هو حدث مهم ومؤثر ومؤسس لمن يجيد قراءته، وقد يكون عاديا وبسيطا أو حتى هامشيا لمن لا يغوص في أعماقه وأبعاده.. والحدث الذي أقصده هو الاتفاق بين الدوحة وصنعاء على أن تستقدم دولة قطر العمالة اليمنية من خلال عقد نموذجي تم التوقيع عليه أمس الأول الثلاثاء. الخطوة القطرية تحمل في طياتها معاني عدة، منها التضامن الفعلي مع الشعب اليمني في مواجهة الظروف الحالية، والإيمان بضرورة التكامل القومي، واستفادة الأقطار العربية من تجارب وإمكانات بعضها البعض، وإعطاء الأسبقية في أسواق العمالة إلى مهارات الأشقاء ممّن ينتمون إلى أقطار تعاني من ارتفاع نسبة البطالة. والواقع أن دولة قطر استطاعت، منذ أن آلت مقاليد حكمها إلى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أن تتحول إلى قطب اقتصادي وثقافي وإعلامي قوي ومؤثر في المنطقة العربية، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، وإلى بلد متحرك في اتجاه المستقبل، ومتمكن من آليات الفعل الإستراتيجي، ومن القدرة على المبادرة والإتيان بالجديد عبر رؤية تقدمية متوازنة ينتجها عقل سياسي واع بمختلف التحولات والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية قوميا وإقليميا وعالميا. وما الخطوة القطرية نحو اليمن إلا انسجام واقعي ومنطقي وعقلاني وحكيم مع طبيعة الإنتماء الواحد والإرث المشترك، والتحديات التي لا تواجه القيادة والشعب اليمنيين فحسب، وإنما تمس الإقليمي بأسره والأمة قاطبة. وما نطمح فيه ونرنو إليه هو أن يسير قادة الدول العربية الخليجية على خطى القيادة القطرية، وأن يكون لهم نفس الوعي القطري بأن أي شر يصيب أية ساحة عربية إنما يهدد الوطن الكبير بأسره. وخلال السنوات الماضية، استطاعت الدوحة أن تلعب دورا أساسيا في تطويق أزمات لبنانية وفلسطينية وسودانية وغيرها، وأن تحافظ على علاقات متوازنة مع كثير من الأطراف المتناقضة في الدولة، تساعدها على لعب دور الوسيط المقنع؛ كما عرفت بأدوار متميزة في التوفيق بين الفرقاء، وفي استقطاب الكفاءات العربية، وفي مد يد المساعدة لمن يستحقها، وفي الاستثمار الجدي في الأقطار الشقيقة، وفي دعم كل مجهود حقيقي لإطفاء الحرائق على امتداد خارطة الوطن العربي.. إن دولة قطر ليست أكثر ثراء من السعودية ولا أكبر حجما من مصر، ولكنها اليوم أكثر تأثيرا منهما، والسبب أنها أكثر حركية وديناميكية، وأكثر تحررا في اتخاذ القرار المناسب والمبادرة الواعية، مثل تلك المتعلقة باستقدام العمالة اليمنية إلى دوحة العروبة الوارفة.. ولأن أول الغيث "قطر"، نرجو أن ينهمر أكثر في اتجاه المصلحة القومية، وأن تحذو حذوه بقية الأقطار الأخرى التي تستطيع فعل الكثير.. ولكن يبدو أنها لا تريد.. ربما لأنها لا تقرأ التاريخ، وربما لأنها متعودة على إهمال الجغرافيا!. نقلا عن موقع العرب اليوم * كاتب صحفي وشاعر من تونس