شهداء بينهم أطفال إثر غارات ليلية على غزة وتصنيف جباليا وبيت حانون "منكوبتين"    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    جماعة الحوثي تطلب تدخل هذا الطرف الدولي لوقف تصعيد الشرعية وقرارات "مركزي عدن"    ضربات هي الإعنف على الإطلاق.. صحيفة تكشف عن تغير أسلوب ''التحالف'' في التعامل مع الحوثيين    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    فضيحة حوثية تُثير موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي و تُهدد الاقتصاد (صورة)    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعثر الحوار الوطني وتأثيره على مستقبل اليمن
نشر في الوسط يوم 31 - 10 - 2013

جملة من المؤشرات المرتسمة على صفحة الافق الوطني لليمن تشير إلى حقيقة أن مؤتمر الحوار الوطني بمساره وفعالياته والتباينات والتنافرات وازمة الثقة بين قيادات مكوناته ومرجعياتها السياسية تشير إلى أنه يتجه حثيثاً نحو حائط مسدود وهذا المائل المتوقع ليس مفاجئاً بل كان مطروحاً ومتوقعاً منذ بدايته بالنظر إلى المرجعية السياسية والقانونية التي قام على أساسها ونقصد بها صيغة التسوية التوافقية كما حددتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وآليات ومعايير تركيبته ومكوناته المختلفة ونسب احجامها ومشاركتها فيه وكذا تصور مهامه وأهدافه.
وجوهر المشكلة التي القت وتلقي بتأثيراتها السلبية لا على صعيد مؤتمر الحوار الوطني ومساره فحسب بل تمتد لتمثل كل أوضاع البلاد العامة وشئونها تكمن من وجهة نظرنا في صيغة صفقة التسوية السياسية التي حددت معالمها وفصلتها المبادرة والآلية وقبلت بهما ووقعتهما كل من قيادات ورموز السلطة الحاكمة من جهة وقيادات تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارضة آنذاك وفيهما تم الإقرار بمنح السلطة الحاكمة التي ثار الشعب بملا يينه في ثورة شعبية سلمية عارمة لإسقاطها وقدم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى على مدى يزيد عن عام ونصف عام،شرعية سياسية وقانونية كانت تفتقدها أصلاً ثم تقاسم السلطة مناصفة بينها وبين قيادات احزاب اللقاء المشترك ومنح تلك السلطة الحاكمة برموزها وقيادتها وكل من عمل معها طول 33 عاماً حصانات وضمانات بقوانين ملزمة من أي ملاحقات أو مساءلات قانونية وجنائية تتعلق بجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان أو الأموال العامة وغير ذلك دون حدود أو سقف أو اشتراطات وتم تحييد الثورة بالالتفاف عليها واعتبارها كأنها لم تكن.
وهكذا وعلى أساس ما تضمنته صيغة أو صفقة التسوية السياسية المشار اليها آنفاً شُرع في إعادة بناء السلطة الحاكمة (الجديد-القديمة) على قاعدة المناصفة الكاملة بين الطرفين السياسيين الموقعين على صيغة التسوية وإن تحت شعار براق خادع فيما سمي بالوفاق الوطني!
