الموضوع الذي نشر الأسبوع الماضي بعنوان "ألغاز الصحافة" لم يكن معدا للنشر، وكنت أنوي حينها الكتابة حول التربية المبكرة؛ لسببين، أولهما: ما أصبحنا نراه من تصرفات وسلوك وتعامل الكثير وخاصة الشباب، رجال ونساء المستقبل. وثانيهما: الخبر المنشور في الصحف منتصف يناير الماضي حول دعوة مجلس الشورى إلى العناية بمرحلة التربية المبكرة. لكني بعد إعادة قراءة الخبر المنشور في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية الصحفية وجدت أنه "سمك لبن تمر هندي" كما يقول أهل مصر. والمعروف أن صياغة الخبر هي الطبق الذي تقدم به مادة الخبر. وقد يفتح الطبق شهيتك وقد يسدها. ولم أستطع تناول تلك الوجبة، ففضلت تأجيل الحديث عن التربية، وتناول ما يظهر في صحافتنا من ألغاز وغموض في بعض أخبارها ومقالاتها. وأنا أعيد ترتيب أوراقي للحديث حول التربية المبكرة عدت لقراءة الخبر من جديد، فوجدته يخلط بين مفهومي "التربية" و"التعليم"، فيضع الأول مكان الثاني، ويلبس الثاني (كوفية) الأول. وبالرغم من التلازم الضروري بين عمليتي التربية والتعليم، فإن لكل عملية مهامها وأهدافها وأهميتها الخاصة بها، وإلا فكيف نحدث الناس عن أمور وقضايا لم تتضح لنا حقيقة معانيها وطبيعة مهامها. والأمر غير قاصر على التربية والتعليم طبعا، فنجده في كثير مما يتم نشره. وهكذا أجلت ثانية الحديث عن التربية المبكرة, لأستكمل الحديث عما يجري في صحافتنا من أخطاء وسلبيات قد يعرفها الكثير ولا يصدق أنها مازالت تظهر في صحافتنا بعد مضي أكثر من نصف قرن على انتشارها. وأعتقد أن سبب ذلك القصور هو لا مبالاة تلك الصحف وكأنها تريد أن ينطبق علينا المثل القائل: "كله عند العرب صابون". استمرار هذه السلبيات وعدم وضع حد لها قد يعود إلى أن كثيرا من الصحف لم يعد لها تلك اللجنة الخاصة بمراجعة ما نشر في الصحيفة في يوم صدورها وتسجيل الأخطاء, وعقد اجتماع هيئة التحرير صباح اليوم التالي لتوزيع المهام الجديدة ولكن بعد مناقشة أخطاء اليوم السابق وتنبيه المخطئين كي لا تتكرر الأخطاء أو غيرها, ثم نشر التصحيحات في العدد الجديد مع الاعتذار للقراء. هذا العمل المؤسسي الكاشف للثغرات والعمل على سدها والتمسك بصحة ما ينشر والمحافظة على مصداقية الصحيفة هو من عوامل تطورها, وتعزيز ثقة القراء بها؛ هذه الثقة التي هي أعز وأغلى وأكبر رأسمال للصحيفة. قديما كانت الصحف مرجعا ودليلا على صحة ما يحدث، وكان الناس يقولون: "أكيد لقد تم نشره في الصحف!", لا كما نسمعهم الآن كثيرا يقولون: "لا تصدق؛ هذا كلام جرايد!".