لأول مرة ، منذ إنتاج القضية الجنوبية، بالتحالف الاستراتيجي الذي حكم العلاقة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح في الفترة من 19901997م ، يقدم الحزبان رؤية كل منهما لجذور القضية وفي مضمون كلا الرؤيتين تطغى لغة المكايدة بينهما والهروب من وجه القضية إلى تاريخها البعيد قبل قيام دولة الوحدة في الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م. بيد أن رؤية حليفي الحرب والنصر للقضية الجنوبية اقتصرت على جانب منها هو الجذور التاريخية ، وفي ذلك توحد الطرفان على تحميل التاريخ الشطري للجنوب جل المسئولية عن نشأة القضية الجنوبية، وإن كانت رؤية المؤتمر قد قدمت تعريفاً لها جاء فضفاضاً وعائماً وخالياً من الإشارة إلى مسارها الذي ابتدأ بدعوة الاشتراكيين إلى إصلاح مسار الوحدة ومعالجة آثار حرب صيف العام 1994م، وانتهى إلى المطالبة بفك الارتباط وتقرير المصير. توحدت الرؤيتان على تجنب أي إشارة لجذور القضية الجنوبية في دولة الوحدة خلال الأعوام 90 1994م، وإن كانت رؤية المؤتمر قد أشارت إليها من باب إدانة حليفها حزب الإصلاح ، ومع ذلك، فإن الرؤيتين ، وخاصة رؤية الإصلاح قد تجاهلتا، التحالف الذي جمعهما للتخلص من الشريك الوحدوي ومن اتفاقيات الوحدة ، حسب مذكرات الشيخ الأحمر، وإن كانت رؤية المؤتمر قد أشارت إلى الاغتيالات وغمزت من تورط الإصلاح في بعضها وبالتالي، يترتب على الرؤيتين لجذور القضية الجنوبية، تاريخاً مليئاً بخطايا الحليفين في دولة الوحدة وليس قبلها. إن الجذر التاريخي للقضية الجنوبية ، ينغرس في الفترة الانتقالية وأزمتها التي قادت إلى حرب صيف العام 1994م وإلى نتائجها الكارثية، لذا فإنها عند الحامل السياسي والاجتماعي داخل الجنوب وخارجه قضية الدولة التي لم تتوحد مع الشمال، وتحول اندماجها مع الشريك الشمالي إلى ضم وإلحاق ، وهذا جذر لا علاقة له بأحداث ما قبل الوحدة في الجنوب، وإن كانت استراتيجية حلف المؤتمر والإصلاح ، قد عملت على توظيفه لصالح مساعيها لإقصاء الشريك الجنوبي وتحويله إلى موظف، حسب رؤية الإصلاح ، التي استعارت الكثير مما جاء في رؤية الإنقاذ الصادرة عن المشترك في العام 2009م رؤية الإصلاح تحاول الهروب من وجه خطاياها في تاريخ دولة الوحدة، إلى مبررات منطقية في الواقع السياسي والاجتماعي لدولة الجنوب، دون أن تشير إلى استهداف هذا الواقع من قبل الحليفين أولاً، من خلال عرقلة تنفيذ اتفاقيات الوحدة، وثانياً من خلال تجاهل الحليفين لهذه الاتفاقيات وواقعها بعد نهاية حرب صيف العام 1994م، ولهذا تبدو العبارات الإنشائية المقتبسة من رؤية الإنقاذ مفيدة في إدانة حليف الإصلاح في الأزمة والحرب، غير أنها غير ذات صلة بجذور القضية الجنوبية ، هنا كان الإصلاح والمؤتمر، يهربان من وجه مسئوليتهما التاريخية عن جذور القضية الجنوبية إلى الجنوب المثقل بخطايا تحالفهما ضد دولة الوحدة في الشمال والجنوب معاً. تعديل دستور الوحدة المستفتى عليه ، كان استمراراً لتحالف الأزمة والحرب بين المؤتمر والإصلاح ، وهو تعديل شرع للاستبداد والاستفراد وكان الإصلاح حينها يعتبره نصراً ضحى من أجله الحزب بحقه في عضوية مجلس الرئاسة ، غير أن الحزب وهو يشير في رؤيته إلى بيان مؤتمره العام الأول “ الدورة الأولى” في 24 سبتمبر1994م، تجاهل خلو البيان من أية دعوة للمصالحة والشراكة ، وتنفيذ اتفاقيات الوحدة، أو مراعاة مواطني الجنوب عند نهب وتدمير مؤسسات دولة الشطر الجنوبي سابقاً، ألم يشارك الإصلاح حينها بالاستيلاء على بعض تلك المؤسسات ، كمقرات الحزب الاشتراكي مثلاً؟. إن التاريخ المشهود للقضية الجنوبية لا يترك أي مجال او فرصة للمسئولين عن إنتاجها مضاعفة تعقيداتها للهروب من وجه هذه المسئولية، وعلى حليفي الأزمة والحرب ، مراجعة رؤيتهما لجذور القضية الجنوبية، والتزام الصدق مع النفس قبل الغير في الكشف عن المعلوم والمكتوم من تفاصيل التآمر على دولة الوحدة وعلى الشريك الجنوبي في بنائها الذي لم يتم قبل الحرب ولا بعدها، ومهما كانت وجاهة المتغيرات في مسار العلاقة بين الحليفين، فإن محاولة كل منهما تحميل الآخر ما هما شريكان في المسئولية عنه، لن يخدم عدالة القضية كما لن يحقق لهما أو لأحدهما مصلحة على حساب الآخر. يبدو واضحاً، أن حلف المؤتمر والإصلاح قام على أسس مشبوهة ، لذلك يتبرأ منه الحليفان ، ويهربان من تحمل المسئولية المشتركة عن صناعة تلك النتائج التي فشلت في بناء دولة الوحدة بعد الحرب، وحولت مشروعها الديمقراطي إلى عصبوية أطاحت بالشراكة الوطنية وكرست الاستئثار بالسلطة والثروة، وهنا نبدأ التعثر في طريق الحلول ، لأن تفسير الأزمة يعبر عن ذات المكايدات التي صنعتها، وللحديث بقية.