وهنا بدأت تجليات المشكلة الجوهرية بسعي وحرص كل طرف من الطرفين المتعاقدين على تأكيد وفرض رؤيته واجندته وإرادته في كافة المجالات وتصاعدت حدة التباينات والتعارضات والمكايدات والضغوطات المتبادلة بينهما لينتج عنها إصابة سلطة الحكم بحالة من التعطيل والشلل ولم يستطع الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، أو أنه لم يشأ، استخدام حقه كمرجعية عليا للفصل في قضايا ومسائل الاختلاف بين الطرفين وفقاً لما نصت عليه المبادرة والآلية التنفيذية، علماً أن الآلية التنفيذية اعتبرت فوق كل الاعتبارات والنصوص الدستورية أو القانونية السائدة !واختار بدلاً عن ممارسة حقه المذكور والمتوافق عليه اللجوء إلى المساومات والإرضاءات والتسويات أي معالجة مشاكل التسوية الأساس بتسويات تلو تسويات وهو ما زاد الأوضاع السيئة اصلاً سوءً وتدهواً، ووسط هكذا أوضاع وفي ظل مناخاتها وأجوائها غير السوية أعلن مؤتمر الحوار الوطني وعكست تركيبته ومكوناته المشاركة في أعماله ذات صيغة المناصفة الشاملة بين الطرفين الموقعين على صيغة التسوية بشكل رئيسي مع إشراك قوى ومكونات أخرى خارج التسوية على نحو ثانوي في الغلب، وكان طبيعيا، والحال هذه، أن تنعكس عليه وتنتقل إليه ذات أسباب وعوامل حالة التنافر والصراع الذي أصاب تركيبه ومكونات السلطة الحاكمة من قبل حين ظل الطرفان الرئيسيان الموقعان على التسوية يسيران في اتجاهين متعارضين متنافرين ضد بعضهما البعض، هذا يتشبث ويصر على ضرورة الالتزام والتقيد بنصوص "المبادرة الآلية" حرفياً وبالكامل والتسلسل الوارد فيهما وذاك يريد ويسعى إلى التنصل والقفز على ما سبق أن قبل والتزم ووقع عليه، وفي جزء من هذا الأسلوب هدفه الضغط على الطرف الآخر وإجباره على تقديم تنازلات وثارت في أروقة المؤتمر ورد هامة مسائل مثل إلغاء الحصانات أو قصرها على من يعتزل العمل السياسي والعدالة الانتقالية وقانون العزل السياسي وأيضاً مسائل الحكم الرشيد وبناء الدولة الجديدة وغير ذلك من القضايا والمسائل التي قد لاتكون في بعضها أو معظمها مقصودة لذاتها بل كأدوات ضغط ومساومة تفاوضية الخ...
ولعل ما يثير الاستغراب هنا على سبيل المثال تصريح مبعوث الأمم المتحدة الشيخ جمال بن عمر اليوم بأن الأمم المتحدة لا توافق على الحصانات وعدم المحاكمة لانتهاكات حقوق الانسان ! وهذا المبدأ صحيح بناء على ميثاق ومعاهدات الأمم المتحدة لكن آلية المبادرة الخليجية التنفيذية المزمنة التي رعاها ووضع صيغتها المبعوث الأممي ووقع عليها مع الدول الراعية المبعوث الأممي يجعل الأمم المتحدة شريكة وموافقة على كامل نصوصها ومضامينها سواء أكان توقيعه عليها كطرف أو كراع أو كشاهد، وعلى اية حال فإننا نعتقد كمبدأ قانوني وأخلاقي وجوب التزام الطرفين المتعاقدين وتقيدهما والوفاء بكل العقود والمعاهدات والعهود التي قبلوا بها ووقعوا عليها وإلا اختل ميزان الحياة وفسدت شئونها، ولقد عبرنا معارضتنا ونبهنا ووضحنا ورجونا قادة أحزاب اللقاء المشترك عدم القبول بمبدأ الحصانات والضمانات المطلقة والمفتوحة وإن كان ولابد منها فعلى الأقل تمنح لمن يعلن ويلتزم باعتزال العمل السياسي نهائياً، كنا نصرح بهذا قبل التوقيع على المبادرة أولا وقبل التوقيع على الآلية التنفيذية ولكنهم أصموا آذانهم واتهمونا بالمزايدة وعدم الإحساس بالمسئولية أما وقد وقعوا عليها وقبلوا بها فلا مفر أمامهم من الوفاء بها والالتزام بمقتضياتها من الناحيتين الأخلاقية والقانونية وكذا الحال إزاء ما يسمى قانون العزل السياسي فنحن نعتقد من وجهة نظرنا ان مسألة العزل السياسي تتعارض وحقوق الانسان والمواطنة وجوهر الديمقراطية ،مالم يكن مبنياً على حكم قضائي بات وبصفة فردية وليست جماعية ذلك أننا نعتقد بأن قوانين العزل السياسي الجماعي إضافة للأسباب آنفة الذكر تدل وتؤكد ضمناً أو تصريحا بان النظام الجديد الناشئ عن ثورات أو حركات تغيير على انتقاص نظام سابق بائد لا يستند إلى شرعية شعبية غالبة وان النظام السابق المباد يملك ثقلاً شعبياً مؤيداً ومسانداً والاصل أنه مادام الجميع قد اختار وقبل بالديمقراطية وصناديق الانتخابات فليكن احتكامهم جميعاً إلى مقتضياتها ونتائجها الشعبية كما هي دون تدخل أو تأثير أو وصاية تحت أية ذريعة أو مبرر لأن أي قصور أو أخطاء للديمقراطية لا يمكن تقويمها وتصحيحها وترشيدها إلا بالديمقراطية ذاتها وبالمزيد والمزيد منها وليس بإفسادها..
