يتعرض أمن البحر الأحمر لأكبر تهديد استراتيجي منذ أمد بعيد. وبدأ أكبر هذه التحديات بانهيار الدولة الصومالية مطلع التسعينات، وازداد بالحرب الإريترية الإثيوبية وما نتج عنها من صراع سياسي متواصل بين البلدين. واختتم الآن بحركة الحوثيين في اليمن التي تقاطعت مع الحدثين الأولين بصلات مصلحية؛ لأن هذه الحركة المتمردة تستعين بمرتزقة صوماليين وإثيوبيين تائهين ويائسين، وفي نفس الوقت تحصل على الأسلحة عبر خط بحري يمر عبر إريتريا كما تردد التقارير الإعلامية رغم نفي أسمرة. شكل البحر الأحمر منذ أقدم العهود حلقة رئيسة من حلقات الاتصال ثم الصراع بين الغرب والشرق، فقد كان العرب جسراً لتجارة البهارات من آسيا إلى نبلاء أوروبا. وكان البحر الأحمر يمثل خيارا من خيارات نقل التجارة مرادفاً للخليج الذي كان معبرا لتجارة الهند إلى البصرة ثم يافا. وشكلت الغزوات الفارسية لموانئ اليمن وتدهور الأمن في الإقليم، دافعا من دوافع اكتشاف البرتغاليين لرأس الرجاء الصالح في نهاية القرن الخامس عشر. هذه الأحداث وما تبعها تؤكد على الطبيعة الدولية الهامة التي يمثلها البحر الأحمر. ولذا فإن أحداث القرصنة الصومالية استدعت أساطيل دول كبرى وإقليمية. غير أن حرب الحوثيين تشكل التهديد الرئيس للأمن والاستقرار الإقليمي الآخذين بالتدهور الدراماتيكي، لأن سياسات حكومات المنطقة تتسم بالتخبط وعدم البصيرة. ومن الأمثلة على ذلك التدخل الإثيوبي في الصومال الذي أنتج حركة الشباب المؤمن ثم القرصنة. وكذلك تساهل الحكومة اليمنية تجاه تسلح الحركات السياسية المحلية، والنزعة الانتقامية عند حكومة إريتريا بتحالفها مع القوى المتمردة ومموليها. وإذا لم تتدارك الدول المطلة على البحر الأحمر الأمر وتتعاون لمواجهة التحديات فإنه لا مناص من تدويل الأزمة.