أساس التنافس البرامجي الحضاري من خلال كسب التأييد الشعبي، وبمعنى واضح عليها كما يرى الشباب أن لا تعتمد نفس الآليات والمنهجيات السابقة في التعاطي مع قضايا الشأن العام ومع قضايا الشباب.
وفي هذا السياق هناك من يرجع نفور الشباب من العمل الحزبي إلى عوامل مرتبطة بما أصبح شائعا تحت يافطة شيخوخة الزعامات وعدم تجديد النخب، وعقم العمل السياسي، وتهميش الشباب الناتج عن طغيان هاجس الوصاية المفروضة عليهم من طرف القيادات، مما جعل مجال استقطاب الشباب عصياً على الأحزاب، التي أصبحت منعزلة ولا تكاد تستقطب سوى أعداد قليلة من المنخرطين الجدد.
إن تعزيز التعايش والابتعاد عن الصراعات بين كافة المكونات والقوى السياسية والاجتماعية من الأمور الضرورية التي يتطلبها التغيير الديمقراطي باعتبار أن احترام الآخر والحوار هو عامل قوة للممارسة الديمقراطية و بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تقوم على أسس ديمقراطية، تسودها المساواة أمام القانون، والمواطنة المتساوية، هو الإطار المشترك الذي يربط أذهان شباب هذه الثورة والذي يعتمد على أسس اقتصادية متينة وحكم القانون, وتطبيق اللامركزية، وهذا ما ينبغي أن تدركه القوى السياسية وحتى الاجتماعية في وضع وتطبيق رؤاها وأولويات المرحلة القادمة.
ويدرك الشباب أن الديمقراطية ليست هي الحل السحري لكافة المشاكل ولكنها الأداة الأنسب لتجاوز هذه المشاكل والتغلب عليها بما يوفر استقرار سياسي يؤدي إلى حدوث استقرار مجتمعي عام وإلى تحقيق تنمية مجتمعية شاملة ومستدامة ومكافحة الفساد عبر الآلية الديمقراطية وإحداث تحول ديمقراطي حقيقي - بعد نجاح كل ثورة- يفضي إلى جعل السلطة ملكية عامة مشتركة في كافة مستوياتها وكذلك في مستوى كل هياكل ومفاصل الدولة؛ وهذا يتطلب وفقاً لما يراه الشباب تغيير محتوى النظام السياسي ليتلاءم مع إخضاع السلطة وممارسيها للإرادة العامة بكل ما يعنيه ذلك في التخلص من مراكز القوى المسيطرة على مفاصل السلطة ومصادر الثروة في الدولة والمجتمع، وبالتالي يعتبر الشباب أن النظام البرلماني هو المناسب للواقع اليمني الذي في ظله لا يُعد منصب الرئاسة مغري بسبب محدودية الصلاحيات الممنوحة للرئيس.
مشاركة الشباب
لقد استطاعت الثورة أن تنقل الشباب وبسرعة قياسية إلى مربع المشاركة والتأثير في الشأن العام والواقع السياسي وتغيير عمليات الحكم ومؤسساته بفاعلية غير مسبوقة أو متوقعة من القوى السياسية السائدة لذلك، فالمشاركة هي التعبير العملي عن العقد الاجتماعي الطوعي، لا في مفهومه فحسب، بل في واقعه العملي أيضاً، فقد جاءت على رأس الأولويات التي يتوجب أن يشارك فيها الشباب في مرحلة الانتقال الديمقراطي، المشاركة السياسية، وفي منظمات المجتمع المدني والنقابات، فالمشاركة تعيد إنتاج العقد الاجتماعي وتؤكده كل يوم؛ أي أنها تعيد إنتاج الوحدة الوطنية وتجدد الممارسة الديمقراطية وتعززها، وتعتبر الوحدة الوطنية من أهم منجزات الحداثة، وهي، من ثم، تعبير عملي عن المواطنة المتساوية والمسئولة، أي عن صيرورة الفرد، من الجنسين بالتساوي، عضواً في الدولة الوطنية متساوياً، بفضل هذه العضوية، مع سائر أفراد المجتمع وأعضاء الدولة في جميع الحقوق المدنية والحريات الأساسية.