وبالعودة الى مؤتمر الحوار الوطني ولماذا اتجه عدة مؤشرات إلى انه وصل إلى طريق مسدود، نقول إن جوهر المشكلة تكمن أساساً في أن الحوار الوطني قام في ظل وضع وطني مأزوم ومضطرب إلى حد خطير وأن القوى والأحزاب السياسية ومراكز القوى والنفوذ العسكرية والقبلية النافذة التي حددت معالم فكرته وغاياته وتحكمت في معايير واسس تركيبة وتكوينه وحجم ونسبة تمثيل مكوناته هي في الغالب جزء أساسي في المشكلة الوطنية وسبب لها، عامل تأجيج لنيرانها والحيلولة دون وضع الحلول والمعالجات الناجحة والجادة لها خدمة لأجندات وحسابات ومصالح خاصة بكل منها على حدة وهي في أوضاعها ومواقفها الراهنة ليست مؤهلة ولا راغبة في أن تكون جزءًا من الحل والخروج من الدوامة العاصفة، وتؤكد تجارب شعوب وأمم أخرى عبر العالم على حقيقة مستخلصة بأن اللجوء إلى فكرة "الحوار الوطني" إنما تجيئ عادة عقب قيام ثورات أو حركات تغيير شامل وجذري وانعطافات تاريخية كبرى أو عقب الحصول على حريتها واستقلالها الوطني الشامل تتمثل فيه تمثيلاً حقيقياً كافة القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والشخصيات الوطنية البارزة والزعماء الشعبيين وتحدد مهمته وغايته الاستراتيجية المحورية في رسم معالم وصياغة أسس ومضامين المشروع الوطني لبناء النظام والمجتمع الجديدين وصنع التقدم والازدهار والنهوض الحضاري، أي بناء المستقبل الزاهر الأفضل والأرغد حرية ورفاهية وعدلاً وكرامة ومنحه لصالح الشعب وأجياله القادمة ولم يحدث أن قامت مؤتمرات حوار وطني في ظل وتحت اجواء أوضاع متأزمة وصراعات داخلية وتفكك في النسيج الوطني وتحت رعاية وإدراة سلطات حكم تنازعهما وتعصف بهما صراعات وتنافسات أطرافها ومراكز القوى والنفوذ والهيمنة والفساد المتحكمة بزمامها والكابحة لأي نزوع إيجابي تغييري قد يراود بعض قادتها ورموزها لأن من شأن انعقاد مؤتمرات حوار وطني في ظل وتحت هيمنة وسطوة هكذا أوضاع غير سوية تحلت وتزينت بشعارات براقة وأهداف عظيمة لامتصاص السخط والغضب الشعبي ثم لا تلبث أن تذهب مع الريح.
إن نظرة سريعة لواقع البلاد وأوضاعها القائمة اليوم بعد أن شارفت فترة العامين على الاكتمال وهي مدة وعمر الفترة الانتقالية المحددة في المبادرة وآلياتها تبعث على القلق بل على الرعب حقيقة ولم تسطع سلطة الحكم الانتقالية الوفاقية أن تحقق شيئاً ملموساً وواقعياً من المهام والمسئوليات المناطة بها في المبادرة وآلياتها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية شبه متوقعة ومعدلات البطالة والفقر في ارتفاع دائم واوجه الفساد والفوضى والانفلات لايزال في حصن حصين والأمن والأمان والاستقرار شبه غائب ومسلسل الاغتيالات والصفيات الدموية للقادة العسكريين والأمنيين متواصل بشكل يومي وأعمال وجرائم التقطع والنهب والترويع تسير على قدم وساق وتتوسع أكثر وأكثر والخدمات العامة في المجتمع معطلة عموما والكهرباء وأنابيب النفط تخرب على نحو دائم غير منقطع الى حد اصبحت البلاد كلها تغرق في الظلام التام لساعات طويلة يومياً ووو الخ...
