لقد يسر الله لي أن أزور بعض المؤسسات الشبابية التي بدأت بالتكّون والتشكل داخل النسيج الحضرمي, والتي خطت لنفسها طريقا ونهجا يرتكز على خدمة الشباب في المجالات التطويرية والتنموية, بغية إخراج شباب مؤهل تأهيلا جيدا يحمل رسالة مجتمعية واعية, مؤمنة أن نهضة ورقي المجتمع يرتكز على شباب مثقف واعي تقوم على أكتافه هذه النهضة ويكون هو ركيزتها الأساسية, فرأيت أعمالا وإن كانت في بداية مشوارها إلا أنها تبشر بخير وتدل على رغبة جامحة في خدمة دينهم وأمتهم ومجتمعهم, ولكن أعظم ما رأيت في زياراتي تلك, همما وعزائم خلف تلك الأعمال تتحطم أمامها الجبال الصم, وتُذل تحت عزيمتها هامة المستحيل الصعب. ومع ندرة المعينات وشحة المحفزات المادية وقلة الكادر المؤهل الجاهز ووفرة المعيقات والعقبات والصعاب التي باتت تشكل حاجزا نكدا, إلا أن الهمة التي يتميز بها أولئك الفتية إضافة إلى روح المبادرة والتغيير, جعل هؤلاء الشباب يسترخصون كل غالي ويستسهلون كل صعب, منطلقين نحو مقاصدهم وأهدافهم عازمين على تخطي نقطة البداية مشمرين عن سواعدهم باذلين أقصى طاقاتهم ليبرهنوا لنا أن قلة الإمكانات وندرتها ليست عائقا كبيرا دون تحقيق المراد, وأن من أراد النجاح لابد أن يخوض غمار المشاق والتضحيات, ولابد من مواجهة التحديات بنفس عصامية لا تعرف الخور والكسل. أؤلئك الشباب لم ينتظروا الظروف تهيئ لهم قاعدة ميسرة وسهلة لينطلقوا من خلالها لعالم الإبداع, ولم ينتظروا إرثا غيبيا يغيثهم ليبدؤوا رحلة تفجير الطاقات, ولم ينتظروا رحمة شاملة من رأس المال الحضرمي المبعثر في الخليج والشرق الآسيوي والقرن الأفريقي لتمدهم وتعينهم, حالهم كحال ذلك الصحابي الشاب الثري مصعب بن عمير؛ عندما استعصى عليه المال أن يكون معه معينا له في خدمة هدفه ورسالته, أدار ذلك الشاب ظهره له وشق طريقه. هي مؤسسات وليدة غضة طرية, بدأت تشب في وقت تغافل عنها الكبار, وانشغلوا برأس الهرم وتصارعوا وتنازعوا عليه, ولم يجمعهم شمل ويلمهم جمع, ولم توحدهم مصلحة عامة, حرص الشباب في عهد صراع الزعامات على أن تكون بصمتهم حاضرة, وأن يحجزوا لهم مكانا بين الكبار, مؤمنون أن من لم يدرك بداية الطريق سيأتي لاحقا, حرصوا على استقلالية خيارهم لتكون عباءتهم تسع كل شباب حضرموت, حددوا منطلقهم وقصدهم ورغبتهم وجعلوا تعاليم دينهم نبراسا لهم في ظلمات الطريق, فكانت بدايتهم موفقة. تلك المؤسسات بحاجة لكل أنواع المحفزات المادية والمعنوية, بحاجة لأن تلتفت لهم السلطة التفاتة الأب لابنه, بحاجة لكل قلم وعدسة وصوت وفتوى ومنبر وناد ومنتدى يعينهم على بلوغ هدفهم وأداء رسالتهم, بحاجة لكل ذلك, ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.