وتتفق العديد من الدراسات حول أهمية تجذر مفهوم المجتمع المدني ومؤسساته لدى المواطنين، ومدى تطور الوعي السياسي واتجاهاته، والوعي بأهمية الديمقراطية وأهمية التعددية السياسية والحزبية في النظام الديمقراطي، وأثر التربية المدنية والوطنية على توجهات الشباب، وكذلك مدى ما يتيحه النظام السياسي من فرص حقيقية للمشاركة واعتراف بأهمية دور المؤسسات المدنية في هذا النظام وفي مقدمة هذه المؤسسات الأحزاب السياسية، حيث أن المشاركة الفاعلة للشباب لن تتحقق إلا بأوعية مؤسسية صحية، والمقصود بذلك منظمات المجتمع المدني وأحزاب وتنظيمات سياسية قوية وفاعلة وعبر ممارسات مدنية حقوقية تقوم على أسس الديمقراطية ومعايير المؤسسية والحداثة بما يضمن حسن الاختيار والتجديد أو التشبيب للقيادات الحزبية. بمعنى أخر مدى ديمقراطية النظام العام في كافة المفاصل الحيوية في الدولة والمجتمع، وترسخ الركائز المدنية في بنية الدولة ككل؛ فكلما زادت درجة ديمقراطية النظام وترسخت الأسس المدنية في بنية الدولة كلما اتسعت درجة المشاركة السياسية بين المواطنين وتعزز إحساسهم بالمسؤولية العامة القادمة وزاد من إحساسهم بأنهم شركاء في إدارة المجال العام الواقع بين الدولة والمجتمع.
تمكين الشباب وأولوياتهم:
يدرك الشباب أن السياسية ليست غاية بحد ذاتها، فهي عصب الاقتصاد، وبالتالي الاقتصاد هو رافعة السياسة، وبدون ذلك يصعب أحداث تطور مجتمعي عام، بما في ذلك التطور السياسي الذي يمكن أن يشكل المدخل الملائم لإحداث هذا التطور، وعلى أي قوة سياسية قادمة إلى السلطة أن تضع ذلك في حسبانها، فلا ينبغي تكرار الأخطاء والتعامل مع الوطن كحقل تجارب.. ولن يقبل الشباب بعد اليوم بأنصاف الحلول والمهدئات المؤقتة وهذا سيكون رادعا قويا أمام أي محاولة لإساءة استخدام السلطة وممارسة الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة وجسد المجتمع في المراحل السابقة في ظل ضعف الوعي الحقوقي والإدراكي لدى أفراد المجتمع، حيث غابت ثقافة الحقوق لصالح ثقافة الخضوع والطاعة أو الواجب ولم يدرك المواطن بأنه هو الدولة وهو مصدرها وأن الحاكم وفي أي مستوى وظيفي هو مجرد موظف يخضع للمحاسبة والمساءلة بموجب العقد الاجتماعي والدستور الذي ركز عليه الشباب كثيرا في سياق رؤيتهم لمتطلبات التغيير الديمقراطي لدرجه المطالبة بصياغة دستور جديد.
إن مطالب الشباب ذات الأولوية المرحلية التي تعزز معارفهم ومهاراتهم وذات الاهتمام في الدرجة الأولى هي التمكين الاقتصادي والحد من مشكلة البطالة، وكسب مهارات ومعارف الحكم الرشيد وسيادة القانون ومواجهة الفساد، في مقابل تعزيز ثقة المجتمع والمؤسسات الرسمية والحزبية والمدنية بدور الشباب وقدرتهم على صناعة المستقبل، وعلى الشباب تشكيل لجان لوضع تصوراتهم عن الدولة الديمقراطية وتعديل الدستور، وعليهم عدم الاهتمام بعدم تمثيلهم في مؤسسات الدولة، فالأهم من ذلك هو تمثيل مطالبهم وأفكارهم و تأطير الشباب في أشكال تنظيمية جديدة كالأحزاب والمؤسسات المدنية والثقافية والسياسية من أجل توحيد القيادات الشبابية في أطر تنظيمية تجعل صوتها وأدائها أكثر قوة وفعالية في مواجهة الحكومة والسلطة الانتقاليتين.
كما حدد الشباب مجموعة من الإجراءات ذات الأولوية الواجب اتخاذها لتمكينهم سياسياً وتفعيل مشاركتهم، تتمثل في:
 إقرار تشريعات تخص الشباب وتهتم بقضاياهم ومشاركتهم على المستويين السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
 وضع إجراءات لتسهيل إنشاء منظمات شبابية،
 تدعيم منظمات الشباب القائمة،
 صياغة سياسات وإجراءات للحد من البطالة بين الشباب حتى لا يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية،
 وضع إجراءات تضمن مشاركة الشباب في صياغة السياسات العامة وتنفيذها والرقابة عليها،
 العمل على تمكين الشباب سياسيا واقتصاديا،
تعزيز التواصل بين الشباب وبناء شبكات ضغط ومناصرة لتحقيق مطالبهم.
وبالرغم من أن الشباب لديه رؤية للمرحلة القادمة إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أنهم سوف يشاركون في العملية السياسية أو سوف يتغير من سلوكهم نحو المشاركة السياسية الفاعلة، ما لم يكن هناك تغيير في السياسات العامة والآليات التي تشجع الشباب إلى المشاركة الفعالة سواء في منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية أو في الوظائف العامة للدولة، وأيضاً يحتاجون إلى رفع قدراتهم وتمكينهم من العمل السياسي والمشاركة الناجعة؛ بمعنى أخر يعد دور الشباب في الحياة الحزبية دوراً محورياً وأساسي ويتحدد الحكم على مدى فاعلية هذا الدور بالمقدار الذي توفره البيئة المحيطة بمؤسسات المجتمع المدني من قيود أو فرص، وبمقدار تواجد الشباب في مؤسسات المجتمع المدني.