والأخطر والأفدح أثراً وتأثيراً من كل ما سبق تصاعد حدة القضية الجنوبية وتوسع نطاقها يوماً بعد يوم بين قوى جنوبية تشارك في الحوار وأخرى في الخارج وغيرها ناشطة في الداخل تطرح تصورات حلول ومعالجات متباينة في أبعادها ومراميها يقابلها مظاهرات حاشدة في عدن ومدن جنوبية أخرى يشارك فيها مئات الآلاف من شعب الجنوب بشكل متواصل مطلبها الوحيد ليس غير استعادة دولة الجنوب ،القضية الجنوبية هذه باتت تهدد الكيان الوطني برمته بالانهيار في ظل قصور وغيبة مساع وخطوات عملية جذرية وجادة وسريعة من قبل السلطة الحاكمة بالاظافة إلى مشكلة صعدة وتداعياتها التي وجدت نفسها مضطرة لإقامة تحالف بينها وبين القضية الجنوبية فيما يمكن تسميته بتحالف المظلومين أو المتهورين وما بين هاتين القضيتين مساحة واسعة من التفاعلات والململات وإرهاصات التمر سواء في منطقة "تهامة" او منطقة "الشرق" أو المنطقة الوسطى أو الهضبة الوسطى والواقع أنه طرح ما عرف بالنقاط العشرين ونقاط عشر فيما اتذكر مكملة لها وتم التوافق عليها في لجنة التواصل والإعداد والأولي لمؤتمر الحوار الوطني قبل تشكيله النهائي تتعلق اساساً بمعالجات وحلول تمهيدية محددة لحل القضية الجنوبية وايضا مشكلة صعدة ولعل أكثر ما يثير الدهشة والاستغراب اننا لا نجد سبباً او مبررا وجيها ومعقولا لتقاعس السلطة الحاكمة ومماطلتها وتهربها عن تنفيذ تلك النقاط ! إذ المؤكد والثابت أنه لو تم تنفيذها بجدية وإرادة صادقة وعلى أرض الواقع لكانت أسهمت إسهاما كبيراً في تبرير وتهدئة غليان القضية الجنوبية وأوقفت تصاعدها واستفحالها وخلقت البيئة الملائمة والظروف المساعدة للوصول إلى توافق وطني عام حول صيغة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والرشيدة وكذا الحال بالنسبة لمشكلة صعدة إضافة إلى تهدئة تململات وغليان الغرب والشرق والوسط في نفس الوقت والأمَر من ذلك التقاعس والمماطلة هو تعرض مهندس تلك النقاط الدكتور ياسين سعيد نعمان لمحاولة اغتيال كانت رسالة تحذير وتخويف واضحة في مراميها ومخططيها ! والخلاصة التي يمكننا استخلاصها من كل ما سبق ذكره هي ماذا عساه أن يفعل مؤتمر الحوار الوطني وحال البلاد والعباد ما شرحناه وفصلناه آنفاً؟ وحتى لو افترضنا توافقه على إعلان مشروع مخرجاته ونتائجه كاملة فأين هي آليات وضمانات تنفيذها وتطبيقها عمليا على أرض الواقع..
والحقيقة البارزة التي يجب على الجميع الاعتراف بها وإدراكها أن البلد تعيش داخل دوامة مأزق وطني بالغ الخطورة والحساسية، ليس بمقدور معالجات واجراءات روتينية ترفيعيه تسكينيه سطحية تجاوزه والخروج من دوامته بل باتت تطلب حلولا ومعالجات ثورية جذرية شاملة غير تقليدية، وهذه لن تأتي إلا عبر ومن خلال خطوتين استراتيجيتين هما:
الخطوة الاولى: أن يتحلى الجميع، وأقصد بهم الذين يشكلون اليوم السلطة الحاكمة بمختلف مستوياتها، بالشجاعة الكاملة والمسئولية التامة ويتفقوا على تفعيل وإنقاذ مبدأ الحصانات والضمانات من عدم المساءلة والملاحقة القضائية لكل الذين عملوا مع سلطة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح طوال أكثر من ثلاثة عقود على شرط اعتزالهم العمل السياسي نهائيا على أن يشمل ذلك الجميع بدون استثناء او انتقاء وإحالة من لم يعتزل إلى المساءلة والمحاكمة. إن هذه الخطوة بالغة الاهمية والأثر لأنها ستزيح عن الطريق كل الذين يعرقلون مسيرة بناء الدولة الحديثة واليمن الجديد ويعيقون التغيير والاصلاحات الشاملة، وستفتح المجال أمام قيادات جديدة شابه ومؤهلة ونزيه لقيادة المسيرة الوطنية لشعبنا اليمني وصنع اليمن والمستقبل الجيد المشرق الوضاء.
الخطوة الثانية" الإسراع في إجراء استفتاء شعبي نزيه ومحايد وشفاف لشعب الجنوب بمحافظاته الست التي كانت قائمة قبل 22 مايو 1990م ليقرر مصيره بالبقاء ضمن إطار دولة وحدة يمنية اتحادية جديدة أو باستعادة دولته المستقلة مجددا وانتخاب جمعية تأسيسية تمثله وتعبر عنه وفي نفس الوقت إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تمثل الشمال وتعبر عنه بحيث تتولى الجمعيتان التفاوض الندي حول أسس ومقومات وطبيعة الدولة الاتحادية الجديدة في حالة اختار ذلك شعب الجنوب في الاستفتاء أو التفاوض على فك الارتباط وتلبية رغبة الشعب الجنوب باستعادة دولته إن اختار استعادتها وذلك من خلال هيئات وممثلين منتخبين انتخاباً حرا ومباشراً من الشعب في الجنوب والشمال معاً، وهذا إجراء قانوني وديمقراطي لن يكون محل جدال يحسم ادعاء المدعين بتمثيل الشعب والتعبير عنه في الجنوب والشمال بدون وجه حق ..وبالتالي تصبح مشروع الدولة الاتحادية الجديدة محل حوار وطني حقيقي وذي شرعية شعبية أو يصبح فك الارتباط واستعادة الجنوب لدولته هو الآخر شرعياً وديمقراطياً من خلال هيئات وممثلين منتخبين ديمقراطياً وشعبياً.
وفي اعتقادنا في أقصى درجات التجرد الموضوعي الممكن بأنه في ظل تدهور الاوضاع العامة للبلاد المتجه حثيثاً نحو الانهيار الشامل وفي ظل سلطة حاكمة عاجزة ومعطله ومشلولة أثبتت على مدى العامين الماضيين فشلها وافتقادها لأية رؤية أو مشروع وطني للتغيير والاصلاح وعدم امتلاكها للقوة والإرادة والتصميم على النهوض بمهامها ومسئوليتها الوطنية في قيادة مسيرة البلاد نحو أهدافها المشروعة كما يريدها الشعب فإنه لا أمل يرتجى ولا حلاً ممكنا وناجحاً ولا خروج من دوامة مأزقنا الوطني العاصف إلا من خلال هاتين الخطوتين الاستراتيجية الرئيسيتين اللتين يمكن بلورتهما في برنامج إنقاذ وطني محدد المعالم والاهداف والوسائل الموصلة اليه بعيداً عن الوقوع في متاهات الإسهاب والتفصيل والتطويل الذي عادة ما يحجب ويغيب عظمة ونيل الاهداف العليا الواضحة والذي يدخل الجماهير الواسعة في ضبابية الغموض والتوهان ويصرفها عن تأييده والالتفاف حوله ومناصرته والانتصار له اذ كلما كان الهدف محدداً وواضحاً ومختصراً كلما حملته الجماهير ودافعت عنه والتفت حوله نضالا وتضحية ..
وبهاتين الخطوتين الاستراتيجيتين الرئيسيتين يمكننا انقاذ وطننا وإعادة صنع حياتنا ومستقبلنا الوطني بآفاقه وتطلعاته الرحبة والتواقة..
والله تعالى وحده الموفق والهادي والغالب على أمره
عبدالله سلام الحكيمي
بريطانيا-شيفلد 13/اكتوبر 2013م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.