كما أوصى الشباب بمجموعة مقترحات مستقبلية تتعلق بمشاركة الشباب في المجال السياسي، أهمها:
1. إشراك الشباب في العمل السياسي وإتاحة الفرصة للممارسة.
2. على الشباب أن يقودوا العمل السياسي من خلال حزب أو من خلال إيجاد تكتلات شبابية داخل الأحزاب.
3. على الشباب أن يفرضوا التغيير من داخل الأحزاب.
4. على الأحزاب أعطاء الأولوية لمشاكل الشباب وقضاياهم.
5. على الأحزاب أن تطور نفسها بما يتناسب مع متطلبات الشباب.
6. العمل على رفع مستوى الوعي السياسي للشباب.
وهنا يبرز أيضا دور وأهمية منظمات المجتمع المدني في تمكين الشباب وانخراطها في عمليات التحول والانتقال، حيث أبدى الشباب تفاؤلاً بدور منظمات المجتمع المدني وقدرتها على إحداث ودفع التغيير. فبينما رأوا في الأحزاب السياسية جماعات مصالح تخدم مصالحها، رأوا أن منظمات المجتمع المدني والفاعلين فيه يهدفون إلى الصالح العام، ويتسقون مع احتياجات ومطالب المجتمع اليمني، واعترف الشباب بفضل منظمات المجتمع المدني في الدفع نحو التغيير، ورأوا أنها ستكون أطرافاً ضامنة وفاعل رئيسي في أي عملية إصلاح في المستقبل وذلك أن منظمات المجتمع المدني هي الأداة الرئيسية في ضمان أداء الدولة لوظائفها بشكل فعال، فضلاً عما يتمتع به من قوة ومن احترام لإرادة الناس، كذلك أكد الشباب على أهمية دور منظمات المجتمع المدني و الإعلام الحر في تغذية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحمايتها لتلك القيم التي تكفل علاقة صحية بين الدولة والمجتمع.
الشباب و مرحلة التحول
أبدى الشباب قلقهم حول خطط الانتقال الحالية للمرحلة القادمة وقد أكد الشباب على أهمية أن تشمل المفاوضات الجميع حتى تضمن مشروعية الانتقال في أعين اليمنيين وواقعية إطاره الزمني ومتطلباته. وقد أكد العديد من الشباب على أهمية الانتخابات والإصلاح الدستوري، بوصفهما من الأطر الديمقراطية الضرورية لضمان عملية سياسية شرعية؛ إلا أن الانتخابات في حد ذاتها ليست علامة على النجاح الديمقراطي، ويرى الشباب أن الانتخابات يجب أن يسبقها عدد من العمليات الأساسية، مثل: الإصلاح الانتخابي، والتثقيف المدني حول الآليات الانتخابية بوصفهما من المتطلبات الأساسية، التي يجب أن تسبق أي انتخابات يمكن اعتبارها شرعية، هذا فضلاً عن أن أنظمة تسجيل الناخبين غير محدَّثة وكثير من الشباب الذين بلغوا مؤخراً السن القانوني ليسوا مسجلين في جداول الانتخاب، إضافة إلى أهمية رفع وعي المواطنين بالواجبات والممارسات المدنية والحقوقية، وبأهمية مؤسسات الدولة وقيمتها.
وفي موضوع الحصانة التي تضمنتها المبادرة الخليجية ل "صالح" مثلت العدالة الانتقالية لدى الشباب جزء غير قابل للتفاوض في عملية القطيعة مع الماضي؛ فمحاسبة النظام على نهب الموارد وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ضد المتظاهرين العزل يجب أن تكون جزءاً من تلك العملية بوصفها "آلية ضرورية للتغيير السياسي الإيجابي".
كما يرى الشباب أن المرحلة المقبلة ينبغي أن تتحول إلى مرحلة نضال سياسي، والتعامل مع الحكومة، المُشكَلة بالتوافق، باعتبارها معنية وملزمة بتحقيق التغيير المنشود المتمثل بتعديل الدستور ليصبح دستوراً مدنياً ديمقراطياً، وإنشاء لجان للعدالة الانتقالية والتحضير للعدالة الانتقالية بناء على ما تنص عليه المواثيق والمعاهدات الدولية من عدم إفلات الجناة من العقاب وخصوصاً في الحقوق الخاصة، وركز الشباب على ضرورة رصد ونشر انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها النظام وأنصاره من خلال مختلف فعاليات ووسائل الرصد والتوثيق، وتحديد ضرورات ممارسة العملية الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، وحرية التعبير والرأي والديمقراطية ومكافحة الفساد ونبذ العنف، وأهمية معالجة قضايا مشاركة الشباب، فضلاً عن تمكين الشباب وتوفير الغطاء القانوني – التشريعي الداعم للعمل الشبابي كقائمة مطالب أولوية لبناء ملامح الدولة القادمة.
وأكدت معظم الرؤى الشبابية على ضرورة أن تكون المرحلة القادمة مرحلة تنافس برامجي بين مختلف القوى السياسة تستهدف القضاء على الفساد والبطالة وتحقق التفاعل مع قضايا الشأن العام بدلاً من التنافر الحاد بين هذه القوى بإسم الديمقراطية، وهو ما ليس من الديمقراطية، أو التقارب حد التماهي مع بعضها وطغيان المصالح، مع عدم وجود رؤية واضحة لحدود ومعنى المصالح، الأمر الذي ينعكس سلباً على تشكل خارطة سياسية فاعلة ذات توازنات سياسية تحقق الثبات والديمومة للعملية الديمقراطية.
ويمكن القول أن تجاوز الشباب للخلافات المرتبطة بممارسة الحق في التعدد السياسي أدى إلى تشكل ما يمكن تسميته بالليبرالية الوطنية القائمة على الاعتراف بالأخر فكراً وممارسة سيكون لها تأثير ايجابي في عملية التمدين للسلوك السياسي في المرحلة القادمة التي يتولى الشباب صياغة عناوينها العريضة في المرحلة الراهنة بين كافة الاتجاهات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
وفي سياق مستقبل التعددية السياسية في اليمن من وجهة نظر الشباب، سوف تكون في توافق واستقرار وذلك للأسباب الآتية:
1. لأن المرحلة القادمة هي مرحلة التعددية والحرية واحترام الرأي والرأي الآخر.
2. وجود قيادات جديدة سوف تقلل من الصراعات التاريخية السابقة.
3. سيكون الصراع سلمي عبر مؤسسات المجتمع المدني.
4. أن الشباب اتخذ الطريقة السلمية في التغيير والدفاع عن أهدافه وحقوقه.
5. أن المرحلة القادمة سوف تكون في توافق وطني بين كافة القوى السياسية والاجتماعية.
وقد وجدت دراسة ميدانية نفذتها مؤسسة تمكين للتنمية مع شباب الثورة حول إمكانية استمرار الشباب ليشكلوا قوة ضاغطة على القوى السياسية بما يلبي تطلعاتهم، والذين أفادوا بايجابية استندوا فيها إلى الآتي:
1. أنهم سوف يمارسون حقهم في الاعتصام والاحتجاج والتظاهر للضغط لتحقيق مطالبهم.
2. لأنهم يمثلون نسبة كبيرة وبالتالي يشكلون قوة اجتماعية جديدة بقيادة تحقق مطالبهم.
3. وجوب مشاركة الشباب في الأطر القيادية والمشاركة في صناعة القرار في مختلف القضايا، فالمشاركة ليست حقا فحسب بل ضرورة.
4. سيقوم الشباب بدور رقابي في المرحلة القادمة.
5. إجراء حوارات مع صانعي القرار في مختلف المؤسسات والقوى.
وعن دور الشباب في مرحلة التحول التي ينبغي أن يلعبوا فيها دوراً رئيسياً من خلال تعزيز وتكثيف جهودهم في المشاركة العامة لتحقيق التحول الديمقراطي وصولا إلى الدولة المدنية الديمقراطية، فقد اقترح عدد من الباحثين والنشطاء والمنظمات الذين تم مقابلتهم أن يكتمل دور الشباب في مرحلة الانتقال بأن يرفدوا مشاركتهم بالأتي:
- أن يشارك الشباب بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 21 فبراير 2012، في استكمال إسقاط النظام، وفي بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة المتساوية؛
- أن يشكل الشباب قوى مدنية تقود التحول الاجتماعي؛
- توعية القوى ذات الإيديولوجيات الدينية والقوى القبلية بوعي مدني؛
- تنفيذ حملة تعبئة لقوى الثورة؛
- تنفيذ حملات لكسب التأييد والدعم لبرامج إعادة بناء الدولة؛
- رفع مستوى وعي المواطنين بحقوقهم وبمزايا التحول الديمقراطي؛
- أن يعمل الشباب على إعادة تنظيم أنفسهم ومراجعة رؤيتهم على ضوء المتغيرات الجارية وتلاعب أطراف الصراع بمصير الثورة؛
- وضع التصورات التشريعية والمؤسسية للدولة المدنية؛
- التحول إلى قوة سياسية تنخرط في العمل السياسي، وتؤثر على جماعات القوة عبر الحوار.
رؤية الشباب للدولة المدنية
يقول متظاهر شاب مستقل من تعز أن "الدولة المدنية هي دولة الحريات وحقوق الإنسان، التي يحميها المجتمع المدني ويرعاها ويحافظ عليها، والتي تلتزم فيها كل المؤسسات بحكم القانون الذي يُنفِذُه قضاء وجيش مستقلَين."
إن الدولة المدنية هي التي تستطيع احتضان النظام السياسي الديمقراطي، وقيادة التحول الاجتماعي الديمقراطي، وتقوم الدولة المدنية على سمتين رئيسيتين، الأولى، دستور يمثل عقداً اجتماعياً لتنظيم علاقتها بمواطنيها، وعلاقاتهم بها، على أساس مبادئ الحرية والمساواة والعدالة، ويحترم حريات المواطنين ويكفل المساواة بينهم؛ ويكرس سيادة القانون على جميع المواطنين بشكلٍ متساوٍ، ونظم وآليات للرقابة والمساءلة والمحاسبة في النظام السياسي، واعتماد التعددية السياسية والحزبية، وإقرار التداول السلمي للسلطة، فصل السلطات وتحديد صلاحيات كل سلطة من السلطات الثلاث احترام حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تصميم آليات ونظم لإشراك المواطنين في إدارة الشئون العامة لمجتمعهم، أما السمة الثانية فتتمثل في حكومة أو نظام سياسي، يؤسس مجموعة من المؤسسات ذات الكفاءة لتنفيذ ما تضمنه الدستور من مبادئ.
ويؤمن الشباب أن الدولة المدنية هي دولة تعاقدية يتوافق الناس على مبادئها ودستورها وشكل مؤسساتها؛ وبأن الدولة المدنية هي أساساً دولة نظام وقانون، تقوم على إنفاذ القانون دون تهاون مع من ينتهك القانون، وفيها لن تكون السلطة مركزة بيد فرد أو جماعة لوحدها، بل ينبغي أن يكون معيار التنوع هو أساس قيادة الدولة وفقا للنظام الديمقراطي، ولن يستطيع أياً كان أن يتعسف أو ينتهك حقوق المواطنين في ظل وجود بنية مؤسسية فاعلة فيها برلمان مستقل، وفي ظل قضاء حر ونزيه ومستقل وعادل، ويؤكد الشباب على أن أهم الضمانات التي سوف تكفل قيام دولة مدنية، هو النظام البرلماني الذي توافق عليه معظم أفراد المجتمع والشباب والتكوينات السياسية على اختلاف توجهاتهم.
إن متطلبات وعناصر وأدوات الدولة المدنية ما هي إلا مجموعة متكاملة من المكونات اللازمة لقيام الدولة المدنية الحديثة، ولا يمكن تجزئة تلك المكونات لكونها مترابطة ويدعم كل منها الأخرى؛ وعند توفر تلك المكونات تتحقق الدولة المدنية التي تصنع السلم والأمن والتنمية والاستقرار والرفاه الاجتماعي لكافة الأفراد، الأمر الذي يعني أن الدولة المدنية رافد للمجتمع والمجتمع هو الرافد الرئيسي لاكتمالها، وبالتالي علينا أن نعمل ونتحرك جميعا لبناء الدولة المدنية لنتمكن من العيش في ظلالها.
ويدرك الشباب إن الغاية من تأسيس أي دولة هو حماية المصلحة العامة، أما الوظيفة الأساسية للدولة هي إقامة العدل وحماية الحقوق والحريات، وحماية الأرواح والممتلكات، إلا أن بعض الأنظمة العربية تحولت إلى كتائب بوليس أخلاقي، وتنازلت كلياً عن وظائفها كدول مدنية، ففي ظل الدولة المدنية لا يهتم المواطنين بمن يحكم ولكن المهم هو كيف يحكم.
رؤى الدولة المدنية التي عبر عنها الشباب
وفيما يتعلق بمشروعية دور الشباب في بناء الدولة المدنية، يقول الشباب في تعز وعدن:
"كلنا مواطنون متساوون دون تمييز، نسعى باستمرار لتغيير الواقع إلى الأفضل، ولا يمكن أن يتغير الواقع إلا إذا فهمناه، والغاية ليست البحث عن الذي يجب أن يدير أو يحكم، بل في التباحث عن كيف يجب أن يكون الحكم، الأمر الذي يضعنا أمام تحديات كبيرة، لذلك ينبغي أن لا تعيقنا تلك التحديات ونقف عندها، بل علينا أن نعمل على إقامة دولة مدنية حديثة تقوم على القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي لا يستطيع الحكام التقليديين وغير الأكفَاء أن يكونوا مسئولين عنها، بل علينا نحن أن نقرر مصيرنا بأيدينا ومعنا كل الخيرين من المواطنين والمؤسسات الاجتماعية والمدنية والسياسية، وبمساندة الفاعلين الدوليين “.
إن من الشروط الأساسية لوجود واستمرار أي دولة هو أن تكون الدولة تعبيراً أميناً وصادقاً عن المجتمع، وأن يشارك الجميع ويلعبوا دورا فاعلا في بناءها وتطويرها.
من هذا المنطلق، هدفت ثورة الشباب السلمية إلى تأكيد حق الشعب في السيادة على نفسه باعتباره مالك السلطة ومصدرها، وله تبعا لذلك أن يقرر شكل ومضمون نظام الحكم، ولا شك أن الدولة المؤسسية بالمعايير العالمية، هي أبرز تجليات التطور الديمقراطي كعملية إنسانية تبدأ وتنتهي بالإنسان، تمارس في إطار مجتمع وليس في الفراغ، وهنا تبرز مشروعية مطالب الشباب في قيام دولة مدنية ودورهم في بناءها، حيث أن المشروعية مستمدة من طبيعة الوضع القائم الذي لم يعد يتناسب مع وقائع العصر ومتطلباته والتطور القانوني والتشريعي المتسم بالطابع الإنساني والتكامل الدولي في حماية الإنسان وحقوقه وحرياته والتخفيف من معاناة الشعوب والحد من الفقر والبطالة وتعزيز الأمن والسلام الدوليين، ولا يمكن الاستمرار في تجاهل مطالب الشباب بحياة حرة كريمة بإمكانهم صناعتها وليس بالمستحيل تحقيقها لكن ذلك مرهون بحدوث تغيير جذري في بنية نظم الحكم.
وإذا كان أسلوب الثورة الشعبية فاعلاً في إسقاط النظام، فإنه غير مفيد في بناء الدولة، فبناء الدولة المدنية يتطلب قوى منظمة لديها مشروع واضح يقوم على أهداف ووسائل وآليات وأجندة محددة، تعمل على تحقيق أهداف كل مرحلة والانتقال برؤية جديدة الى المراحل التالية تدريجياً بما يحقق الأهداف الرئيسية للثورة وبناء الدولة المدنية الحديثة؛ وبالتالي فإن على شباب الحرية والتغيير أن:
- البدء من الآن في تنظيم أنفسهم، وإعداد رؤية متكاملة لدورهم ومسئولياتهم في بناء الدولة المدنية؛
- أن يكونوا الحامل الاجتماعي لبناء الدولة المدنية الديمقراطية؛
- أن يكثفوا مشاركتهم السياسية عبر الآليات الديمقراطية المناسبة؛
- أن يحافظوا على مكتسبات ثورتهم الساعية إلى ترسيخ الديمقراطية وبناء الدولة المدنية؛
- أن يعتمدوا الحوار كآلية أساسية في العمل السلمي المدني على اعتبار أن المرحلة القادمة مرحلة النضال السياسي؛
- القيام بدور رقابي على مسار التحول وبناء الدولة ومؤسساتها؛
- القيام بدور توعوي لأفراد المجتمع بما يتجاوز سلبيات الفساد والانتقال إلى المشاركة الايجابية؛
وعلى منظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً مميزاً مع الشباب في مرحلة التحول وبناء الدولة المدنية، من أهم هذه الأدوار: تشجيع الشباب للمشاركة في عملية بناء الدولة المدنية، تنظيم الشباب، تنسيق مبادرات الشباب؛ بالإضافة إلى الآتي:
- تستثمر في المنتديات التي تجمع الشباب معاً؛
- تشجع التعلم والنقاش بين الشباب والنساء حول القضايا المتعلقة بالشأن المدني وعمليات الحوكمة؛
- دعم المبادرات الهادفة لرفع وعي المجتمع المدني بالسياسة الدولية وأفضل الممارسات في الإصلاح ، وحتى يستطيعوا صياغة التغيير على نحو أفضل وحشد التأييد له، فضلاً عن لعب دور آليات المراقبة الفعالة.
- دعم الحوار والشبكات، مثل أرضية المناصرة، بين مختلف جماعات الشباب من مختلف مناطق البلاد، على أن تشمل أيضاً النساء، ورواد الأعمال، ونشطاء المجتمع المدني، وأبناء المناطق الريفية.
- دعم البرامج الاجتماعية والتليفزيونية، والإذاعية، والإعلام المطبوع ومثيله على الإنترنت، والذي يقوم به الشباب ويتوجه للشباب، بالبناء على البرامج القائمة والاستفادة من تجدد الاهتمام بالمشاركة والنشاط المدنيين.
الشباب والمجتمع الدولي
لقد رأى الشباب أن هناك دور مهم تستطيع الأطراف الدولية الفاعلة أن تلعبه في الضغط على النخب السياسية من أجل الدفع في اتجاه التحول وتحاشي المزيد من إراقة الدماء، حتى في ما يتعلق بالاستقرار على المدى الطويل، رأوا في ذلك أن المجتمع الدولي أيضاً فاعلاً رئيسياً.
فكما يرى الشباب أن على المجتمع الدولي الانخراط الأفضل تنسيقاً وشفافيةً، والاهتمام الخاص بتضمين الجميع في العمليات والنتائج، وزيادة الاهتمام بقضية الجنوب، والنأي عن النظرة المركزية المبالغ فيها لصنعاء، ودعم العدالة الانتقالية لتعز، والتي من شأنها جميعاً أن تدعم الانتقال السلمي الذي يشمل الجميع نحو سلام وأمن طويل الأمد في اليمن؛ بالإضافة إلى أن يجمع المقاربة الإيجابية بين الجهود الإنسانية، والسياسية، والأمنية، والتنموية، التي تقر بأن الحالة القائمة تطرح فرصة غير مسبوقة أمام اليمنيين للتفاوض حول نظام سياسي أكثر اشتمالاً على جميع شرائح الشعب وتمثيلاً لها، وأقدر على الوفاء بحقوق الإنسان وتحقيق التنمية الاقتصادية؛ وعلى الفاعلين الدوليين بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني تيسير هذه العملية وأن يتخذ موقفاً أكثر فاعلية تجاه دفع التحول السلمي نحو مناخ سياسي يمني أكثر اشتمالاً على جميع الشرائح وتمثيلاً لها. كما ينبغي على الفاعلين الدوليين على وجه الخصوص، الأتي:
- النظر إلى أي خطة انتقال على أنها نقطة بداية لعملية تفاوض تشمل الجميع، لا نقطة نهاية، وأن تشجع الأطراف اليمنية المعنية على تبني الرؤية نفسها.
- الاعتراف بمحدودية المبادرة الخليجية وآليتها، بما في ذلك المادة التي لاقت استياء شعبياً واسعاً والمتعلقة بمنح الرئيس صالح وأسرته حصانة من الملاحقة القضائية.
- الحرص على أن يتيح الجدول الزمني للانتخابات فترة أطول للتحول، بحيث تضمن فترة كافية للعمليات الضرورية السابقة على الانتخابات، ليكفل ذلك دعماً لعملية انتخابات أكثر شرعيةً. وذلك لأن قصر الفترة سيأتي في صالح القوى السياسية القائمة، التي يُنظر إليها، بشكل متزايد، على أنها غير شرعية، ولا يتوقع أن تنشئ حكومة انتقالية مستقرة وشرعية.
- بناء قدرات المجتمع المدني، خاصةً الشباب والمرأة، لتسليحهم بما يلزم للمشاركة الفعالة في كل مستويات العملية السياسية، بما في ذلك دعم إنشاء أرضية مناصرة لمنظمات المجتمع المدني، تتيح للشباب تواصلاً أفضل مع صناع السياسة على المستويين الوطني والدولي.
- زيادة من البرامج التي تجمع بين أطراف من شمال البلاد وجنوبها لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك ودعم الجهود الرامية للانخراط في نقاش سلمي حول تلك القضايا على مستوى البلاد.
- إيلاء اهتمام كامل بمسألة شكل نظام الحكم واللامركزية، وإجراء حوار يجمع بين أطراف من شمال البلاد وجنوبها لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك ودعم الجهود الرامية للانخراط في نقاش سلمي حول تلك القضايا على مستوى البلاد.
- دعم الجهود الرامية إلى تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة والإنصاف وجبر الضرر الذي لن تستقيم الدولة الديمقراطية والمدنية بدونه.
الخلاصة والنتائج:
1. إخضاع نظام الحكم وآليات بناء السلطة للنقاش العام الحر والمفتوح والذي يؤكد حق الشعب في السيادة على نفسه وتقرير رغبته في النظام السياسي الملائم لخصوصياته في إطار النهج الديمقراطي وربما لأول مرة تتاح له فرصة التعبير عن هذا الحق وسارعت السلطة إلى مجاراة هذا التوجه الشعبي بالإذعان لما سيتم التوافق عليه وربما تطرح كل الخيارات للنقاش والتدارس بما في ذلك خيار الفدرالية أو الأقاليم بما يحفظ مكون الوحدة من العبث والاستغلال.
2. الإقرار الدولي بأخطائه في دعم أنظمة وحكام مستبدين لفترات طويلة وبأنه حان الوقت لتعمل الشعوب على تقرير مصيرها وأن يعمل المجتمع الدولي على دعم هذه التحولات مع الشعوب والمنظمات الموجودة فيها.
3. وفقاً لأراء الشباب فإن التغيير الديمقراطي هو منظومة متكاملة من الإجراءات، وهي تشمل – ليس على سبيل الحصر – الآتي:
1) تعديل الدستور بما يتناسب مع متطلبات النظام الديمقراطي؛ والمواطنة المتساوية والمسئولة؛
2) مراجعة نظام حقوق الإنسان والحريات العامة في التشريعات الوطنية بما يتلاءم مع المواثيق الدولية؛ والالتزام والتطبيق والحماية لها؛
3) إقامة نظام برلماني؛ ونظام حكم محلي لا مركزي يضمن المشاركة العامة، والمشاركة في صنع القرار؛
4) تعزيز الدور الرقابي والمحاسبة والمساءلة في الدولة اليمنية المدنية الحديثة؛
5) إشراك كافة القوى السياسية والاجتماعية ومنها الشباب في صياغة السياسات العامة وتنفيذها والرقابة عليها؛
6) تعزيز حرية الإعلام وتعدده؛
7) حيادية الجيش واستقلاليته؛
8) أن تقوم المؤسسات السياسية بإعادة تكييف ذاتها وتجديد برامجها وهياكلها وأدواتها وآلياتها ومنهجياتها بما يتناسب مع متطلبات التغيير الديمقراطي.
9) تمكين الشباب سياسياً وتفعيل مشاركتهم ليلعبوا دوراً محورياً وأساسياً في العمل السياسي والحزبي والجماهيري بما يعزز قدراتهم وسلوكياتهم نحو المشاركة السياسية الفعالة؛ من خلال تسهيل تأسيس منظمات شبابية سواءً داخل الأحزاب أو خارجها، وتدعيم منظمات الشباب القائمة، وعلى الشباب إيجاد حلقات التواصل للتنسيق بينهم لضمان استمرارية التعاون والتواصل وبناء شبكات ضغط ومناصرة لتحقيق مطالبهم.
10) وضع خارطة طريق واضحة لتعزيز المشاركة العامة للشباب في الأحزاب السياسية والحياة المدنية من خلال تحسين البيئة المحيطة بعملية المشاركة السياسية من جانب، ومن خلال تبني رؤية تسعى إلى تخريج قيادات شبابية متميزة وتدفع بالشباب للعمل بفعالية في المجال العام الواقع بين الدولة والمجتمع.
4. على الأحزاب السياسية الاهتمام بالشباب وإشراكهم بالعملية السياسية في الإطار المؤسسي الحزبي، من خلال تشبيب القيادات، والحد من الوصاية والأبوية على الشباب، وإحداث تغيير في السياسات والآليات التي تشجع الشباب على المشاركة الفعالة سواء في منظمات المجتمع المدني أو في الأحزاب السياسية أو في مراكز القرار.
5. على مؤسسات المجتمع المدني ومنها الأحزاب السياسية العمل على تعزيز الثقة بينها وبين الشباب ومنظمات المجتمع المدني، وعليها أن تطور من أيدلوجيتها وتوسعها وتجديد برامجها وجعلها رحبة قادرة على استيعاب الشباب وتطلعاتهم، وبما يتواءم مع التطورات الجارية، ما لم فإن الشباب سيسعون إلى إيجاد اطر مؤسسية أخرى جديدة، وستكون هذه الأحزاب دون التطلعات وسوف تشيخ ولن تستطيع الاستمرار.
6. على منظمات المجتمع المدني تعزيز دور الشباب في المرحلة القادمة، وإشراكهم في عمليات صنع القرار والمشاركة في الشأن العام، سعياً لبناء النموذج المدني الديمقراطي؛ من خلال إشراكهم في صياغة السياسات العامة وتنفيذها والرقابة عليها، والعمل على الحد من البطالة في أوساط الشباب، حتى لا يعزف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة ويتحولوا إلى مشاريع تطرف من نوع أخر.
7. تعزيز العمل الإعلامي بما يرسخ مفاهيم الديمقراطية والتربية المدنية في بنية النظام وأوساط الشباب، فكلما زاد تدرج ديمقراطية النظام وترسخت الأسس المدنية في بنية المجتمع كلما اتسعت درجة المشاركة السياسية وتعزز إحساسهم بالمسؤولية وازداد إحساسهم بأنهم شركاء في إدارة الشأن العام الواقع بين الدولة والمجتمع.
8. ضرورة إيجاد قاعدة بيانات متكاملة عن مختلف الخصائص المتعلقة بفئة الشباب وإجراء الدراسات بشأنهم والعمل على معالجة مشاكله وتلبية مطالبه ليكون مشاركاً فاعلاً ليس في المجال السياسي فحسب بل وأيضا في المجال الاجتماعي والاقتصادي، وإشراكه في صناعة القرار وتحمل المسئولية كحافز على المزيد من الإسهام والتفاعل الخلاق مع قضايا المجتمع، مع زيادة وتوفير الآليات التوعوية الهادفة لتنمية مهاراته وزيادة قدراته.
9. وضع إستراتيجية خاصة بالشباب غير مرتبطة بإستراتيجية الطفولة تتضمن خطوات فاعلة وعملية لإدماج الشباب في العملية السياسية والتنموية والاقتصادية.
10. على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في استراتيجياته وبرامجه ودعمه ليكون للشعوب بدلاً من دعم الأنظمة التي تستعين بهذا الدعم لتقوية ترسانتها على الداخل، وأن يخصص جزء من هذا الدعم لتنمية الشباب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.